الرئيسيةأعداد المجلة تفاصيل الدراسة

ثقافة الشباب فى المجتمع السعودى بين إدراك الحاضر وتوقعات المستقبل (دراسة كيفية على طلاب وطالبات جامعة طيبة)

ملخص البحث
لم تكن منطقة الخليج بمنأى عن تلك التأثيرات المصاحبة لظاهرة العولمة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، والتى كانت بمثابة موجة ثانية من التحولات التى شهدتها المنطقة بعد ثورة النفط التى بدأت معها المجتمعات الخليجية عملية التحديث على مستوى البنية التحتية كما أفادت بعض الدراسات،وكانت من بينهم المملكة العربية السعودية التى كان استقلالها وتوحدها منذ عام  1932.
        وترصد هذه الدراسات نمط ومستوى تلك التحولات على العديد من المفردات كالقبيلة والعائلة والوضع الطبقى ونوعية الحياة والنشاط الاقتصادى والحالة الديموغرافية، والهوية الثقافية، لتظهر حجم الإرباكات، وأحياناً التناقضات الاجتماعية والثقافية التى نجمت عن دخول مجتمعات الخليج السريع والقوى للعولمة، والآثار التى أحدثتها ولازالت.
ولا شك أن فئة الشباب غالباً ما تكون من أكثر الفئات تأثراً بالتحولات المجتمعية، وأكثر الفئات تعبيراً عن حالة القلق والارتباك المصاحبة لتلك التحولات، الأمر الذى يجعل من رصد ودراسة ثقافتهم، أو رؤاهم بشأن ما يحيط بهم، وما يتوقعونه أو يأملونه، محط أنظار العلوم الإنسانية على اختلاف زوايا الرصد.
        وأى دراسة لواقع الشباب فى منطقة الخليج لا يمكنها تجاهل آثار التحولات التى خلفتها ظاهرة العولمة بشقيها الاقتصادى والفكرى، والتى أفرزت ظواهر حياتية جديدة، كما أثرت بشكل أو آخر فى نمط وطبيعة الحياة القائمة. هذه التحولات التى ربما يكون من أبرزها تزايد معدلات الانفتاح على العالم الخارجي، وتعدد شبكات العلاقات بالمجتمعات الأخرى، بما يجعل اتجاهات التغير الاجتماعي متباينة، ومؤثرة ومنعكسة في تباين اتجاهات الشباب إزاء الحاضر والمستقبل وتعد فترة الشباب أكثر مراحل العمر تأثراً بالتغيرات الاجتماعية السريعة التي تطرح خيارات عديدة فيما يتعلق بالالتزام بالحاضر والمستقبل، كما أن هذه التغيرات تعمل على وضع الشباب في موقع يشعرهم بأن المجتمع الذي ينتمون إليه، لا يمنحهم التوجيه الملائم للاختيار السليم، وذلك نتاج لتغير المعايير، وغموض الأدوار الجديدة، وارتفاع معدلات الحراك الاجتماعي والجغرافي، والتحولات التي تطرأ على سلطة الكبار بعد أن أصبحت خبراتهم غير ملائمة للمواقف الجديدة، إلى جانب المكانة التى أصبح يشغلها الشباب في المجتمع المتغير.       
      ويمكن القول بأن ما وفرته مناهج البحث الكيفى من أدوات ومداخل (ومنها المدخل الإثنوجرافى) تتيح للباحث القدرة على النفاذ إلى عمق الظواهر موضوع الدراسة من خلال الغوص فى أعماق الأطراف الفاعلة والمشاركة فيها، وهو ما يغرى باعتماد هذه الأدوات والمداخل عند التصدى لقضايا ومشكلات الشباب، بما يتيح لهؤلاء فرصة التعبير عن ذواتهم وطرح تصوراتهم ومدركاتهم، وتوصيل أصواتهم إلى عالم الكبار.
