الرئيسيةأعداد المجلة تفاصيل الدراسة

أنساق النداء- النمط والوظيفة -فى المدونة السيبويهية

المُقدَّمة
يخضع بحث النداء فى كتاب سيبويه لمنهجه العام فى دراسة النظام النحوى للعربية، ولعل الإشكالية المنهجية فى الكتاب تؤثِّر فى النتائج التى يتوخاها كلُّ باحث من بحثه، وتتبدى الإشكالية فى توزيع الموضوع على أبواب عدة من ناحية، ومن ناحية أخرى فى طبيعة التحليل واستطراده، والثالثة فى المصطلح الذى بدا غير ناضج وموحَّد فى عموم الكتاب، وهى أمور تجعل من المنهجية غير واضحة الملامح ومن ثم تؤثِّر فى تتبع الموضوع واستخلاص مفاهيمه.
          وما من شكٍّ فى أنَّ تتبع المنهج السيبويهى قد قيل فيه الكثير وتعرَّض لفهوم متباينة على مرِّ الدراسات اللسانية خاصة والفكرية عامة، وتكاد هذه الدراسات أن تجمع على أنَّ لسيبويه منطلقات معرفية أرتكز عليها فى تأسيس منظومته اللسانية، وآليات عمد إليها فى روز الأبنية النحوية وتتبع إنجازاتها التداولية، وصورنة أنماطها فى أشكال عليا تتولّد منها التفرّعات المقاميّة، والتغيرات الأسلوبيّة، وبعامة يلحظ أنَّ سيبويه فى معرفته النحوية تجمَّعت لديه خطوط عامة تتراوح بين مدارين عامين، من الشكل التجريدى إلى تطبيقاته الاستعمالية وأغراضه التواصلية، أو من التطبيقات الاستعمالية الناجزة إلى أشكالها التجريدية العليا التوليدية، وبعبارة أخرى أنَّ الشكل والوظيفة عند سيبويه لا انفكاك بينهما فى إطار النظر والتقعيد، وتلك المهمة قد أضحت من أبرز مهام اللسانيات الحديثة، أعنى سبر العلاقة بين الشكل والوظيفة على نحو الاستقراء والتجريب والصورنة.
          وبناء على هذا نستطيع أن نقول: إنَّ الأسس المعرفية للفكر السيبويهى خاصة والفكر النحوى عامة قدّمت منهجاً لسانياً حقّق كفاية تفسيرية ونظرية لجوانب اللغة العربية إذّاك، إذ قامت المدونة السيبويهية على مفاهيم كليَّة انتظمت محاور الاتساع والتطبيق فى الناجز اللسانى، على نحو يتفاوت إيجازاً واستطراداً بحسب النمط التركيبي وأنساقه التى ينتظم بها مع سائر الأنماط التركيبية فى القدرة اللسانية وإنجازاتها المتحققة فى الاستعمال التواصلى.
القسم الأول:
1- موقع النداء فى الكتاب "منهج سيبويه فى عرض النداء"
          قبل الدخول فى تفاصيل النداء، ينبغى تحديد موقع هذا المبحث وعلاقته بالأبواب السابقة واللاحقة ليتبيَّن لنا شىء من منهج سيبويه فى تأليف كتابه، وخطته فى عرض موضوعات النحو.
          يقع النداء بعد (كم) و(نعم وبئس)، ويأتي قبل (لا النافية اللجنس) التى يتبعها الاستثناء، ويظهر أنَّ هذه الأبواب تلتقى بمحور واحد وهو النصب، ولكن الدكتور محمد كاظم البكاء عدَّ النّداء ضمن خمسة أبواب تشترك بنوع من الإسناد، وهو الإسناد بين الأداة والاسم، وبهذا يجعل هذا النوع من الإسناد نوعاً ثالثاً يضاف إلى الإسناد بين اسمين والإسناد بين الفعل والاسم، والموضوعات التى تدرج تحت هذا النوع الثالث هى "الحروف الخمسة، كم وما جرى مجراها، النداء، النفى بـ(لا)، الاستثناء بـ(إلا) وما أشبهها" قال: "وجميع هذه الوجوه من التأليف قد أعتمد الأداة فهى فى نوع واحد من الإسناد"(منهج كتاب سيبويه فى التقويم النحوى، 382)، والحق أن جعل هذا النوع من التأليف من الإسناد فيه شىء من التجوّز، فإنَّنا غير ملزمين بجعل جميع أنماط الكلام ضمن دائرة الإسناد؛ إذ يوجد فى أنساق اللغة كثير من المركبات التى لا تندرج فى ثنائية التساند التركيبى، مع أنَّها تؤدى وظيفة معينة، يقول برجستراسر "ومن الكلام ما ليس بجمل، بل هو كلمات مفردة أو تركيبات وصفية أو إضافية أو عطفية غير إسنادية مثال ذلك النداء" (التطور النحوى، 81-82).
          وما من شكٍّ فى أنَّ سيبويه لديه تصور عام لعرض مباحث الكتاب، فضلاً عن ترتيب موضوعات النداء وعلاقته بما قبله وبما بعده، فالظاهر من تفحُّص الأبواب قبل النداء وبعده أنَّها تشترك فى صورة إعرابية رئيسة هى النصب، فضلاً عن وجوه الشبه والعلاقات الثنائية التى تقع بينها فتزيد أسباب توحدها من الناحية المنهجية(منهج كتاب سيبويه فى التقويم النحوى، 382)، ولعل فى عبارات سيبويه ما يؤيِّد إدراكه لارتباط هذه الأبواب بمحور واحد مثل قوله: "لا: لا تعمل إلا فى نكرة، كما لا تعمل فى الخبر والاستفهام إلا فى نكرة، قد تبين لك أنَّ المنادى يكون فيه معنى (أفعل به)، يعنى (يالك فاساً).." يقصد التعجب الذى يُؤدَّى بصيغة (أفعل به) و(يا+ لام التعجب)، قال السيرافى: "شبه (باب النفى) بـ(باب النداء) لما يقع بينهما من التغييرات وحذف النون وما كان فى تقدير الإضافة إلى ما بعد اللام" وعليه فإن ثمة مسوغات تجمع بين هذه الأبواب وتربطها معاً.
          ومن الموضوعات التى أول النصب فيها "باب انتصاب المصادر على الأمر والتحذير: لا يجوز فيه إظهار ما أضمرت على الفعل المتروك إظهاره"(الكتاب، 1/273) والسبب "لكثرتها فى كلامهم واستغناءً بما يرون من الحال، وبما جرى من الذكر"(الكتاب، 1/275) فالناصب هو الفعل الذى تم الاستغناء عنه لوضوح معناه، وقد عبر سيبويه عن إدراكه لهذه المنهجية فى فهم التركيبات بتمثيلات عدة تؤول معظمها إلى مفهوم العامل التكوينى(مفهوم الجملة، كتاب سيبويه، 258).
          يتضح قصد سيبويه فى جمع الأبواب من خلال طبيعة المفهوم العاملى عنده، فبعد أن حيَّز النداء فى جملة من الأبواب التى تلتقى على محور جامع هو النصب بفعل مضمر "متروك إظهاره" ينبغى لنا إدراك المراد من تعبير سيبويه (المتروك إظهاره): ويظهر أنَّ مراد سيبويه تحليلى، يبغى به إدراك التأثير الحاصل بين الأداة والمنادى، وإعطاء صورة تمثيلية لواقع الوظيفة النحوية وتشكيل تلك العلاقة فى هيئة عاملية، إذ انبنى تخطيط سيبويه على جمع وظائف نحوية متعددة تحت باب المنصوبات بفعل لا يظهر، بل هو صورة للقوة الفاعلة المتولدة عن هيأة المنادى وأداته.
          وهذا التأسيس أصبح ثابتاً تحليلياً فى النظر النحوى، وهنا تابع المبرد سيبويه قائلاً "فهو نصب وانتصابه على الفعل المتروك إظهاره"(المقتضب، 4/187)، واللافت للنظر أنَّ سيبويه أسَّس للبنية العاملية على المفهوم الحدثى (الفعل) مع أنَّ أدوات كثيرة لها قدرة العمل بموازة الفعل، إلا أنَّ سيبويه اختار الفعل للمناسبة بين النصب والقوة العاملية للفعل؛ لما للفعل من قدرة على فتح مجالات لشواغل البنية العاملية، وللمناسبة الشكلية والمناسبة الدلالية التى يمتلكها الفعل بالقوة (المناسبة بين المستوى المنطقى والمستوى التأويلى).
          ومفهوم (المتروك إظهاره) لا يعنى به مكوناً لسانياً منطوقاً بل هو مفهوم نظرى لتأطير البنى الندائية بمفهوم تحليلى تجريدى يسبر المكونات الشكلية ويمثِّل لصورنة نحوية، تندرج فى النظام الكلى الذى اعتمد المبدأ العاملى، والجدير بالذكر هنا أنَّ تقدير الفعل المتروك إظهاره فى النداء هو فعل إرادى وليس من أفعال الجوارح, فهو من زمرة الأفعال التصويتيَّة.
          إنَّ البنية العاملية للنداء تتكون من أداة (يا) ومجموعتها، واسم يحيل على ذات معينة، لكنَّ الفرضية النحوية تقدر قوة فعلية حديثة مجانسة للوظيفة النحوية التى يؤديها النّداء بوصفه بنية تواصلية، وهو الفعل (أدعو) أو (أنادى) وهو فهل تصويتى.
          إنَّ الأصول العاملية الدلالية هى تنظيمات كليّة، والأصول لا تتجلى عموماً بشكل منفصل، ولكنَّها أدوات ضرورية لتحليل المعانى النحوية، فهى مفاهيم محتومة لكل تمثيل معنوى بوساطة نشاط اللغة، والتمثيلات المؤلفة بوساطة الأصول هى الصيغ التى يمكن أن نبحث فيها عن تقييم التناسب المعرفى، فالمعانى لا يُعبَّر عنها بوساطة الأصول وإنَّما بوساطة التنظيمات التى تتبع الصيغ والصور(بنية الحدث التركيبية، 16).
          والنّداء ببنيته الفعلية التأويلية يندرج ضمن الإنشائيات التى تُأوَّل أدواتها الإنجازية بفعل يمثل القوة المبتغاة من التركيب الإنشائى، فالنّداء فعل إنشائى تصويتى لا يبغى به المتكلم سوى استقدام المخاطب أو شد انتباهه نحو ما يلى النداء، وتتولّد منه مقاميّاً أغراض ثانويّة تنضبط بأسس تداوليّة.
2- تقسيم النداء وملحقاته
          قسَّم سيبويه النداء ومحقاته إلى أبواب، إذ جعل لكلِّ مسألة باباً، فللنداء تسعة أبواب، تناول فيها أحوال المنادى وتابعه، ثم جعل بابين للاستغاثة والتعجب، ثم خمسة أبواب للندبة، واستدرك بعدها فتناول أدوات النداء، وجعل باباً ظاهره نداء وليس بنداء، وباباً للاختصاص الذى لم يجعله من النداء وإنَّما جاء به لما بينهما من شبه فى العلامة الإعرابية والعلاقات الدلالية، ثم تناول الترخيم وما يعرض للمرخم فى أثنى عشر باباً، ومن هذا يتبين أنَّ سيبويه تناول النداء فى ثلاثة محاور رئيسة هى النداء والندبة والترخيم، تندرج فيها تفصيلات فرعية وتوضيحات لما حوته المحاور الرئيسة، ليغطى الموضوع بتحليل واف، لا يكاد يضيف إليه اللاحقون شيئاً، فتتركز أبواب النداء عندهم فى بابين رئيسين هما المبنى والمعرب ثم الندبة والترخيم، هذا من الناحية المنهجية فى التقسيم والتبويب، أمَّا طريقة العرض والتحليل فنلحظ عليها ما يأتى:
  1. تبدو طريقة الحوار واضحة فى عرض الموضوع، فيتخذها وسيلة لإيضاح ما يريد، (قال، قلت، زعم، سألته،....) ولعل هذه المحاورات تخرج إلى استطرادات وتحليلات لتراكيب لغوية وأمثلة مسموعة وأخرى افتراضية(الكتاب 2/183، 190، 196). ومما تنتجه هذه الحواريات أنها تقفز بالبحث قفزات غير منطقية، فى تسلسل الأفكار، ومع هذا فإنَّ التنظيم لاشكَّ فى أنَّه يسير على وفق خطة مركزية.
