الرئيسيةأعداد المجلة تفاصيل الدراسة

ثقافة العمل الحر: مفاهيم خاطئة ومقومات غائبة عن التعليم المصرى على ضوء تحليل بعض النماذج لشخصيات عصامية مصرية ناجحة

أولاً: الإطار العام للدراسة:
مقدمة:
كان ولا يزال العمل الحر أحد أهم أعمدة الاقتصاد والتنمية فى أغلب دول العالم التى تبتغى النهوض والتقدم؛ فالعمل الحر هو الذى أقام دولاً عديدة ذات سيادة وسلطان نتيجة لكثرة عدد المشاريع والشركات التى أقامها أشخاص مبادرون فى هذه الدول، كان لها انعكاسات إيجابية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعى ة، تأتي فى مقدمتها زيادة الدخول ومحاربة البطالة والسلوكيات المنحرفة وتطوير الاعتماد على الذات. ولكى تتقدم الدول، فإنها تعمل على تعزيز ثقافة العمل الحر وتحث عليه بعدة آليات؛ منها وسائل التعليم الجيد والبنية التحتية المجهزة ومراكز التدريب ووسائل الإعلام الهادفة، كما أنها توفر سبل الدعم اللوجستي والمالي من تصاريح وممثلين قانونيين وقروض ومنح وآليات دعم الإبداع والابتكار وما إلى ذلك.
وترجع أهمية العمل الحر إلى العديد من الاعتبارات من أهمها: أنها مصدر رخيص لخلق فرص عمل جديدة، وخلق مهارات إدارية وفنية محلية، وتقليص حجم البطالة، والاستخدام الأمثل لرأس المال الوطنى، وتقليص تمركز المشاريع فى المدن الرئيسة، لتلبية الحاجة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال توليد أفكار جديدة، وتحويل هذه الأفكار إلى مشاريع مربحة وقابلة للتطبيق.
والعمل الحر ظاهرة مرتبطة بالمجتمع البشرى منذ قديم الأزل، لكنها ازدادت بحيث أصبحت أساس النظام الاجتماعى بأسره، عندما انتقلت البشرية من نمط الإنتاج الإقطاعى الزراعى إلى نمط الإنتاج التجارى والصناعى بداية من القرن الثامن عشر، ثم تكونت ثقافة العمل الحر فى الدول الرأسمالية الغربية والدول الصناعية المتقدمة منذ بدايات القرن التاسع عشر، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العامة لشعوب هذه الدول. وفى القرن العشرين، حدثت ثورة كمية وكيفية هائلة فى مجال المعرفة والتقدم العلمى، واتسع نطاق العلم، وزادت أهميته، وعظمت إنجازاته.
وقد واجه العالم مشكلة حادة - بما فى ذلك الدول الصناعية الكبرى- تتمثل فى أزمة بطالة المتعلمين، وتضخم فائض الخريجين من بعض الكليات والجامعات فى الثمانينيات من القرن العشرين، والعجز فى بعض أنواع القوى البشرية؛ حيث أصبحت بعض أنواع الوظائف التى كان يستعد لها طلاب العلوم الاجتماعية والإنسانيات فى الجامعات أندر من المتوقع. واستدعى ذلك أن ينادى البعض بالحد من ناتج التعليم، وطالب آخرون بزيادة معدلات النمو الاقتصادى، وبدا للبعض أن المشكلة لا تحل فى أى دولة إلا من خلال حلول وإصلاحات اقتصادية هيكلية جذرية. وقد تم إثبات نجاح وفعالية العمل الحر فى بعض المجتمعات كحل لا بديل عنه يساعد فى التغلب على هذه المشكلات ومواجهة تلك التهديدات، لما له من قدرة على التأقلم السريع مع التحولات والتغيرات التى يشهدها النشاط الاقتصادى.
ويُعدُ العمل الحر القوة الدافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعى ة بالدرجة التى جعلت الدول تبادر بوضع سياسات من شأنها دعم ونشر ثقافة العمل الحر لدى الشباب فى مجتمعاتها، وإدخال تعليم الأعمال الحرة فى المدارس لخلق تلك الثقافة. وساعد على نشر هذه الثقافة ظهور الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة، الذى تجاوز وتخطى الاقتصاد القائم على الإنتاج. وقد شهدت العقود الماضية ازديادًا ملحوظًا فى استخدام تعليم ثقافة العمل الحر بالمدارس والجامعات الأوربية؛ حيث إن هذه الثقافة تقوم على أساس امتلاك الشباب عقليات مناسبة، وكفاءات ومهارات ومعارف تعزز العمل الحر، والقدرة على العمل بحرية وثقة فى النفس، وتطوير روح المبادرة لاقتحام العمل الحر وتحمل المسئولية والاعتماد على الذات، والوعى بالفرص المهنية وإجراء البحوث النشطة والتطوير الابتكارى، لتوليد الدخل وزيادة الكسب وتخفيف حدة الفقر والتشجيع على التوارث المهنى والإيجابى للحرفيين والمهنيين، مما يترتب عليه التخفيف من مشكلة البطالة والحد من التضخم الوظيفى، ويسهم فى توسيع البدائل والخيارات أمام الناس.
وكان من الطبيعى أن تظهر فى مصر وأن تنتشر فيها الظواهر الاجتماعية نفسها التى شاعت وذاعت فى معظم الدول، ومنها ظاهرة الكساد الاقتصادى وبطالة الخريجين. وهذا ما أكدته تقارير اللجان الجامعية والمجالس المتخصصة والمجلس الأعلى للجامعات. فقد زادت كثافة الطلاب المقيدين بكل الكليات فى جامعات مصر، وأصبحت هذه الزيادة لا تتناسب مع عدد أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ولا تتناسب مع الإمكانات والتجهيزات والمرافق من أجهزة ومعامل ومكتبات وبنية تحتية، مما أدى إلى انخفاض مستوى التعليم الجامعى وضعف مستوى الكفاءة العملية للخريجين، وأصبحت هذه الزيادة لا تتناسب مع فرص العمل الحكومى المتاحة، فتوقف تعيين الخريجين عند دفعة 1982، وظهرت مشكلة البطالة بين خريجى الجامعات والمعاهد العليا والمدارس المتوسطة أيضاً. وحاولت الدولة وقتها حل مشكلة تشغيلهم بتوفير فرص عمل حر حقيقية بأقل تكلفة ممكنة فى المجالين الزراعى والصناعى وغيرهما، حتى يساهم هذا فى امتصاص المخزون التراكمي من الطاقة البشرية المعطلة (مراد، 2012).
وقد توصلت دراسة (التابعى، 2010) إلى أهمية دور المشروعات الصغيرة فى تخطى آثار الأزمة المالية العالمية، والتخفيف من أخطار التقلبات الاقتصادية والمساهمة فى زيادة معدلات النمو وتوسيع القاعدة الإنتاجية بترشيد استخدام الموارد المحلية وتوفير فرص عمل حقيقية. ولكن ذلك لا يتأتى إلا بتطوير حقيقى وفعال للتعليم ما قبل الجامعى والجامعي فى مصر.
مشكلة الدراسة:
وعلى الرغم من تخلى الدولة المصرية عن توظيف ملايين الشباب خريجى الجامعات والعاطلين عن العمل فى توجه واضح نحو العمل الحر، حيث أدركت الدولة أخيرًا عجزها عن توفير فرص عمل حكومى فوراً للخريجين، كما أنها لم تعمل على تأهيل وتهيئة الشباب لهذا التوجه الذى طبقته فى خطوة مفاجئة. وظل التوجه العام للمواطنين هو الارتباط بالعمل الحكومى والبحث عن "الوظيفة الميرى" خوفاً على المستقبل وتوجساً من المخاطرة وبحثاً عن الأمان الوظيفى الذى يكفل للموظف الحياة الكريمة والمرتب الثابت والمعاش المضمون والتأمين الصحى.
فقد كان الطالب المصرى قبل عقد أو عقدين من الزمان يهتم بالدراسة فقط وبالحصول على الشهادة الجامعية، ولا يحمل هم مشكلة العمل لأن الدولة ملتزمة بتشغيل الخريجين. وفجأة وجد الجامعى نفسه يحصل على الشهادة ولا يجد فرصة العمل الحكومى. فكان لابد له من البحث عن فرصة عمل فى أى مجال. ومن ثم كان تفكيره وبحثه عن عمل حر للاشتغال به. وزاد واشتد إقبال خريج الجامعة على العمل الحر لكسب رزقه وبناء أسرته وتحقيق الرفاهية له ولأولاده وأداء دوره فى المجتمع.
ولكن الخريج المصرى واجهته مشكلة أخرى وهى عدم التأهيل والتهيئة للعمل الحر الذى لا يحدث إلا نتيجة التعليم الجيد. حيث إن التعليم المصرى - فى الآونة الأخيرة - لا يعدو كونه شكلاً من أشكال محو الأمية البعيدة عن تنمية المعارف والمهارت، وهو لا يرتبط فى واقع الأمر بمتطلبات مجتمعه أو حل مشكلاته، وهناك دائماً فجوة بين النظرية والتطبيق، ومسافة بين الحقائق والأسس العلمية والفنية وبين الواقع. وقد أدى ذلك إلى عزل التعليم المصرى عن حركة التطور التقنى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذى تتمتع به الدول المتقدمة، وخاصة أن المجتمع المصرى يعتمد على الاقتصاد المفتوح القائم على الاستهلاك فقط. وعلى هذا الأساس، تراجع مستوى تنافسية نظام التعليم المصرى، مما وضعنا فى موقف الذى يلاحق أنفاسه جريًا وراء التقدم الآخذ فى الاضطراد فى دول العالم المتقدم.
ونتج عن هذا التعليم البدائى اقتصاد بدائى قائم على الإنتاج، ولم يتحول بعد إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث إن أكثر الأنشطة التى يمكن أن يعمل بها الشباب هى: تربية النحل، الفندقة، الفنون والحرف، تربية الدواجن، تفصيل الملابس والحياكة، عمل الكراسى والأسرّة. كما توصلت دراسة (محمد، 2010) إلى تركز معظم أعمال رجال الأعمال فى نشاط المقاولات والاستثمار العقاري والاستيراد والتصدير التى يغلب عليها الطابع العائلى مع ضعف الاهتمام بالنشاط الصناعى الذى يمكنه تحقيق معدلات نمو كبيرة، وتقليل نسبة البطالة، وذلك لخوفهم من المغامرة والمخاطرة. وجميعها أنشطة اقتصادية بدائية لا تعتمد على اقتصاد المعرفة ولا تصمد طويلاً أمام الاقتصاد التنافسى العالمى.
ومن الغريب أنه لا توجد لدى وزارة التربية والتعليم فى مصر إستراتيجية لدعم ودمج ثقافة العمل الحر فى المناهج والمقررات الدراسية على الرغم من الضغوط الدولية والتحديات المحلية والعالمية التى تفرض الاهتمام بهذا الموضوع وذلك وفقاً للخطة الإستراتيجية لوزارة التربية والتعليم (2014-2030) (وزارة التربية والتعليم، 2014).
وبما أن ثقافة العمل الحر قد غابت عن مناهجنا المدرسية والجامعية، وغابت عن ثقافتنا المجتمعية، فقد ارتبط العمل الحر – الذى يختلف جملة وتفصيلاً عن العمل الحكومى - بعدة مفاهيم خاطئة؛ فارتبط بمفاهيم مثل: التواكل والفهلوة والكسب السريع وعدم بذل المجهود المناسب للعمل المطلوب إنجازه، والتطفيف فى الموازين، والغش والسرقة والمادية واللدد وعدم السماحة فى معاملة راغبى السلعة أو الخدمة سواءً أكانت تجارية أم خدمية؛ وبالتالى غابت عنه كثير من مقومات نجاحه.
ويُعدُ دمج ثقافة العمل الحر فى التعليم المصرى على اختلاف مستوياته وفروعه منذ الطفولة ومروراً بمراحل التعليم المختلفة من الأولويات التى يتحتم على الحكومة المصرية تبنيها سريعاً لتعديل وعلاج كثير من السلوكيات الخاطئة والعادات القديمة البالية، والأفكار السلبية الراسخة فى عقل المواطن المصرى تجاه العمل الحر، بالإضافة إلى رفع المستوى المهارى والمعرفى لهذا المواطن والتخفيف من مشكلة البطالة، والحد من الاعتماد على الاستيراد؛ حيث إن تعلم كيفية تطوير عمل ما وتنمية السلوك الأخلاقى فى العمل من أهم المقومات الغائبة عن التعليم المصرى.
كما أن نشر ثقافة العمل الحر يتطلب تآزراً من مؤسسات وقطاعات الدولة كافة: كالأسرة، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام المختلفة، ودور العبادة، ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدنى، ومراكز الشباب عن طريق التنسيق الشامل والمترابط بينهم، وذلك عن طريق توعية الشباب بأهمية العمل الحر وتعريفهم بفلسفته وتنمية الاتجاه الإيجابى نحوه ومحاولة تغيير طريقة التفكير السلبى بشأنه، واستبداله بفكر التشغيل الذاتى والاستقلالية وتعميق ولاء الشباب وانتمائهم لوطنهم بمعرفتهم بقدرتهم على كسب معيشتهم ورزقهم فيه، وبث روح الاعتماد على النفس، وخلق الطموح لديهم فى اقتحام العمل الحر لتوليد الدخل وزيادة الكسب وتخفيف حدة الفقر بالاستفادة من الموارد المتاحة.
مما سبق هدفت الدراسة الحالية الإجابة عن الأسئلة التالية:
  1. ما الأسس النظرية لمفهوم ثقافة العمل الحر؟
  2. ما العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر فى المجتمع المصرى؟
  3. ما واقع العمل الحر فى مصر وما قوانينه ومعوقات تطبيقه؟
  4. ما المفاهيم الخاطئة السائدة التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر من وجهة نظر الشخصيات العصامية المصرية الناجحة؟
  5. ما أبرز مقومات نجاح العمل الحر لدى بعض الشخصيات العصامية المصرية الناجحة فى المجتمع المصرى؟
  6. كيف يمكن الاستفادة من مقومات ثقافة العمل الحر لدى بعض الشخصيات العصامية الناجحة فى بناء ثقافة إيجابية للعمل الحر فى المجتمع المصرى؟
أهداف الدراسة:
تحددت أهداف الدراسة الحالية فيما يلى:
  •  تحديد الأسس النظرية لمفهوم ثقافة العمل الحر وأبعاده المختلفة.
  • إبراز العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع العمل الحر فى المجتمع المصرى.
  •  الكشف عن واقع العمل الحر فى مصر وقوانينه ومعوقات تطبيقه.
  •  استنباط المفاهيم الخاطئة السائدة التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر من وجهة نظر الشخصيات العصامية الناجحة.
  •  الكشف عن أبرز مقومات نجاح العمل الحر لدى بعض الشخصيات العصامية المصرية الناجحة فى المجتمع المصرى.
  •  تحديد أوجه الاستفادة من مقومات نجاح العمل الحر لدى بعض الشخصيات العصامية المصرية الناجحة فى بناء ثقافة إيجابية للعمل الحر فى المجتمع المصرى.
أهمية الدراسة:
تحددت أهمية الدراسة فيما يلى:  
  •  تحديد الأسس النظرية لمفهوم ثقافة العمل الحر.
  •  إلقاء الضوء على العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر فى المجتمع المصرى، مما قد يساهم فى تلافى جوانب القصور والضعف مستقبلاً.
  •  إبراز المفاهيم الخاطئة التى سادت فى المجتمع المصرى بشأن العمل الحر، والتى يجب تعديلها وتصحيحها من قبل القائمين على التعليم والمؤسسات الإعلامية وصناع القرار بالدولة.
  •  تسليط الضوء على مقومات نجاح العمل الحر لدى الشخصيات العصامية المصرية الناجحة التى تحدت الظروف القاسية المحبطة وكافحت فى سبيل تحقيق أهدافهم وتنفيذ أفكارها غير عابئة بالمبثطات والمحبطين ومعاول الهدم المختلفة، مما قد يسهم فى جعلهم قدوة لأبنائنا.
  •  قد تفيد الآليات التى خرجت بها الدراسة صناع القرار ومتخذيه فى إعادة النظر فى كثير من جوانب القصور فى ثقافة العمل الحر وتعديل اتجاهات الشباب وإصلاح بعض التشريعات التى تعوق العمل الحر فى الدولة.
حدود الدراسة:
اقتصرت الدراسة الحالية على ما يلى:
الحدود الموضوعية:
دراسة لثقافة العمل الحر فى المجتمع المصرى وتحديد العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع تلك الثقافة، وتعرّف المفاهيم الخاطئة التى سادت ومقومات نجاح العمل الحر من وجهة نظر شخصيات عصامية مصرية ناجحة.
الحدود الزمنية:
اقتصرت الدراسة الحالية على تحليل مضمون السير الذاتية لبعض الشخصيات المصرية العصامية الناجحة فى الفترة من ثورة يوليو 1952 حتى العام 2018.
عينة الدراسة ومبررات اختيارها:
اقتصرت الدراسة الحالية على الشخصيات المصرية العصامية الناجحة فى الفترة من ثورة يوليو 1952 حتى العام 2018. وقد تم تحليل مضمون المصادر الأصلية الخاصة بكل من الشخصيات التالية:
  1. عثمان أحمد عثمان (صفحات من تجربتى)، كتاب يقع فى 675 صفحة.
  2. عادل إسماعيل جزارين (لقطات من حياتى)، كتاب يقع فى 157 صفحة.
  3. محمود العربى (سر حياتى)، كتاب يقع فى 559 صفحة.
ولكى تستطيع الباحثة فهم الظاهرة والتعمق فيها، كان عليها أن تختار عينة بحثها قصديًا على نحو متعمد Purposeful Sampling – تلك العينة التى تعينها على تحقيق أهداف الدراسة، بشرط أن يكون معيار اختيارها للعينة ثراء المعلومات التى تقدمها. وقد تم جمع البيانات عن طريق تحليل وفحص السير الذاتية والحياتية. وعادة ما يكون عدد الحالات فى البحث الكيفى صغيراً، حيث يتم دراسة حالة واحدة أو عدة حالات؛ لأن قدرة الباحث على تقديم صورة عميقة عن الظاهرة وتعقدها تقل كلما زاد عدد العينة، كما أن تزايد عدد العينة يؤدى إلى تسطيح الدراسة. فضلاً عن أن تجميع البيانات الكيفية وتحليلها يستغرق وقتًا، ويتطلب جهدًا يزيد بزيادة عدد العينة (زيتون، 2006، 61-82).
منهجية الدراسة:
وللإجابة عن أسئلة الدراسة فقد تضمن التصميم البحثى استخدام المنهج الوصفى فى تعرّف مفهوم ثقافة العمل الحر وتحليله، وتحليل العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر، وتحليل أوضاع العمل الحر فى المجتمع المصرى، واستخدام أسلوب تحليل المضمون الكيفى الاستكشافى لاستكشاف حياة الشخصيات العصامية الناجحة فى مجال العمل الحر، بغرض التعمق وتعرّف المفاهيم الخاطئة التى تعوق العمل الحر فى المجتمع المصرى وأبرز مقومات نجاح بعض الشخصيات العصامية المصرية.
وتقوم البحوث الكيفية على فكرة مؤداها أن السلوك الإنسانى مرتبط دائمًا بالسياق أو الإطار أو الثقافة الذى حدث فيه، وعلى هذا الأساس لا يمكن فصل السياق عن الظاهرة عند قياسها. وأن الواقع الاجتماعى الثقافى لا يمكن خفضه إلى مجموعة من المتغيرات بالأسلوب نفسه الذى يحدث فى الواقع الطبيعى. وقد استخدمت الباحثة الطريقة الاستقرائية فى الوصول إلى استنتاجات جديدة، واهتمت الباحثة بسياق النص وعلاقات القوى داخله، ومنظور الفاعل، فضلاً عن التركيز على المعانى الضمنية وغير الظاهرة فى النص.
ونظراً لصعوبة دراسة حياة هذه الشخصيات ميدانيا،ً ونتيجة لعدم توافر تراجم للشخصيات العصامية التى تتحدث عن حياتها وإنجازاتها، فقد قامت الباحثة بتحليل محتوى السير الذاتية التى توافرت للباحثة والتى كتبها أصحابها بأنفسهم، حيث تمثل هذه الشخصيات خلفيات اجتماعية وعلمية وتجارب متباينة (زيتون، 2006، 37-38). وقد تم تحليل المضمون وفقاً لثلاثة محاور رئيسة، هى: 1) ثقافة العمل الحر؛ 2) بيئة العمل الحر ومُناخه؛ 3) سياسة الاستثمار وتشريعاته فى المجتمع المصرى. وانتهت الدراسة بوضع عدة آليات للإفادة من خبرات هذه الشخصيات فى نشر وتعزيز ثقافة العمل الحر لدى الشباب المصرى.