وقد عنيت هذه الدراسة بثقافة الشباب داخل المملكة العربية السعودية – من خلال طلاب وطالبات جامعة طيبة بالمدينة المنورة كأنموذج – سعياً لرصد وتحليل سبل تفاعل هؤلاء مع تحولات المجتمع السعودى وتلمس الواقع كما يدركه ويفهمه ويسلك نحوه هؤلاء الشباب، وذلك بالغوص فى عالمهم كما يرونه ويحكمون عليه ويمارسونه، والكشف عما  يختزنونه من أفكار وقيم ومبادئ وقواعد تحكم أفعالهم وردود أفعالهم تجاه حاضرهم وما يشهده من تحولات، والتأهب لمستقبلهم بما يكتنفه من تحديات.
والدراسة الحالية تتلاقى مع دراسة كمال نجيب عن "ثقافة الشباب المصرى" فى استخدام المعالجة الكيفية، وفى الغاية وهى دراسة ثقافة الشباب، بل واختارت ضمن محاورها بعض محاور نفس هذه الدراسة وهى ثقافة النظام التعليمى، والتنشئة داخل الأسرة، والحياة اليومية، بالتالى يمكن اعتبار ما تسفر عنه هذه الدراسة من نتائج بمثابة خطوة تضاف لخطوة  نجيب، قد تتلوها خطوات من داخل أقطار عربية أخرى، فى سبيل السعى لوضع خريطة لثقافات الشباب العربى، يمكن من خلالها الوقوف على المشترك والخاص بين عناصرها.
ويمكن بلورة السؤال الرئيس للبحث على النحو التالى:
-  ما ثقافة شباب المملكة السعودية والتى تشكلها  كيفية إدراكهم  للواقع  بمتغيراته، وتصوغها توقعاتهم بشأن المستقبل، وكيف تأثرت هذه الثقافة بتحولات ظاهرة العولمة؟
 - سؤال قد تتحدد إجابته من خلال الوقوف على رؤى الشباب السعودى -  ممثلاً فى عينة الدراسة-  بالنسبة لواقع ومستقبل المتغيرات  التالية:
  • ثقافة النظام التعليمى؟
  • آليات التنشئة داخل الأسرة؟
  • أولويات حياتهم اليومية؟
  • التحولات الاقتصادية؟
  • قبول الآخر؟
  • ثورة الاتصالات والإعلام؟
وبعد رصد التحولات المجتمعية التى أصابت المجتمع السعودى، تم الانتقال إلى الميدان وبعد انتقاء عينة الدراسة المكونة من عشرين طالباً، وعشرة طالبات، تم تنظيم اللقاءات معهم إما فرادى أحياناً، أو في جماعات، وقامت بعقد  المناقشات مع الطالبات الدكتورة فوزية  إبراهيم دمياطي أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة طيبة، ودارت هذه اللقاءات خلال الفصل الدراسى الثانى (شهور فبراير، مارس، أبريل، ونصف مايو 2010) بهدف الكشف عن مضامين ثقافة الشباب فيما يتعلق بالمتغيرات سالفة الذكر.
  • حول آليات التعبير عن الرأى عند الشباب:
ربما تكون هذه الملاحظات مؤشراً لنمط تفكير الشباب السعودى، وما يواجهه من صعوبات تتعلق بآليات التعبير عن الرأى، والتى ربما تكون صعوبات يواجهها معظم الشباب العربى، وهى صعوبات تتداخل فى تشكيلها المؤثرات التعليمية والثقافية والاجتماعية،  ويمكن رصد أبرز هذه الملاحظات على النحو التالى:
  • التوحد بين الثقافى والدينى داخل ما يطرحه الشباب من مضامين ورؤى تتعلق بمحاور النقاش، وبخاصة ما يتصل بالقضايا الاجتماعية، بما أضفى على الكثير من جوانب الممارسات المجتمعية قداسةً لديهم، كوضع المرأة وكيفية التعامل معها وطبيعة مكانتها وأدوارها، ومثل بعض الظواهر الاجتماعية كتعدد الزوجات وزواج القصر وعلاقة الصغار بالكبار....الخ.