  2. ربَّما نجد استطراداً أو استدراكاً فى كتاب سيبويه مما يثير إرباك الباحث فى موضوع النداء، ومثال ذلك ما أورده فى الصفحة الثامنة بعد المئتين، إذ تناول تكرار الاسم المنادى المضاف مثل: (يازيدَ زيدَ عمروٍ وياتيمَ تيمَ عدىًّ، وجواز يا تيمُ تيمَ عدىًّ) وعدَّه القياس، إلا أنَّ تذييلاً فى آخر الباب يبدأ بكلمة (يعنى ... يا سلمَ الكريمُ)(نفسه، 2/208-209).
          ويظهر أن هذا الكلام هو من زيادات العلماء بعد سيبويه ممن تناول كتابه بالدرس والشرح والتعليق، وقد أشار المحقق إلى فقرة (طرح التنوين) ساقطة من بعض النسخ، كما أشار إلى أنَّ هذا (يبدو أنه من كلام الأخفش)(هامش، 2/208).
  1. لا تخلو بعض عبارات سيبويه أو عنواناته من الغموض والتعقيد، فلا يتضح المراد إلا بعد قراءة الباب المعقود له العنوان، ومثل هذا قوله: "هذه باب يكون الاسمان فيه بمنزلة اسم واحد ممطول وآخر الاسمين مضموم إلى الأول بالواو" ويعنى بآخر الاسمين الاسم الثانى يضم إلى الأول بالواو فيصبحان اسماً واحداً.
  2. يلحظ أنَّه يقيم الباب على محور معين ثم يبدأ بتفريعات، فيبدأ بالأكثر فى الظاهرة أو الباب ثم يتلوه بالأشباه والنظائر والملتبس به، فيورد شواهد مسموعة وأمثلة افتراضية مما يمكن أن يعترض به على الأصول والقواعد العامة، ليبدأ بتحليلها وتوجيهها مورداً آراء العلماء من شيوخه، لتنسجم مقرراته وتتسق قواعده، قال ناقلاً قول الخليل: "فلما أطَّرد الرفع فى كل مفرد فى النداء صار عندهم بمنزلة ما يرتفع بالابتداء أو بالفعل، فجعلوا وصفه إذا كان مفرداً بمنزلته، قلت أفرأيت قول العرب كلهم:
أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائراً   فقد عرضت أحناء حق فخاصم
 
          لأى شىء لم يجز فيه الرفع كما جاز فى الطويل.
          قال: لأنَّ المنادى إذا وصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان فى موضعه، ولو جاز هذا لقلت يا أخونا تريد أن تجعله فى موضوع الفرد وهذا لحن"(الكتاب، 2/183-184).
  1. فى طريقة سيبويه نجد عرضاً لآراء شيوخه من دون مناقشة أحياناً فيقول: "وجميع ما وصفنا من هذه اللغات سمعناه من الخليل رحمه الله ويونس"(نفسه، 2/186) وربما يعمد أحياناً لترجيح رأى على آخر ومن هذا ما رجح به رأى يونس على الخليل قال: "سألت الخليل عن (القاضى) فى النداء، فقال: أختار (يا قاضى)؛ لأنه ليس بمنون، كما أختار (هذا القاضى)، وأما يونس فقال (يا قاض) وقول يونس أقوى؛ لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا فى غير النداء كانوا فى النداء أجدر؛ لأن النداء موضوع حذف"(نفسه، 2/233) إن توجيه سيبويه قائم على ملاحظة طبيعة النداء وموازنته بالأنماط الغوية الأخرى ليصل إلى ترجيح بعد الاستقراء والموازنة، وهنا تبدو شخصية سيبويه العلمية، فلم يكتف بالنقل وإنما كانت له رؤية خاصة، ولذا نجد أبواباً لا يذكر فيها أحد العلماء مما يوحى أنَّ المسألة من وحى فكره ونتاج قلمه واجتهاده.
  2. يتضح لنا من بحث سيبويه، أنه لم يكتف ببحث الظاهرة الإعرابية الشكلية بل نجده محللاً لغوياً، يسبر مستويات اللغة بأصواتها وبنيتها ودلالتها لوصف الحدث اللغوى، ويتجلى هذا بوضوح فى بابى الندبة والترخيم، وهذا يعكس طبيعة المنهج السيبويهى الذى يباين مناهج المتأخرين الذين جعلوا القاعدة النحوية هدفاً وغاية تخضع لها اللغة.
3- البنية العاملية للنداء:
          ثمة آراء مختلفة فى توجيه العلامة الإعرابية التى تظهر على المنادى، فالمنادى عند سيبويه "نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره، والمفرد رفع وهو فى موضع اسم منصوب"(الكتاب، 2/183) وعلى هذا فهم قول سيبويه، بأن المنادى منصوب بفعل مضمر، وتابعه المبرد قائلاً: "فهو نصب وانتصابه على الفعل المتروك إظهاره، وذلك قوله يا عبدَ الله، لأن (يا) بدلاً من قولك أدعو عبدَ الله وأريد"(المقتضب، 4/202).
          ونسب ابن يعيش للمبرد نصب المنادى بنفس (يا) لنيابتها عن الفعل(شرح المفصل، 1/127) ، ونقل المرادى عن الكوفيين نصب المنادى بـ(يا) على أن (يا) وأخواتها أسماء أفعال تتحمل ضميراً مستكناً فيها(الجنى الدانى، 355)، كما نسب هذا الرأى لأبى على الفارسى، فيكون المنادى مفعولاً به لاسم الفعل(شرح المفصل، 1/127).
          وهذا يناقض معنى النداء الذى أجمع النحاة على أنّه إنشاء لا خبر، قال أبو البقاء العكبرى "النداء تصويت لا يحتمل التصدق أو التكذيب"(اللباب فى علل البناء والإعراب، 1/328)، ولذا نجد من النحاة من يتنبه لمثل هذا الأمر، إذ قال ابن مالك فى التسهيل "المنادى منصوب لفظاً أو تقديراً بـ(أنادى) لازم الإظمار استغناء بظهور معناه مع قصد الإنشاء وكثرة الاستعمال"(تسهيل الفوائد، 52).
          وذكر الرضى إنَّ على الرأيين القائلين بنصب المنادى بالأداة أو الفعل المضمر، تكون (يا زيد) جملة، وليس المنادى أحد جزأى الجملة أى (الفعل والفاعل المقدر)، ولا منع من دعوى سدّ مسدهما والمفعول به هنا على المذهبين واجب الذكر لفظاً أو تقديراً، إذ لا نداء بدون المنادى(شرح الرضى على الكفاية، 1/344) ولعل فى هذه التقديرات (الأداة) وما عوضت عنه الأداة وهو فعل مقدر بـ(أنادى) أو اسم فعل معناه (أدعو)، إن هذا التحليل هو أساس نظرى يميز "الجانب اللفظى الصورى أى ما يخص اللفظ فى ذاته وهيكله وصيغته بقطع النظر عما يؤديه من وظيفة فى الخطاب غير الدلالة اللفظية, وهناك الجانب الوظيفى وهو الإعلام والمخاطبة أي تبليغ الأغراض المتبادلة بين ناطق وسامع"(النظرية الخليلية الحديثة مفاهيمها الأساسية، 102) وهما مستويان متمايزان فى النظر السيبويهى.
          وثمة عامل معنوى نقله السهيلى عن أستاذه ابن الطراوة، يفسر به النصب فى بعض المفردات وهو ما يسمى بـ(القصد إليه) الذى يوجب نصب كل مقصود إليه بالذكر ومنها المنادى(نتائج الفكر، 86، دراسات فى نظرية النحو العربى وتطبيقاتها، 39), وهو تفسير دلالى للظاهرة الإعرابية فى المنادى، فالمنادى مقصود ومعنىٌّ بالكلام، وربما نجد فى عبارات سيبويه ما يمهِّد لظهور مثل رأى ابن الطراوة، ولا ريب فى ذلك فقد كان كتاب سيبويه موضع عناية الأندلسيين ومدار بحثهم، قال سيبويه: "إنَّ المنادى مختص من بين أمَّته لأمرك ونهيك، فالاختصاص أجرى هذا على حرف النداء"(الكتاب، 2/197).
          وقال: "فإذا قصدوا قصد الشىء بعينه دون غيره وعنوه، ولم يجعلوه واحداً من أمة، فقد استغنوا عن الألف واللام، فمن ثم لم يدخلوهما فى هذا ولا فى النداء" وقال فى موضع آخر "وصار معرفة لأنك أشرت إليه وقصدت قصده"(الكتاب، 2/198، 231، 232)، ومن هنا فإن تفسير الظواهر الإعرابية لاينفكّ بحال عن الأخذ بالقصد الخطابى فى قدرة المتكلم التواصلية.
          وبهذا يمثل العامل مبدءاً أساسياً يقوم على تحليل العلاقات التركيبية فى نظرية النحو العربى، فالمكونات الأساسية والتكميلية للجملة تخضع لمفهوم العمل النحوى، وليس ثمة تأليفات بنائية غير خاضعة للبنية العاملية التى تقسِّم المكونات إلى عوامل ومعمولات بحسب التأثير المتبادل بينها.
          وتكاد البنية العاملية أن تجاوز حدود الجملة الواحدة إلى البنى الأكبر، فالجمل تتراصف وتتعالق أيضاً على وفق المفهوم العاملى، وبهذا يمثل العامل إطاراً تحليلياً ونظرياً للفهم النحوى فى النظرية اللسانية العربية.
          إنَّ العامل مفهوم نحوى ذو طبيعة بنيوية ودلالية يتخذ من رصد العلاقات التركيبية أساساً فى بناء أنماط تأليفية محدودة، يتولد منها عدد غير محدود من الاستعمالات القولية، بوساطة نظام دلالى يتحقق بمفردات معجمية وصيغ صرفية، وبهذا تكون العلاقات العاملية ليست شكلية صرفة، بل هى شبكة اتساقية تتداخل فيها الأبعاد البنيوية والدلالية، فيكون لكلِّ عنصر فيها دور فى تحديد طبيعة العلاقات بين عناصر التركيب(منزلة المعنى فى نظرية النحو العربى، 191)، من حيث الموضعة والوظيفة.
          يتضح هذا فى العرض والتحليل السيبويهى بما رقنه من أصول العمل النحوى وضوابطه، إذ انتظمت الأبواب النحوية فى كتابه بحسب الأنواع العاملية، ومن هنا أدرج النداء فى مجموعة من الأبواب تلتقى على محور جامع هو النصب، فذكر أن المنادى "نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره، والمفرد رفع وهو فى موضع اسم منصوب"(الكتاب، 2/183) وعليه فهم قول سيبويه، بأن المنادى منصوب بفعل مضمر، فتابعه المبرد قائلاً: "فهو نصب، ونصبه على الفعل المتروك إظهاره، وذلك قولك يا عبد الله؛ لأن (يا) بدلاً من قولك أدعو عبد الله وأريد"(المقتضب، 4/202).
          ويظهر أنَّ مراد سيبويه تحليلى يبغى به إدراك التأثير الذى بين الأداة وبين الاسم المنادى، وإعطاء صورة تمثيلية لواقع الوظيفة النحوية وتشكيل تلك العلاقة فى هيأة عاملية، إذ انبنى التخطيط السيبويهى على جمع وظائف نحوية متعددة تحت باب المنصوبات بفعل ظاهر فى الاستعمال وآخر بفعل مضمر قد يظهر فى الاستعمال وقد يترك ظهوره، وهو فى جميع أحواله صورة للقوة الفاعلة المتولدة عن الهيأة العاملية.