مصطلحات الدراسة:
بعد دراسة مفاهيم الدراسة دراسة مستفيضة من جميع جوانبها، عرّفت الباحثة مصطلحات الدراسة تعريفات إجرائية كالتالى:
  1. العمل الحر Self-Employment: وجدت الباحثة أن أنسب تعريف هو تعريف الصندوق الاجتماعى للتنمية ولذلك قامت بتبنيه، وهو كالتالى: "يُقصد بالعمل الحر المشروع الاقتصادى الخاص الذى ينتج سلعة، أو يقدم خدمة، أو تجارة، ويسمى مشروعاً أو عملاً حراً بسبب حرية اختيار صاحبه أو أصحابه لنوعيته وسماته، وعدم فرض أية جهة خارجية على ذلك المشروع نوع نشاطه، أو مخرجاته، أو أهدافه وسياسته وخططه، أو نوعية المعدات أو العمالة، أو النظم الإدارية والفنية.
ويجدر بالذكر أن من يعمل بالقطاع الخاص لا يطلق عليه ممارس للعمل الحر حتى وإن كان مدير المشروع فى حالة عدم كونه شريك. وبالتالي، فإن الدعوة للعمل الحر ليست دعوة للعمل بالقطاع الخاص، ولكنها دعوة لإقامة ذلك العمل الخاص." (الصندوق الاجتماعى للتنمية، 2008، 3)
  1. ثقافة العمل الحر Self-Employment Culture: وتقصد به الباحثة فى هذه الدراسة "الأفكار والمعتقدات والقيم والعادات السائدة لدى أفراد المجتمع المصرى التى تتعلق بتكوين مشروع جديد أو تطوير مشروع حالي سواء أكان إنتاجياً أم خدمياً أم تجارياً."
  2. مقومات نجاح العمل الحر Essentials of Self-Employment Success: وتقصد به الباحثة: "الأنشطة التى يجب إتمامها أو الشروط التى يجب تحقيقها والخصال الواجب توافرها للوصول إلى التنفيذ الناجح لمشروع ما أو عمل ما."
  3. الشخصية العصامية Self-Made Character: وعرفته الباحثة فى هذه الدراسة بأنه: "الشخص الذى اعتمد على نفسه فى إنشاء مشروع أو عمل أو تجارة أو خدمة جديدة دون واسطة أو محسوبية، وعلى الرغم من الظروف المجتمعية غير المواتية والقوانين غير المحفزة وعدم توافر الدعم المادى أو المعنوى، إلا أنه نجح وصعد وحقق أهدافه وتغلب على الصعوبات والمخاطر التى تواجهه".
الدراسات السابقة:
قامت الباحثة بتصنيف الدراسات السابقة وفقاً للترتيب الزمنى من الأحدث للأقدم، وقد تم عرض الدراسات السابقة وفقاً لما يلى: أ) الهدف من الدراسة؛ ب) المنهج الذى اتبعته الدراسة؛ ج) الأدوات إن وجدت؛ د) أهم النتائج التى توصلت إليها الدراسة. وفيما يلى عرض لتلك الدراسات وفقاً للتصنيف السابق:
  1. هدفت دراسة (أبو سيف، 2016) إلى وضع إستراتجية للتربية لريادة الأعمال بالتعليم قبل الجامعى فى مصر فى ضوء بعض النماذج النظرية كأطر للتربية لريادة الأعمال، وبعض نماذج الخطط الإستراتيجية، وفى ضوء بعض الأدبيات التى تناولت التربية لريادة الأعمال إضافة إلى عرض خبرة الاتحاد الأوربى وجنوب أفريقيا من خلال عرض تحليل لإستراتيجيات التربية لريادة الأعمال لدى الخبرتين، ثم تحليل واقع التربية لريادة الأعمال بالتعليم قبل الجامعى فى مصر. وقد استخدم البحث المنهج الوصفى. وتوصلت الدراسة إلى إستراتيجية مقترحة لتطبيق التربية لريادة الأعمال فى مصر. 
  2. هدفت دراسة (مبروك، 2016) إلى تحديد أهداف وخصائص المشروعات الزراعية الصغيرة ودورها فى توفير أو توليد فرص عمل خاصة بالريف المصرى، كما تهدف معرفة دور الجهات التمويلية فى دعم هذه المشروعات وخاصة بمحافظة الجيزة كدراسة حالة، وأهم المشكلات التى تواجه هذه المشروعات وتعوق عملها ونموها بالإضافة إلى تحديد جدواها الاقتصادية. وقد اعتمدت الدراسة على التحليل الوصفى للتحليل المالى للمشروعات محل الدراسة، كما تم استخدام التحليل الكمى باستخدام أسلوب الاتجاه الزمنى العام لتعرّف تطور المؤشرات المختلفة بالدراسة ومعدلات النموى السنوى لها، وذلك بما يتوافق وأهداف الدراسة للوقوف على أوضاع هذه المشروعات ومساهمتها فى تحقيق دخل لمالك المشروع بما يمثل فرصة عمل دائمة. وقد اعتمدت الدراسة فى الحصول على البيانات الأولية لعينة من بعض أصحاب المشروعات الصغيرة بمحافظة الجيزة بالإضافة إلى البيانات الثانوية غير المنشورة من إحصاءات صندوق التنمية المحلية من حيث عدد المشروعات وتوزيعها على مراكز المحافظة وعدد فرص العمل بها. وقد أشارت النتائج إلى أن إجمالى عدد المشروعات الصغيرة الممولة بقروض من الجهات المختلفة بلغ نحو 680.395 مشروعاً، بينما بلغ إجمالى عدد المستفيدين نحو 734.455 مستفيدًا.
  3. سعت دراسة (الحسينى، 2015) إلى الإجابة عن أسئلة الدراسة المتمثلة فى: 1. ما الأسس النظرية لتعليم ريادة الأعمال بالمدرسة الثانوية من منظور أدبيات الفكر التربوى المعاصر؟ 2. ما الخبرات الأجنبية المعاصرة فى تعليم ريادة الأعمال بالمدرسة الثانوية؟ 3. ما جهود تعليم ريادة الأعمال بالمدرسة الثانوية فى مصر؟ 4. ما المقترحات الإجرائية لتعليم ريادة الأعمال بالمدرسة الثانوية المصرية على ضوء خبرتى فنلندا والنرويج؟ وقد استخدمت الدراسة مدخل "جورج بيريداى" فى الدراسات التربوية المقارنة، وتوصلت الدراسة إلى عدة مقترحات إجرائية لتعليم ريادة الأعمال بالمدرسة الثانوية المصرية على ضوء الأدبيات العالمية وبعض الخبرات الأجنبية.
  4. هدفت دراسة (Chi Omar and Nor Azmi, 2015) إلى تحديد العوامل التى تؤثر على نجاح رجال الأعمال "البوميبوتيرا" فى الشركات الصغيرة والمتوسطة فى ماليزيا والعوامل التى تقود رواد الأعمال "البوميبوتيرا" للمشاركة فى الأعمال التجارية. وغالباً ما يُقال إن أصحاب المشاريع الماليزيين (البوميبوتيرا) دائماً ما يتخلفون عن تحقيق النجاح فى التنمية الاقتصادية. وقد أُجريت هذه الدراسة وفى عصر العولمة، تمثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم صناعة هامة فى تنمية الاقتصاد الوطنى. وتخلق المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم فرص عمل للمجتمعات الريفية والحضرية وتزيد الدخل القومى. ومن بين العوامل الرئيسة التى تؤثر على نجاح رجال الأعمال "البوميبوتيرا" فى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فى ماليزيا: ضعف الإدارة، والفشل فى التسويق، والصعوبات فى الحصول على المساعدة المالية. ومن بعض التحديات التى يواجهها أصحاب المشاريع "البوميبوتيرا"، والشركات الصغيرة والمتوسطة هى مشاركتهم المحدودة فى السوق الدولية، ونقص العمال المهرة، مشكلة تسويق المنتج فى الأسواق ونقص المواد الخام. لذلك، يجب على رجال الأعمال "البوميبوتيرا" التعامل مع هذه القضايا من أجل عدم الإفلاس.
  5. هدفت دراسة (السيد وإبراهيم، 2014) إلى عرض سياسات وبرامج التعليم الريادى وريادة الأعمال فى ضوء خبرة كل من سنغافورة والصين، والتوصل إلى إجراءات مقترحة عن آليات الاستفادة من سياسات وبرامج التعليم الريادى وريادة الأعمال فى مصر، ولتحقيق هذه الأهداف قدمت الدراسة إطارًا نظريًا تناول الإطار المفاهيمى للدراسة (التعليم الريادى – ريادة الأعمال – رائد الأعمال – الجامعة الريادية)، وأهداف التعليم الريادى وريادة الأعمال وأهميته، ودور الجامعات وحاضنات الإبداع العلمى فى خلق بيئة داعمة للتعليم الريادى وريادة الأعمال، ووصفًا وتحليلاً ثقافيًا لسياسات وبرامج التعليم الريادى وريادة الأعمال فى سنغافورة والصين ومقررات وبرامج التعليم الريادى وريادة الأعمال فى بعض الجامعات الرائدة فى التعليم الريادى فى سنغافورة والصين، وذلك من حيث طرق وأساليب تدريس هذه المقررات والبرامج، والبيئة الداعمة للتعليم الريادى وريادة الأعمال فى هذه الجامعات، ووصف وتحليل ثقافي لواقع سياسات وبرامج التعليم الريادى وريادة الأعمال فى مصر، واستخدمت الدراسة المنهج المقارن على أساس اتباع مدخل "جورج بيريداى"، وتم التوصل إلى عدد من الإجراءات المقترحة تضمنت: آليات مرتبطة بالسياسات الحكومية لدعم التعليم الريادى وريادة الأعمال فى مصر وآليات مرتبطة بخلق بيئة داعمة للتعليم الريادى وريادة الأعمال فى الجامعات المصرية، وإجراءات عامة كإعادة هيكلة الجامعات فى ضوء مفهوم الجامعة الريادية، واستثمار دور التعليم فى تنمية ونشر ثقافة ريادة الأعمال، وتفعيل الشراكة بين الجامعات وقطاعات الأعمال والمؤسسات الحكومية فى المجتمع.
  6. سعت دراسة (محمد، 2014) إلى تحديد البرامج التى يقدمها جهاز رعاية الشباب الجامعى القائمة على تدعيم ثقافة العمل الحر لدى الشباب الجامعى بجامعة حلوان، وتحديد أهم الوسائل التنفيذية التى يستخدمها جهاز رعاية الشباب الجامعى لتقديم برامج تدعيم ثقافة العمل، بالإضافة إلى تحديد أساليب المتابعة التى يستخدمها جهاز رعاية الشباب الجامعى. وقد استخدمت الدراسة منهج البحث الاجتماعى. وتوصلت إلى أنه من المتوقع أن يكون مستوى التخطيط لتدعيم ثقافة العمل الحر لدى الشباب الجامعى من وجهة نظر الإخصائيين الاجتماعيين العاملين بجهاز رعاية الشباب بجامعة حلوان مرتفعاً.
  7. سعت دراسة (مهناوى، 2014) إلى تعرّف فلسفة ومقومات التعليم للريادة بوصفه يمثل اتجاهاً عالمياً فى الوقت الحالى للقضاء على بطالة الشباب، والوقوف على التحديات التى تعوق التعليم الفنى بصيغته التقليدية عن أداء دوره مما أفقده الدور المنوط به تحقيقه، ومن ثم الوصول إلى رؤية جديدة عن فلسفة وأهداف التعليم الفنى المزدوج ودوره فى إكساب الشباب الخصائص الريادية اللازمة لسوق العمل، وبالتالى القضاء على البطالة. وذلك لما يتمتع به هذا التعليم المزدوج من مميزات تجعله قادرًا على تخريج جيل من الشباب يتمثل ثقافة الريادة قولاً وفعلاً. وقد توصلت إلى نجاح التعليم المزدوج (مبارك - كول سابقًا) فى إكساب الشباب مقومات ثقافة الريادة مما انعكس عليهم إيجابيًا فى فرص التوظيف ومستوى الدخل ومن ثم مستوى المعيشة. الأمر الذى يؤكد ضرورة الاهتمام بهذا النوع من التعليم، وهذا ما تسعى إليه وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى فى الوقت الحالى.
  8. سعت دراسة (Tiago, et al., 2014) إلى وضع نموذج لتحديد العوامل التمكينية لريادة الأعمال. فى العقود الماضية، أصبحت ريادة الأعمال واحدة من أهم المفاهيم فى مجال الأعمال التجارية. وقد ازدادت أهميته منذ عام 2009 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. وتربط الأدبيات ريادة الأعمال بالقدرة على الابتكار، وإيجاد منتجات وخدمات ومشاريع جديدة، سواءً باعتبار ريادة الأعمال كمبادرة تجارية جديدة أو كممارسة الابتكار والتسويق داخل المنظمات. وعلى الرغم من أهمية هذه العوامل وارتباطها بريادة الأعمال، إلا أنه لا توجد أدلة تجريبية على العوامل المؤاتية والتمكينية لريادة الأعمال ومساهمتها فى تطوير الثقافة المتمركزة حول تسويق الابتكارات. ولذلك فإن النموذج فى هذه الدراسة يحدد هذه العوامل التمكينية. وتغطى البيانات التى تم جمعها أربعة بلدان، مع الأخذ فى الاعتبار أن لكل بلد سياساته التعليمية الوطنية. وتشير النتائج إلى أن التعليم الريادى شائع فى ثلاثة من البلدان الأربعة، وبالتالى فهو يساهم بشكل رئيسى فى النية فى تنظيم المشاريع. وعلاوة على ذلك، لم يكن هناك أى اتجاه فى الميل نحو العمر ونوع الجنس، ولكن البلد الموحد والتعليم يؤثران على الميل نحو المشاريع الحرة.
  9. سعت دراسة (صالح، 2013) إلى تحديد خصائص الرياديين العرب فى ظل تحديات التنافسية العالمية، عبر استطلاع آراء عينة من الأكاديميين ورجال الأعمال بلغ حجمها (357) فرداً من خمسة بلدان عربية (العراق، والأردن، وسوريا، ومصر، والجزائر)، وجمعت البيانات والمعلومات منهم بواسطة استبانة وعن طريق البريد الإلكترونى والبريد العادى، وتم تحليل النتائج إحصائيًا. وخرجت الدراسة بعدة نتائج كان من أهمها: اتفاق توجهات الأكاديميين ورجال الأعمال على 16 تحديًا بوصفها تحديات لها أولوية وتأثير كبير، و13 خصيصة مطلوبة للرياديين العرب لها القدرة على التأثير فى تلك التحديات. كما أكدت نتائج التحليل الإحصائى على صحة توجهات الأكاديميين ورجال الأعمال معاً، لأن تأثير خصائص الرياديين المتفق عليها بينهما كان أكبر من التأثير الفردى للخصائص المرشحة من كل واحد منهما على حدة.
  10.  هدفت دراسة (شحاتة، 2013) إلى وضع رؤية إستراتيجية لتنمية جدارات سوق العمل لدى المتعلمين فى مؤسسات التعليم العالى من خلال سياسات وبرامج ريادة الأعمال. ولتحقيق هذه الأهداف تم عرض للأدبيات العالمية فى مجال ريادة الأعمال لتعرف الأطر التنظيرية المستندة إليها. وتحديد المقصود بجدارات العمل والإشارة إلى مفهوم الجدارة ومعايير التعلم، ومؤشرات القياس. كما قامت الدراسة بالكشف عن واقع نشاط ريادة الأعمال فى مصر لتعرّف عوامل الدعم، وأنواع ومصادر المعوقات، وإمكانية الاعتماد عليها فى مجالات التنمية فى الفترة القادمة فى المجتمع المصرى. وقد انقسمت الدراسة الميدانية إلى قسمين؛ الأول تناول رصد الواقع، والقسم الثانى تناول الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمتعلمين فى مجال جدارات العمل. وانتهت الدراسة بوضع رؤية إستراتيجية مقترحة لتطوير أداء مؤسسات التعليم العالى فى تنمية جدارات العمل من خلال سياسات وبرامج ريادة الأعمال. وقد استخدمت الدراسة المنهج الوصفى والفلسفى وأسلوب التخطيط الإستراتيجى.
  11. هدفت دراسة (Chowdhury et al., 2013) إلى تقييم العوامل التى تؤثر على نجاح رجال الأعمال أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة فى بنجلاديش، وقد جُمعت بيانات المسح من ثمانين من رجال الأعمال من المنطقة الجنوبية من بنجلاديش وتم اختيارها من خلال عينة عشوائية. وتشير عوامل النجاح هنا إلى الخصائص الديموجرافية والعوامل البيئية التى تعرقل نجاح رجال الأعمال فى المشاريع الصغيرة والمتوسطة فى بنجلاديش. وتشير النتائج إلى أن نجاح رواد الأعمال كان مرتبطاً بجميع المتغيرات المستقلة فى الدراسة وتم دعم جميع الفرضيات. وكان الافتقار إلى البنية التحتية، والبيئة السياسية السليمة، والوصول إلى الأسواق ورأس المال، العوامل الرئيسة التى أعاقت بشكل إيجابي نجاح أصحاب المشاريع. وارتبطت الخبرة بالتعليم ارتباطاً إيجابياً، فى حين ارتبط العمر ارتباطاً سلبياً بالنجاح. تم تحديد نماذج الانحدار المناسبة لمعادلات الانحدار بواسطة إحصاءات F. وأشارت النماذج إلى علاقة إيجابية ذات دلالة إحصائية. وإجمالاً أظهرت المتغيرات الديموجرافية 26.9٪ من إجمالى التباين فى النجاح، بينما أوضحت المتغيرات البيئية 39.8٪ من إجمالي التباين فى النجاح.
  12. هدفت دراسة (Lauzikas and Mokseckiene, 2013) إلى تحديد آثار الثقافة على ديناميات ريادة الأعمال فى ليتوانيا من خلال عوامل مثل التعليم والإبداع والابتكار أو المعايير الاجتماعية والثقافية. وتتكون الورقة من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يركز على المفاهيم الرئيسة وأنماط واتجاهات اقتصاد الثقافة، والتفاعل بين الفنون والأعمال التجارية، وأبعاد الإبداع وكذلك ريادة الأعمال؛ ويعرض الجزء الثانى المنهجية القائمة على رصد ريادة الأعمال العالمية، والجزء الأخير يكشف نتائج البحوث. وفى ضوء عملية العولمة السريعة، كثيراً ما تعتبر الثقافة تطور البشرية وجوهر الحضارة. وينظر إليها على أنها الفنون والآداب والموسيقى والرسم، ونمط حياة المجتمع، والعادات، والقواعد، والدين، والترفيه والعديد من الجوانب الأخرى. بيد أن دورها فى الأعمال التجارية والمنظمات لم يدرس بما فيه الكفاية. وبينما يتم تحديد العوامل التى تؤثر على تطوير الشركات و/أو الأنشطة الريادية غالباً ما يتجاهل المؤلفون دور الثقافة ولكن من دون استخدام إمكانات خلاقة للموارد البشرية فى سياق خلفياتهم الثقافية أو ثقافاتهم المتفردة، فإنه من غير المرجح أن تُدار عمليات الابتكار والأنشطة الريادية بكفاءة. وكما ذكرت منظمات عالمية مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربى، فإن تعزيز اقتصاد البلدان الثقافية والإبداعية يعزز أيضا التنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعى والتحسينات فى المجالات الاجتماعية. وبدون معرفة آثار الثقافة الوطنية على الأعمال التجارية، فإن بعض تدابير الدعم المالى قد تتلاشى. ولذلك، فإن السؤال البحثى، كيف تؤثر الثقافة على ديناميات ريادة الأعمال فى ليتوانيا، له أهمية كبيرة. وقد أظهرت نتائج البحث تفسيرات مختلفة لمفهوم الثقافة وقيمتها المضافة للاقتصاد، تلاها توضيح لخصوصية التعايش بين الفنون والأعمال. ونظراً لوجود العديد من البلدان من حيث تنمية الاقتصاد الإبداعي والدفع بأهمية تشجيع الإبداع فى الاقتصاد والأعمال المقدمة، فإن مواصلة التركيز على مبادرات تعزيز روح المبادرة فى الاتحاد الأوربى. ويظهر دور الثقافة من أجل الميزة التنافسية للمنظمات كمقاربة شاملة تربط استعراض الأدبيات والإحصاءات بمنهجية رصد ريادة الأعمال العالمية والآثار الرئيسة للثقافة على ريادة الأعمال فى ليتوانيا.