  • كثير من أفراد العينة يبدون تحفظاً شديداً فى الرد على التساؤلات، وكثيرون تعثروا فى فهم المراد منها، ربما استغراباً لطبيعتها، أو لهيمنة تصورات حول "ما ينبغى أن يدور من حوار بين الأستاذ وطلابه" ليس من بينه الخوض فيما يتصوره الشباب أموراً خاصة، يقول واحد منهم "ما علاقة هذا ببحث علمى يا دكتور؟" وقد يفسر ذلك الفصام القائم بين مؤسسات التعليم العربية وحياة منتسبيها من الشباب، ويصبح الشاب كأنه ينتقل من حياة لها مفرداتها الخاصة خارج الجامعة، والحياة داخل الجامعة بمفرداتها الخاصة كذلك، يؤيد هذا الفرض حالة الصمت التى تنتاب الطلاب فى قاعات الدرس والعزوف عن الخوض فى نقاشات عامة تشتبك مع ما يطرحه المحاضر.
  • كثيرون من الطلاب كانوا أميل إلى الإجابات شديدة التجريد والعمومية فيما يشبه التكاسل عن الإطناب، والاستسلام لإغراء الأكليشيهات التقليدية المريحة والقاطعة مثل "زين..تمام... جيدة...سيئة..الخ" وكأنه تعبير عن حالة رضا عام عن كل ما حوله، والغريب أن تفاصيل الحوار وتعليقاته تعكس تململاً من بعض الأمور لكنه آثر كتمانها، وهو أمر شائع فى ثقافتنا العربية أن نعلن داخل المواقف الرسمية ما ننقضه فى الجلسات الخاصة التى يتجرد فيها المواطن من كل تحفظاته ومخاوفه.
  • لوحظ تردد الكثير من أفراد العينة فى طرح الإجابات حول التساؤلات الموجهة لهم، وترقب الحكم على ما يقولون، ويتصور بعض منهم أن هناك إجابات نموذجية ينبغى أن تقال، وأن آراءهم يمكن أن تخضع لمعيار الصواب والخطأ، وهى عادة تعليمية ورثها شبابنا العربى من النظام التعليمى القائم على مبدأ "الإجابة النموذجية والحل الوحيد" للسؤال الواحد، فكان لابد لنا من توضيح أن وجهات النظر والرؤى الخاصة هي شأن  أصحابها ولا تخضع لهذا المعيار العقيم الذى ينفى مشروعية تنوع الرؤى واختلاف وجهات النظر.
  • كان الغالب بين أفراد العينة افتقاد القدرة على الحوار والميل للصمت، كما أنهم لا يتمتعون بمهارة التعبير عن الذات، وبسؤال بعضهم عن هذا أفادوا بأنهم لم يتعودوا فى حضور الكبار بأن يعبروا عن آرائهم فيقول واحد منهم (نحن ننفذ ما يطلبه الكبار منا).
بالتالى يمكن الحكم بأن أجواء الحوارات والمناقشات كانت فى أغلبها مفعمة بعوامل المقاومة كالتردد والتكتم أو التحفظ، وافتقاد الآراء المطروحة من قبل بعض أفراد العينة للوضوح والتماسك والتبلور، بما عكس – كما أفصح بعضهم – ندرة ممارستهم للحوار وفنياته من ناحية، وضعف قدرتهم على التعبير عن ذواتهم أمام سلطة الكبار من ناحية أخرى. 
وكان لا بد من تشجيعهم بإزالة مثل هذه المفاهيم لديهم، وربما كان لعامل الألفة الذى نما مع مرور الوقت تأثير فى أن يتكلموا ويعبروا بعد مقاومتهم فى الجلسات الأولى. فكانت آراءهم حول ما أثير من تساؤلات طرحناها فى جو من التشجيع على البوح والإفصاح.