          وعلى وفق هذا ذكر أبواباً متعددة من المنصوبات بفعل مضمر قابل للظهور فى الاستعمال، وإنّما يضمر بقيد تخاطبى أجمله بقوله: "إذ علمت أنَّ الرجل مستغن عن لفظك بالفعل"(الكتاب، 1/253) وذلك فى الأمر والنهى، و"باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره فى غير الأمر والنهى"(نفسه، 1/257)، إذ ذكر جملة من الاستعمالات المرهونة بسياق تخاطبى محدَّد، و"باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف"(نفسه، 1/258، وينظر: 1/263، 268، 269، 270، 271) الجزاء، و"باب ما يحذف فيه الفعل لكثرته فى كلامهم حتى صار بمنزلة المثل ... نحو كِلَيهما وتمراً"(نفسه، 1/280)، أمَّا الموضوعات التى جمعها تحت "باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءً عنه"(نفسه، 1/273)، فقد تتبعها سيبويه بالتحليل والتمثيل للعامل الذى يؤول بفعل غير قابل للظهور لعدم وروده فى الاستعمال وإنَّما يستنتج لأغراض التفسير للمكون الدلالى وإغناء النمط الاختزالى فى التواصل، فأشار إلى مبدأ التأويل العاملى بقوله "وسأمثله لك مظهرا لتعلم ما أرادوا ..."(نفسه، 1/273) وذلك فى موضوع الأمر والتحذير بتراكيب اختزالية تخلو من العنصر الحدثى (الفعل), ونحو تأويله العنصر الحدثى فى قولهم: (إيّاك والأسد): "إلا أنَّ هذا لا يجوز فيه إظهار ما أضمرت، ولكن ذكرته لأمثِّلَ لك ما لا يُظهَر إضماره"(نفسه، 1/273-274)، ولا يغفل الأصول السياقية التى ينجز فيه الخطاب، إذ يرقن أنَّ الحذف لهذا العامل لكثرة تلك التراكيب فى التداول، واستغناءً بما يرون من شواهد الحال، فضلاً عن المعلومات المشتركة بين المتخاطبين(نفسه، 1/275)، وهى قيود تعود إلى سنن الاستعمال اللغوى، وطبيعة التواصل ومحايثاته التى تعمل على إغناء التراكيب الاختزالية وتعين المقصود بها.
          ويظهر القياس اللغوى فى المنهج السيبويهى بحمل المتشابهات بعضها على بعض فمما "ينتصب فى غير الأمر والنهى على الفعل المتروك إظهاره قولك: يا عبدَ الله والنداء كله.. حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا فى الكلام وصار (يا) بدلاً من اللفظ بالفعل، كأنه قال: يا أريد عبد الله، فحذف أريد وصارت (يا) بدلاً من اللفظ بالفعل, كأنَّه قال:يا أريدُ عبدَالله, فحذف أريد وصارت (يا) بدلا منها؛ لأنَّك إذا قلت: يا فلانُ، عُلم أنَّك تريده"(نفسه، 1/291).
          ومجمل عمل الفعل النصب ثلاثة مستويات إذ "يجرى فى الأسماء على ثلاثة مجار: فعل مظهر لا يحسن إضماره، وفعل مضمر مستعمل إظهاره، وفعل متروك إظهاره"(نفسه، 1/296).
          فمفهوم العامل فى عبارات سيبويه مفهوم تأويلى للبنية الندائية ولا يعنى بالفعل المتروك إظهاره مكوناً لسانياً منطوقاً استغنى عنه بالاختزال، بل هو مفهوم نظرى غايته تأطير البنى الندائية بروائز تحليلية تسبر المكونات القولية وتمثل لصورنة نحوية، تندرج فى شبكة الأنماط النحوية القائمة على الضبط العاملى. وهو تمييز بين شكل التركيب ومضمونه.
          والفعل التأويلى هو فعل مُقتضى بحسب المكون الدلالى لتركيب النداء، وعلى وفق هذا الاقتضاء الدلالى أوَّله سيبويه بـ(أنادى، وأدعو، وأريد)، أو زمرة الأفعال التصوتية والإرادية وهذا بحسب خصائص تلك الأفعال "فلخصائص الفعل المعجمية دور فى الوصول إلى المعمولات والتأثير فيها، بل إنَّ قوة الإفضاء الدلالى للفعل ليست سوى معادل لقوته العاملية فى حدود تفسيرها لإمكانات الفعل فى الاقتصار على محلات إعرابية محددة أو تجاوزها إلى محلات أخرى" (اللسانيات السيبويهية، 1/95).
          ومن هنا فـ "إنَّ الأصول الدلالية (العاملية) هى تنظيمات أصول، فالأصول لا تتجلى عموماً، بشكل منفصل ولكنها أدوات ضرورية لتحليل وبناء المعانى"(بنية الحدث التركيبية، 6، 16، 26), ويظهر أنَّ البنية الندائية أقرب إلى البنى الفعلية، بوصفها عملاً يؤدى باللغة، أى حدث ينجز بالخطاب وهو حدث ذو طبيعة تصويتية، لا يطلب المتكلم به غير شدِّ انتباه المخاطب وتوجيهه نحو مراميه التالية للنداء فى أصل وضعه.
وثمَّة خلاف فى إعراب المنادى العلم والنكرة المقصودة، فمن النحاة من ذهب إلى إنَّهما مبنيان، بحسب فهمهم لعبارة سيبويه (رفع فى موضع اسم منصوب) ومما زاد من هذا قول الخليل أنَّه بمنزلة (قبل وبعد)، أى الاسم المفرد، فإذا طال وأضيف شبهوه بهما مضافين إذا كان مضافاً، وللفراء رأى يفسِّر به بناء المفرد، يذكر فيه أنَّ أصل يا زيد - يا زيداه، وما قبل الألف مفتوح أبداً، فلما حذفت الألف ضم، كما أن المضاف إليه فى قبل وبعد لما حذف ضم. وقال الزجاج "والقول عندى قول الخليل وأصحابه، ويتلخص ذلك أنَّ الاسم المنادى المفرد العلم مبنى على الضم لمضارعته عند الخليل وأبى عمرو وأصحابهما للأصوات، وعند غيرهما لوقوعه موضع المضمر"(الأمالى، 83)، ويعنى بالأصوات أنَّ المنادى العلم مع الأداة هو مركب إفصاحى القصد منه التنبيه، مثل المفردات المستعملة فى الأصوات مثل (حوب) و(هيد) و(هلا) وهو اسم للفعل ومسماه توسعى أو تنحى أو نحوهما وهو زجر للخيل والإبل، أمَّا وقوعه موقع المضمر فيعنى أنَّهم يستعملون للمخاطب الضمير (الكاف) أو (أنت) فما يقع موقعهما يحمل عليهما فى الإعراب. قال الراجز:
يا أبحر بن أبجرٍ يا انتا   أنت الذى طلقت عام جعتا
 
          وللكسائى رأى يخالف به النحاة، مفاده أنَّ المنادى المفرد المعرفة مرفوع معرب لتجرده عن العوامل اللفظية ولا سبب فيه للبناء حتى يبنى فلابدَّ فيه من الإعراب، وإنَّما نصب المنادى المضاف لطوله ولأنَّ المنصوبات فى كلام العرب أكثر، فالمنادى عنده مرفوع أو منصوب بلا عامل(شرح الراضى على الكافية، 1/349)، ولا يخفى ما فى هذا الرأى من مراعاة لقانون الخفة الصوتى.
          وقد أيَّد الدكتور طارق الجنابى هذا الرأى قائلاً: "أميل إلى أن المنادى معرب مرفوع، مفرداً كان أو مثنى أو مجموعاً، علماً أو نكرة، وفى إعراب المنادى مرفوعاً منزوعاً منه التنوين شبه بمذهب الكوفيين، غير أنَّ نزع التنوين عندنا للوقف، وأمَّا الضم فهو حركة مختلسة على إرادة المقطع المفتوح"(أسلوب النداء دراسة لغوية صوتية، د. طارق الجنابى، 91)، وهذا اجتهاد فى تفسير حركات المنادى على وفق رؤية صوتية بحتة، بحسب طبيعة النداء وأبنيته التى تتخذ القيم التصوتية وسائل إبراز تفردها عما سواها من الأبنية النحوية. ولا يتنافى هذا النظر مع فلسفة توزيع الحركات الإعرابية التى تطَّرد فى المرفوعات والمنصوبات والمجرورات وظواهر البناء المحددة، إذ توزع هذه الحركات على وفق منطق لغوى يراعى الإسناد والإضافة والخفة وحركات البناء الخاصة، فالمنادى ليس مسنداً فيرفع ولا مضافاً فيخفض، ولذا فالنصب حقه,ولاتناقض بين النظرتين.
4- النداء بعد سيبويه:
          بدأ سيبويه النداء بـ(هذا باب النداء)، وعند السراج (باب النداء)، وحين نستعرض النداء عند سيبويه نراه يبدأ بآراء الخليل وحواره معه، ويوزّع النداء فى أبواب عدَّة يتناول فيها المنادى وتوابعه، مؤجِّلاً الحديث عن الأدوات، ونرى ابن السراج يبدأ بعرض الأدوات النحوية (الحروف التى ينادى بها)، ثم أغراض النداء (الاستغاثة والتعجب والمدح والندبة)، ويعود بعدها لذكر أنماط تراكيب النداء(الأصول، 1/329-335).
          والملاحظ أنَّه يلتزم شواهد سيبويه وبعض الإضافات الموضحة، لكنَّ تفصيل سيبويه أكثر وتحليله أعمق، ويظهر الفرق واضحاً بين سيبويه وابن السَّراج فى تطور المصطلح مثل (لام الإضافة) عند سيبويه تصبح (لام التعجب) و(الاستغاثة) عند ابن السراج، وكذا فى التنظيم والترتيب إذ يفصل ابن السراح بين النداء الحقيقى والمجازى وتقسيمات المنادى إلى مفرد ومضاف ومضارع للمضاف، وثمة أمر آخر هو اختفاء طريقة الحوار فى العرض.
          ولئن تميزت موضوعات النداء وأجزاؤه فى أبحاث النحاة المتأخرين إلا أنَّهم لم يستطيعوا أن يضيفوا شيئاً ذا بال، فما يمكن أن يعزى إلى ابن السراج من فضل فى عقلنة النحو لا يتجاوز فصل أبواب كتاب سيبويه وترتيبها وعنونتها بعناوين موجزة دالة، وفصل القواعد النحوية عن تطبيقاتها وأمثلها، ومن هنا قال ابن جنى عن ابن السراج: "إنَّه لم يأت فى الكتاب بشىء جديد"(الخصائص، 1/2).
          ولا يجاوز أبو على الفارسى آراء سيبويه، ومن ذلك نصب المنادى المفرد النكرة نحو (يا رجلاً)؛ لأنَّه يراد به الشائع الذى لم يختصّ، وتابع الجرجانى أسلافه فأصل المنادى منصوب على المفعولية بتقدير أدعو أو أريد، "إلا أنَّهم تركوا إظهار هذا الفعل وجعلوا (يا) كالخلف منه لدلالته عليه، وكان فى ذلك اختصار ورفع لبس، إذ لو قيل أدعو زيداً، أو أريد زيداً، لجاز أن يظن بالمتكلم أنَّه قصد الإخبار بدعائه زيداً فيما يستقبل، لأنَّ أفعَل لا يختصّ بالحال بل يكون مشتركاً بينه وبين الاستقبال فقولك يا عبدَ اللهِ يفيد فى أنَّك فى حال دعائه، وأنَّ فى نفسك إرادة متوجهة إليه وقصداً مختصاً به"(المقتصد، 2/753-754).
          وجعل الرضى النداء القسم الثانى من قسمى المفعول به الذى جعله ثانى المنصوبات بعد المفعول المطلق، وبعد أن عرَّف النداء وذكر العامل فى المنادى، تناول أحكام المنادى المعرفة المفرد، والمستغاث، ثم المنادى المنصوب، ثم توابع المنادى، والمعرف بأل، وتكرار المنادى المفرد، ثم الترخيم والمندوب، والأسماء الملازمة للنداء، ثم المنصوب على الاختصاص(شرح الراضى على الكافية، 1/344-457)، وكذلك فعل ابن هشام فى بحث النداء مع المفعولات فبدأ بأحكام المنادى المنصوب (المضاف والشبيه بالمضاف والنكرة غير المقصودة)، ثم المبني على الضم (الإفراد والتعريف)(قطر الندى، 280).