  13. هدفت دراسة (مراد، 2012) إلى تعرّف ماهية وقيمة العمل وخاصة العمل الحر فى المجتمع المصرى بوجه عام، ولدى فئة الشباب بوجه خاص، وماهية وأسباب ظاهرة الفقر وبخاصة لدى فئات الشباب، وكذا آليات مواجهتها. وماهية وأسباب البطالة وآليات مواجهتها وبخاصة لدى فئات الشباب، ودراسة العلاقة بين العمل الحر وظاهرة الفقر، وذلك من خلال تحديد حجم وطبيعة ظاهرتى البطالة والفقر فى المجتمع. والوقوف على طبيعة العلاقة بين العمل الحر وظاهرة البطالة، وبخاصة لدى فئات الشباب. والوقوف على مدى إدراك الدولة وصانعى القرارات لحجم وطبيعة ظواهر البطالة والفقر والعلاقة بينهما، ومدى إدراك الدولة للعمل الحر كآلية لمواجهة هاتين الظاهرتين (البطالة والفقر). واستخدمت الدراسة المنهج الوصفى وأسلوب دراسة الحالة والمدخل التاريخى. وكشفت نتائج الدراسة من خلال عرض التراث الإمبيريقى حول "العمل الحر وآليات مواجهة الفقر" عن أن البطالة تمثل إحدى أهم وأكبر التحديات التى تواجه البلدان العربية فهى من الظواهر السلبية التى تهدد الاستقرار الاجتماعى وهذا باعتبار أن دخل الإنسان من عمله هو صمام الأمان له فى حين أن الحرمان من هذا الدخل ينجم عنه الاستبعاد والتهميش الاجتماعى وتتركز البطالة فى مصر بشكل كبير فى الفئات العمرية الشابة بشكل أساسى.
  14. سعت دراسة (دندراوى، 2011) إلى معرفة طبيعة البرامج الممارسة بمراكز الشباب لتعديل اتجاهات الشباب بلا عمل نحو العمل الحر، كما حاولت تحديد المعوقات التى تواجه مراكز الشباب فى العمل على تعديل اتجاهات الشباب بلا عمل نحو العمل الحر. وسعت الدراسة إلى معرفة المقترحات التى يمكن من خلالها الحد من تلك المعوقات ومعرفة وجهات نظر الشباب بمراكز القرى والمدن حول طبيعة برامج مراكز الشباب لتعديل اتجاهات الشباب بلا عمل نحو العمل الحر. وختاماً التوصل إلى برنامج مقترح فى خدمة الجماعة لتعديل اتجاهات الشباب بلا عمل نحو العمل الحر. وتكونت عينة الدراسة من جميع الاخصائيين الاجتماعيين العاملين بمراكز الشباب وعددهم 14 أخصائيًا، بالإضافة إلى عينة من الشباب أعضاء المراكز وعددهم 252. وقد استخدمت الدراسة منهج المسح الاجتماعى بنوعيه. وكان من أهم نتائج الدراسة ما يلى: أن البرامج الثقافية أكثر البرامج التى تمارسها جماعات الشباب فى مراكز الشباب، ثم البرامج الاجتماعية، أما وجهة نظر الشباب فيرون أن البرامج الاجتماعية تُعد أكثر البرامج التى يمارسونها بالمراكز يليها البرامج الثقافية والبرامج الدينية. ويعتمد دور مركز الشباب على عقد ندوات لتوعية الشباب بقيمة العمل الحر ثم يليها حث الشباب على تنفيذ المشروعات الصغيرة من وجهة نظر الأخصائيين الاجتماعيين والشباب أيضاً. وأن هناك معوقات تواجه مراكز الشباب فى تحقيق أهدافها لتعديل اتجاهات الشباب نحو العمل الحر من وجهة نظر الأخصائيين الاجتماعيين والشباب أيضاً.
  15. سعت دراسة (Aman Allah and Nakhaie, 2011) إلى دراسة العلاقة بين ريادة الأعمال ورجال الأعمال والمخاطرة وأهمية تأثير المخاطرة على ريادة الأعمال. المخاطرة وريادة الأعمال هما عبارتان مرتبطتان تدرسان فى الأدبيات المرتبطة بريادة الأعمال. فى معظم التعريفات، يرتبط رجال الأعمال بالمخاطرة والمجازفة والإقدام على المجهول. واحدة من أهم العوامل فى نجاح رجال الأعمال هى أخذهم زمام المبادرة والمخاطرة الخاصة بهم. ويجب على رجال الأعمال المخاطرة لتحقيق أفكارهم.
  16. هدفت دراسة (Sabbarwal, 2010) إلى التحقق مما يلى: (أ) ما إذا كانت ريادة الأعمال فى الهند تقتصر على مجتمعات الأعمال التقليدية فقط؛ ب) تحديد العوامل التى تشكل عقبات رئيسة فى طريق رجال الأعمال فى دولة من دول العالم الثالث مثل الهند؛ ج) ولتحديد ما إذا كان أصحاب المشاريع الذين ينتمون إلى مجتمعات تجارية وغير تجارية يواجهون مشكلات مماثلة. وقد تم الحصول على البيانات من ثمانين من رجال الأعمال من المناطق الشمالية فى الهند. وهى تشير إلى أنه على الرغم من أن رجال الأعمال لا يزالون يسيطرون على مشهد ريادة الأعمال، إلا أن هناك اتجاهًا ناشئًا للمزيد والمزيد من المشاركة المجتمعية من الطوائف غير التجارية فى هذا المجال. كما أن العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية لها دور أقل نسبياً فى تحديد درجة النجاح فى إنشاء مشروع جديد مقارنة بالعوامل البيئية الاقتصادية. ومن بين مختلف أبعاد البيئة الاقتصادية الصناعية، فإن قوانين الدولة المنظمة والافتقار إلى مرافق التدريب والتوجيه تشكل المشاكل الرئيسة للمشاريع المبتدئة، فى حين أن الظروف الاقتصادية العامة للمجتمع، وعدم كفاية مرافق البنية التحتية ليست لها دلالة كافية أو كبيرة جداً.
  17. هدفت دراسة (Stefanovic et al., 2010) إلى دراسة عوامل التحفيز والنجاح لرجال الأعمال فى صربيا فيما يتعلق بالمدخل المنهجي الأساسى المطور من قبل "تشو" (باستخدام تحليل عامل المكون الرئيسى). وكان الهدف من البحث هو تحليل دوافع رجال الأعمال الذين شرعوا فى البدء فى أعمالهم الخاصة، وتحديد العوامل التى تؤثر على نجاح الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقد أُجريت البحوث التجريبية وفقاً لإحدى عشرة بندًا تحفيزيًا لرجال الأعمال لإقامة أعمالهم الخاصة وسبعة عشر بنداً يؤثر على نجاح رجال الأعمال. وقد تم الحصول على أربعة عوامل تحفيزية فى هذا البحث (إنجاز أكبر للأعمال، والاستقلالية، والعامل الداخلى والأمن الوظيفى)، فضلا عن سبعة عوامل تؤثر على نجاح رجال الأعمال (الوضع فى المجتمع، ومهارات التعامل مع الآخرين، والموافقة والدعم، والمنتجات والخدمات التنافسية، ومهارات القيادة، وأن تكون دائمًا على علم ودراية وسمعة الأعمال). واستناداً إلى هذه النتائج ومقارنتها بالنتائج التجريبية فى بلدان أخرى، يمكن الاستنتاج بأن العوامل التحفيزية لرواد الأعمال عامة فى البلدان النامية. وأظهرت النتائج عدم وجود دوافع تتعلق بالتنمية المستدامة للمؤسسة على المدى الطويل. من ناحية أخرى، هناك مجموعة متنوعة من عوامل النجاح المختلفة التى تؤثر على رجال الأعمال، والتى تعتمد فى المقام الأول على الوضع الحالى فى البيئة المحلية.
  18. هدفت دراسة (زيدان، 2010) استكشاف السمات الريادية المميزة لطلاب الجامعات المصرية، والعوامل الموقفية الفارقة فى تكوين هذه السمات، اعتمادًا على أربعة فروض رئيسة، وعينة مكونة من 1755 مفردة من كليات الهندسة والتجارة بست جامعات مصرية. وقد استخدمت الدراسة المنهج الوصفى، وقام الباحث بإعداد قائمة استقصاء تعتمد على مقياس ليكرت الخماسى. فتم اختيار تأثير المتغيرات الديموغرافية، ومتغيرات الخلفية الأسرية، ومتغيرات الخلفية الريادية للطالب، ومتغيرات البيئة الجامعية على تكوين السمات الريادية السبع التى توصل إليها تحليل العوامل وهى: الاستعداد الريادى العام، والاستقلالية، والتحكم الذاتى فى الأمور، والدافع إلى الإنجاز، والحرص على تكوين الثروة، والثقة بالنفس، والميل إلى تحمل المخاطر، باستخدام أسلوب تحليل التباين أحادى الاتجاه. وفيما اعتبرت نتائج متغيرات الخلفية الأسرية للطالب ضعيفة نسبياً، استطاع الباحث الحصول على نتائج مؤيدة بدرجات متفاوتة لباقى فروض الدراسة. واختتم الباحث الدراسة بمناقشة النتائج ودلالاتها، وتقديم مقترحات بدراسات مستقبلية.
  19.  هدفت دراسة (التابعى، 2010) إلى تعرّف دور الصناعات الصغيرة فى نشر ثقافة العمل الحر لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على مصر. وقد هدفت الدراسة إلى تشخيص الأزمة المالية العالمية، وأهم تداعياتها على الاقتصاد المصرى، ودور المشروعات الصغيرة فى التنمية، والتحديات التى تواجهها، واتجاهات الشباب نحوها، ورصد لأهم الآثار والتداعيات التى فرضتها الأزمة على الاقتصاد العالمى بصفة عامة والاقتصاد المصرى بصفة خاصة، ودور الحكومة المصرية فى تخطى الأزمة. كما هدفت إلى تعرّف دور الصناعات الصغيرة فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى مصر فى ظل تحديات الأزمة العالمية، والكشف عن دور المشروعات الصغيرة فى تغيير اتجاهات الشباب بالتخلى عن الوظيفة الحكومية، والإقبال على العمل الحر. كما رصدت الدراسة أهم التحديات التى تواجه المشروعات الصغيرة من وجهة نظر المبحوثين والحلول المقترحة. بالإضافة إلى تعرّف مستقبل المشروعات الصغيرة فى مصر فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة وتحديد الآليات اللازمة لدعمها، وتفعيل دورها فى تنمية المجتمع المحلى والخروج من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. وقد استخدمت الدراسة منهج المسح الاجتماعى بطريقة العينة لتعرّف دور الصناعات الصغيرة فى نشر ثقافة العمل الحر. وقد اختارت الباحثة عينة عشوائية قدرها (122) مفردة ممن لديهم مشروعات صغيرة بمجتمع البحث، وهى قرية "طوخ الأقلام" التابعة لمركز السنبلاوين. وتمثلت أداة الدراسة فى استبانة طبقت على عينة الدراسة. وأسفرت نتائج الدراسة عن أن الأزمة المالية فرضت العديد من التحديات على الاقتصاد المصرى، وأن هناك حالة من الكساد أثرت إلى حد كبير على المشروعات الصغيرة فى مصر، وانخفض معدل التسويق وارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج المستوردة، مما ترتب عليه إغلاق بعض المشاريع أو تغيير النشاط أو الاستغناء عن العمالة أو خفض الإنتاج.
  20. سعت دراسة (زيدان، 2010) إلى اختبار الفروق النوعية بين طلاب الجامعات المصرية وطالباتها، من حيث توجهاتهم ودوافعهم الريادية، من خلال اختبار 6 فروض. وبلغت عينة الدراسة 2331 طالباً وطالبة يمثلون (6) جامعات حكومية. وقد توصلت هذه الدراسة الميدانية إلى اتفاق مجموعتى الدراسة فى بعض الجوانب الريادية واختلافهما فى بعض الجوانب الأخرى. فقد أثبتت الدراسة وجود فروق جوهرية بالنسبة لكل من الدوافع الريادية، واحتمالات إقامتهم لمشروعات جديدة بعد التخرج، واستعدادهم لإقامة هذه المشروعات بعد التخرج مباشرة، والتخصصات التى يفضلونها لمشروعاتهم، وإدراكهم لطبيعة رواد الأعمال، وإدراكهم للخصائص والسلوكيات السلبية لرجال الأعمال المصريين. فى حين اختفت الفروق المعنوية بين طلاب الجامعات المصرية وطالباتها، من حيث: توجهاتهم الريادية، وإدراكهم لتأثير عوامل معينة على إعداد رواد الأعمال وتكوينهم، وإدراكهم للخصائص والسلوكيات الإيجابية التى يتمتع بها رجال الأعمال المصريون، وتشير نتائج الدراسة إلى أن مساحة الاختلاف المتوقعة بين رواد الأعمال ورائدات الأعمال فى المجتمع المصرى أكبر من مساحة التشابه بينهما، وذلك على عكس ما أقرته بعض الدراسات الغربية التى أجريت على رواد الأعمال ورائدات الأعمال فى الدول الصناعية المتقدمة. وهذا ما يؤكد ضرورة وأهمية اختبار المناهج  والافتراضات التى قامت عليها دراسات ريادة الأعمال النسائية فى المجتمعات الغربية فى غيرها من المجتمعات النامية والاقتصادات الناشئة.
  21.  هدفت دراسة (على، 2009) إلى تحديد الخدمات الفعلية التى تقدمها مراكز الشباب لنشر العمل الحر عند الشباب، وتحديد متطلبات نشر ثقافة العمل الحر بمراكز الشباب بمحافظة القاهرة. وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج منها ما يتعلق بتحديد الخدمات الفعلية التى تقدمها مراكز الشباب لنشر ثقافة العمل الحر بمراكز الشباب، ومنها ما يتعلق بتحديد آليات تنمية دور مراكز الشباب.
  22. سعت دراسة (القصاص، 2008) إلى تعرّف الأساليب المستقبلية لتذليل العقبات التى تواجه العمل الحر، وفى سبيل ذلك هدفت الدراسة تعرّف الأدبيات الخاصة بطبيعة العمل الحر، ومدى فعالية دور العمل الحر فى توفير فرص عمل للشباب، وتعرّف الوسائل المتبعة لتنمية قدرات الشباب للتوجه نحو العمل الحر، بالإضافة إلى رصد المشكلات التى تعوق العمل الحر. وقد جاء نمط البحث استطلاعى تفسيرى لأنه يتناسب مع الظاهرة موضوع البحث. وقد تم تطبيق عدد (40) دراسة حالة متعمقة قام بإجرائها الباحث بمعاونة بعض من طلاب الدراسات العليا على عينة عشوائية من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18-30 عاماً فى مدينة المنصورة. وقد انتهت الدراسة إلى عدة توصيات من أهمها: أ) تنمية ثقافة ومفهوم المشاركة والإستراتيجيات اللازمة للشباب والأفعال التى تعزز اختيار العمل الحر كبديل مناسب وكمهنة مستقبلية، ب) تقديم المساعدة الضرورية للشباب لبدء العمل الحر، ج) توفير الفرص للشباب العاملين فى المجال للارتباط ببعضهم، د) التركيز على تطوير العمل، ه) استهداف الجماعات الخاصة التى تعمل على تنمية العمل الحر ودعمهم.
  23. هدفت دراسة (على، 2008) إلى تحديد المعارف الخاصة بإدارة المشروعات الصغيرة اللازمة للطالبات المعلمات بشعبة الاقتصاد المنزلى. كما هدفت بناء برنامج لنشر ثقافة العمل الحر فى ضوء الاحتياجات الفعلية للطالبات المعلمات بشعبة الاقتصاد المنزلى. والتحقق من فاعلية البرنامج فى تنمية المعارف الخاصة بإدارة المشروعات الصغيرة. واعتمدت الدراسة على المنهج شبه التجريبى باستخدام المجموعة التجريبية ذات الاختبار القبلى والبعدى. وقد طبق البرنامج على مجموعة من طالبات شعبة الاقتصاد المنزلى بكلية التربية بالإسماعيلية بلغ عددهن 30 طالبة بالفرقة الثالثة. واستغرق تنفيذ البرنامج 7 أسابيع بواقع 9 محاضرات.
  24. هدفت دراسة (Martins et al., 2004) إلى الكشف عن معوقات ريادة الأعمال. وتمثل ريادة الأعمال عنصرًا حاسمًا فى التنمية الإقليمية، ويُعد تعزيز روح المبادرة أحد أهم التدابير الرئيسة للتعجيل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولتعزيز روح المبادرة وريادة الأعمال، فنحن بحاجة إلى معرفة الحواجز والعوائق التى تؤثر على روح المبادرة للتغلب على الحواجز وتعزيز السياسات والتدابير الجديدة لإنشاء مشاريع جديدة. والحواجز والعوائق ليست هى نفسها بالنسبة لجميع الأفراد فى المجتمع. وعلى الرغم من أن بعض العقبات شائعة بالنسبة للناس جميعها، تجد بعض المجموعات عدة عقبات محددة، وهى النساء والشباب والأشخاص الذين يعانون من الإعاقات، والأقليات الإثنية، والعاطلين عن العمل، والأشخاص الذين يعيشون فى المناطق الريفية أو المناطق المحرومة. فى هذه الورقة يمكنك العثور على معلومات حول الإستراتيجية الأوربية ذات الصلة بتعزيز وريادة الأعمال وإيجاد وصنع الأعمال، وتحديد المعوقات لإنشاء الأعمال التجارية، بين المجموعات المختلفة فى المجتمع ونجاح بعض الحالات والممارسات الخاصة بـ "كيفية التغلب على الحواجز" فى البرتغال، فرنسا، إيطاليا والمملكة المتحدة. ويمكن أن يساعد تحديد المعوقات التى تحول دون إنشاء عمل جديد فى المجتمع، وفى المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً، على إزالة الحواجز و"جعل ريادة الأعمال فى متناول الجميع".
تعليق عام على الدراسات السابقة:
فى ضوء ما تم عرضه من دراسات سابقة عربية وأجنبية، اتضحت أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين الدراسة الحالية؛ وفيما يلى عرض لأهم أوجه التشابه والاختلاف بين الدراسات السابقة والدراسة الحالية، بالإضافة إلى أوجه الاستفادة:
  1. أوجه التشابه:
تشابهت الدراسات السابقة مع الدراسة الحالية فيما يلى:
  • انطلقت الدراسات السابقة من قصور الاهتمام بالعمل الحر وآلياته وثقافته، وهو ما انطلقت منه الدراسة الحالية.
  • استخدمت معظم الدراسات السابقة المنهج الوصفى وقد استخدمته الدراسة الحالية أيضاً.
  • اهتمت الدراسات السابقة بالعمل الحر وريادة الأعمال وهو أيضاً مجال الدراسة الحالية.
  • انتهت الدراسات السابقة إلى أهمية العمل الحر فى دعم الاقتصاد الوطنى وفى تقدم الأمة وتميزها وتعزيز تنافسيتها وهو ما انتهت إليه الدراسة الحالية.
  1. أوجه الاختلاف والتمايز:
اختلفت وتمايزت الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة فيما يلى:
  • تناول الدراسة لمفهوم ثقافة العمل الحر وكيفية تكوين ثقافة إيجابية تشجع على العمل الحر.
  • استخدامها لأسلوب تحليل المضمون.
  • الاهتمام بالشخصيات العصامية المصرية وتحليل مضمون كتاباتها.
  • المعالجة المختلفة لموضوع الدراسة ورؤيتها الخاصة بها.
  1. أوجه الاستفادة:
استفادت الدراسة الحالية من الدراسات السابقة ما يلى:
  • الاستخدام الأمثل لمنهج الدراسة والاسترشاد بالمنطلقات التى قامت عليها الدراسات السابقة، بالإضافة إلى النتائج التى توصلت الدراسات السابقة لها، وهو ما اعتمدت عليه الدراسة الحالية فى بناء منطلقاتها؛ حيث تبدأ الدراسة الحالية من حيث انتهى إليه الباحثون الآخرون وتبنى عليه.
خطوات الدراسة:
فى ضوء خطوات المنهج الوصفي وأسلوب تحليل المضمون المستخدم فى هذه الدراسة، سارت الدراسة وفقاً للخطوات التالية:
الخطوة الأولى: تحديد الإطار العام للدراسة من حيث مقدمتها، ومشكلتها، وأسئلتها، وأهدافها، وأهميتها، وحدودها، ومنهجيتها، ومصطلحاتها، والدراسات السابقة فى مجالها والتعليق عليها، ثم خطوات الدراسة.
الخطوة الثانية: تحديد الإطار المفاهيمى للدراسة والذى يتعلق بالأسس النظرية لمفهوم ثقافة العمل الحر، وأبعاده من خلال الاطلاع على الأدبيات والدراسات السابقة فى المجال وتحليلها. بالإضافة إلى مفهوم الشخصية العصامية الناجحة ودورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الخطوة الثالثة: الكشف عن العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر فى مصر من خلال الوثائق والدراسات التاريخية والتقارير.