وقد تكون هذه الملاحظات مبرراً للمطالبة بعقد دورات للشباب، يكون هدفها تمكينهم من مهارات الاتصال والتعبير عن الرأى والتفكير النقدى.
  • دلالات ما عبر عنه الشباب من مضامين:  
يمكن القول بأن ما عبر عنه الشباب من آراء وتعليقات قد عكست وضع الشباب فى مجتمع يتعرض لضغوط الخارج ممثلة فى العولمة بوجهيها الاقتصادى والثقافى، وتحديات الداخل ممثلة فى ذلك الصراع المتوقع بين استجابتين متضادتين إزاء هذه الضغوط وهما استجابتا: المسايرة ويمثلها الساعون للتجديد فى تخوف واستحياء، والمقاومة ويمثلها المنادون بالحفاظ على الهوية والعقيدة كما يفهمونها.  
فهناك القلق السائد بين الشباب الساعى للتجديد ومسايرة العصر، بشأن المستقبل، وهذا النقد الموجه منهم لنسق تعليمى يرونه تقليدياً، ولا يؤهلهم بالقدر المناسب والكافى لعالم العمل، يعكس شعور هذا الشباب بما فرضته العولمة واقتصاديات السوق الحر من تنافسية عالمية تتطلب شروطاً للجودة والاتقان لا يوفرها من وجهة نظرهم نسق تعليمى نظرى تلقينى، مقرراته وبرامجه غير مناسبة، وبعض أساتذته دون المستوى الأكاديمي، وعلى الرغم من توفير الدولة لبنيته الأساسية عالية المستوى، إلا أن لهم مطالبهم التى لم تشبع بعد وتتعلق إما بسياساته كقواعد القبول العادلة، أو بمضامينه التى ينبغى أن تتحرر من ضيق وتقليدية تخصصاته القائمة، ومن إهماله لتعليم اللغات.
وفى هذا السياق فإن نقد الشباب العربى للتعليم يتزايد يوماً بعد يوم، وذلك لما تسفر عنه المقارنات التى تحدث أمامهم بين أنساق التعليم العالمية، وما تسفر عنه عمليات التقييم لها، وربما لعدم استجابة هذا التعليم لتوقعاتهم وآمالهم بشأن الإعداد للمستقبل، ففى دراسة عن الشباب المصري نجده يرى أن العلاقات السائدة والمضامين المقدمة داخل المدرسة والجامعة لم تعد قادرة على إعدادهم للتفاعل النشط مع تحديات العصر الذى يعيشونه، سواء فيما يخص إعدادهم الأكاديمى، أوتحضيرهم للمشاركة المجتمعية وللتنمية، أو مساعدتهم على التكيف الإيجابى مع القيم الاجتماعية المتغيرة فى عصرنا الراهن،  ولم يعد الشباب يقبل هذه الصيغة التلقينية الجاثمة على صدر التعليم العربى، والتى تكرس العلاقة الأبوية بين المعلم المتسلط والمتعلم الخاضع أو الخانع، ويؤكد نفس المعنى الأخير نقد الشباب فى عينة الدراسة لتعالى الأساتذة عليهم وسوء معاملتهم للطلاب. معنى ذلك أن ثمة تطلعات تعليمية بدأت فى الإعلان عن نفسها مع الشباب مع ما فرضته التحولات العالمية الجارية على أنساق التعليم شكلاً ومضموناً.