          ونقل الصبان عن أبى حيان "أنَّ بعضهم ذهب إلى أنَّ حروف النداء أسماء أفعال تتضمن ضمير المنادى.. والدعاء اصطلاحاً طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو ملفوظ به أو مقدَّر، والمراد بالإقبال ما يشمل الإقبال الحقيقى والمجازى .. واعترض نيابة حرف النداء عن أدعو بأنَّ أدعو خبر والنداء إنشاء، وأجيب بأنَّ أدعو نقل إلى الإنشاء وإنَّما ينادى المميز..."(حاشية الصبان، 3/207).
          ومن هذا العرض لمناهج النحاة ومقولاتهم فى النداء وما ألحق به من استغاثة وتعجب وندبة واختصاص، لا يختلف عن بحث سيبويه وأمثلته وشواهده ومصطلحاته إلا قليلاً من فرز الأبواب واختصار التحليلات، أو ترتيب الأجزاء بتقديم بعضها على بعض، أو تقنين للظواهر التى حلَّلها سيبويه، أو وضع حدود معينة للمنادى والمندوب والمستغاث والمرخم، أو زيادة تعليلات فى بعض الأحكام، أو توغل فى تحليل عاملية البنى الندائية من فعل أو أداة نائبة أو عامل معنوى.
5- التعليل فى موضوع النداء
          ورث سيبويه تعليل الأحكام والظواهر اللغوية عن شيوخه، ولا غرابة فى هذا فإنَّ البيئة التى نشأ فيها النحو بيئة عقلية تهتم بالتعليل، ولذا نجد فى كتاب سيبويه عللاً كثيرة مبثوثة فى تضاعيف موضوعاته النحوية، "فهو لا يعلل فقط لما كثر فى ألسنتهم واستنبطت على أساسه القواعد، وكأنما لا يوجد أسلوب، ولا توجد عبارة بدون علة"(المدارس النحوية، د. شوقى ضيف، 82).
          ولابد لنا قبل الولوج فى علل النداء، أن نعرف تنوع العلل فمنها علَّة توضح الحكم النحوى وتفسِّر السلوك اللغوى، وهو ما يسمى بالعلل التعليمية، ونوع آخر يقوم على الافتراض العقلى والقياس المنطقى الذى يحمل الأشياء بعضها على بعض، وهو ما يسمى بالعلل القياسية والجدلية، ويمكن القول أنَّ النوع الثانى ظهر متأخراً عن النوع الأول من التعليل، ولاسيما بعد أن ترسخت أحكام النحو واستقرت قواعده، إذ شرع النحاة بفلسفة هذه الأحكام والقواعد.
          والمهم فى بحثنا هذا هو مدى ظهور العلة ومن أى نوع هى؟
          ولعل أول علة تطالعنا فى بحث النداء، هى علة طول الكلام فى تعليل نصب المنادى المضاف والنكرة وهى علة يعلل بها كثيراً من المواضع، فكأنما جعلت هذه العلة قاعدة تفسيرية لكثير من الظواهر المتشابهة، وبعد ذلك يعلل الرفع والنصب فى صفة المنادى العلم، وما يورده من علل الخليل، إذ يطرح عليه إشكالاته فى حوارية مع أستاذه، فنراه يسأل بعد ذكره تعليل الخليل لرفع صفة العلم المنادى: أفرأيت قول العرب كلهم:
أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائراً   فقد عرضت أحناء حق فخاصم
 
          أى شىء لم يجز فيه الرفع كما جاز فى الطويل؟
          فيجعل الخليل الوصف المضاف بمنزلة المنادى فالمضاف إذا نودى نصب، قال الخليل كأنهم لما أضافوا ردوه إلى الأصل كقولك: إنَّ أمسَك قد مضى. وهنا علة الردِّ إلى الأصل تفسر لنا تعيُّن نصب الصفة إذا أضيفت.
          وثمَّة علّة ثالثة تفسِّر لنا رفع المنادى المفرد "فأمَّا المفرد إذا كان منادى فكلُّ العرب ترفعه بغير تنوين، وذلك لأنَّه كثر فى كلامهم، فحذفوه وجعلوه بمنزلة الأصوات نحو حوب وما أشبهه"(الكتاب، 2/182-185) ويظهر أنَّ هذا التعليل لا ينسجم مع موضوعنا هذا، لأنَّ التنوين علامة للتنكير ودلالة على انقطاع الكلمة عمّا بعدها.
          ومثال هذه العلة كثرة الاستعمال، فى الترخيم قوله: "ولو حذفت من الأسماء غير الغالبة لقلت فى مسلمين يا مسلم أقبلوا... وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف فحذفوا"(نفسه، 2).
          وكثرة الاستعمال يعلل بها كثيراً من الظواهر اللغوية، وعليه فإنَّ هذه العلل ظاهرة قريبة المأخذ يقنع بها الدارس وتوضح للمتعلم هدف السلوك الكلامى (طول الكلام - الرد إلى الأصل - كثرة الاستعمال) وهكذا "نتابع التعليلات المختلفة للأوجه المختلفة بحيث تناسب هذه التعاليل المسائل التى يعلل لها فى كل وجه"(الشاهد وأصول النحو، 366)، وهى علل ظلت ملازمة للدرس النحوى ومؤثرة فيه، تظهر فى أبحاث النحاة كثيراً بل عممت على كثير من الأحكام والظواهر اللغوية.
          ويظهر أنَّ تعليل كثرة الاستعمال وطول الكلام تفسيرات صوتية وبنيوية للسلوك اللغوى على وفق قوانين صوتية وبنيوية، فإنَّ النزعة للاقتصاد فى الجهد الصوتى وطلب الأخفّ والاختصار فى طول الكلام والرد إلى الأصل مدار هذه العلل.
          وقد نجد تعليلات دلالية مفادها تجنب اللبس فى الأداء اللغوى، وهذا ما فسَّر به رفع صفة المنادى المبهم (أى واسم الإشارة) قال: "وإنَّما صار وصفه لا يكون فيه إلا الرفع لأنَّك لا تستطيع أن تقول يا أىُّ ولا يا أيُّها وتسكت، لأنَّه مبهم يلزمه التفسير فصار هو والرجل بمنزلة اسم واحد، كأنَّك قلت يا رجل" ثم يورد ما يمكن أن يعترض به على هذا التفسير بقوله: "وليس ذا بمنزلة يا زيد الطويل"(الكتاب، 2/188-189).
          وهذا تعليل يقام على فهم وظيفة (أى واسم الإشارة) وإنَّهما مبهمان أنَّما يتوصل بهما للمنادى, ولذا فأنَّهما جزء من المنادى، وما يمكن أن يظهر على المنادى فى هذا الموضع يظهر على الصفة، لأنَّهما لفظان لمعنى واحد، ويقوم هذا التعليل على عقد مقارنة بين التركيب الأول والثانى، موضحاً الفرق بينهما من ناحية الدلالة. ومن هذا نلحظ: أنَّ البحث قائم على ترابط الأجزاء بعلاقة السببية واشتراك الأمثلة موضع التحليل والبحث. لتكون سلسلة مترابطة الحلقات بعضهما يؤدى إلى بعض، بطريقة تعليمية وبحثية استقرائية فى آن واحد، يقلب الأنماط اللغوية ويوضح علاقاتها التى تشترك فيها وما تفترق فيه من جوانب، متوصلاً إلى أحكامها متتبعاً شواردها ودقائقها. ليبين التراكيب الصحيحة واللاحنة والصواب والقبيح والحسن، والجائز والواجب والممتنع، والكثير والقليل والمطرد والشاذ.
          وقد يعلل سيبويه اختياره لأحد رأيين فى حكم نحوى مقدماً إيّاه على الرأى المرجوح، وذلك فى ندبة العلم الموصوف، "تقول: وازيدُ الظريفُ والظريفَ، وزعم الخليل رحمه الله أنَّه منعه من أن يقول وازيدُ الظريفاه أنَّ الظريف ليس بمنادى، ولو جاز ذا لقلت: وازيد أنت الفارس البطلاه، لأنَّ هذا غير منادى، كما أنَّ ذلك غير نداء ... وأمَّا يونس فيلحق الصفة الألف، فيقول: وازيدَ الظريفاه، وأجمع واجمجمتىَّ الشاميتنات. وزعم الخليل رحمه الله أنَّ هذا خطأ"(نفسه، 2/225-226).
          ويظهر من هذا أنَّه يختار رأى الخليل فيقدمه على رأى يونس ويعلله ويستفيض فى شرحه وتحليل تراكيب لغوية مشابهة، ورد ما يمكن أن يعترض به عليه، ثم يورد رأى يونس فى ذيل المسألة من غير رفض له أو استدلال عليه.
          وقد مرَّ بنا أنَّ تعليلات سيبويه تؤسَّس فى أكثرها على سنن اللغة وقواعد الأداء اللغوى، فهى علل صوتية تفسر الظاهرة اللغوية بحسب النظام الصوتى اللغوى، وعلل دلالية تبيِّن المعنى وراء كل نسق كلامى، وعلل بنيوية تفسر ما يحدث للوحدات فى أثناء التأليف، وتوضح الفروق البنائية بين الإنساق المتنوعة والأنماط المختلفة، ومن هنا نستطيع أن نعدَّ علل سيبويه فى القسم الذى صنفه الجليس فى كتابه ثمار الصناعة "فهى علل تطرد على كلام العرب وتنساق إلى قانون لغتهم".
6- أنماط العلل
1- علل صوتية: علَّة كثرة الاستعمال، وعلة قلة الاستعمال قال: "لا يكادون يقولون يا أباه لأنَّ ذلك قليل فى كلامهم" على كراهية: "إذا وافقت الياء الساكنة ياء الإضافة لم تحذف أبداً ياء الإضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة فى الياء"(الكتاب، 223)، ومثل هذه العلل كثير فى الكتاب مثل علَّة الترنم فى الندبة وعلَّة الخفة(نفسه، 208).
2- علل دلالية: مثل (الحمل على المعنى) قال: "تقول يا زيدُ الطويلُ ذو الحجة، إذا جعلته صفة للطويل، وإن حملته على زيد نصبت، فإذا قلت يا هذا الرجل فأردت أن تعطف ذا الحجة على هذا جاز فيه النصب، ولا يجوز ذلك فى أى لأنه لا تعطف عليه الأسماء، ألا ترى أنَّك لا تقول: يا أيُّها ذا الجمة، فمن ثم لم يكن مثله"(نفسه، 2/193).
          ومن العلل الدلالية علَّة الفرق قال: "ألف الندبة تابعة لما قبلها إن كان مكسوراً فهى ياء، وإن كان مضموماً فهى واو وإنَّما جعلوها تابعة ليفرقوا بين المذكر والمؤنث، وبين الاثنين والجميع، وذلك قولك واظهرهوه"(نفسه، 224).
          ومن العلل الدلالية علة الإبهام قال "منع الخليل ويونس ندبة نحو (وارجلاه ويا رجلاه، وصفوه بالقبح، لأنَّك أبهمت"(نفسه، 2/227).
3- علل تركيبية: مثل قوله "أرأيت قول العرب يا أخانا زيداً أقبل، قال عطفوه على هذا المنصوب فصار نصباً مثله، وهو الأصل، لأنَّه منصوب فى موضع نصب".
          وكذلك قوله "إنَّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد منفرد، والمضاف إليه هو تمام الاسم ومقتضاه، ومن الاسم. ألا ترى أنَّك لو قلت عبداً أو أميراً، وأنت تريد الإضافة لم يجز لك. ولو قلت هذا زيد كنت فى الصفة بالخيار، إن شئت وصفت وإن شئت لم تصف، ولست فى المضاف إليه بالخيار لأنه من تمام الاسم"(نفسه، 2/226).