الخطوة الرابعة: وتتضمن وصف وتحليل لواقع ثقافة العمل الحر فى المجتمع المصرى ومعوقاته من خلال الوثائق والأدبيات والتقارير والبيانات الإحصائية.
الخطوة الخامسة: تحليل مضمون السير الذاتية للشخصيات العصامية المنتقاة، وذلك للتوصل إلى المفاهيم الخاطئة التى أعاقت العمل الحر فى المجتمع المصرى. بالإضافة إلى التوصل إلى مقومات نجاح العمل الحر من وجهة نظر الشخصيات العصامية المصرية الناجحة من خلال تحليل مضمون سيرهم الذاتية.  
الخطوة السادسة: إيجاد آليات لكيفية الإفادة من ثقافة العمل الحر لدى الشخصيات العصامية المصرية الناجحة فى ضبط وتعديل وتكوين أفكار واتجاهات وقيم وعادات إيجابية تدفع بالعمل الحر فى المجتمع المصرى إلى الأمام وتساعده على النمو والازدهار.
ثانياً: الإطار المفاهيمى للدراسة:
  1. مفهوم الثقافة: Culture
تعددت تعريفات الثقافة بتعدد مجالات اهتمام العلماء واختلاف تخصصاتهم وآرائهم، بحيث إنه لا يوجد تعريف جامع شامل لها متفق عليه بينهم. وفيما يلى عرض لأهم هذه التعريفات وأكثرها شمولاً فى اللغة وفى الاصطلاح.
  • لغة:
(مادة: ث ق ف)، ثقف الشىء: ظفر به، ثقف فلان صار حاذقًا فطنًا، تثقف أى تعلم وتهذب، والثقافة هى العلوم والمعارف والفنون التى يُطلب العلم بها والحذق فيها، وامرأة ثِقاف فطنة، وثقّفه تثقيفاً سوّاه، وثاقفه فثقفه أى غالبه فغلبه فى الحذق. (فلية والزكى، 2004، 142)
  • اصطلاحاً:
يشتق مصطلح الثقافة من كلمة (Cultura) باللغة اللاتينية والتى تدل على "أعلى مستوى من التعبير عن الإنسانية"، وهى تعنى فى أحد تعريفاتها "الحضارة" من سلوكيات بشرية لطيفة ومواقف حسنة، بعكس "الهمجية". وينطوي مصطلح الثقافة على دلالاتٍ متعددة بما فى ذلك إطلاق القدرات الكامنة لدى العقل البشرى متمثلة فى إنجازاته التقنية وقدراته الفكرية وأنشطته الجسدية وآدابه وفنونه وعلومه.
وتُعرّف الثقافة بأنها "الكل المركب الذى يشتمل على المعرفة، المعتقدات، الأخلاق، الفنون، القانون، التقاليد، الإمكانات، والعادات التى يكتسبها الإنسان كعضو فى المجتمع". كما أنها "طرق التفكير والإحساس والتصرف وما إلى ذلك، حيث إنها طرق تتعلمها وتتقاسمها مجموعةٌ من الأشخاص وتساهم بطريقة موضوعية ورمزية فى تحويل هؤلاء الأشخاص إلى جماعةٍ خاصة ومميزة". (فيريول، 2011، 66-67)
والثقافة "نتاج إنسانى ينتج من خلال تفاعل الإنسان مع المجتمع، وتشتمل على كل أنماط السلوك والعادات والتقاليد والأفكار والمعتقدات والقيم والمثل العليا واللغة وكل أساليب الاتصال والفنون والآداب والأشياء المادية الناتجة عنها." (فلية والزكى، 2004، 142)
كما أنها ذلك "النسيج الكلى المعقد من الأفكار والمعتقدات والعادات والاتجاهات والقيم وأساليب التفكير والعمل وأنماط السلوك، وكل ما يبنى عليه من تجديدات، أو ابتكارات أو وسائل فى حياة الناس؛ مما ينشأ فى ظله كل عضو من أعضاء الجماعة، ومما ينحدر إلينا من الماضى، فنأخذ به كما هو أو نطوره فى ضوء حياتنا وخبراتنا.
وهى مجموعة من الطرق المستقرة نسبياً، وذات الصفة العامة للتفكير، التى تكون ذات فعالية فى مجتمع معين؛ أى هى نتاج العقل الإنسانى من تفكير وعلم وأدب وفن وتقانة.
وتعرّف بأنها "تنظيم للسلوك المكتسب، ولنتائج ذلك السلوك، التى يشترك فى مكوناتها الجزئية أفراد مجتمع معين، فى فترة زمنية معينة، وتنتقل عن طريق هؤلاء الأفراد. ويُعنى بها جميع طرائق الحياة، التى طورها الناس فى المجتمع، وهى فى مستوياتها العليا تمثل جهدًا ذهنيًا أو فنيًا، تختص به فئة مميزة من الناس ذوى القدرة على الإبداع والابتكار والإنتاج الجديد."
كما تعرّف الثقافة بأنها "كل ما يسهم فى عمران النفس وتهذيبها؛ فالتثقيف من معانيه التهذيب، أى أن الثقافة هى تهذيب النفس الإنسانية بالأفكار والعقائد والقيم والآداب والفنون". (شحاتة والنجار، 2003، 162)
وهى من صنع الإنسان من سعيه للتكيف مع البيئة الطبيعية والاجتماعية لإشباع حاجاته العضوية والعقلية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية. كما أنها تتمثل فى قيم الحياة واتجاهاتها ومعاييرها الحاكمة وفى طرق التفكير وأنماط الفكر وفى المعتقدات والتوقعات والعلاقات التى تنظم تعامل الناس فى حياتهم، وفى أنماط السلوك ومصطلحاته بين الناس بالمجتمع ونظمه وأجهزته ومؤسساته. والثقافة تتناقلها الأجيال المتعاقبة عن طريق الاتصال والتفاعل الاجتماعى لا عن طريق الوراثة البيولوجية. وهى أيضاً ما يتعلمه الخلف من السلف عن طريق الاتصال اللغوى والخبرة بشؤون الحياة والممارسة لها وعن طريق الإشارة والرموز. (فلية والزكى، 2004، 142-143)
وهكذا، فإن الثقافة ظاهرة تخص الإنسان فقط، وذلك لأنها نتاج تفاعلات العقل البشرى فى سيطرته على الطبيعة وتكيفه معها وتعامله مع باقى المخلوقات فى بيئته وتواصله مع بنى جنسه وتكوين علاقات اجتماعية بينهم. ويمتاز الإنسان بثقافته عن باقى المخلوقات نظراً لقدرته العقلية والإبداعية. وما دامت الثقافة من صنع الإنسان، فهى إذاً تختلف من مجتمع لآخر وفقاً لاختلاف الثقافة التى تسود فى هذا المجتمع، لأن أفكار الناس ومعتقداتهم وقيمهم وطرق استجابتهم للمتغيرات فى بيئتهم يختلف من مجتمع إلى آخر. وهى فى نهاية المطاف كل ما صنعه الإنسان أينما وجد؛ ولذلك فليس هناك مجتمع بلا ثقافة فكل مجتمع مهما صغر حجمه أو كبر له ثقافته الخاصة به. (كامبوشنير، 2010، 81)
  1. مكونات الثقافة:
تختلف الثقافة من مكان لآخر، ولكن كل الثقافات الإنسانية تتكون من مجموعة من العناصر التى تشكل بناءها، تشتمل الثقافة على عدة عناصر تتلخص فيما يلى: (شاهين، 2012، 55-65)
  1. الرموز:
وهى إشارات أو إيماءات أو لغات أو علامات للأشياء اتفق عليها المجتمع، وهى تحمل معانٍ متشابهة ومشتركة بين جميع أفراد هذا المجتمع تؤدى إلى سهولة التواصل والتفاهم بين أفراده؛ فالإشارات الضوئية للمرور تعطى مدلولات لمن يفهمها ويميزها، والثقافة فى أى مجتمع تضم مجموعة من الرموز التى اخترعها الإنسان لكى تساعده على التواصل مع الآخرين. وعلى هذا الأساس، تُعد اللغة عبارة عن مجموعة من الرموز الكلامية المتفق عليها، والتى يستخدمها الأفراد بغرض التواصل والتفاعل مع بعضهم البعض.
  1. الأفكار:
هى نتاج معالجة الدماغ للبيانات التى حصل عليها الإنسان من بيئته المحيطة به ومجتمعه الذى تربى فيه.
  1. المعتقدات:
تُعد نسقاً من المفاهيم المشتركة التى تجمع أفراد المجتمع الواحد، وتسعى إلى تفسير الأحداث والظواهر الاجتماعية والطبيعية تفسيرًا منطقيًا.
  1. العادات:
هى الطرق المعتادة التى يؤدى بها أبناء مجتمع معين الأشياء المختلفة.
  1. القيم:
مقاييس ثقافية داخلية للإنسان تُستخدم للتمييز بين المرغوب فيه والمرغوب عنه، والصواب والخطأ، والحسن والقبيح، والجيد والسيئ، وتستخدم كموجهات سلوكية داخلية لأفراد المجتمع تم الاتفاق عليها بينهم. وهى على هذا الأساس نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر، وتتغير من زمن لآخر.
  1. المعايير:
القواعد والمبادئ التى تحكم سلوك الأفراد وترشدهم وتوجههم لكيفية التصرف والتعامل فى المواقف المختلفة. وتُحدد المعايير المرغوب فيها والمرغوب عنها من السلوك فى مجتمع بعينه؛ حيث إنها نسبية، فما يُعد سلوكاً مقبولاً فى مكان ما يُعد سلوكاً غير لائق فى مكان آخر. وتختلف المعايير وفقا لدرجة أهميتها، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
  •  القانون: معايير مكتوبة وتحظى باحترام وتقدير الناس وتقوم بتنظيم السلوك الإنسانى فى المجتمع بالقوة الجبرية والإلزام، حيث يُحدد ما يجب على الفرد عمله، وما يجب الامتناع عنه، ويتعرض من يخالفها للعقاب.
  • العرف: معايير وقوانين غير مكتوبة تعارف عليها الناس وتحظى باحترامهم وتقديرهم حتى أصبحت ملزمة لهؤلاء الأفراد داخل مجتمعهم؛ وهى بذلك لها صفة الجبر والإلزام، ويتعرض من يخالفها إلى العقاب فهى موجهات أخلاقية على الفرد الالتزام بها. ويُعد العرف قانونًا سائدًا يُنظم حياة المجتمعات البسيطة كالمجتمعات البدوية، حيث يقوم شيخ القبيلة بتطبيق أحكام العرف فى هذه المجتمعات.
  • المأثورات الشعبية: معايير ليست على درجة كبيرة من الأهمية، وهى عبارة عن مجموعة من الأسس والمعايير السائدة فى مجتمع ما، ولكن ليست لها صفة الجبرية والإلزام على الأفراد بحيث لا يفرض عقوبات على الأفراد الذين لا يتبعونها.
  • التكنولوجيا: جميع الوسائل والأدوات والمعدات التى اخترعها الإنسان لجعل حياته أسهل وأيسر، وتساعده على توفير احتياجاته. وهذه الاكتشافات والاختراعات ملك للبشرية بأكملها ولا تقتصر على دولة بعينها، فقد ساهمت فيها مختلف الدول والشعوب بدرجات متفاوتة.
  1. مفهوم العمل: Labour
  •  فى اللغة:
تأتى كلمة "عمل" فى اللغة من مادة أو جذر: "ع م ل"، عمل عملاً: فعل فعلاً عن قصد، وتعنى أيضاً المهنة والصناعة. (فلية والزكى، 2004، 186)
وعرّفه لسان العرب بأنه "المهنة والفعل والجمع أعمال، ويُقال عمل عملاً وأعمله غيره واستعمله أى عمل به. واعتمل الرجل عمل بنفسه، ويُقال عمل فلان العمل يعمله عملاً فهو عامل، ورجل عمول بمعنى رجل عمل أى مطبوع على العمل، والتعميل: تولية العمل، فيقال عمّلت فلانًا على البصرة؛ أى وليته." (ابن منظور، 1999، 400)
  • فى الاصطلاح: 
تشير كلمة "عمل" إلى مجموعة من الوظائف أو مجموعات من الواجبات والمسؤوليات والأعمال المتشابهة والتى يقوم بأدائها مجموعة من الأفراد. ولذلك يتضمن العمل عدة وظائف ترتبط فيما بينها فى الواجبات والمسؤوليات. (فلية والزكى، 2004، 186)
ويشير إلى المصادر التى تحقق نشاطاً اقتصاديًا منتجًا، وتتمثل فى الطاقة، ومهارات الأفراد المشتركين فى تحقيق هذا النشاط. (فلية والزكى، 2004، 187)
ويُعرّف بأنه "مجهود إرادى عقلى أو بدنى يتضمن التأثير على الأشياء المادية وغير المادية لتحقيق هدف اقتصادى مفيد. كما أنه وظيفة اجتماعية تتحقق فيها شخصية الفرد." (بدوى، 1993، 323)
في إطار تعريف "جورج فريدمان" لمفهوم العمل، أشار إلى أن "العمل هو الوظيفة التى يقوم بها الإنسان بقواه الجسدية والخلقية لإنتاج الثروات والخدمات". كما أشار إلى تعريف "هنرى برجسون" فى اعتباره العمل الإنسانى يرتكز على خلق المنفعة، وتعريف "فرانسيس بيكون" فى تحديده معنى الفن الحرفى أنه الإنسان مضافًا إلى الطبيعة. وهذا الاتجاه المفهومى تمتد جذوره الفلسفية حسب "فريدمان" إلى "رنيه ديكارت"، حيث الطبيعة خاضعة لسيدها ومالكها الإنسان. (فريدمان ونافيل، 1985، 11-13)
  1. مفهوم العمل الحر:
تعددت تعريفات ومصطلحات العمل الحر، فتارة يُطلق عليه اسم "التوظيف الذاتى" Self-Employment، وتارة يطلق عليه اسم المشروعات الصغيرة والمتوسطة Small and Medium Entreprises (SME)، وأخرى يطلق عليه اسم "العمل الحر" Entrepreneurship أو "العمل المستقل" Freelancing.
كما يُعرّف بأنه "المشروع الاقتصادى الخاص الذى ينتج سلعة أو يقدم خدمة أو تجارة ويسمى مشروعًا أو عملاً حرًا بسبب حرية اختيار صاحبه لنوعيته وسماته، وعدم فرض أى جهة خارجية على ذلك المشروع نوع نشاطه أو مخرجاته أو أهدافه أو سياسته أو خططه أو نوعية المعدات أو العمالة أو النظم الإدارية الفنية". (الصندوق الاجتماعى للتنمية، 2008، 18)
ويغطى العمل الحر قاعدة عريضة من المهن والأنشطة، منها:
  • الأعمال الاختيارية.
  • الأعمال الفردية أو الجماعية.
  • أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة.
  • أصحاب المهن من المحامين والأطباء وغيرهم.
  • عمال المهن اليدوية مثل عمال المنازل والنجارين والحدادين.
  • قاعدة عريضة من الذين يعملون لحسابهم الخاص.
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المقصود بالعمل الحر فى هذه الدراسة، هو بداية أى عمل قبل التوسع فى إدارته ومباشرته؛ أى الخطوة الأولى. وفى هذا المقام، فإن العمل الحر يختلف قليلاً عن ريادة الأعمال، فالعمل الحر قد لا يحمل صاحبه أى مبلغ من المال لبدء عمله، أما رائد الأعمال، فإنه يمتلك المال اللازم للقيام بعمله.
وقد اختارت الباحثة الشخصية العصامية لدراستها لأنها تتناسب مع العمل الحر؛ أى أنها بداية دون معاونة مادية أو مالية، ولكنها تعتمد على الفرد نفسه بما يتميز به من قدرات وطاقات ومهارات ومعرفة ضرورية لبدء عمله أو مشروعه. فهناك تشابه كبير ما بين الاثنين بل إن العمل الحر Freelancing يُعتبر المرحلة الأولى للوصول إلى ريادة الأعمال Entrepreneurship وخصوصاً إن لم تكن ممن يملك رأس المال الكافى لبناء شركتك الخاصة بشكل كامل منذ اليوم الأول.
  1. مفهوم الشخصية العصامية:
وفيما يلى عرض لمفهوم الشخصية العصامية فى اللغة وفى الاصطلاح، ثم الصفات المميزة للشخص العصامى:
  1.  فى اللغة:
تأتى كلمة عصامى مِن الجذر: (ع ص م)، أى من المنع، وعصمةُ الله عبدَه: أن يعصمه مما يوبقه، وعَصَمه يعْصمه عصمًا أى منعه ووقاه، واعتصم فلان بالله إذا امتنع به، والعَصْمة أى الحفظ. (لسان العرب، 1999) (المعجم الوسيط، 2004، 605)
  1.  فى الاصطلاح:
ويتم تعريف العصامى على أنه: "من شرف بنفسه لا بآبائه، أو من بنى نفسه بكده وكفاحه واجتهاده. وهو من ساد بشرف نفسه، ويقابله العظامىّ، وهو من ساد بشرف آبائه". كما يُعرّف عصامىّ النشأة على أنه: "من تعلم من تلقاء نفسه وكسب علمًا باعتماده على قدراته الذاتية". (المعجم الوسيط، 2004، 605)
  1.  خصائص العصاميين:
يشترك العصاميون فى صفات تجمعهم على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وجنسياتهم ومشروعاتهم، وهذه الصفات تميزهم عن غيرهم كما يلى: (سليمان، 1991، 20) (سعد الدين وآخرون، 1984، 7-26)
  1. الاعتماد على النفس: العصامى سواءً أكان رجل صناعة أم رجل أعمال أم مضارباً أم مروجاً تقليديًا أم وكيلاً تجاريًا، هو شخص اعتمد على نفسه فى النجاح.
  2. الإيمان بقدراته: حيث يؤمن كل العصاميين بقدراتهم أكثر من الآخرين، ويقاتلون من أجل توظيف هذه القدرات فى مشروع حياتهم.
  3. يحمل فكرة يريد تنفيذها: والفكرة تمثل له هدفًا يريد تنفيذه ومشروعًا قابلاً للتحقيق. ويقوم العصامى بتطويع الظروف لتحقيق أهدافه وتنفيذ أفكاره، ولا يجعل الظروف تتحكم فى مساره.
  4. امتلاك رؤية مستقبلية: يمتلك العصامى زاوية رؤية تختلف عن الشخص التقليدى؛ وعلى الرغم من تقليدية خلفيته الاجتماعية فى أحيانٍ كثيرة، إلا أنه يرى ما لا يراه الآخرون من منافع وتطبيقاتٍ لاكتشافات علمية معينة أو لطرق إنتاجية جديدة، ولا يهتم بالعقبات التى تواجهه والمشكلات التى يصادفها فى سبيل تحقيقه لأهدافه.
  5. المبادأة والمبادرة: فالعصامى شخص مبادر يقوم بتجسيد أحلامه على أرض الواقع، وهو شخص لا يقبع فى الأحلام طويلاً وإنما يتخذها هادياً له؛ فهو شخص تنفيذى واقعى.
  6. المجازفة وليس المقامرة: فالعصامى يجازف مجازفة محسوبة العواقب ومدروسة دراسة علمية، ولا يقامر برعونة تقذفه فى المجهول؛ فهو "متحسب حذر" وليس أرعن أهوج.
  7. الاستعداد والتأهب: إن العصاميين متأهبون على الدوام حتى فى أوقات راحتهم وفراغهم، وهذا التحفز يجعل العصامى ناجحًا دائمًا فى اقتناص الفرص وتوظيفها لصالحه.
  8. العلم والمعرفة: فسلاح العصامى دوماً الاستناد إلى العلم والمعرفة فى تحقيق رؤيته الخاصة، وهو ليس شخصًا جاهلاً أو غرًا ساذجًا عديم الخبرة.
  9. الطموح: فهو شخص لا ترضيه المحدودية وإنما يطمح للعلا بغير حدود، سواءً من الناحية المادية أو المعنوية.
  10. التحدى: فالعصامى لا يعبأ بالعقبات ولا بالمثبطين وهو يسير فى طريقه لتنفيذ أهدافه رافعًا شعار التحدى.
  11. الاستقلال: العصامى شخص مستقل يريد تحقيق أهدافه عن طريق الشراكة مع الآخرين، وليس الذوبان فيهم، وهو فى سبيل تحقيقه لأهدافه يعتمد أولاً على نفسه ولا يضيره التعاون مع الآخرين.
  12. الدافعية للإنجاز: يمتلك العصامى دافعية عالية للإنجاز تنطلق من داخله تعينه على تجاوز الأزمات بوجهة نظره المتميزة، ولا يحتاج إلى محفزات خارجية للاستمرار فى طريقه.