          وتتجلى ثنائية المسايرة/المقاومة أكثر داخل آراء الشباب المتعلقة بنظرتهم وتقييمهم للعائلة أو الأسرة بعد تعرض ما يكتنفها من علاقات وتفاعلات لتغيرات يراها فريق الدفاع والتكيف مع نمط الأسرة الأبوية السائد وما تقوم عليه من تسلط، تغيرات سلبية فككت الأسرة، فالأب المعيل والآمر هو النمط الأمثل، وهو نموذج القدوة، فريق لم يلتفت لطبيعة هذه العلاقة التسلطية القائمة بين رأس الأسرة (الأب) وقاعدتها (الأبناء والبنات) وعلى الجانب الآخر كان فريق المسايرة والترحيب بهذه التغيرات وهو يمتدح كل ما أضيف لدور ومكانة الأب مع التغيرات الاجتماعية الطارئة حيث أصبح أكثر وعياً وتفهماً ومرونة. وكانت الأم هى الحانية الرؤوم لدى الفريق الأول، اتساقاً مع مكانتها التقليدية (الصدر الحنون) بينما نظر إليها الفريق الثانى فى تحولها لأن تكون مصدر دخل إضافى داخل الأسرة.
وتوالت آراء الشباب لتصب فى هذا الاتجاه أو ذاك، وهم يتحدثون عن تحول الأسرة الممتدة إلى نموذج الأسرة النووية، وما ترتب على ذلك من تراجع للروابط العائلية القبلية والعشائرية، وغيرها من قضايا النقاش فى هذا الصدد، وكان فريق المتحمسين للتغيير يضعف صوته أو يحجب تماماً متى كانت المبررات الدينية هى الظهير فى تقييم الظاهرة، وهو ما حدث ونحن نتحدث عن ظاهرة تعدد الزوجات.
ويتجلى ما يعانيه الشباب من فراغ فيما يتعلق بممارساتهم اليومية، حيث الممارسات التقليدية التى لا تمثل قيمة مضافة لخبراتهم، وغياب اهتماماتهم المرتبطة بالِشأن العام محلياً وعربياً ودولياً، وعندما يصبح هذا الغياب منهج حياة، تتحول قنوات التواصل مع أحداث العالم، والتي وفرتها ثورة الاتصالات المعاصرة كالإنترنت والفضائيات قنوات معطلة أو تقتصر على استقبال مواد التسلية وقتل الفراغ، وقد تفرض تعليقات الشباب داخل هذا المحور بضرورة تدريبهم على المشاركة فى القضايا العامة، وقضايا التنمية، وأن تكون لتطلعاتهم وآرائهم مساحة فى التخطيط لهم ولمستقبلهم.
وعلى الرغم من ممارساتهم الاقتصادية المرتبطة بهياكل ومؤسسات قد أفرزتها ظاهرة العولمة كالشركات عابرة القارات، إلا أن وعيهم بأسسها وفلسفتها على الجانب الاقتصادى كان ناقصاً إن لم يكن غائباً، لذلك لم يكن غريباً أن تحمل مدركاتهم أدواراً رأوا أنها من صميم مسئوليات الدولة (الخدمات والأنشطة الإنتاجية المختلفة) وهم لا يعلمون أن من غايات العولمة الاقتصادية اختفاء دولة الرعاية وهى تترك مسئولياتها للقطاع الخاص، وربما قد عزز هذا الاتجاه لديهم استمرار المملكة فى تحمل هذه المسئوليات. ونظروا للبطالة التى تعد أثراُ من آثار التحولات الاقتصادية العالمية المعاصرة على أنها بسبب قصور برامج التعليم أو بسبب وجود العمالة الأجنبية، فكان تقييمهم لوجود العمالة الأجنبية بالسلب، وهم لا يدركون أنها أيضاً من مظاهر العولمة الاقتصادية، ودارت معظم تصوراتهم لمستقبلهم المهنى فى دوائر تقليدية (تجارة، تدريس...الخ) ولم يكن ثمة تصورات تلائم عالم المهن المعاصر وما يشهده من تنوع وثراء. كل ذلك يفرض علينا ضرورة أن تفسح برامج التعليم مساحة لتربية اقتصادية تساعد هؤلاء الشباب على إدراك واقعهم الاقتصادى داخل الواقع العالمى بشكل أكثر عمقاً، وتمكنهم من امتلاك تصورات أكثر وعياً بمستقبلهم التعليمى والمهنى، وذلك بعد أن تعاد هيكلة برامج التعليم ومساراته بما يتجاوب مع ذلك.