          ومثل هذه العلل كثير فى كتاب سيبويه مما سلك فيه سبيل المنطق اللغوى وقوانين الكلام العربى، ولم يتمحل فى افتراضات وتقديرات لا تمت بصلة للبحث اللغوى السليم.
7- المصطلح فى أبواب النداء
          فى كتاب سيبويه جملة من المصطلحات الدالة على مفاهيم نحوية ولغوية، نعرض لها بحسب ظهورها فى مبحث النداء وملحقاته، وأول هذه المصطلحات (النداء).
1- النداء: وضعه سيبويه عنواناً رئيساً للباب، بقوله: "هذا باب النداء" ويقصد به، أولاً: ما نصطلح عليه (أسلوب النداء)، ويقصد به ثانياً الاسم الذى تدخل عليه أداة النداء، إذ قال: "إعلم أنَّ النداء كلُّ اسم مضاف فيه فهو نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره، والمفرد رفع فى موضع اسم منصوب"(الكتاب، 2/188)، فمصطلح النداء هنا يدل على أحوال الاسم بعد أداة النداء من جهة الإفراد والتركيب، فأطلق على أحوال المنادى (المفرد، النكرة، والمضاف)، ولم يظهر مصطلح المنادى فى الصفحة الأولى ولا فى الثانية، لكنه ظهر بعدهما، قال فى تفسير نصب صفة المنادى المبنى: "لأنَّ المنادى إذا وصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان فى موضعه"(نفسه، 2/184)، وقد استعمله فى المنادى العلم "مرفوع غير منادى"(نفسه، 2/192) واستعمله مرة أخرى فى العلم أيضاً "لأنَّه وصف منادى"(نفسه، 2/193) فى تحليله (يا زيد الناكى العدو)، واستعمله أيضاً للمنادى النكرة التى تتعرف بالنداء، وهى ما اصطلح عليها فى مرحلة تلت سيبويه، بالنكرة المقصودة، قال: "يدلك على أنَّها اسم للمنادى"(نفسه، 2/198) يقصد النكرة المقصودة، وكذلك الأمر مع النكرة غير المقصودة، قال: "فإنَّما جعل الخليل رحمه الله المنادى بمنزلة قبل وبعد"(نفسه، 2/199)، وبذا يبطل زعم الباحث الذى درس المصطلح فى كتاب سيبويه: إذ قال: "إنَّ سيبويه يميِّز بين المنادى المخصوص بمصطلح (المنادى) وغير المخصوص بمصطلح (النداء)"(المصطلح فى كتاب سيبويه، 225-226).
          ويلحظ على هذا المصطلح ثباته فى النحو العربى على مدى عصوره ومراحله التى مرَّ بها، وتجدر الإشارة إلى أنَّ مصطلحاً يقابله عند الأخفش (215 هـ) وهو (الدعاء)(معانى القرآن للأخفش، 1/258) فى كتابه المعانى.
          وخلاصة الأمر أنَّ سيبويه أطلق النداء وأراد به الأسلوب والاسم، وأطلق المنادى وأراد به الاسم فقط.
- الاستغاثة والتعجب
          (الاستغاثة) و(المستغاث به) و(المستغاث له) و(التعجب) و(المتعجب منه)، مصطلحات وردت فى المباحث التى ألحقها بالنداء، إلا أنَّه لم يجعلها عنواناً للباب مثل فعله فى أول موضوع النداء، بل نراه يذكر "هذا باب ما يكون النداء فيه مضافاً إلى المنادى بحرف الإضافة"(الكتاب، 2/215)، ويلحظ هنا استعمال مصطلح (حرف الإضافة) الذى تطور بعد سيبويه وعلى الخصوص عند ابن السراج فأصبح لام الاستغاثة ولام التعجب.
          واستعمل مصطلح (حروف النداء) للدلالة على أدوات النداء واصطلح على الاسم بعدها مدعو قال (هذا باب الحروف التى ينبه بها المدعو) ويظهر أنَّه يريد بالمدعو ما هو أعم من المنادى ليشمل المستغاث به أو له والمتعجب منه والمندوب، لكنَّ هذا الأمر لا يستقيم لأنَّنا نراه يسمى المستغاث به أوله (منادى) قال: "فاللام المفتوحة إضافة النداء إلى المنادى المخاطب"(نفسه، 2/219) و(اللام المكسورة أضافة المدعو إلى ما بعده) ويقصد به مدعواً عليه، فالاسم بعد اللام المكسورة ليس هو المنادى بل المنادى محذوف، ولذا فسر قولهم (يا للماء) قائلاً (كأنَّه نبَّه بقوله يا غير الماء للماء)(نفسه، 2/218-219) إلا أنَّه ربّما استعمل المدعو ليدخل فيه (المندوب) لأنَّه ليس منادى عنده.
          ويلحظ أنَّ مصطلحات الاستغاثة والتعجب ثابتة لم تتغير عدا لام الإضافة وأدوات النداء، ومصطلح الأداة كوفى.
- (الندبة) و(المندوب) و(ألف الندبة)
          ابتدأ سيبويه بتعريف المندوب وتمييزه عن المنادى والمستغاث به والمتعجب منه قال: (المندوب مدعو لكنه متفجع عليه)(الكتاب، 2/220).
          وهذا المصطلح (المندوب والندبة) لم يتغير أو يتطور بل بقيت مشتقاته كما هى عند سيبويه ويلحظ أنَّ سيبويه لم يعبِّر عن المندوب بل عبَّر عنه بالمدعو، وأكَّد هذا الأمر بقوله فى المندوب (لأنَّ عمراً غير منادى)(نفسه، 2/225).
          ويلحظ أنَّه جعل الندبة بـ(يا ووا)، إلا أنَّ المركبات المحللة جميعها يستعمل فيها (وا) عدا مركبين هما (يا رباه) ومركب آخر جاء فى معرض المنع لا الجواز قال: "هذا باب ما لا يجوز أن يندب وذلك قولك وارجلاه ويا رجلاه، وزعم الخليل ويونس أنَّه قبيح، وأنَّه لا يقال"(نفسه، 2/236)، لأنَّ الندبة ينبغى أن تكون بأعرف الأسماء.
الاختصاص
          مصطلح يطلق على المنصوبات بفعل تقديره (أعنى) قال: "إنّا معشرَ العرب َنفعل كذا وكذا، كأنَّه قال أعنى، ولكنه فعل لا يظهر ولا يستعمل كما لم يكن ذلك فى النداء لأنَّهم اكتفوا بعلم المخاطب، وأنَّهم لا يريدون أن يحملوا آخر الكلام على أوله ولكن ما بعده محمول على أوله"(نفسه، 2/237) وتناول فيه كذلك المنصوبات على التعظيم والتعجب ويلحظ أنَّه يقارن هذا الباب وما جاء فيه منصوباً بالمنصوب من النداء، ومصطلح الاختصاص ثابت لم يتغير فى العصور اللاحقة لسيبويه.
الترخيم
          عرف سيبويه الترخيم بقوله: "حذف أواخر الأسماء المفردة تخفيفاً"(الكتاب، 2/239)، ومصطلح الترخيم بهذا المفهوم ثابت حتى عصرنا الحاضر.
مصطلحات الأحكام
1- الإعراب والبناء: يستعمل سيبويه مصطلح الإعراب، قال فى تحليل (اللهم): "والهاء مرتفعة لأنَّه وقع عليها الإعراب"(الكتاب، 2/196) ولم يستعمل مصطلح البناء أو المبنى، ولعلَّ ما رسخ فى كتب النحو اللاحقة (بناء المفرد العلم والنكرة المقصودة) هو فهمهم لكلام سيبويه: (رفع وهو فى موضع نصب)، وكذلك استدلوا على البناء بقول الخليل: "رفعوا المفرد كما رفعوا (قبل وبعد) وموضعهما واحد"، فالمبرد يستعمل مصطلح البناء: "إذا كان المنادى واحداً مفرداً معرفة بنى على الضم"(المقتضب، 4/204) وبعده ابن السراج مع أنَّه لم يصطلح عليه (المبنى) فى تقسيمه للمنادى بل أطلق عليه (المضموم) ولم يظهر إلا فى صفحات لاحقة إذ يظهر مصطلح (يبنى) و(يا زيد مبنى)(الأصول، 1/332)، وفى شرح السيرافى نجد مصطلح البناء حاضراً.
          ومن مصطلحات الإعراب والبناء الأخرى قوله: "فيضم قبل المرفوع وينكسر قبل المجرور وينفتح قبل المنصوب"(الكتاب، 2/203) ويبدو أنَّه يريد بالمرفوع والمنصوب والمجرور هنا ليميز الحرف الأخير الذى تظهر عليه حركة الإعراب أو البناء، وقد استعمل (الرفعة) يريد بها الضمة، و(الجرة) يريد بها الكسرة، و(النصبة) يريد بها الفتحة، واستعمل (ينجزم) يريد السكون(نفسه، 2/204).
2- الخيار: ويعنى به جواز الأمرين، دون ترجيح لأحدهما على الآخر، قال فى المندوب الذى آخره ألف وأضيف إلى ياء المتكلم، "فإذا ندبت فأنت بالخيار إن شئت ألحقت الألف كما ألحقتها فى الأول وإن شئت لم تلحقها وذلك قولك: وامُثنّاياَه- وامُثنَاىَ"(نفسه، 2/223).
3- محال: وهو ضد استقامة الكلام: قال: "وأمّا تميم أجمعون فأنت بالخيار إن شئت قلت أجمعون وإن شئت قلت أجمعين ولا ينتصب على أعنى، من قبل أنَّه محال أن تقول أعنى أجمعين"(نفسه، 2/184) وهو من المصطلحات الواردة كثيراً فى كتاب سيبويه يستعمله فى تقويم المستويات الأدائية وكذلك يستعمل ألفاظاً أخرى فى التحليل والتصنيف للتراكيب اللغوية وبيان مستوياتها مثل (قبيح, مستقبح، لحن).
4- الاطّراد: كثر ورود هذا المصطلح عند سيبويه ويريد به كثرة ورود الظاهرة فى الاستعمال اللغوى وقد استعمل هذا المصطلح فى العلم المنادى قال: "ولكنه اسم أطَّرد الرفع فيه وفى أمثاله"(نفسه، 2/202) وقد شاع استعمال هذا المصطلح فى توصيفات النحاة للأحكام والظواهر فى النحو.
5- القياس: مصطلح ثابت عند البصريين والكوفيين وهو مصطلح استعمل فى العلوم الشرعية والعقلية مثل أصول الفقه والمنطق، اقتبسه النحاة منهم يقصد به سيبويه ما كثر وفشى فى الاستعمال اللغوى.
6- أخفّ: مصطلح صوتى نراه فى مواضع كثيرة من كتاب سيبويه يريد به العدول من صوت ثقيل إلى ما هو أخفّ منه على اللسان، قال فى هاء الندبة التى تلحق المضاف إليه "ولم يحركوها فى هذا الموضع إذ كانت زيادة غير منفصلة من الاسم، فصارت تعاقب، وكانت أخفَّ عليهم".
7- ينجزم حرفان: يقصد به سكونهما، وهو ما عرف فى المصنفات النحوية بـ(التقاء الساكنين) ولكنَّنا نراه بعد فقرة من هذا المصطلح يستعمل (التقاء الساكنين) لمرة واحدة فقط، وربما يكون من وضع اللاحقين مثل الأخفش وغيره ممن دخلت تعليقاتهم فى ثنايا الكتاب.
8- لغة من يجرّ: لم يسم اللهجة فى بعض المواضع بل وصفها بما عرفت به من سمات لغوية.
9- الجر والمجرور: مصطلح وارد فى كتاب سيبويه، ظلَّ محافظاً على ما هو عليه عند البصريين عموماً، ويقابله عند الكوفيين الخفض والمخفوض.
10- الإلحاق: مصطلح صرفى أراد به سيبويه الزيادة التى تطرأ على المندوب، قال: "وا زيدُ إذا لم تضف, ووا زيدِ إذا أضفت إن شئت قلت: (وازيدِى) والإلحاق وغير الإلحاق عربى فيما زعم الخليل ويونس"(الكتاب، 2/221) ويلحظ أنَّه استعمل ياء الإضافة للدلالة على ياء المتكلم.