  13. الصبر: يتصف كل العصاميين بالصبر على المكاره وتجاوز الملمات والمصائب التى تحيط بأعمالهم، لأن طريقهم ليس سهلاً، والاستسلام ليس خيارًا لهم، بل العمل والتحدى والصبر هو سبيل تحقيقهم لأهدافهم.
ثالثاً: العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع ثقافة العمل الحر فى المجتمع المصرى:
تأثر العمل الحر فى مصر بدرجة كبيرة بالإطار السياسى والاقتصادى والاجتماعى  للدولة. وقد أسهمت مجموعة من العوامل الشخصية والمجتمعية فى المجتمع المصرى فى العقد الأخير من القرن الماضي فى زيادة نسبة الشباب العاطل عن العمل. فاتباع الدولة لسياسة الخصخصة والاتجاه نحو الاقتصاد الحر، وتخليها عن تعيين الخريجين والفجوة بين المعاهد والكليات وسوق العمل، بحيث لا يكون الخريج مؤهلاً مباشرة لسوق العمل، بجانب الأزمة الاقتصادية العالمية التى يمر بها العالم الآن؛ وقد أثرت بالطبع على المجتمع المصرى مما زاد من صعوبة فرص الحصول على العمل وساهم فى زيادة أعداد العاطلين.
وقد تناولت الدراسة أهم العوامل التى أدت إلى تراجع العمل الحر فى مصر كما يلى:
  1. العوامل السياسية:
فيما يلى عرض أهم العوامل السياسية التى أثرت على العمل الحر فى مصر وفقاً لتحليل الباحثة بعد تتبع وتعقب المراحل التى مرت بها مصر، وقد تم عرضها كالتالى: 1- الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة والتمييز ضد المصريين؛ 2- الحروب والثورات المتعاقبة وعدم الاستقرار النسبى للبلاد؛ 3- الرأسمالية الأجنبية والمصرية؛ 4- جهود التمصير والاستقلال؛ 5- التأميم والحراسات العشوائية.
  1. الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة والتمييز ضد المصريين:
فُرض على محمد على باشا فى فترة من فترات حكم مصر قبول ما نصت عليه اتفاقية لندن 1840، والتى قضت بتقليص دولته، وتحجيم الجيش المصرى الذى كان المستهلك الرئيس للصناعات الجديدة، وإعادة الجزية التى أرهقت مصر، وإلغاء الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية، والتى قضت على كثير من الحرف بسبب اتباع سياسة "الباب المفتوح". وهكذا، دُمرت تجربة محمد على فى محاولة خلق مجتمع صناعى عصرى، مما أودى بالصناعة الحديثة حيث انهار الاقتصاد المصرى فى عهد عباس وسعيد باختفاء الطبقة الوسطى من تجار وحرفيين وملتزمين. (سليمان، 1991، 22)
وفى القرن التاسع عشر وصولاً إلى القرن العشرين، أقامت رؤوس الأموال الأجنبية المصانع والشركات الحديثة والمرافق العامة فى مصر، وفُرض على العمال المصريين أجور منخفضة وساعات عمل طويلة تتراوح ما بين ثلاث عشرة ساعة فى معظم المرافق، وخاصة النقل تصل إلى سبع عشرة ساعة يومياً. وقد تميزت الأجور بالتفاوت الكبير بين العمال الوطنيين والعمال الأجانب فى ظل قوانين الامتيازات الأجنبية، كما استأثر الأخيرون بالأعمال والوظائف الإشرافية، ولم تسنح الفرصة للعمال المصريين لتولي هذه الأعمال حتى لو كانوا متساوين معهم فى الخبرة والإنتاج. وكانت التشريعات فى تلك الفترة خالية من قوانين العمل التى تكفل تنظيم العلاقات بين رأس المال والعمل، وتضمن للعمال حقوقهم الأساسية مثل مكافأة نهاية الخدمة والتعويض عن إصابة العمل (محمد، 1967، 48-49).
وقد قدم العمال المصريون قائمة بمطالبهم عدة مرات للجهات التى يعملون فيها بداية من عام 1908 لتأكيد ضرورة المحافظة على كرامة العامل المصرى، وعدم تعرضه للإهانة ومنع ضربه وشتمه على يد رؤسائه من الأجانب، وتحطيم الفوارق بين أبناء البلاد والأجانب ما داموا يخدمون مؤسسة واحدة. وقد تضمنت هذه المطالب تخفيض ساعات العمل من 13 ساعة إلى ثمانى ساعات، وزيادة نسبة الأجور لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة، وتنظيم الغرامات والأجازات السنوية، والمرضية، وصرف الملابس وإعادة العمال المفصولين. بالإضافة إلى فتح باب الترقى للعمال المصريين إلى وظائف مفتشين حيث كانت حكرًا ووقفًا على الأجانب.
وهكذا، فقد رُسم لمصر دور واضح فى خريطة العالم الاستعمارى، ألا وهو تقديم القطن الخام لمصانع أوربا واستيراد السلع المصنعة، وحارب الحرفى المصرى حربًا خاسرة فى الحفاظ على صناعاته فى وجه الوارادات الأجنبية. وفى ظل الاحتلال والنفوذ الأجنبى لم يكن من الممكن للتاجر أو الصانع المصرى أو الصناعة المصرية النهوض، حيث كانت التجارب الصناعية التى بدأت خلال هذه الفترة محدودة واقتربت لحد كبير من الناتج الزراعى مثل حلج القطن وكبسه وصناعة الغزل والنسيج التقليدية إلى جانب صناعة السكر والسجائر، واستخراج الملح والصودا والصناعات التى تتمتع بحماية طبيعية مثل صناعة الطوب ومواد البناء، ولقد قام الأجانب بدور كبير فى هذه الصناعات. (محمد، 1967، 56-60)
  1. الحروب والثورات المتعاقبة وعدم الاستقرار النسبى للبلاد:
كان للحروب والثورات المتعاقبة وعدم الاستقرار النسبى للبلاد تأثير كبير فى هروب رأس المال، وركون التجار والصناع إلى كل ما هو مضمون وغير محفوف بالمخاطر، بالإضافة إلى ارتباط رأس المال بالأجانب وبامتيازاتهم سيئة السمعة، ووجود شبهة حرام فى أعمالهم، فعزف الناس عن المشاركة فى الأعمال التجارية والصناعية.
وقد شبت الحرب العالمية الأولى، وأعلن الإنجليز الحماية على مصر فى ديسمبر عام 1914، وتم إعلان الأحكام العرفية. وأخذت السلطات البريطانية منذ بداية الحرب تجمع ما تستطيع جمعه من العمال والفلاحين بالإكراه، وتسوقهم إلى مختلف الجبهات فى سيناء والعراق وفلسطين والدردنيل وفرنسا، للعمل فى خدمة القوات المحاربة. وكانت عملية جمع العمال تتم بالإكراه تحت ستار التطوع الاختيارى، حيث كانوا يؤخذون بطريق التجنيد. وقد وضعت الحكومة المصرية سلطتها وموظفيها رهن أوامر السلطة العسكرية البريطانية، فكان الرجال يُجندون قسرًا، واغتنم كثير من أصحاب النفوذ والعمد هذه الفرصة لسوق خصومهم إلى هذا التجنيد الذى كان بمثابة النفى والتعرض للأخطار، واتخذ الكثيرون الدعوة إلى التطوع سبيلاً للرشوة وابتزاز أموال الأهالى بإعفائهم من هذا التجنيد، وقد بلغ عدد العمال والفلاحين والهجانة المصريين الذين أُخذوا من مصر بتلك الوسيلة حتى نهاية الحرب ما يزيد عن مليون عامل مات كثير منهم فى الحرب.
ولم يقف الأمر عند حد استغلال طاقة العمل فى خدمة بريطانيا ولكن تعدتها إلى الاستيلاء على الدواب والحبوب والمؤن وعلف المواشى بأبخس الأسعار حتى إن الناس لم يجدوا ما يلزمهم لقوتهم الضرورى. واضطرت مصر إلى إنقاص مساحة الأرض المزروعة قطناً لزيادة مساحة الأراضى المنتجة للحبوب، وذلك لتموين القوات المحاربة.
ولقد نتج عن الحرب العالمية الأولى رخاء نسبى جلبته الحرب لم يستفد منه إلا طبقات التجار وملاك الأراضى الزراعية، حيث منعت ظروف الحرب استيراد المواد الصناعية، مما أدى إلى ازدهار بعض الصناعات فى مصر، أما العمال فلم تزد دخولهم برغم ارتفاع تكاليف المعيشة التى ربت فى بعض الأحيان على 100% مما كانت عليه قبل الحرب، ومن ثم كان اشتراك العمال فى الثورة ضرورة فرضتها ظروفهم وأوضاعهم.
كما أدت متطلبات الحرب إلى إقامة عدد من الصناعات الصغيرة التى تخدم جيوش بريطانيا، وكان من الطبيعى أن تؤدى هذه الظروف إلى بعث بعض الصناعات القديمة التى كادت تندثر. وفى عام 1917 أوصت لجنة حكومية بتشجيع الصناعة وحمايتها، ونتج عن ذلك أن الشركات التى  كانت موجودة منذ أوائل القرن العشرين والتى كثيرًا ما هددها الإفلاس، استطاعت تثبيت مركزها وجنى أرباح وافرة بسبب احتكارها الفعلى للسوق المحلية. ومن الصناعات التى ازدهرت خلال الحرب صناعة الأثاث على اختلاف أنواعه والمصنوعات الخشبية عمومًا، والمصنوعات الجلدية وصناعة الأسمنت والصابون والزيوت والكحول، ومطاحن الغلال التى تدار بالآلات، وصناعة السجاد والأكلمة، والمصنوعات الزجاجية والخزفية، ومنسوجات التريكو والملابس، والأسرة المعدنية، والأدوات المنزلية. (محمد، 1967، 68-73)
وقد احتدم الصراع بين العمل ورأس المال مع النمو المطرد للصناعة، والاتساع المفاجئ للطبقة العاملة. وناضل العمال من أجل الحصول على أحسن شروط التعاقد الحر، وطالبوا بالتشريعات التى تحفظ لهم حقوقهم قبل رأس المال، والتى كان التشريع المصرى يخلو منها حتى ذلك الحين (محمد، 1967، 78).
وبعد انتهاء الحرب، أصبح الأمل الوحيد للصناعة المصرية يتمثل فى قيام جهود اقتصادية وطنية بعد الحصول على الاستقلال السياسى المحدود. وذخرت تلك الفترة من أواخر عام 1932 حتى أوائل عام 1934 بالاضطرابات والقضايا السياسية وخاصة قضية القنابل المشهورة وما تبعها من تشديد الإجراءات البوليسية، وعلو مد العنف فى مواجهة النشاط العمالى (محمد، 1967، 96).
ولما جاءت ثورة يوليو 1952، كان يحدو الكثير من الشعب طموحات الحصول على الاستقلال الوطنى الذى يدعمه مجتمع صناعى متقدم. وكان من أول أعمال حكومة الثورة آنذاك طمأنة المجتمع الصناعى الموجود بإصدار تعديل لقانون الشركات المساهمة فى 30 يوليه 1952، وتضمن التعديل الكثير من المزايا الجديدة للمستثمرين وتسهيلات فى شروط إنشاء الشركات بما فى ذلك التخفيف من شروط ملكية المصريين لأغلبية أسهم هذه الشركات والاكتفاء بنسبة 49% بدلاً من 51%. كذلك أصدرت حكومة الثورة القانون رقم 430 لسنة 1953 الذى أعفى من الضرائب لمدة سبع سنوات الشركات التى تعمل على تنمية الصناعة أو التعدين أو القوى المحركة أو فى مجال الفنادق واستصلاح الأراضى.
وبعد إنشاء "المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى" عام 1953، اتخذت الدولة موقفاً مشجعاً للاستثمار، فقد قررت الدخول كشريك مع القطاع الخاص فى إنشاء عدد من الصناعات الأساسية مع تقديم ضمانات لعائدات الأسهم، وذلك بغرض تشجيع الأفراد على المساهمة فيها؛ حيث تولى المجلس مسؤولية دراسة وترويج عدد من المشروعات الجديدة ومنها مشروع "شركة مصر للحديد والصلب" وشركة "كيما".
ومع تمصير الاقتصاد بعد حرب السويس، استمرت الدولة تلعب دور المروج لعدد من المشروعات الكبرى مثل مشروع "شركة النصر للسيارات"، ومشروع "راكتا للورق"، ومشروع تطوير "شركة النقل والهندسة" وذلك من خلال "المؤسسة الاقتصادية" وغيرها من المؤسسات العامة، وذلك قبل الوصول إلى مرحلة الاشتراكية بسنوات. (سليمان، 1991، 25-26)
  1. الرأسمالية الأجنبية والمصرية:
ظهر الفكر التحررى أو ما يسمى بالليبرالية فى مصر مع قدوم الحملة الفرنسية، التى حملت معها أفكار حرية العمل والتجارة، وحقوق الملكية. واتضحت معالم هذا الاتجاه ومبدأ الحرية بمصر فى عهد سعيد، كجزء من حركة الاتجاه للغرب. وانعكس ذلك فى التشريعات التى وجهت البلاد وجهة رأسمالية وفقًا لمبدأ الحرية الاقتصادية بحيث لا تتدخل الحكومة فى الشئون الاقتصادية، ويكون الصانع حرًا فى عمله وفى تصريف إنتاجه. وتبعًا لذلك برز للنظام الرأسمالى خمس خصائص أساسية باعتبارها من السمات الأساسية لذلك النظام وهى: المشروع الحر والملكية الفردية، ونظام السوق والائتمان وهامش الربح، والمنافسة.
وقد تضخمت القوة الإنتاجية للمصانع فى ذلك الوقت بحيث أصبحت مركزًا مغريًا للاستثمارات، وجذبت كثيرًا من رؤوس الأموال إليها، حتى سميت تلك المرحلة من التاريخ الاقتصادى بالرأسمالية الصناعية، لكبر رؤوس الأموال الموظفة فى الصناعة. وقد نشأت الرأسمالية المصرية من الزراعة، وكانت الدولة عاملاً من عوامل ظهورها، وبذلك تشكلت نواة الرأسمالية بصفة عامة.
وفى عهد سعيد باشا، بدأ نظام الشركات المساهمة الأجنبية يدخل مصر، واحتكر الأجانب إنشاءها لأن المصريين لم يفكروا فى تلك الفترة فى المساهمة فيها، اعتقاداً منهم أن ربحها حرام شرعاً. وامتد إنشاء المشروعات الصناعية الجديدة حتى عهد إسماعيل الذى ظهر فى فترته بعض منها. وجدير بالذكر أن الصانع المصرى فى غالبية الأحوال كان صانعاً وتاجراً، وكان لا يعلم إلا النذر اليسير من مبادئ المحاسبة ولذا جهل بتكاليف ما يصنع، مما جعله يتعرض لجميع المخاطر، حيث كان لا يضبط لنفسه المعاملات المالية. ولذا اقتصرت صناعاته على الورش الصغيرة، أما الصناعات الكبيرة فقد كانت فى قبضة الأجانب وتعمل برؤوس أموالهم.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان عدد الشركات الموجودة فى مصر، فيما عدا قناة السويس، 78 شركة، ومن هذه الشركات 45 شركة أجنبية. بينما الشركات الباقية قدرها 33 شركة كانت شركات مصرية صغيرة. وقد كانت الاستثمارات المصرية المحلية ضعيفة أمام رأس المال الأجنبى المستثمر فى مصر حتى وقتها.
وتجدر الإشارة إلى أن الرأسمالية المصرية تعود فى جذورها الأولى إلى الزراعة، كذا كان ملاك الأراضى الزراعية ورجال الصناعة المصريون، فئتين لا تختلف إحداهما عن الأخرى، وقد قوى من ارتباطهم وساعد على اندماجهم عمليات الأنساب والأصهار التى تمت بينهم، وكان من بين هؤلاء المستثمرين الزراع والتجار، وأصحاب المصانع والمحامون..الخ.
أما الجناح الأجنبى من الرأسمالية الصناعية فى مصر والذى بلا شك أنه قد أثر فى تركيب المجتمع المصرى واقتصاده، فقد ساعد على تشكيله وتكوينه احتماؤه بنظام الامتيازات الأجنبية بشكل جعلهم من أصحاب المصالح فى البلاد وأدى إلى تركز النشاط الاقتصادى فى البلاد فى أيديهم وجعله تحت سيطرتهم، حتى أننا نجد أن الفرق واضح فى دورهم ونشاطهم فى مصر قبل إلغاء الامتيازات وبعدها، وقد كان من هؤلاء الأجانب التجار وأصحاب المصانع والمهندسون والأطباء..الخ (عامر، 1993، 11-25).
  1. جهود التمصير والاستقلال:
أخذت الصناعة الحديثة تجد لقدمها موضعاً مع مرور الزمن، ولا أدل على ذلك من الانكماش النسبي لحجم الواردات فى تلك الحقبة، وهكذا كانت الحرب العالمية الأولى نقطة تحول بالغة الأهمية فى تاريخ الصناعة المصرية. وأدت موجة المطالبة بالاستقلال السياسى إلى إثارة فكرة تدعيم هذا الاستقلال بقيام صناعة مصرية صميمة، وبدأت مجهودات تمصير الاقتصاد المصرى بفكرة تأسيس بنك مصر التى نفذت فى مايو عام 1920، واشترط فى عقد تأسيسه أن يكون حملة الأسهم من المصريين، فكفل له ذلك الصبغة القومية.
وحدد طلعت حرب برنامج بنك مصر الذى انحصر فى: (دافيز، 2009، 1277)
  • تأدية الخدمات المالية بأجر مناسب.
  • العمل على تنظيم الحالة التجارية.
  • إنشاء الغرف التجارية وشركات التعاون اللازمة لأصحاب المزارع والمصانع.
  • العمل على بث روح العمل والتعاون والتضامن والنظام فى الشباب.
  • إنماء ملكة الاقتصاد والتجارة فى الشباب.
  • الحث على وضع أساس التربية الاقتصادية العملية فى البلاد.
  • جعل تعليم النظام الحسابى أساسًا فى مناهج التعليم فى البلاد.
وقد بدأ بنك مصر برأس مال قدره ثمانون ألف جنيه، وأخذ يؤدى رسالته وينمو واتسعت معاملاته بمرور الأيام، فأنشأ فروعاً له فى معظم مدن القطر المصرى المهمة، وتضاعف رأس ماله، فبلغ رأس ماله واحتياطيه فى أواخر عام 1944 مليونين وربع من الجنيهات، بعد أن كان 175108 جنيهاً فقط فى أواخر عام 1920. وبلغت قيمة الودائع والحسابات الدائنة فيه 33 مليوناً وربعاً من الجنيهات فى عام 1944، بعد أن كانت ربع مليون جنيه فى نهاية عام 1920.
وأصبح بنك مصر النواة الاقتصادية والمالية لنهضة الصناعات الوطنية، فقد أنشأ شركات مساهمة مصرية كان لها أداة تمويل وتوجيه منها:
  • شركة مصر للطباعة عام 1922.
  • شركة مصر لحليج الأقطان عام 1924.
  • شركة مصر للنقل والملاحة النهرية عام 1925.
  • شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925.
  • شركة مصر لغزل ونسج القطن بالمحلة عام 1927.
  • شركة مصر لمصايد الأسماك وشركة مصر للكتان عام 1927.
  • شركة بيع المصنوعات المصرية عام 1932
  • شركة مصر لغزل ونسج القطن الرفيع بكفر الدوار عام 1938
  • شركة مصر لتصدير الأقطان عام 1930
  • شركة مصر للتأمين 1934
  • شركة مصر لصناعة وتجارة الزيوت عام 1937
  • شركة مصر للمناجم والمحاجر عام 1937
  • كما أسس البنك شركات أخرى للمستحضرات الطبية ودباغة الجلود والأسمنت والملاحة النهرية.
وقد كان للدور الذى قام به رواد الصناعة المصرية فى عصر ما بعد الاستقلال مثل طلعت حرب وأحمد ياسين وأحمد عبود وغيرهم من الرموز الاقتصادية الوطنية أبلغ الأثر فى خلق قاعدة صناعية حديثة لمصر فى ظروف حرب ضارية ليس مع المستعمر والمصالح الأجنبية فقط، بل أيضاً مع تقاليد المجتمع المصرى ذاته (سليمان، 1991، 23).