كان من الغريب وشباب المملكة يمتلك فرص وتجارب العيش والتفاعل مع عينات شعوب تنتمى لثقافات وجنسيات متنوعة (العمالة الأجنبية) شأن كل مجتمعات الخليج، ورغم أن هذا التفاعل يمكنه أن يتيح مساحات كبيرة من التسامح فكرياً، ونفسياً واجتماعياً، ورغم رسالة الإسلام النبيلة فى هذا الصدد، إلا أن آراء شباب العينة من طلاب الجامعة لم تعكس هذه الرؤية لظاهرة الآخر الثقافى والتسامح مع اختلافه، فكانت ثمة آراء معبأة ببعض التمييز السلبى ضدهم، والشعور بالتعالي عليهم، ويمكن أن نفسر ذلك بالتقصير فى تأهيل الشباب السعودى نفسياً وثقافياً على تقبل هذه الظاهرة وعلى امتلاك مهارات وقيم التسامح فكرياً واجتماعياً من واقع رسالة الإسلام السمحة.
وعلى الرغم من امتلاك عينة الشباب للانتماء الوطنى، وإدراكهم لمعنى الوطن ممثلاً فى تركيبة الدولة، إلا أنه ما زالت بعض مظاهر التعصب القبلى والعشائرى تحكم بعض ممارساتهم ،فهم يميزون بين البدوي والحضرى على سبيل المثال، الأمر الذى يدفعنا لضرورة الاهتمام بتثقيفهم ورفع مستوى وعيهم بمعانى المواطنة التى تستدعى مبادئ المساواة فى الحقوق والواجبات والفرص وحق مشاركة الجميع فى تنمية الوطن والارتقاء به.
ومن جملة ما علق به الشباب حول مواقفهم من أدوات الإعلام والاتصال المعاصرة، كالفضائيات والإنترنت، لوحظ أيضاً توزع آرائهم بين مؤيد لهذه التقنيات ومثمن لدورها فى الانفتاح الفكرى والاطلاع على العالم وإنجازاته، وبين رافض لها لما تشكله من تهديد أخلاقى وعقائدى، وهو ما يفرض على التعليم ضرورة الاهتمام بالتربية الإعلامية لأبنائه، وتدريبهم على الانتقاء الواعى، وعلى اتخاذ المواقف النقدية إزاء ما يبث، وقبل كل ذلك تنمية الشعور بالمسئولية عند التعامل معها، تربية تراعى الخصوصية الثقافية والدينية دون أن تقع فى براثن التعصب والشعور بالتعالى، وتطالع الثقافات الأخرى من باب التعرف عليها وعلى أساس من احترامها دون التمثل بها، وهو ما ينسحب على النوافذ الجادة فى الفضائيات وعلى شبكة المعلومات الدولية، تربية تسعى لتنمية الالتزام الأخلاقى (حتى يصبح الرقيب سلطة داخل الشباب) مقابل التقليل من الإلزام (حيث الرقيب يأتى من سلطة خارجه) بهذا نضمن حسن استخدام هذه التقنيات فى جانبها الجاد والمفيد، دون مخاوف على هويتنا وعقيدتنا.
وفى النهاية فإن ما يمكن استخلاصه هو حدوث حراك ثقافى داخل المجتمع السعودى، تجلى فيما يطرحه الشباب من رؤى وتصورات، حراك يتعادل مقدار تباطئه بمقدار شدة آليات مقاومة عناصر وقوى الثقافة التقليدية، الأمر الذى يضيف إلى الشباب السعودى قدراً آخر من الحيرة والتوتر والقلق تضاف لما تحملهم طبيعة المرحلة العمرية، فالرغبة فى مسايرة حركة وإيقاع العصر تبدو مترددة على استحياء، والركون للتقليدى القائم يبدو أكثر أماناً، وقليلون من يستطيعون تحقيق التوازن بين الوافد والموروث.

المزيد من الدراسات