11- المد: مد الصوت، والوقف، والوصل: كل هذا من المصطلحات الصوتية الثابتة إلى يومنا.
مصطلحات الأبواب الأخرى فى النداء
1- البدل(الكتاب، 2/183): وهو من التوابع، استعمله سيبويه ولم يتغير فى المصنفات النحوية عند البصريين ويستعمل الكوفيون (التفسير) للدلالة على هذا التابع.
2- المبهم(الكتاب، 2/227): أصطلح سيبويه هذا اللفظ ويقصد به أسماء الإشارة وأى، وهو بهذا المصطلح يلحظ الدلالة الوظيفية لهذه المفردات التى ليس لها دلالة معجمية، ويبقى مصطلح المبهم حتى عصر الزمخشرى إذ يستعمله فى المفصل، والغريب أنَّ سيبويه يطلق المبهم على اسم الإشارة، وهو من أعرف المعارف لحضوره والإشارة إليه.
3- المفرد: ويقصد به ما يقابل المضاف فيشمل (العلم والنكرة المقصودة)(الكتاب، 2/192)، ويلحظ أنَّ هذا المصطلح يشمل مفهومات عَّده إذ يدلّ على ما يقابل الجمع والمثنى حيناً، وعلى ما يقابل المركب من الأسماء حيناً آخر، وهذا ما يؤاخذ على النحاة فى إطلاق المصطلح الواحدعلى أكثر من مفهوم.
4- الصفة: للدلالة على تابع المنادى، ومشتقات الصفة (وصفه) و(وصفاً) و(صفات)(الكتاب، 2/212) لكنّه قد يستعمل مصطلح التفسير ويقصد به الصفة(نفسه، 2/212)، والصفة من المصطلحات الثابتة لدى البصريين من عهد سيبويه، ويقابله النعت عند الكوفيين، ولم يستعمل سيبويه (النعت) إلا فى موضع واحد فقط فى عرضه لموضوعات النداء وملحقاته(نفسه، 2/195).
5- عطف البيان: أشار إليه سيبويه بـ(عطفوه) يقصد به عطف البيان(نفسه، 2/190).
6- الممطول: يريد به الاسم المركب بالعطف، وقصد به (ثلاثة وثلاثين)(نفسه، 2/228).
7- الخزل(نفسه، 2/236): الحذف من الكلام.
القسم الثانى
1- وظيفة النداء
          النداء بنية تداولية إنشائية بحسب المفاهيم الأوليّة للإنشاء فى كتاب سيبويه، وما تابعه عليه النحاة، وهو تنبيه المخاطب ودعوته، وعلى حدِّ شرح السيرافى: "النداء لا يُعبَّر به عن شىء آخر، وإنَّما هو لفظ مجراه مجرى عمل يعمله عامل"(الكتاب، 2/182)؛ فالنداء ليس فعل إخبارى يكشف الواقع الخارجى ليطابقه صدقاً أو كذباً، بل إنشاء لفعل كلامى تخاطبى بالمفهوم الذى رقنه سيبويه.
          وينماز هذا الفعل فضلاً عن ماهيته الإنشائية الطلبية، بموقعه التخاطبى، فهو صدر كل خطاب لتهيئة ذهن المخاطب إلى مضامين خطاب المتكلم التالية للنداء. "لأنَّ أول الكلام أبداً النداء؛ إلا أن تدعه استغناءً بإقبال المخاطب عليك، فهو أول كلِّ كلام لك، به تعطف المُكلَّم عليك"(الكتاب، 2/208).
          ويُنبَّه المخاطب بوساطة مؤشرات القوة الإنجازية فى تركيب النداء، وهى (يا، وأيا، هيا، وأى، وبالألف) "إلا أنَّ الأربعة غير الألف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشىء المتراخى عنهم والإنسان المعرض عنهم، اذ يرون أنَّه لا يقبل عليهم إلا بالاجتهاد، أو النائم المستثقل وقد يستعلمون هذه التى للمد فى موضع الألف ولا يستعملون الألف فى هذه المواضع التى يمدون فيها، وقد يجوز أن تستعمل غير (وا) إذا كان صاحبك قريباً منك مقبلاً عليك توكيداً وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء كقولك (حار بن كعب) وذلك أنه جعله بمنزلة من هو مقبل عليه بحضرته يخاطبه"(الكتاب، 2/203).
          نلاحظ فى هذا التحليل السيبويهى لبيان ملاءمة الأبنية الندائية لأحوال المخاطب ومراتبه التخاطبية، وتخصيص ما يناسب المقامات المختلفة، فمد الصوت للمتراخى عنهم، أو المعرض وصفاً لحال المخاطب الذى (لا يقبل عليهم إلا باجتهاد) أو النائم المستثقل، ويمكن استعمال هذه الأدوات الخمسة لتنبيه المخاطب القريب المقبل للتنبيه وتنشيط انتباهه نحو ما يلقى إليه من خطاب.
          ومن هنا يتبدى أنّ بنية النداء بنية توليدية تنفرع اقتضاءاتها بحسب مقامات تخاطبية افتراضية مستنبطة من استقراء طرائق الخطاب العربى وحيثياته الاستعمالية، ولا نجافى الحقيقة إن قلنا إنَّ النحو الذى يبنى الأشكال التركيبية على وفق معطيات استعمالاتها المقامية هو نحو خطابى يدمج الصورنة النحوية بمجرياتها الاستعمالية.
          وإذا ما أخذنا بالنظر السيبويهى لوظائف النداء وأسيقتها التخاطبية الملائمة لأنماطه التركيبية، فإنَّ النداء يسهم إسهاماً مباشراً فى تقوية إنجازية الأفعال الكلامية التالية، بما يسهم من شدِّ انتباه المخاطب واسترعاء اهتمامه لتقبل ما يلى النداء مباشرة، وبهذا يضطلع النداء بتنشيط أو تقوية الإنجاز بطريقة خاصة لا تتأتى للأنماط الإفصاحية الأخرى.
          وبهذا يكون النداء فعلاً خطابياً مستقل الذات له خصائصه المائزة عما سواه من الأفعال الخطابية، إلا أنَّه يوارد أفعالاً أخرى فى الخطاب تتلوه أو تتقدمه، وقد خصَّص النحو الخطابى الوظيفى النموذج المعيار ثلاث وظائف رئيسة للنداء هى (الاسترعاء) حيث يفتتح المتكلم خطابه بالنداء العادى، إذ يقوم بانتقاء الشخص الذى ينوى توجيه الخطاب إليه، ووظيفة (الحفاظ) حينما يرد النداء فى ثنايا الخطاب لتنبيه المخاطب على استمرار التواصل معه بعد أن انتقاه فى مفتتح خطابه، ووظيفة (التعيين) أو التخصيص والتصحيح حين يورد المتكلم ندائه بعد تمام الخطاب لتعيين مخاطبه بتخصيصه أو تصحيحه، ويحصل ذلك فى مقامين، مقام التباس المخاطب أو إمكان تعدُّده، ومقام الخطأ فى انتقائه(مسائل النحو العربى فى قضايا نحو الخطاب الوظيفى، 106) وقد تبدَّت تلك الوظائف التخاطبية فى تحليلات سيبويه.
          ونجد فى كتاب سيبويه رصد الوظيفة الإشارية، وإشخاص المنادى من بين جنسه ونوعه؛ لذا منع دخول الألف واللام فى النداء، من قبل أنَّ كلَّ اسم فى النداء مرفوع معرفة وذلك أنَّه إذا قال يا رجل، ويا فاسق فمعناه كمعنى "يا أيُّها الفاسق ويا أيُّها الرجل، وصار معرفة لأنَّك أشرت عليه وقصدت قصده واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التى للإشارة نحو (هذا) وما أشبهه"(الكتاب، 2/197) والوظيفة الإشارية التداولية هى وظيفة مقامية فرعية تتولد عن النداء بوجود عناصر الإحالة المشار إليها (المخاطب ونحوه) الذى يُميَّزه النداء ويتوجه إليه بالخطاب دون سواه من أفراد جنسه(الكتاب، 2/197-198).
          ويتابع الجرجانى سيبويه فى هذه الوظيفة بقوله: "إعلم أنَّ المعرفة فى غير النداء نحو زيدٍ وعمروٍ، والنكرة نحو رجلٍ وما أشبهه يستويان فى التعريف إذ هما كقولك: يا زيدُ ويا رجلُ، وسبب التعريف أنَّك أقبلت على واحد من الجنس وخصصته بالنداء فجرى مجرى أن تقول الرجل"(نظرية التلويح الحوارى، 441).
          وهنا يؤسِّس النداء بإشارته المخصِّصة للمخاطب للعلاقة بين المتخاطبين على وفق مبدأ الإثراء التداولى الذى نصَّ عليه أصحاب نظرية الصلة (سبيربر وولسن) ووافقهم عليه ريكناتى فى وظيفة التصريح الخطابى "الذى يحدِّد الإحالة ويشخِّص الإشارة ويزيل اللبس والاشتراك ويثرى القضية الأصغرية ويوسعها"(نظرية التلويح الحوارى، 441).
          فالنداء هنا نوع من الإشاريات وهى أحدى الوظائف التداولية التى رقنها اللسانيون فى مباحث ومشاغل التداولية لعلاقتها الوثيقة بالسياق الخارجى (المقام)، وبذلك ينص الجرجانى على أنَّ "النداء خطاب بلا شبهة فإذا قلت يا زيد جرى مجرى قولك: يا إيَّاك، وأدعوك، ألا ترى أنَّك تعيد إليه الضمير على لفظ الخطاب، فتقول يا زيد فعلت كذا ... لأجل أنَّ المخاطب قد يكون مُعرِضاً على المخاطب، متباعداً عن مكانه، فإذا قال له: يا إيّاك، ويا أدعوك، لم يعلم أنَّه يعنيه أو يعنى غيره، فإذا ذكر الاسم الظاهر، وقال يا زيدُ ويا رجلُ، علم أنَّه يقصده وتنبيه له. ألا ترى أنَّك لا تقول لمن هو مقبل عليك: يا فلان، ويا رجل، إلا إذا قصدت فرط إيضاح، وذكر ما لا يحتاج إليه لجرى العادة بذلك"(المقتصد فى شرح الإيضاح، 2/762).
          بذلك يقيم النداء إحالة على علم معيَّن، وهى إشارة تعيينية تختلف عن الوظائف الإشارية الأخرى؛ ذلك أنَّ التعيين بوساطة الإشاريات يكون إدراكياً أمَّا التعيين بوساطة اسم العلم فهو عمومى، إنّ مسألة التمثيل الإشارى الذهنى ترتكز على مفهوم الذاتية ثم على المكانة التى يحيلها الموضوع فى العالم الخارجى، حيث يتواجد(التداوليات علم استعمال اللغة، 447). والحاصل أنَّ المعالجة التداولية للعبارات الإشارية تقتضى الالتزام بالوضعية الخارجية للتلفظ من خلال إشراك المخاطب ومختلف العناصر السياقية الكفيلة بتأسيس العلاقة الإحالية للإشاريات (التداوليات علم استعمال اللغة، 451).
2- الاستغاثة:
          ألحق سيبويه الاستغاثة بالنداء، وذكر معها التعجب الذى تخرج له الاستغاثة عن نمطها الإنشائى الأصل، وبنيتهما التركيبية (يالـَ..)، ومثَّل للاستغاثة بقول: "المهلهل:
يالَـبكر انشروا لى كليباً   يالَبكرٍ أين أين الفرارُ
 
          فاستغاث بهم لينشروا له كليباً، وهذا منه تهديد ووعيد، وإنَّما قوله: (يالبكر أين أين الفرار) فإنَّما استغاث بهم لهم، أى لمَ تفرّون استطالةً عليهم ووعيداً..."(الكتاب، 2/2017).