ونتج عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وما تبعها من تدهور أسعار القطن، والذى كان العمود الفقرى للنشاط الاقتصادى المصرى، ظهور موجة شعبية ورسمية لتشجيع الصناعات الوطنية. فعلى الصعيد الشعبى، أسس بعض الوطنيين "جمعية المصرى للمصرى" والتى كان قانونها يشترط على الأعضاء ألا يشتروا سلعة أجنبية مادام هناك ما يقابلها من السلع المصرية، وأن يقاطعوا المصنوعات الإنجليزية، وأن يتاجروا مع التجار المصريين دون الأجانب، حتى يمكن أن "نحقق استقلالنا ونجعل مصر ملتقى للمصريين". وقد نظمت هذه الجمعية حملة بالصحف أدت إلى نشر الوعى الاقتصادى بين أفراد الشعب، فأقبلوا على تشجيع الصناعات الوطنية. وعلى الصعيد الرسمى، كانت الحكومة تساير الرغبة القومية فى تشجيع الصناعة، فأنشأت مصلحة للتجارة والصناعة عام 1922 وقررت الحكومة مبدأ التسليف الصناعى الحكومى، وأصدرت التعليمات المتعاقبة فى سنوات 1922، 1928، 1930 إلى مصالحها المختلفة بتفضيل المصنوعات المحلية متى تساوت مع الأجنبية فى الجودة والمتانة ولو زاد ثمنها بنسبة 10% على حسب القرار الصادر فى 31 من مارس عام 1930.
وكان أهم عمل أقدمت عليه الحكومة لتشجيع الصناعة الوطنية هو تعديل التعريفة الجمركية فى عام 1930 بما يكفل حماية الصناعة المحلية، فقد كانت الحكومة مرتبطة باتفاقيات دولية تتعلق بالرسوم الجمركية، ومن ثم لم تكن تملك حق تعديل الرسوم الجمركية التى ثبتت عند 8% من قيمة البضاعة المستوردة، ولكن بانتهاء العمل بهذه الاتفاقيات فى عام 1930 أصبح من الممكن تعديل التعريفة الجمركية فقامت الحكومة بزيادة العوائد الجمركية على البضائع المستوردة، وكان هذا بمثابة انطلاق للصناعة المصرية على أساس نظام الإنتاج الواسع بالمفهوم الحديث. (محمد، 1967، 73-77)
وأدى نجاح تلك الشركات إلى تشجيع المصريين على استثمار أموالهم فى الصناعة والتجارة، فأسسوا شركات ومؤسسات صناعية وتجارية ناجحة، بعد أن كان استثمار أموال المصريين حكراً على الأرض وحدها وخاصة فيما بين عام 1919 والعشرينيات الأولى، حين ارتفعت أسعار القطن ارتفاعاً أدى إلى اتجاه أصحاب رؤوس الأموال إلى استثمار أموالهم فى الزراعة التى كانت مركزاً لتجمع رأس المال بلا حدود. وتسارعت فى الأربعينيات مجهودات تمصير الاقتصاد المصرى بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية وصدور قانون الشركات المساهمة عام 1947، وما واكب ذلك من نزوح الأجانب من مصر بعد الحرب العالمية الثانية وأحداث حرب فلسطين، ومجهودات تصنيع البلاد التى تسارعت بعد الثورة.
وقد اتجهت حكومة ثورة 1952 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التى أرادت إحداثها بعدما فرغت من بعض مشاكلها السياسية الداخلية والخارجية. وترتب على ذلك، أن كانت الفترة الواقعة بين عامى 1957 و1961 فترة عامرة بخطواتها الجادة والكبيرة لإحداث التغيير الاقتصادى والاجتماعى  المطلوب.
وكان 15 يناير عام 1957 بداية عملية التمصير الثانية، حيث نشرت فيه القوانين الخاصة بتلك العملية، وعُرفت تلك المرحلة بمرحلة الرأسمالية الموجهة التى انتهت بصدور قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961. وأخذت الحكومة بنظام الاقتصاد الموجه وهو نظام رأسمالي موجه "مبنى على حاجات البلاد" (عامر، 1993، 7-8).
وقد وقع التغير فى توجيه السياسة الاقتصادية بعد حرب السويس، وإرغام بريطانيا على الجلاء. فلم تمض عدة أسابيع على انسحاب القوات المعتدية فى عام 1956 بعد العدوان الثلاثى على مصر، حتى صدرت قرارات إخضاع جميع المؤسسات العامة، وتنظيم الاقتصاد المصرى تبعاً لخطط مرسومة لإبعاد رأس المال الأجنبى عن المراكز المالية الحساسة، الأمر الذى أفضى إلى إنشاء وزارة للتخطيط، والقضاء على تبعية ذلك الاقتصاد للخارج، وتمصير أهم الاستثمارات الأجنبية التى كانت بمثابة مراكز للسيطرة الأجنبية. كما تم إنشاء المؤسسة الاقتصادية عام 1957، وتمصير البنوك وهيئات التأمين والوكالات التجارية وإنشاء مجلس أعلى للتخطيط ولجنة التخطيط القومى. (عامر، 1993، 29-30)
  1. التأميم والحراسات العشوائية:
وإذا كان قرار تأميم المشروعات الاستعمارية واستبعاد الاستثمار الأجنبى الفردى قد وفر حداً أدنى من الاستثمارات للدولة، فإن قرار تكوين المؤسسة الاقتصادية قد حدد أن طريق التنمية الاقتصادية المستقبلية سيكون عن طريق الدولة وليس الرأسمالية؛ أى عن طريق الاقتصاد الموجه الذى يمنع السعى إلى الربح عن طريق الإضرار بالصالح العام. فقد عُهد إلى المؤسسة الاقتصادية رسم سياسة استغلال أموال الحكومة، وإدارة حصصها فى الشركات القائمة والأنصبة التى آلت إليها بعد تأميم الشركات الفرنسية والبريطانية، ومُنحت سلطة إنشاء الشركات بمفردها أو بالاشتراك مع الغير، وصرح لها بالاقتراض على نطاق واسع، وتمويل الشركات مباشرة أو بضمانها لدى البنوك ومؤسسات الادخار الجماعى. (عامر، 1993، 48)
وقد أبدى القطاع الخاص تخوفه من المؤسسة الاقتصادية، خشية عدم قدرته على منافسة الحكومة الغنية بالمال ووسائل العمل، وعدم تقيدها بالاعتبارات التجارية التى تتقيد بها المنشآت الخاصة، حيث سيكون القطاع الخاص مهدداً بمنافسة جارفة لا حيلة له فى مقاومتها. إلا أن المؤسسة الاقتصادية بينت أن سياستها قائمة على المعاونة للقطاع الخاص وليس المنافسة. (عامر، 1993، 49)
وأوضحت المؤسسة الاقتصادية أن إشرافها على بعض المؤسسات سيكون فى حدود معينة، لم يقصد منها عرقلة سير هذه الشركات أو الحد من نشاطها أو تحديد سياستها الخاصة، بل هى حدود عادية جرى بها العرف "فمثلاً وجود ممثلين للمؤسسة فى مجال إدارة تلك الشركات بنسبة لا تقل عن نسبة حصتها أمر طبيعى معمول به، والاستثناء الوحيد أنه إذا كان نصيب المؤسسة لا يسمح بتمثيلها بعضو ولا تقل عن 5% وجب أن يكون لها ممثل واحد بغض النظر عن النسبة."
وفى الفترة بين عامى 1957 و1960 حدث توسع سريع فى المؤسسة الاقتصادية، زاد رأس مال المؤسسة من 45 مليون جنيه حتى وصل مجموع استثماراتها 75 مليون جنيه تقريباً بنهاية عام 1960. ليس فقط من خلال الاستثمار العام، بل نتيجة لتأسيسها بعض الشركات الجديدة، إما بمفردها أو المساهمة فيها مع رأس المال الخاص فى صورة شركات اقتصاد مختلط، وإنما كذلك عن طريق ضم عدد من المشروعات الكبيرة. وقد تم فرض الحراسة على شركة سكة حديد الدلتا المحدودة فى عام 1954، وتأميم شركة قناة السويس فى نفس العام. (عامر، 1993، 22، 50-51) (عبد الرحمن، 2005، 3)
وامتصاصًا للجو العام الذى أحدثته تلك القوانين عند المتخوفين، رُفعت الحراسة عن 136 شركة ومؤسسة حتى آخر يناير 1957، ومن بين المؤسسات التى رفعت عنها الحراسة شركات النسيج ومصانع للأدوية وشركات لغزل الأقطان. ووالت وزارة المالية عملية رفع الحراسة عن الشركات والمؤسسات، حيث تم فى دفعة ثانية رفع الحراسة عن 72 شركة ومؤسسة وكان منها: شركة هاواى للألبان، وشركة أبو زعبل وكفر الزيات للأسمدة والمواد الكيماوية، وشركة الملح والصودا وشركة صباغى البيضا، وشركة وتكس للدخان والسجاير. وهكذا تم  رفع الحراسة رويداً رويداً فى ظل إجراءات التمصير لمحاولة الحفاظ على الوضع الاقتصادى من أى خلل أو زعزعة واهتزاز. (عامر، 1993، 33)
وفى 11 فبراير عام 1960، تم تأميم بنك مصر وكان يسيطر على مجموعة من أكثر من 20 شركة مهمة، وكان يملك غالبية أسهمها وكانت الشركات المتفرعة من البنك تحقق حوالى 20% من مجموع الإنتاج الصناعى فى مصر. واستسلم بنك مصر وشركاته للتأميم ولم يُبد أى مقاومة، على الرغم من أن الجمهور كان مترقباً لما يحدثه من رد فعل لذلك التأميم. وقد تدهورت أسعار الأسهم بعد هذا التأميم مباشرة بسرعة فائقة خلال عام 1960. تلا ذلك إعلان منهج "الاشتراكية العربية" فى أوائل الستينيات بصدور قوانين التأميم فى يوليو 1961، حيث تم تأميم عدد كبير من الممتلكات الخاصة والمشروعات الصناعية، وقد أخذ الأجانب فى تصفية أعمالهم والهرب برؤوس أموالهم. (عامر، 1993، 54-56) (دافيز، 2009، 154)
وفى ظل الظروف الثورية التى أحاطت بنهضة الصناعة المصرية فى الخمسينيات والستينيات، ومع تواتر التأميم والحراسة والتقارير السرية والتسلط الأمنى على المصانع، كان هناك أسباب حقيقية للعمل فى صمت بعيداً عن المؤامرات وحقد الحاسدين. (سليمان، 1991، 16)
وهكذا، فقد كان مُناخ الاستثمار فى مصر مشبعاً بالتأميم وبالقوانين المتغيرة وبالحراسات العشوائية، فأفقد المستثمرين ثقتهم فى استثمار أموالهم فى هذه الأجواء. ومن هنا كان الموقف واضحًا، وهو أن الرأسمالية المصرية لا ترغب فى المساهمة فى التنمية وفى التصنيع الحقيقى نظراً لارتفاع درجة المخاطرة، وطول المدة للحصول على عائد مجز. وبعد عام 1960 نجد أن الاتجاه الاقتصادى كان يسير نحو اختفاء المشروعات الحرة.
  1. العوامل الاقتصادية:
قامت الباحثة باستنباط عدة عوامل اقتصادية كان لها أكبر الأثر على العمل الحر فى مصر، وهى كالتالى:
  1. سيطرة رأس المال الأجنبى على الاستثمارات فى مصر واحتكارها:
قد أخذ رأس المال الأجنبى يعمل فى بعض الاستثمارات الصناعية فى البلاد، وخاصة بعد تأسيس المحاكم المختلطة فى عام 1876، وقيام الضمانات التشريعية التى تؤمن نشاطه. ولنشاط (محمد، 1967، 40) الاستثمارات الأجنبية أهمية خاصة فى تطور الصناعة فى مصر، فقد اتسعت نواحى استغلاله وتشعبت، وهيأت الفرصة لقيام نظام صناعة حديث بالمفهوم الغربى، يقوم على أساس الإنتاج الواسع، ويرتكز على مبدأ حرية العمل. وقد كانت الغلبة لهذه الاستثمارات الأجنبية فى ثلاثة ميادين هى: أ) المرافق العامة؛ ب) الصناعة؛ ج) التجارة. وفيما يلى تفصيل ذلك:
  1. المرافق العامة:
لقد فضل رأس المال الأجنبى اقتحام ميدان المرافق العامة، مركزًا عليه كل جهوده واستثماراته، مفضلاً إياه على الصناعة التى لم يولها الاهتمام نفسه. وقد حال بين رأس المال المحلى وبين اقتحام ميدان التصنيع عاملان: أولهما: ما ارتسم فى الأذهان من إخفاق محاولات التصنيع التى قامت على النطاق الرسمى فى عهد محمد على وإسماعيل، وثانيهما: الاعتقاد بأن الاستثمار الصناعى يحقق خسارة كبيرة لرأس المال بسبب ضيق السوق المحلية، ولمنافسة المنتجات الأوربية، كما أنه لا يمكن مقارنته بالعائد الضخم الذى يعود من وراء استثمار هذه الأموال فى الأراضى الزراعية. وعلى الرغم من أن الاحتلال البريطانى قام برفع بعض الضرائب الجائرة، فإن كرومر عارض التصنيع، وكان يرى أن قيام الصناعة فى مصر أمر مُحال ما لم تتبعه حماية جمركية، وأخذ يدافع عن حرية التجارة متعللاً بأن مصر ستفقد جزءًا كبيرًا من دخلها من الضرائب التى تفرضها على التجار الأجانب إذا ما تحولت رؤوس أموالهم إلى التصنيع. (محمد، 1967، 44-45)
وقد تم منح الأجانب الامتيازات التالية لإنشاء المرافق العامة: (محمد، 1967، 41-42)
  • مرفق الماء النقى: منح "سعيد" باشا عام 1865 امتيازاً للمهندس الفرنسى المسيو "كوردييه Cordier" لمد مدينة الإسكندرية بالماء النقى، فأسس "الشركة الأهلية لمياه الإسكندرية" التى سجلت بفرنسا، واستمرت فى استغلال امتيازها حتى عام 1867 حين اشتراها الخديو "إسماعيل" بثمانية ملايين وستمائة ألف فرنك، وتم تسليمها إلى الاتحاد الكبير بباريس كضمان لقرض فى عام 1876. ثم بيعت فى عام 1879 إلى "شركة مياه الإسكندرية"، وكانت شركة إنجليزية تكونت فى لندن برأس مال مدفوع قدره 400 ألف جنيه إسترلينى. وقد تم منح كوردييه امتياز مياه القاهرة عام 1865 لمدة 99 عامًا.
  • مرفق خط الترام: أعطت الحكومة فى عام 1860 امتيازاً آخر لمد خط الترام من الإسكندرية إلى الرملة، ثم انتقل الامتياز إلى "شركة سكك حديد الإسكندرية – الرملة"، وهى شركة إنجليزية سجلت  بلندن برأس مال قدره مائة وعشرة آلاف جنيه إسترلينى.
  • مرفق إنتاج الغاز: مُنح مسيو "ليبون Lebon" عام 1865 امتيازاً لإقامة شركة لإنتاج الغاز بمدينة القاهرة، وكانت هناك صعوبات جمة أمام المشروع، فمنحته الحكومة حق احتكار هذه الصناعة لمدة 75 عاماً حتى توسع الشركة نطاق خدماتها. وكان لنفس الشركة حق إنتاج الغاز بالإسكندرية أيضاً، أما شركة الغاز ببورسعيد فقد كانت امتيازاً شخصياً مُنح لرجل فرنسى آخر، قام بتحويل مؤسسته فيما بعد إلى شركة محدودة، وفى عام 1899 اشتراها ليبون، وبذلك أصبح إنتاج وتوزيع الغاز فى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وقفاً على ليبون وشركاه. وكان رأس مال الشركة يُستغل فى مصر، أما أرباحها فلم تكن معلومة، فقد كانت تستغل فى أعمال الشركة بفرنسا، شأنها فى ذلك شأن المؤسسات الأجنبية فى مصر التى لم تكن إلا فروعاً لشركات فى الخارج، ولذلك لم تكن هناك أرقام محددة تبين مدى نشاطها فى مصر.
  • مرفق توزيع الكهرباء: قامت شركة ليبون أيضاً باحتكار مرفق توزيع الكهرباء بالإضافة إلى الغاز.
  • مرفق خطوط التليفونات: تم منح امتياز لأحد الأمريكيين لمد الخط التليفونى الأول بين القاهرة والإسكندرية، ثم نقل هذا الامتياز فى السنة نفسها إلى "شركة التليفونات الشرقية" بلندن. وفى عام 1883 سمح للشركة بمد خطوطها إلى بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، والزقازيق، والمنصورة، وطنطا، وتحولت خطوط الشركة بمصر إلى شركة خاصة هى "شركة تليفونات مصر" عام 1885. ومنذ ذلك الوقت اتسع نطاق نشاطها، فمدت خطاً إلى أسيوط عام 1889، وآخر إلى الفيوم عام 1908، ثم تلتها خطوط أخرى إلى مختلف الأقاليم، ولم يبلغ عام 1911 نهايته حتى كانت جميع الأقاليم مرتبطة ببعضها البعض تليفونياً، وفى عام 1918 نقل الامتياز إلى الحكومة.
  1. الصناعة:
أما فيما يتعلق بالصناعة، فقد سيطر الأجانب على كثير من الشركات الصناعية كالتالى: (محمد، 1967، 43)
  • شركة مطاحن مصر: تأسست برأس مال فرنسى فى عام 1857، فقامت بإنشاء عدد من المطاحن الآلية. وفى عام 1863، قام المصرفى الفرنسى "باسترى Pastré" بتأسيس مطحن بطنطا.
  • شركة الأشغال العامة: تكونت برأس مال فرنسي، حيث أسسها مسيو بلنيير Blignières. وحُلت الشركة بعد الاحتلال البريطانى.
  • شركة السكر والتقطير المصرية: آلت تلك المصانع التى أسسها "سعيد وإسماعيل" إلى الفرنسيين فى عام 1881، فضمت وحدات الإنتاج المتناثرة فى شركة واحدة تأسست فى عام 1892 برأس مال معظمه فرنسى بلغ فى عام 1901 أربعة وخمسون مليوناً وخمسمائة ألف فرنك.
  • مصانع السجائر: كونتها طبقة فريدة من المستثمرين الأجانب، كما يتضح من أسماء مؤسسيها: جاناكليس، وكريازى، وأجاتوس، وماتوسيان، وسانوسيان، وسيمون آرزت، وهم من اليونانيين والأرمن.
وقد تأسست عدد من شركات النقل، والبنك الأهلى المصرى، وشركات الأراضى، وزاد عدد الشركات التجارية والصناعية، فتم تأسيس شركات جديدة وتحولت المؤسسات الخاصة إلى شركات تبعاً لاتساع أعمالها فى نهاية القرن التاسع عشر.
  1. التجارة:
وقد سيطر الأجانب أيضاً على معظم الأعمال التجارية فى مصر، كما يلى:
  • غرفة التجارة الإنجليزية بالإسكندرية: ازدادت المصالح الإنجليزية فى مصر، فتم إنشاء هذه الغرفة عام 1897. وفى عام 1899، أعدت هذه الغرفة قائمة بالشركات العاملة فى مصر عام 1898، فوجدت عددها 67 شركة برأس مال أجنبى فى معظمه، وكان مديرو هذه الشركات من الأجانب. ومثّل المصالح الوطنية فى الغرفة مجموعة من رجال البنوك اليهود بالإسكندرية والقاهرة، وبعض التجار الأجانب الذين كان معظمهم من تجار القطن بالإسكندرية، بالإضافة إلى عدد من شركات المبانى بالثغر. وبلغ عدد شركات الغرفة عند نهاية القرن 78 شركة. (محمد، 1967، 45) (عامر، 1993، 18-19)
  1. الاحتكار:
بدأت الصناعات فى مصر منذ نشأتها محتكرة من قبل محمد علي، حيث أحكم قبضته على جميع الصناعات الموجودة بالقطر المصرى. فقد اقتضى ذلك النظام الاقتصادى الذى أدخله محمد على وأحكم تطبيقه فى مصر أن يحتكر الباشا الصناعات القائمة فى البلاد منذ زمن بعيد، وأن يكثر من إقامة منشآت صناعية جديدة حتى يحقق فكرتين: الأولى فكرة الميزان التجارى الذى يجب أن يميل فى صالح دولته، والثانية فكرة الاكتفاء الذاتي. وكانت حكومة الوالى تحتكر بيع الإنتاج لأية سلعة بأثمان محددة، وتم حظر إنتاج السلع بدون ترخيص، وتم فرض حصص معينة من الإنتاج على مشايخ القرى لشرائها، وفُرضت الضرائب على المشتغلين بها والمتجرين فيها، بعد أن تم جمعهم فى مكان واحد تحت إشراف مندوب الوالى، الذى كان يمدهم بالمواد الأولية بالسعر المحدد.
وقد أدى نظام الاحتكار إلى تقييد حرية الصناع، وقتل روح الابتكار لدى الصناع؛ إذ كانت الحكومة تمنع اتباع طرق جديدة للإنتاج، ولذلك لم يحدث تغيير ملموس فى طرق الإنتاج البدائية فى الصناعات الصغيرة، كما حال احتكار الحكومة لبعض الصناعات الصغيرة دون نمو الاستثمار الفردي، وكذلك أدى نظام الاحتكار إلى ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية مما أدى إلى زيادة نفقات المعيشة والإضرار بالمستهلك.