          وهنا يلحظ سيبويه تحوُّل الاستغاثة من فعل إنشائى (طلب الإعانة) إلى فعل يتولَّد مقامياً بحسب المعلومات المشتركة والافتراض المسبق الذى يمهِّد للانتقال من الغرض الأساس للاستغاثة إلى فعل إنشائى وهو التهديد والوعيد الذى يندرج تحت ما أطلق عليه التداوليون الوعديات.
          والاستغاثة بحسب النحو العربى نداء خاص يطلب فيه من المستغاث به الخلاص من خطب جليل, فالاستغاثة فعل إنشائى بما هى الأفعال الطلبية التى تستدعى حصول مطلوب يساير التلفظ "فإذا قيل: يا لَزيدٍ للخطب الجليل فكأنَّه: أدعو زيداً للخطب الجليل، واللام المفتوحة خُصَّت بالمستغاث دون المستغاث إليه؛ لأجل أنَّ المستغاث منادى"(المقتصد، 2/787).
          أمَّا التعجب فهو انفعال حاصل من أمرٍ خارج عن المألوف فهو فعل إنشائى تعبيرى يفصح به المتكلم عن انفعاله إزاء حاصل له وجود خارجى ويشترك الفعل التعجبى الإفصاحى مع الفعل الاستغاثى فى الشكل التركيبى (يالـَ + المتعجب منه أو له)، بحسب الاسترسال الدلالى بين مضامين التعجب والاستغاثة، قال الرضى: "هذه اللام المفتوحة تدخل على المنادى إذا استغيث به أو تُعجِّب منه، وهى لام التخصيص أدخلت علامة للاستغاثة والتعجب ... والمستغاث مخصوص من بين أمثاله بالدعاء، وكذا المتعجب منه مخصوص من بين أمثاله بالاستحضار لغرابته"(شرح الراضى، 1/352).
          ويظهر من تحليل سيبويه لأمثلة الاستغاثة والتعجب أنَّ المائز بين الغرضين هو الواسم الدلالى، وهو إحالة المستغاث به على ذات وإحالة المتعجب به على عَرَض أو صفة أو واقعة بحسب تمثيلات سيبويه ومن تلاه من النحاة العرب، "وكلُّ هذا فى معنى التعجب والاستغاثة، وإلا لم يجز ألا ترى أنَّك لو قلت يالَزيدٍ وأنت تحدثه لم يجز"(الكتاب، 2/218).
كما يلحظ سيبويه الواسم التركيبى بين النداء والاستغاثة أو التعجب اللام المفتوحة(الكتاب، 2/218)، ويجعلها أيضاً واسماً بين المستغاث به والمستغاث لأجله، فاللام مع الأول مفتوحة ومع الثانى مكسورة "فاللام المفتوحة أضافت النداء إلى المنادى المخاطب، واللام المكسورة أضافت المدعوّ إلى ما بعده لانَّه سبب المدعوّ"(الكتاب، 2/219) وينصُّ الرضى على هذا القيد التركيبى بقوله: "إنَّما فتحت لام المستغاث لاجتماع شيئين: أحدهما الفرق بين المستغاث والمستغاث له؛ وذلك لأنَّه قد يلى (يا) ما هو مستغاث له بكسر اللام والمنادى محذوف نحويا لِلمظلوم ويا لِلضعيف، ـ أى ياقوم.."(شرح الراضى، 1/352)، وكذلك يدخل هذا الواسم التركيبى، إذا عُطف المستغاث له على المستغاث به بغير (يا) نحو قول الشاعر:
يالَلكهول ولِلشبان للعجبِ
"كسرت اللام المعطوف لأنَّ الفرق بينه وبين المستغاث له حاصل بعطفه على المستغاث، وإن عطفت مع (يا) فلابدَّ من فتح لام المعطوف أيضاً نحو قوله:
يالعطافنا ويالرياح            وأبى الحشرج الفتى النفَّاح"(شرح الراضى، 1/352، والكتاب، 2/217، 219-220)
وبذلك يجعل النحاة المؤشرات التركيبية واسمات للانتقال بين الأغراض التداولية التى تؤديها أبنية النداء وأنماطه المسترسلة معه، مع إيضاح الاسترسال الدلالى الذى يسوّغ  الانتقال من النمط الأساس إلى المعنى المتولِّد عن أبنية النداء.
وتلك السمات التى تتوزع بين المؤشرات التركيبية والقيود الدلالية الاقتضانية على أبنية النداء وأنماطه فى الاستغاثة والتعجب، لتؤشِّر لغرضية النداء والاستغاثة والتعجب، وتميّز بين قصودها الطلبية والإفصاحية، وهى ملامح مهمة فى البنية النحوية ومؤشراتها التركيبية الرابطة لها بأغراضهاوإنجازتها التداولية.
ومن المفيد استحضار ما ذكره أصحاب نظرية الصلة (سبيربروولسن) اللذان تجاوزا ماطرحه غرايس، ونظرا إلى (الماقيل) على وفق تقسيمه على التمثيلات الدلالية والتصريح، فالتمثيلات الدلالية تحتوى على المعنى الوضعى لمكونات التركيب وعادة لا تمثِّل قضايا تامة، أمَّاالتصريح فهو تطوير لذلك التمثيل الدلالى الناقص المشفَّر فى التركيب، بحيث يكون قضية تامة، وهذا التطوير يحصل عن طريق الإغناء أو الإثراء التداولى بمعونة السياق، وهو يشمل فيما يشمل تحديد الإحالة والإشارة وإزالة اللبس والاشتراك, وإغناء التمثيل الدلالى بوسائل عديدة ينتج لنا الصيغة القضوية التى تعبِّر عنها القولة(نظرية التلويح، 77).
3- الندبة:
تختلف الندبة عن النداء والاستغاثة فى عدم توجهها لمخاطب، فالمندوب عند سيبويه والنحاة "مدعو ولكنَّه متفجع عليه، فإن شئت ألحقت فى آخر الاسم الألف؛ لأنَّ الندبة كأنَّهم يترنمون فيها، وإن شئت لم تلحق كما لم تلحق فى النداء"(الكتاب، 2/220) فالندبة: "تفجُّع ونوح وحزن وغمّ يلحق النادب على المندوب عند فقده، فيدعوه وإن كان يعلم أنَّه لا يجيب لإزالة الشدَّة التى لحقته لفقده، كما يدعو المستغاث به لإزالة الشدَّة التى رهقته، ولمَّا كان المندوب ليس بحيث يسمع احتيج إلى غاية بعد الصوت، فألزموا أوَّله ياأووا، وآخره الألف، فى الأكثر من الكلام؛ لأنَّ الألف أبعد للصوت وأمكن للمد"(الكتاب، شرح السرافى، 2/220).
ومن الشروط الدلالية لأداء غرض الندبة عند سيبويه أن يكون المندوب ذاتاً معرفة فلا يقال "وارجلاً ويارجلاه، وزعم الخليل رحمه الله ويونس أنَّه قبيح، وأنَّه لا يقال، وقال الخليل رحمه الله، إنَّما قبح لأنَّك أبهمت، ألا ترى أنَّك لو قلت واهذاه، كان قبيحاً؛ لأنَّك إذا ندبت فإنَّما ينبغي لك أن تفجَّع بأعرف الأسماء، وأن تخصَّ ولاتبهم؛ لأنَّ الندبة على البيان"(الكتاب، 2/227).
إنَّ الندبة فعل افصاحى يتولد عن الخبر مقامياً للاسترسال الدلالى بين الفعلين الإخبار والندبة و"كأنَّ التبيين فى الندبة عذر للتفجع.."(الكتاب، 2/228) "لأنَّك إذا ندبت تخبر أنَّك قد وقعت فى عظيم، وأصابك جسيم من الأمر فلا ينبغى لك أن تبهم.."(الكتاب، 2/227).
ومن تحليل سيبويه للندبة نرى أنَّها تتمثل بوسائل تركيبية إعرابية ودلالية معجمية تتمثَّل بإحالة على ذات معرفة، وأخرى صرفية تتمثَّل بأداة الندبة (يا، وا) والمائز الآخر هو إلحاق المندوب بـ(الالف+ الهاء) وهى وسيلة صوتية تنغيمية (تطريزية) وتنماز الندبة بلزوم مؤشرها الوجهى (يا، وا) فلا يجوز حذفه بحال "لأنَّهم يحتلطون ويدعون ما قد فات وبعد عنهم، ومع ذلك أنَّ الندبة كأنَّهم يترنمون فيها، فمن ثمَّ ألزموها المدَّ وألحقوا آخر الاسم المدَّ مبالغة للترنم"(الكتاب، 2/231).
أمَّا توليد الندبة عن الخبر فبلحاظ الأصل الاقتضائى المنقدح من إنشاء الندبة، إذ يقتضى إنشاء الندبة فقد مندوب وإظهار المتكلم حزنه عليه وتفجعه.
تجدر الإشارة إلى ما طرحه الوظيفيون من مفهوم الوجه الذى يحيل على موقف المتكلم إزاء واقعة ما أو قضية ما، وهذا يعنى أنَّ (الوجه) مرتبط بعلاقة المتكلم بفحوى خطابه، ومن الواضح أنَّ الندبة تندرج ضمن الوجوه الانفعالية(التداوليات علم استعمال اللغة، 530) بحسب طبيعتها وسماتها التداولية.
4- تداخل الأساليب فى التركيب والدلالة (الاختصاص)
ينبنى المنهج السيبويهى فى التحليل اللسانى على استقراء الموضوعات المنضبطة بشكل تركيبى أعمّ، من حيث البنية العاملية التى تربط مجموعة الأنماط المشتركة وواسماتهاالاعرابية، فضلاً عن تداخلها الدلالى واسترسالها الوظيفى فى التواصل، ومن هنا أدرج سيبويه الاختصاص ضمن موضوعات النداء.
فالاختصاص "ليس بمنادى ينبَّهه غيره، ولكنَّه اختصَّ كما أنَّ المنادى مختصٌّ من بين أمَّته لأمرك ونهيك أو خبرك.. فيجىء لفظه على موضع النداء أيضاً لأنَّ موضع النداء نصبٌ، ولا تجرى الأسماء منه مجراها فى النداء، لأنَّهم لم يجروها على حروف النداء. ولكنَّهم أجروها على ما حمل عليه النداء، وذلك قولك: إنّا معشرَ العربَ نفعلُ كذا وكذا، كأنَّه قال: أعنى، ولكنَّه فعل لا يظهرُ ولا يستعملُ كما لم يكن ذلك فى النداء، لأنَّهم اكتفوا بعلم المخاطب"(الكتاب، 2/233).
وللاختصاص وظيفة إفصاحية عند سيبويه، يعبِّر من خلاله المتكلم عن مدحه لذات معينة والافتخار بها: "فإنَّما اختصّ الاسم هنا ليعرف بما حمل على الكلام الأوّل وفيه معنى الافتخار... وإذا صغّرت الأمر فهو بمنزلة تعظيم الأمر فى هذا الباب، وذلك قولك: إنّا معشرَ الصعاليكِ لا قوةَ بنا على المروُّة، وزعم الخليل أنَّ قولهم: بك اللهَ نرجو الفضلَ وسبحانَك اللهَ العظيمَ نَصَبه كنصب ما قبله، وفيه معنى التعظيم"(الكتاب، 2/235).
ومن الشروط الدلالية (المعجمية) التى تشرك الاختصاص بموضوعات النداء، تعريف المختص "واعلم أنَّه لا يجوز لك أن تبهم فى هذا الباب فتقول: إنّى أفعل كذا وكذا، ولكن تقول: إنّى زيداً أفعل. ولا يجوز أن تذكرَ إلا اسماً معروفاً؛ لأنَّ الأسماء إنَّما تذكرها توكيداً وتوضيحاً هنا للمضمر وتذكيراً.. وهذا موضع بيان كما كانت الندبة موضع بيان"(الكتاب، 2/236).
وبذلك تتضح وظائف الاختصاص التداولية وهى ترجع جميعها إلى المدح (الافتخار والتعظيم)، فالاختصاص نمط إفصاحى يتولَّد عن بنية إخبارية ذات محتوى قضوى غير مقصود لذاته، توسم بعلامة النصب التى تؤشِّر للوجه الانفعالى إزاء فحوى الخطاب ومضمونه، وهو إظهار المخاطب مدح أو تعظيم ذات معينة وتخصيصها من بين مجموعتها بصفة مميزة. وتلك البنية الافصاحية تتأسَّس نحوياً على وفق مؤشرات التركيب والدلالة التى تتوزع الإعراب والخصائص المعجمية لمكوناتها اللسانية.