وبعد سقوط تجربة محمد على الصناعية، لم تتح الفرصة لإيجاد تطور صناعى جديد لعشرات السنين، فقد أغلق عباس وسعيد جزءاً من مصانع "محمد على"، وباع سعيد بعض هذه المصانع، وأعطى بعضها الآخر كالتزام لأشخاص بعينهم، ولكن هؤلاء لم يستطيعوا الاستمرار فى إدارة هذه المصانع لوقوع عبء الضرائب على عاتقهم، بينما كان منافسوهم الأوربيون يعفون منها. وحاول "إسماعيل" أن يُعيد التجربة الصناعية عن طريق إقامة المصانع وإيفاد البعثات إلى الخارج، واستطاع أن يحقق بعض النجاح. (محمد، 1967، 34-38)
أما فى فترة عبد الناصر، فقد صدرت عدة قوانين عملت على تحجيم رأس المال، وبينت وزارة الصناعة فى فترة الستينيات من القرن العشرين أن الأحكام التى وضعت كانت لتلافى إلحاق الأضرار بالصالح العام نتيجة لإطلاق الحرية لأصحاب رؤوس الأموال فى استثمار أموالهم فى الصناعات التى يشاءون أو فى تحديد مكان وغرض وحجم المشروعات الصناعية على النحو الذى يريدون، لهذا أوجب القانون الرجوع إلى وزارة الصناعة التى تقوم بالدراسة والبحث والترخيص بإقامة (عامر، 1993، 64) المشروعات الصناعية، أو تكبير حجمها أو تغيير غرضها أو مكان إقامتها أو وقف نشاطها أو التقليل منه، وكذا منح للوزارة سلطة تحديد مواصفات الإنتاج وأسعار السلع المصنعة. (عامر، 1993، 64)
  1. الانفتاح الاقتصادى:
لقد قامت الدولة بدور رجل الأعمال والصناعى، كذلك قاومت قوى الاستعمار والإقطاع المحلى حتى العشرينيات من القرن العشرين. وبعد فترة قصيرة من المبادرات الصناعية الخاصة جاءت تجربة الاشتراكية والحراسات لتضرب الرأسمالية الوطنية، وتحرمها أسباب وجودها الفلسفية. فالدولة هى الرائدة فى مجال الصناعة. وبدلاً من المبادرة والابتكار يلزم الارتباط بالتخطيط. وبدلاً من رواد الأعمال، هناك مراكز البحوث الفنية والشركات القابضة الحكومية..الخ. وفى فترة الانفتاح، وما تبعها من إصدار قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 واتفاقية مارس 1979، انفرط العقد واختلط الجهد المنتج المبدع بمغامرات الطفيليين والمضاربين.
ومن الصعب للمعاصر أن يحكم بموضوعية على فترة الانفتاح، ذلك أن الكثير من القضايا قد اختلطت. وأصبح من اللازم أن يغوص الإنسان تحت طبقة الطفيليين والمستفيدين من رواج السلع الاستهلاكية، وفورة الاستيراد حتى نجد الرواد وأصحاب المشاريع الذين يتحملون المخاطرة ويبتكرون لتقديم سلعة جديدة أو خدمة جديدة للمجتمع. (سليمان، 1991، 21-32)
وقد ميزت هذه المرحلة عدة خصائص فارقة تتضح فيما يلى:
  • تحرير التجارة: تاريخ مصر التجارى كله فى الفترة الحديثة قائم على تحرير التجارة منذ الاحتلال البريطانى لمصر مروراً باتفاقية الجات فى عام 1995 وحتى وقتنا الحاضر. فقد عارض كرومر التصنيع، وكان يرى أن قيام الصناعة فى مصر أمر مُحال ما لم تتبعه حماية جمركية، وأخذ يدافع عن حرية التجارة متعللاً بأن مصر ستفقد جزءاً كبيراً من دخلها من الضرائب التى تفرضها على التجار الأجانب إذا ما تحولت رؤوس أموالهم إلى التصنيع. وعلى هذا الأساس، فإن اقتصاد مصر حتى الآن قائم على فلسفة الدولة التابعة المحتلة من قبل الدول الاستعمارية الصناعية الكبرى. وإن الموقف التقليدي لدعاة حرية التجارة الذين يبدأون باستبعاد الاعتبارات القومية والسياسية وقضية التبعية والاستقلال الاقتصادى، ثم يأخذون نسب عناصر الإنتاج المتوافرة فى لحظة معينة على أنها هى معيار النجاح، بصرف النظر عن الظروف التاريخية التى مكّنت دولة ما وحرمت أخرى من تغيير هذه النسب، وبصرف النظر عن قدرة الدولة التى حرمت من هذه الفرصة من الارتفاع إلى مستوى أعلى من التخصص فى ظل سياسات اقتصادية مختلفة. وهو موقف يتسم أيضاً بالإصرار على تجاهل ما تخضع له تجارب الدول التى تحاول تحقيق استقلالها الاقتصادى من ضغوط سياسية خارجية تجبرها على التخلى عن نظام الحماية، فيؤدي بهم ذلك إلى رد فشل مثل هذه التجارب إلى عيوب داخلية متأصلة فى شعوب هذه الدول تحكم عليها حكمًا أبديًا بفساد الإدارة، والتخطيط، وتبديد الموارد، وانخفاض الإنتاجية. إن لحظة تاريخية معينة فى حياة دولة ما تتحول إذن عند أصحاب هذا الموقف إلى تاريخ هذه الدولة بأكمله ومستقبلها أيضاً. (أمين، 1983، 142)
  •  تخفيض العملة المصرية (تعويم الجنيه): إن قرارات تخفيض قيمة العملة المصرية وتعويم الجنيه، قد أوجد ارتباكًا اقتصاديًا، وزاد من حالات التعثر، فقد عجزت المصانع عن سداد التزاماتها، سواءً للبنوك أو التأمينات أو الضرائب وغيرها من الجهات الدائنة. والقول بأن تخفيض العملة من شأنه زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية، فإن قيمته العملية تتوقف بالطبع على الفارق النسبى بين نفقات الإنتاج فى مصر والدول الصناعية المتقدمة. ومن الصعوبة بمكان، القول بقدرة الصناعات المصرية أن تنافس صادرات هذه الدول فى السوق المصرية كنتيجة لمجرد تخفيض سعر الصرف. كذلك تجدر الإشارة إلى أن النفع الذى يمكن أن يعود على بعض الصادرات المصرية من الإنفتاح على أسواق الدول المتقدمة، حتى بصرف النظر عن نوع هذه الصادرات، لا يمكن مقارتنه بالنفع العائد على هذه الأسواق من انفتاحها على مصر بسكانها الذى يفوق مائة مليون نسمة، وبالنظر إلى اتجاه مستهلكى الدول المتقدمة أكثر فأكثر إلى زيادة نسبة استهلاك أفرادها من السلع الواردة من الدول الصناعية المتقدمة وليس من الدول النامية، حيث قدر البعض أن نحو نصف متطلباتها وأنماطها الاستهلاكية ووارداتها لا يتوافر إلا فى الدول الصناعية الكبرى التى تمتلك علامات تجارية عالمية. (أمين، 1983، 141) (عبد الرحمن، 2005، 2)
  • التوكيلات بدلاً من الاستيراد المباشر: نتيجة لتحرير التجارة، تم إشاعة أنماط استهلاكية مستوردة عن طريق عمليات صناعية خفيفة مثل: صناعة المشروبات الغازية وأدوات التجميل أو صناعات ثقيلة مثل: السيارات والقطارات والموتورات. وتعتمد هذه الصناعات فى المعتاد على استخدام معرفة أجنبية، وهو ما يسمح لها بالنفاذ إلى السوق المصرية، والعمل بموجب رخصة تشغيل من المصنع الأجنبى، بسبب عدم وجود بعض هذه الصناعات أصلاً، أو بسبب قصر مدة الحماية التى حظيت بها الصناعة المصرية، وعليه فإن الكثير من القيمة المضافة تذهب إلى المورد الأجنبى للمعرفة الفنية أو صاحب امتياز السلعة، مما يجعل هذه الصناعات لا تختلف كثيرًا عن الاستيراد المباشر. أى أنه استيراد فى صورة مقنعة بالتوكيلات التجارية. (سليمان، 1991، 28) (أمين، 1983، 137)
  • الإغراق والمنافسة الضعيفة: بمجرد تطبيق شروط اتفاقية التجارة الحرة، فقد تم إغراق السوق المصرية، وكانت المنافسة ضعيفة للغاية لصادرات الدول الصناعية الكبرى من المنتجات المعدنية كالآلات الصناعية وآلات الرى والمعدات الزراعية ومعدات البناء وطائفة كبيرة من الأدوات المنزلية، وكثير من المنتجات الكيماوية كالأدوية والمبيدات الحشرية، ومن المنتجات الكهربائية والإلكترونية كأجهزة الإرسال والاستقبال وأدوات القياس الإلكترونية، والمعدات الطبية والأجهزة العلمية والأسلاك والكابلات الكهربائية والآلات الحاسبة، وأجهزة اختزان المعلومات، وأجهزة تكييف الهواء وغيرها من السلع الاستهلاكية الكهربائية المعمرة، فضلاً عن الأسلحة، وبعض الأنواع المتقدمة من المنسوجات والأزياء وبعض أنواع الخبرة والمهارات الصناعية. وفى مقابل ذلك، قامت هذه الدول باستيراد المواد الخام من مصر كالوقود والقطن وبعض السلع الغذائية الأولية وبعض المنتجات الصناعية البسيطة التى تتميز بارتفاع نسبة العمل كالأنواع الأقل جودة من المنسوجات وبعض الصناعات الغذائية والأحذية وبعض مواد البناء. (أمين، 1983، 138-139)
  • التبعية الاقتصادية وليس الاعتماد المتبادل: هناك تبعية اقتصادية تهدد الاقتصاد المصرى نتيجة لتحرير التجارة، وانفتاحه على الدول الصناعية الكبرى. فطابع العلاقات القائمة هى بين دولة صناعية متقدمة وأخرى "متخلفة"، من حيث اقتصار الثانية على تصدير المواد الأولية سواء مباشرة أو متضمنة فى صادرات من سلع صناعية بسيطة، فضلاً عن الخدمات السياحية، بينما تضطر إلى استيراد الصناعات كثيفة الاستخدام للمهارات والخبرة الفنية ورأس المال. فمصر يطلب منها تنمية مهاراتها الذاتية وحدها وعدم حمايتها لصناعاتها ومواجهة ظروف داخلية وخارجية غاية فى الصعوبة، وهو ما يؤدي بها فى النهاية إلى تبعيتها لدول أكثر منها نمواً. (أمين، 1983، 140)
  • انحصار دور مصر فى "المستهلك الجيد": نتيجة العلاقة المشوهة بين مصر - التى تقوم بأنشطة ذات إنتاجية منخفضة - وبين الدول الصناعية الكبرى التى تنفرد بالصناعات عالية الإنتاجية؛ أى بين منتج (الدول الصناعية) يحتكر معظم مراكز الإنتاج، ويقوم بتطوير فنونه، وبين مستهلك (مصر)، فإن مصر أصبحت تعاني من استيراد التضخم، وأصبحت مستهلكاً جيداً على استعداد فى سبيل زيادة استهلاكه حتى إلى بيع أصوله تحت وطأة المنافسة، على النحو الذى نراه فى العلاقة بين الدول الصناعية والدول المنتجة للبترول. إن مصر تضطر أكثر فأكثر إلى التحول من القطاعات المنتجة إلى أوجه النشاط القائمة على بيع الأصول، سواء أكانت أصولاً مادية أم غير مادية. (أمين، 1983، 143)
  • الشعور العام بالإحباط وعدم الاستقرار وعدم الأمان: تقوية الشعور بالإحباط الراجع إلى العامل القومى البحت نتيجة الاستغلال الاقتصادى وإغلاق المصانع المصرية، والتضييق على أصحاب الأعمال الحرة وتنفذ المستثمرين الأجانب وتغول التوكيلات التجارية للشركات العابرة للقارات، والسفه الاستيرادى غير المحدود. بالإضافة إلى التضارب والتخبط فى القرارات الاقتصادية مثل إلغاء قانون حوافز الاستثمار ثم تعديله، وغياب البرامج الاقتصادية المخططة والرشيدة والفلسفة التى تقود الخط الاقتصادى للدولة، مع بقاء التشوهات الجمركية دون علاج؛ وكلها موجات عنيفة من الإغراق الاقتصادى للمنتج والمستهلك المصرى على حد سواء. (أمين، 1983، 151) (عبد الرحمن، 2005، 2)
  1. العوامل الاجتماعية والثقافية:
وضع المستعمر نظامًا تعليميًا وهدف إلى خلق كوادر إدارية متوسطة للحكومة، وأهمل أى فكر متطور يوائم احتياجات العصر الصناعى، وفى مناهضة الصناعة المحلية عن طريق تقييد قدرة مصر على حماية صناعتها المحلية. ولم تستعد مصر قدرتها فى هذا المجال حتى عام 1930 عندما استطاعت فرض تعريفة جمركية على وارداتها. كذلك فإن المنظم المصرى لم يأخذ فرصته الكاملة إلا بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937 تلك الامتيازات التى جعلت منه مواطناً من الدرجة الثانية غير قادر على منافسة الأجنبى فى أرضه، إلى الحد الذى لزم فيه أنه إذا كان بينه وبين أحد الأجانب نزاع فى قضية مدنية أو حتى جنائية أن يلجأ إلى المحاكم المختلطة التى كانت السيطرة الساحقة فيها لقضاة أجانب. ومن المهم ألا ننسى أن معظم عمليات البنوك والائتمان وخدمات التأمين والنقل والوكالات التجارية كانت فى أيدى الأجانب، وعليه فقد كان من الصعب على المصرى أن يتحمل مخاطر صناعية طويلة الأجل فى ظل هذا المناخ المعادى له، ولرغبته فى الانطلاق والاستقلال، وبقيت معظم المبادرات الصناعية فى مجتمع ما قبل الحرب العالمية الثانية (فيما عدا شركات بنك مصر وأمثلة أخرى محدودة) فى أيدى الأجانب، الذين تمكنوا من الهيمنة بسبب عدم خضوعهم للضرائب المباشرة وعملهم خارج نطاق السيادة التشريعية للدولة. هذا إلى جانب تضامنهم فى الدفاع عن مصالحهم المشتركة وضد تنمية القدرات الإدارية والفنية للمصرى، وعليه سيطر الأجانب على الوظائف الفنية والإدارية فى معظم الشركات القائمة قبل صدور قانون الشركات فى 1947. (سليمان، 1991، 24)
وقد أسهمت مجموعة من العوامل الشخصية والمجتمعية فى المجتمع المصرى فى العقد الأخير من القرن الماضى فى زيادة نسبة الشباب العاطل عن العمل. فاتباع المجتمع سياسة الخصخصة، والاتجاه نحو الاقتصاد الحر، وتخلى الدولة عن تعيين الخريجين، والفجوة بين المعاهد والكليات وسوق العمل بحيث أن الخريج لا يكون مؤهلاً مباشرة لسوق العمل، إلى جانب الأزمة الاقتصادية العالمية التى يمر بها العالم الآن، وبالطبع يتأثر بها المجتمع المصرى قد زادت من صعوبات فرصة الحصول على العمل مما أسهم فى زيادة أعداد العاطلين. ومما لا شك أن نظام التعليم، والتقاليد الاجتماعية المصرية، والفلسفة السياسية فى مصر، كلها حاربت ظهور العمل الحر والمبادرات الفردية، كما سيتضح فى السطور التالية:
  1. ساهمت سياسات التعليم والتوظيف فى تعاظم المشكلة منذ ستينيات القرن الماضى، حيث توسعت الدولة دون تخطيط أو وجود إستراتيجية واضحة، بالإضافة إلى التضارب فى كثير من القرارات والقوانين فى مختلف مجالات التعليم ولم يتم الربط والتنسيق بين برامج ومناهج التعليم فى مراحله كافة وبين احتياجات المجتمع من المهن المختلفة.
  2. الهجرة العائدة إلى الوطن نتيجة لما أصاب الأقطار العربية البترولية فى الوقت الراهن من ركود اقتصادى، وانخفاض فى حجم الاستثمارات، بالإضافة إلى محاولة هذه الدول إحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية.
  3. عدم فاعلية التدريب المهنى فى توفير العمالة اللازمة لتنفيذ برامج التنمية، وبالتالى لم يساهم هذا النوع من التدريب فى إحداث المواءمة بين العرض والطلب على القوى العاملة.
  4. القيم السائدة لدى الفرد فى مصر نحو العمل الحر، جعل الكثيرين يعزفون عن العمل اليدوى.
  5. ضعف دور المحليات بخططها ومشروعاتها فى مواجهة مشكلة البطالة.
  6. ضعف مشروعات الأسر المنتجة والمشروعات الإنتاجية الصغيرة وعدم انتشارها وأيضاً عدم استيعابها قوى عاملة جديدة.
  7. الأزمة الاقتصادية بصفة عامة التى يواجهها الاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن، حيث تمثل البطالة أحد المؤشرات الأساسية لهذه الأزمة.
  8. الميل الواضح للاختيارات التكنولوجية والتحيز للفنون الإنتاجية الأكثر كثافة لرأس المال.
  9. الزيادة السريعة فى النمو السكانى وما ينشأ عن ذلك من خلل فى التوازن بين قوى العرض والطلب بسوق العمل.
  10.  إن مناخ الاستثمار يعانى من المشكلات الكثيرة، بل وفقد الكثير من عناصر الجذب، وكان لمشكلة التعثر وعدم حلها وسلبيات قرار تجريم العمل الاقتصادى والمطاردة البوليسية لرجال الأعمال أن شوهت الصورة تماماً لكل عمل شريف وأطاحت بكل أمل فى جذب استثمار جديد.
  11.  ونحن مجتمع تقليدى يحارب الأفكار الجديدة ويزجر الانفرادية والابتكار. فمن طبيعة المجتمع الزراعى الراكد ألا يشجع الأفكار المبتكرة، ويبارك احترام قيم الماضى وتأليه أفكار السلف، ولقد بلينا فى مصر حتى منتصف القرن بعقلية إقطاعية زراعية سيطرت على أمور الحكم، وشاركها المستعمر الأجنبى فى قتل قوى الإصلاح، وانعكس ذلك فى نظام التعليم الذى وضعه المستعمر وهدف إلى خلق كوادر إدارية متوسطة للحكومة، وأهمل أى فكر متطور يوائم احتياجات العصر الصناعى، وفى مناهضة الصناعة المحلية عن طريق تقييد قدرة مصر على حماية صناعتها المحلية. ولم تستعد مصر قدرتها فى هذا المجال حتى عام 1930 عندما استطاعت فرض تعريفة جمركية على وارداتها. كذلك فإن المنظم المصرى لم يأخذ فرصته الكاملة إلا بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937، تلك الامتيازات التى جعلت منه مواطناً من الدرجة الثانية غير قادر على منافسة الأجنبى فى أرضه، إلى الحد الذى لزم فيه أنه إذا كان بينه وبين أحد الأجانب نزاع فى قضية مدنية أو حتى جنائية أن يلجأ إلى المحاكم المختلطة التى كانت السيطرة الساحقة فيها لقضاة أجانب. ومن المهم ألا ننسى أن معظم عمليات البنوك والائتمان وخدمات التأمين والنقل والوكالات التجارية كانت فى أيدى الأجانب، وعليه فقد كان من الصعب على المصرى أن يتحمل مخاطر صناعية طويلة الأجل فى ظل هذا المناخ المعادى له ولرغبته فى الانطلاق والاستقلال، وبقيت معظم المبادرات الصناعية فى مجتمع ما قبل الحرب العالمية الثانية (فيما عدا شركات بنك مصر وأمثلة أخرى محدودة) فى أيدى الأجانب، الذين تمكنوا من الهيمنة بسبب عدم خضوعهم للضرائب المباشرة وعملهم خارج نطاق السيادة التشريعية للدولة. هذا إلى جانب تضامنهم فى الدفاع عن مصالحهم المشتركة وضد تنمية القدرات الإدارية والفنية للمصرى، وعليه سيطر الأجانب على الوظائف الفنية والإدارية فى معظم الشركات القائمة قبل صدور قانون الشركات فى 1947. (سليمان، 1991، 23-24)
رابعاً: واقع العمل الحر فى مصر وقوانينه ومعوقات تطبيقه:
تشير الدراسات إلى أن هناك جهوداً عديدة ومبادرات متنوعة لتشجيع العمل الحر فى مصر، إلا أن هناك كثيرًا من المشكلات التى مازالت تعوق العمل الحر وتحرمه من الازدهار. وفيما يلى عرض لتلك المبادرات والجهود ثم المشكلات.