خلاصة
شكَّلت الموضوعات المتَّسقة فى السمات والملامح مادة واحدة عرضها سيبويه فى باب النّداء، وارتبطت الموضوعات (النّداء والاستغاثة والتعجب والندبة والاختصاص) بعلاقات البنية العاملية التى تأسَّست على مفهوم (الفعل المتروك إظهاره) وواسمها الإعرابىّ (علامة النصب) ومقولتها المعجمية المتمثلة بالاسم، مما هيّأها لنظر منهجى موحَّد، فعرضها سيبويه بحسب أسس منهجية من حيث التقسيم والتبويب والتعليل والمصطلح والتمثيل، فضلاً عن الرؤية القياسية فى النظر والاستقراء للفروع المتولِّدة عن أصولها اللسانية، فأُقيم المنهج السيبويهى على مجموعة من الوسائل والطرق التى قدمها لاستكناه المادة المحلَّلة، وربط الأشكال النحوية بغاياتها التواصلية وأغراضها الوظيفية.
ويبدو أنَّ النحاة بعد سيبويه قد اتَّبعوا آثاره فى المنهج من حيث العرض والتحليل والاستنباط والتفسير فواصلوا تحليل أشكال النّداء وموضوعاته المشتركة وأكملوا التأويل الدلالى لبنيته العاملية، والروابط الدلالية الأساسية التى تنعقد بها علاقات الأبواب، فأظهروا مقاصد المتكلم وأحوال المخاطب، وقدموا آراء ما أسَّسه إمامهم فى النحو سيبويه، ووصفوا أغراض النّداء وموضوعاته فى التواصل اللسانى وإغناء بنياتها فى التحولات الوظيفية مقامياً، ورصد السمات المائزة بين الأنواع، وبذلك أسَّس سيبويه وتابعيه لمنهجية رائدة تكفل للسان العربى تحقيق كفاية نظرية وتفسيرية وتداولية مما يمكّننا من القول أنَّ النحو العربى أحد الأنحاء المؤسَّسة وظيفياً.

الهوامش:
1- منهج كتاب سيبويه فى التقويم النحوى / 382.
2- التطور النحوى / 81- 82.
(3) ينظر: منهج كتاب سيبويه فى التقويم النحوى/ 382.
(4) الكتاب 1/ 273.
(5) الكتاب 1/ 275.
(6) ينظر مفهوم الجملة كتاب سيبويه / 258.
(7) المقتضب 4/ 187.
(8) ينظر فى بنية الحدث التركيبية / 16.
(9) الكتاب 2/ 183، 190، 196.
(10) نفسه 2/ 208- 209.
(11) ينظر هامش 2/ 208.
(12) الكتاب 2/ 183- 184.
(13) نفسه 2/186 .
(14) نفسه 2/ 233.
(15) الكتاب 2/ 183.
(16) المقتضب 4/ 202.
(17) شرح المفصل 1/ 127.
(18) الجنى الدانى / 355.
(19) ينظر شرح المفصل 1/ 127.
(20) اللباب فى علل البناء والإعراب 1/ 328.
(21) تسهيل الفوائد / 52.
(22) ينظر شرح الرضى على الكافية 1/ 344.
(23) النظرية الخليلية الحديثة مفاهيمها الأساسية / 102.
(24) ينظر نتائج الفكر / 86 دراسات فى نظرية النحو العربى وتطبيقاتها / 39.
(25) الكتاب2/197
(26) الكتاب 2/  198، 231، 232.
(27) ينظر: منزلة المعنى فى نظرية النحو العربى / 191.
(28) الكتاب 2/ 183.
(29) المقتضب: 4/ 202.
(30) الكتاب 1/ 253.
(31) نفسه 1/ 257.
(32) نفسه 1/ 258، وينظر: 1/ 263، 268، 269، 270، 271.
(33) نفسه 1/ 280.
(34) نفسه 1/ 273.
(35) نفسه 1/ 273.
(36) نفسه 1/ 273- 274.
(37) ينظر نفسه 1/ 275.
(38) نفسه 1/ 291.
(39) نفسه 1/ 296.
(40) اللسانيات السيبويهية 1/95.
(41) فى بنية الحدث التركيبية /6، 16، 26.
(42) الأمالى / 83.
(43) شرح ارضى على الكافية 1/ 349.
(44) أسلوب النداء دراسة لغوية صوتية/ د. طارق الجنابى / 91 (بحث).
(45) الأصول 1/ 329- 335.
(46) الخصائص 1/ 2.
(47) المقتصد 2/ 753- 754.
(48) شرح الرضى على الكافية 1/ 344- 457.
(49) قطر الندى / 280.
(50) حاشية الصبان 3/ 207.
(51) المدارس النحوية، د. شوقي ضيف / 82.
(52) الكتاب 2/ 182- 185.
(53) نفسه 2/.
(54) الشاهد وأصول النحو / 366.
(55) الكتاب 2/ 188- 189.
(56) نفسه 2/ 225- 226.
(57) الكتاب / 223.
(58) نفسه / 208.
(59) نفسه / 2/ 193.
(60) نفسه / 224.
(61) نفسه / 2/ 227.
(62) نفسه 2/ 226.
(63) الكتاب 2/ 188.
(64) نفسه 2/ 184.
(65) نفسه 2/ 192.
(66) نفسه 2/ 193.
(67) نفسه 2/ 198.
(68) نفسه 2/ 199.
(69) ينظر المصطلح فى كتاب سيبويه / 225- 226.
(70) ينظر معانى القرآن للأخفش 1/ 58.
(71) الكتاب 2/ 215.
(72) نفسه 2/ 219.
(73) نفسه 2/ 218- 219.
(74) الكتاب 2/ 220.
(75) نفسه 2/ 225.
(76) نفسه 2/ 236.
(77) نفسه 2/ 237.
(78) الكتاب 2/239.
(79) الكتاب 2/ 196.
(80) المقتضب 4/ 204.
(81) الأصول 1/ 332.
(82) الكتاب 2/ 203.
(83) نفسه 2/ 204.
(84) نفسه 2/ 223.
(85) نفسه 2/ 184.
(86) نفسه 2/ 202.
(87) الكتاب 2/221.
(88) الكتاب 2/ 183.
(89) الكتاب 2/227.
(90) الكتاب 2/ 192.
(91) الكتاب 2/ 212.
(92) نفسه 2/ 212.
(93) نفسه 2/ 195.
(94) نفسه 2/ 190.
(95) نفسه 2/ 228.
(96) نفسه 2/ 236.
(97) هامش الكتاب 2/ 182.
(98) الكتاب 2/ 208.
(99) الكتاب 2/ 203.
(100) مسائل النحو العربى فى قضايا نحو الخطاب الوظيفى / 106.
(101) الكاتب 2/ 197.
(102) الكتاب 2/ 197- 198.
(103) نظرية التلويح الحوارى / 441.
(104) نظرية التلويح الحوارى / 441.
(105) المقتصد فى شرح الإيضاح / 2/ 762.
(106) ينظر: التداوليات علم استعمال اللغة / 447.
(107) ينظر: التداوليات علم استعمال اللغة / 451.
(108) الكتاب 2/ 217.
(109) المقتصد 2/ 787.
(110) شرح الراضى 1/ 352.
(111) الكتاب 2/ 218.
(112) ينظر الكتاب 2/218.
(113) الكتاب 2/219.
(114) شرح الراضى 1/352.
(115) شرح الراضى 1/352، والكتاب 2/217، 219-220.
(116) نظرية التلويح/ 77.
(117) الكتاب 2/220.
(118) هامش الكتاب (شرح السرافى) 2/220.
(119) الكتاب 2/227.
(120) الكتاب 2/228.
(121) الكتاب 2/227.
(122) الكتاب 2/231.
(123) التداوليات علم استعمال اللغة/ 530.
(124) الكتاب 2/233.
(125) الكتاب 2/235.
(126) الكتاب 2/236.
المصادر
  1. أسلوب النّداء دراسة لغوية صوتية، (بحث)، د. طارق عبد عون الجنابي، مجلة كلية التربية، الجامعة المستنصرية، ع87، سنة 2001م.
  2. الأصول فى النحو، أبو بكر بن السراج النحوى، تح: د. عبد الحسين الفتلى، مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 1393هـ/1973م.
  3. التداوليات–علم استعمال اللغة، إعداد وتقديم الدكتور حافيظ إسماعيلى علوى، عالم الكتب الحديث، 2001م.
  4. تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك، تح: محمد كامل بركات، دار الكتاب العربى، مصر، ط1، 1387هـ/1967م.
  5. التطوّر النحوى، برجستر اسر، دار الرفاعى ومكتبة الخانجى، القاهرة.
  6. الجنى الدانى فى حروف المعانى، الحسن بن عبد الله المرادى، تح: د. فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل، ط1، حلب، 1973م.
  7. حاشية الصبان على شرح الأشمونى على ألفية ابن مالك، علي بن محمد الأشمونى، تح: د. عبد الحميد هنداوى، المكتبة العصرية، بيروت، 1430هـ/2009م.
  8. الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جنى، تح: محمد على النّجار، ط4، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1990م.
  9. دراسات فى نظرية النحو العربى وتطبيقاتها، د. صاحب جعفر أبو جناح، دار الفكر للطباعة، الاردن، 1988م.
  10. شرح الرضى على الكافية، رضى الدين الاستراباذى، تصحيح يوسف حسن عمر، منشورات الصادق، 1978م، طهران.
  11. شرح المفصل، موفق الدين بن يعيش، عالم الكتب، بيروت، د.ت.
  12. في بنية الحدث التركيبية، محمد بريسول, دار الكتاب الجديد المتحدة, 2013م, بيروت.
  13. قطر الندى وبل الصدا، ابن هشام الأنصارى، تح: محمد محى الدين عبد الحميد، مكتبة الخانجى، مصر.
  14. الكتاب، سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجى، القاهرة، مصر.
  15. اللباب فى علل البناء والاعراب، أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبرى، تح: د. غازى مختار طليمات وعبد الإله نبهان، دار الفكر بدمشق، ط1، 1416هـ/1995م.
  16. المدارس النحوية، د. شوقى ضيف، دار المعارف، مصر، 1968م.
  17. مسائل النحو العربى فى قضايا نحو الخطاب الوظيفى، د. أحمد المتوكل، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، 2009م.
  18. المصطلح فى كتاب سيبويه، رسالة ماجستير، كلية التربية الجامعة المستنصرية، 2004م.
  19. معانى القرآن، سعيد بن مسعدة الاخفش، تح: د. فائز فارس، ط2، الكويت، 1401هـ/1981م.
  20. مفهوم الجملة فى كتاب سيبويه، د. حسن عبد الغنى الأسدى، دار الكتب العلمية، ط1، لبنان، 2007م.
  21. المقتصد فى شرح الإيضاح، عبد القاهر الجرجانى، تح: د. كاظم بحر مرجان، وزارة الثقافة والإعلام العراقية، 1982م.
  22. المقتضب، أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، تح: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، د.ت.
  23. منزلة المعنى فى نظرية النحو العربى، د. لطيفة النجار، دار العالم العربى للنشر والتوزيع، ط1، دبى، 1424هـ/2003م.
  24. منهج كتاب سيبويه فى التقويم النحوى، د. محمد كاظم البكاء، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط1، 1986م.
  25. نتائج الفكر فى النحو، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلى، تح: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1421هـ/1992م.
  26. نظرية التلويح الحوارى، هشام إبراهيم عبد الله الخليفة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، ط1، 2013م.
27- النظرية الخليلية الحديثة، مفاهيمها الأساسية، د. عبد الرحمن الحاج صالح، مركز البحث العلمى والتقنى لتطوير اللغة العربية، الجزائر، 2007م.

المزيد من الدراسات