  1. مبادرات العمل الحر فى مصر:
قبل قيام ثورة 1952 كان النشاط الغالب هو الزراعة، وكان فكر العمل الحر مقصورًا على عدد قليل من الرأسماليين، وبعد قيام الثورة قامت بتأميم معظم المشروعات الخاصة، واتجهت نحو الاقتصاد الاشتراكى المركزى، فتولى القطاع العام إدارة المشروعات والشركات، وتحملت الدولة فى المقابل توفير فرص عمل لكل خريج، وفى تلك الفترة اقتصرت الأعمال الحرة على أصحاب الحرف من ذوى المستويات التعليمية المنخفضة، نظراً لالتزام الدولة بتعيين جميع الخريجين. (رئاسة مجلس الوزراء، 2013، 2)
بدأ التخطيط لتشجيع العمل الحر فى مصر فى السبعينيات من القرن العشرين مع إعادة هيكلة الاقتصاد كأحد المخرجات الإيجابية لحرب 1973، وتسارعت تلك الجهود فى أواخر الثمانينيات والتسعينيات بمساعدة فنية دولية حيث إن معظم الأنشطة المتعلقة بتعليم العمل الحر فى مصر قد انطلقت من خارج النظام التعليمى، من خلال مساعدات أجنبية فى شكل معونات من المنظمات الدولية المهتمة بمجال ريادة الأعمال، وذلك من خلال وزارة التعاون الدولى. (اليونسكو، 2010، 78)
وقد بدأت مصر فى عام 1974 سياسة الإصلاح وإعادة البناء الاقتصادى وذلك بإنهاء عهد سيطرة القطاع العام، وقد ركز الإصلاح على مجالات رئيسة كان منها إحياء نشاط العمل الحر وتشجيع إقامة وتطوير المنشآة الصغيرة، وعلى مر السنين تطور مفهوم العمل الحر والمبادرة وأيضاً الأنشطة المتعلقة به. (حطاب، 2013، 57)
وتعانى مصر من ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير، وهذا يعنى تراكم مخزون الطاقة البشرية وإهدارها دون استثمار، مما يؤثر بدرجة كبيرة على الطاقات الإنتاجية للمجتمع، وعلى معدلات المشكلات الاجتماعية، والأنماط السلوكية المرفوضة المتسببة فى انتشار الجريمة. كما أن مفهوم العمل الحر ليس معروفاً معرفة كاملة بين الشباب فى الثقافة المصرية، ولا يزال المفهوم السائد هو مفهوم توظيف الشباب، ولم تترسخ بعد أساليب التوعية بأهمية العمل الحر لدى الشباب التى تعززها آليات فعالة، وبالتالى فإن روح العمل الحر ليست شائعة على نطاق واسع بين الشباب فى مصر، فطبقاً لأرقام مسح الشباب فى مصر، يتضح أن 1% فقط من الشباب فيما بين سن 15 حتى 20 سنة إما أنهم أصحاب أعمال، أو أنهم يعملون لحساب أنفسهم، وترتفع نسبة الشباب من أصحاب المشروعات من أدنى المستويات عند سن 15-18 سنة إلى ما يزيد على 4% عندما يكونون فى نهاية العشرينيات من العمر أيضاً (تقرير التنمية البشرية فى مصر 2015، 14)
وتشير التقارير إلى أن الشباب المصرى لديه استعدادات إيجابية نسبياً تجاه العمل الحر، وتحتل مصر المركز الثانى عشر بين عدد 43 دولة فى نسبة عدد الراشدين من السكان الذين يعتبرون العمل الحر رغبة اختيارية للمسار الوظيفى بنسبة 73%، وهناك نسبة عالية نسبياً من السكان على يقين أنهم يحتاجون المعرفة والمهارات لبدء العمل، وعلى الرغم من ذلك، فإن مصر لديها أقل معدل لنسبة السكان الحاصلين على إعداد جيد للعمل الحر من خلال مراحل التعليم. (أبو سيف، 2016، 47)
كما توجد مشكلات متعددة فى نظام التعليم المصرى، حيث إن التعليم الأساسى والثانوى لا يشجعان على الإبداع والاكتفاء الذاتى والمبادرة الشخصية إلا بدرجة ضعيفة، كما لا يتوافر فية تعليمات كافية عن مبادئ اقتصاد السوق، بالإضافة إلى ضعف اهتمام التعليم الأساسى والثانوى بالعمل الحر وخلق مشروعات جديدة، كما أن مستوى تعليم الإدارة وإدارة الأعمال ضعيف لدعم بدء وتنمية المشروعات الجديدة، إلا أن نُظم التعليم المهنى والحرفى والمستمر تقدم إعداداً متوسطاً وكافياً لبدء وتنمية المشروعات الجديدة. (منظمة العمل الدولية، 2017، 1-34)
مما يوضح تدنى مستوى مصر التنافسى على جميع الأصعدة أبرزها تدريس الرياضيات والعلوم والذى حلت فيه مصر فى ترتيب متدن جداً، يليها جودة النظام التعليمى، وقد يرجع ذلك لضعف الإنفاق على التعليم، حيث إن مدارس التعليم العام تشكل أكثر من 80% من مجمل التعليم قبل الجامعى، وهو ما يضع حملاً كبيرًا على عاتق الحكومة التى تلتهم الرواتب جزءًا كبيرًا منها، مما انعكس على حدوث تحول جذرى فى النظام الاقتصادى الذى انتهجته الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عقد الثمانينيات.
وقد نتج عن هذا التحول تراجع مماثل فى دور الدولة والجهاز الحكومى كضامن لتشغيل الخريجين، وكانت المحصلة النهائية هى ارتفاع معدلات البطالة بين المتعلمين، وارتفاع نسبتهم لجملة العاطلين، فوفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد العاطلين عن العمل فى مصر نحو 2.2 مليون فرد عام 2008، بنسبة بطالة حوالى 7.8%، ويشكل الحاصلون على مؤهل متوسط نحو 55% من جملة العاطلين، بالإضافة لأهمية العمل الحر فى النهوض باقتصاديات العالم وإلى الاهتمام العالمى به، نظراً لما له من أثر إيجابى على التنمية الاقتصادية الشاملة للدولة، ودوره فى تطوير مهارات واتجاهات الطلاب؛ لأنه يتعدى مجرد تدريب الطالب على بدء عمل وإنما يركز على تطوير قدرات وسلوكيات ومهارات العمل. (أبو سيف، 2016، 48)
فيما بعد، أنشأت الحكومة المصرية "الصندوق الاجتماعى للتنمية" فى عام 1991، وقد لعب الصندوق دورًا رائدًا فى مجال التنمية فى مصر، وقد صمم فى بداية الأمر ليعمل كشبكة للأمان الاجتماعى، مرتبطة بقيام الحكومة المصرية بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى، لذا كان إنشاء الصندوق أمرًا ضروريًا لإنجاح هذا البرنامج، حيث يختص بدعم الأعمال الحرة وتنمية المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر وتقديم التمويل والخدمات لراغبى العمل الحر، ويوجد فروع لهذا الصندوق فى جميع محافظات مصر.
ومن حيث السياسات الداعمة للعمل الحر، يشير القانون المصرى رقم 141 لسنة 2004 إلى تكليف الصندوق الاجتماعى للتنمية بإدارة الجهود الرامية لتطوير وإنشاء المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، بما فى ذلك التدريب، وقد أسس الصندوق قاعدة بيانات لهذا الغرض عن الجهات المقدمة للتدريب على مهارات العمل الحر ومؤسسات المجتمع المدنى المتعاونة معها، وطبقاً للاتفاقيات المبرمة بين الصندوق وتلك المؤسسات، بدأ بعض الشركاء المتعاونين بتجهيز برنامج حول التعليم لريادة الأعمال لطلبة الجامعات.
وقد نجح الصندوق فى أن يتحول إلى مؤسسة تنموية متكاملة تضطلع بالعديد من المهام منها: المساعدة على التخفيف من حدة الفقر ومواجهة البطالة، وخلق المزيد من فرص العمل لأصحاب المشروعات الصغيرة الجديدة، وإكسابهم المهارات المطلوبة للنجاح وإمدادهم بالمعرفة التكنولوجية سواء أكانت مصرية أم دولية. (حطاب، 2013، 57)
وعلى الرغم من بدء تجربة دعم المشروعات الصغيرة فى مصر مع بدء التجربة الهندية، إلا أن التجربة فى مصر لم تأخذ الشكل أو الهيكل التنظيمى اللازم لتحقيق النجاح، حيث نما هذا القطاع بطريقة عشوائية، وتمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكانة مهمة فى النشاط الاقتصادى فى مصر، حيث تزيد نسبة مساهمتها عن 80% من إجمالى القيمة المضافة فى الاقتصاد القومى.
وفى مارس 1995 تم تأسيس وإشهار "الجمعية المصرية لحاضنات المشروعات الصغيرة"، وهى من مؤسسات المجتمع المدنى المصرى غير الحكومية، وذلك بهدف دعم ومساندة رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة، وذلك لتقديم الخدمات الاستشارية الفنية والإدارية والتمويلية والتسويقية لرواد الأعمال ومشروعاتهم كافة، وذلك من أجل خلق وتوفير مناخ مناسب لنمو المشروعات الصغيرة. وتقوم الجمعية المصرية لحاضنات الأعمال بإقامة وتأصيل وإدارة حاضنات الأعمال المختلفة فى مصر، حيث تم إنشاء عدد من الحاضنات فى بعض محافظات مصر منها حاضنة أعمال تلا بالمنوفية، وحاضنة المشروعات التكنولوجية بالتبين، حاضنة الأعمال والتكنولوجيا بأسيوط، حاضنة المشروعات الصغيرة بالمنصورة، حاضنة المشروعات التكنولوجية بجامعة المنصورة، حاضنة الدويقة المفتوحة، وحاضنة السلام المفتوحة بالقاهرة. وجميع الحاضنات المصرية التى تتبع الجمعية المصرية لحاضنات الأعمال يتم تمويلها عن طريق الصندوق الاجتماعى للتنمية فى مصر، ويجدر الإشارة إلى أن معظم هذه الحاضنات تعمل خارج نطاق الجامعات.
وقد أصدرت مصر قانون الاستثمار الجديد رقم (72) لسنة 2017، والذى ينص فى مادته الثالثة على استبدال عبارة (قانون الاستثمار) بعبارة (قانون ضمانات وحوافز الاستثمار). كما تم إلغاء قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997 فى المادة الثامنة للقانون الحالى، وكل حكم يخالف أحكام هذا القانون والقانون المرافق له. (قانون الاستثمار الجديد، 2017، 3-4)
وعلى الرغم من اعتراف الخبراء والمسؤولين فى قطاعات التعليم وغيرهم من مسؤولى التنمية بأهمية التعليم للعمل الحر، بالإضافة إلى الجهد الكبير الجارى حالياً فى تقديم تعليم وتدريب بشكل غير رسمى فى المدارس والمعاهد والكليات، فما زال منهج التعليم الرسمى لا يحتوى على متطلبات رسمية فيما يتعلق بالتعليم للعمل الحر. ولا يعنى ذلك أن الطلبة فى المدارس العامة لا يتلقون التعليم للعمل الحر، ولكن نسبة منهم يحصلون عليه من خلال ترتيبات غير رسمية واتفاقيات بين الوزارة والجهات الأخرى المتعاونة مثل منظمة العمل الدولية والوكالة الكندية الدولية للتنمية.
وهناك العديد من المبادرات التى تطرح من قبل جهات دولية متعددة، ولكن لا يتوافر الوقت والموارد المتاحة لتنفيذها، مثل مبادرات: التعليم للجميع، التربية من أجل التنمية المستدامة، التربية البيئية، التعليم للمواطنة. وبناءً على ذلك، فإن هناك حاجة ملحة لإعادة إصلاح التعليم المصرى برمته وإدخال التعليم للعمل الحر فى مراحل التعليم المختلفة.
إن هناك جهات مختلفة تبذل بعض الجهود لتدريب الشباب المصرى والطلاب بالجامعات للعمل الحر، وتشمل هذه الجهات: الصندوق الاجتماعى للتنمية، منظمة العمل الدولية، إنجاز مصر، الجمعية المصرية لشباب الأعمال، مجلس الشرق الأوسط للأعمال الصغيرة وريادة الأعمال (مكسبى) The Middle East Counsel for Small Business and Entrepreneurship. (حطاب، 2013، 73)
وقد شهدت مصر عدة مبادرات وتجارب لتنشيط التعليم للعمل الحر، ويمكن إيجاز أهمها فيما يلى:
  • "مشروع المدرسة المنتجة": المدرسة المنتجة هو شعار رفعته وزارة التربية والتعليم المصرية. وهو عبارة عن مشاريع إنتاجية داخل المدارس، يديرها الطلاب والمدرسون بهدف تربية رجال أعمال ناجحين من الطلاب يمكنهم إقامة مشاريع مشابهة لها عند انتهاء دراستهم. وتفيد فى نقل الخبرة من المعلمين للطلاب وتوفر جوًا طبيعيًا لتعلم إدارة المشاريع الناجحة. وهذه الفكرة قائمة على إستراتيجية التعلم القائم على المشروعات. وقد دخلت الفكرة حيز التنفيذ فى مارس عام 2001 وصدر بها قرار وزارى رقم 12 وقرار رقم 35. وكان التركيز على مشروع المدارس المنتجة كإحدى الوسائل المهمة لإرساء منطق التنمية فى التعليم، خاصة فى المدارس الإعدادية، ولعمل مشروعات صغيرة مرتبطة بالبيئة والمجتمع المحيط تركز على الأفكار الجديدة، والنماذج غير النمطية.
كما ترى الوزارة أن هناك جانبًا كبيرًا من الفوائد لهذه المشروعات كقدرة الطالب على ممارسة التسويق والتفاوض، ودراسة السوق، وعلى تدعيم ثقة الطالب بنفسه - وهذه الثقة قد لا يستطيع التعليم النظرى تحقيقها – وبهذا تستطيع المدرسة المنتجة أن تتيح الفرصة للطالب أن يكتسب مهارات رجل الأعمال ويعمل كتاجر صغير أو منتج صغير يعرف كيفية تقصى آراء وأذواق المستهلكين، والتعامل مع الموارد، ويتعرف من خلال التجربة العملية على مشكلات السوق، ويكتسب مهارات أساسية للعمل كإدارة الوقت، والتفاوض، والتخطيط الجيد، وإعداد الخطابات والتكلفة الاقتصادية، ودراسة الجدوى للمشروع، وأساليب القيادة والتأثير على الآخرين، وتقدير جهدهم، مما يعطى للطالب خبرات التعليم فى مرحلة مبكرة، ويساعد فى تحول نظرته للوظيفة الحكومية كهدف نهائى للتعليم، والنظر إلى آفاق مستقبلية أوسع لطموحاته، واستخدام أفضل لإمكانياته وموارده الذاتية، فمن الممكن أن يدلي طفل صغير من أبنائنا بفكرة متميزة ويكون لها تطبيقات صناعية واقتصادية تفيد الوطن كله. إننا فى حاجة إلى الإنسان المنتج الذى يستطيع أن يساهم فى التقدم الاقتصادى لمجتمعه خاصة أن التقدم الاقتصادى هو عصب الحياة والوسيلة الوحيدة لتوفير كل متطلبات النهضة فى أى دولة، وهو المصدر الأساسى لتمويل التعليم ذاته لذلك يجب أن تعزز قدرة المجتمع على التعليم الذاتى والإعداد السليم للمواطنة والتدريب المتميز ليكون منتجًا، وعلى مستوى عالٍ من القدرات والخبرات. ويرى بعض خبراء التخطيط التربوى أن مفهوم المدرسة المنتجة يزيد دور المشاركة المجتمعية ويوفر موارد ذاتية للإنفاق على أنشطة المدرسة لتخفيف أعباء الدعم الكلى من الدولة للتعليم.
إن مشروع المدارس المنتجة مشروع تربوي بالدرجة الأولى يدعم أهداف العملية التعليمية، ولا يُنقص من دور المدرسة الأساسى فى التعليم. وتلك المشروعات الصغيرة تعمل على رأب الصدع والقضاء على الفجوة بين التعليم الأكاديمى وارتباطه بسوق العمل وتسليح الطلاب بالخبرات العملية التى تمكنهم من العمل كطلائع للإنتاج. وهناك العديد من المشاريع الناجحة التى تؤكد نجاح التجربة منها:
  1. مشروع إنتاج البرمجيات.
  2. مشروع الخزفيات.
  3. مشروع النافورات.
  4. مشروع تربية الحمام.
  5. مشروع زراعة الأسطح.
  6. مشروع بيكيا.
  7. مشروع تربية طيور الزينة.
غير أن المشروع تعرض لكثير من المعوقات والصعوبات التنفيذية المتمثلة فى البيروقراطية والروتين المالي والإدارى، وقصور فهم الإداريين لجدوى المشروع، وأهميته التربوية والتجارية، وتعرض هذا المشروع لانتقاد كثير من المسؤولين الذى يرون فيه صرف جهد المدرسة فى اتجاه بعيد عن العملية التعليمية إلى العملية التجارية، كما يرون عدم جدوى هذه المشروعات البدائية التى لا تفيد إلا القائمين عليها على حد وصفهم.
  • "مشروع الطرق المؤدية إلى التعليم العالى": وهو منحة دولية متعاقد عليها بين جامعة القاهرة ومؤسسة فورد، ويهدف المشروع إلى رفع مهارات الطلاب والخريجين من الجامعات المختلفة، وصقل مهاراتهم بما يتناسب مع حاجة البحث العلمى وسوق العمل، ويدير المشروع مركز تطوير الدراسات العليا والبحوث بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والجامعات التى تشارك فى المشروع هى جامعة القاهرة، وعين شمس، وأسيوط، وحلوان، والمنيا، وجنوب الوادي، والفيوم، وبنى سويف، وسوهاج، بالإضافة إلى المجلس القومى للمرأة وجمعية جيل المستقبل. وقد تم الاتفاق على أن يتم المشروع فى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى بتاريخ 13 سبتمبر 2002، والمرحلة الثانية بتاريخ 16 سبتمبر 2005، والثالثة بتاريخ 27 يوليو 2006. وتم التعاقد مع أساتذة متخصصين لإعداد وتدريس مقررات تدريبية مثل: مهارات البحث العلمى والتفكير النمطى والإبداعى، مهارات الاتصال، مهارات التفاوض، دراسات الجدوى الاقتصادية، مركز تطوير الدراسات العليا والبحوث. وقد نتج عن هذا المشروع إعداد وترجمة ما يقرب من عشرين كتاباً متاحة جميعها لطلاب الجامعات المصرية من خلال الموقع الرسمى للمشروع على الإنترنت. وقد تم استخدام هذه الكتب فى البرامج التدريبية التى تمت فى الجامعات التى شملها المشروع، وقد ركزت هذه الكتب على المجالات المتعلقة بإدارة ريادة الأعمال مثل: التفكير الإبداعى، دراسة الجدوى للمشروعات الصغيرة، ريادة الأعمال، مهارات البحث العلمى، خطوات إجراء مشروع ريادى.
  • مشروع "الطريق إلى التعليم العالى": ويعتبر أول مبادرة شاملة للتعليم الريادى فى منطقة الشرق الأوسط ونقطة بداية مهمة لإدخال ثقافة ريادة الأعمال والابتكار فى التعليم العالى من خلال استحداث مقررات التعليم الريادى فى 19 جامعة مصرية خلال خمس سنوات. وقد بدأ هذا المشروع فى 2011، وذلك من خلال مبادرة بين وزارة التعليم العالى ومجلس الشرق الأوسط للأعمال الصغيرة وريادة الأعمال (مكسبى)، وذلك بدعم ومشاركة مجموعة من الدول التى لديها خبرات فى التعليم الريادى وتتمثل أساسًا فى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربى والصين واليابان وتايوان، ويهدف المشروع إلى تدريب ما يقرب من مائة ألف طالب فى الجامعات الحكومية المصرية، والتطوير المهنى لحوالى 90 عضو هيئة تدريس، على تدريس مقررات التعليم للعمل الحر، واستحداث مقررات العمل الحر للطلاب والخريجين، ودعم التعاون بين الجامعات ورواد الأعمال، ومنظمات المجتمع المدني الناشطة فى مجال العمل الحر. (حطاب، 2013، 58)
  • "مبادرة انطلاقة": وقد بدأ تنفيذ هذه المبادرة عام 2004، وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع الشباب على إقامة المشروعات الصغيرة.
  • "مبادرة إنجاز مصر": والتى تركز أساسًا على الطلاب فى المرحلة العمرية من 12 إلى 22 سنة، من خلال تقديم برنامج تدريبى عن كيفية النجاح فى إنشاء وإدارة مشروع حر.
  • مبادرة "قيام الطلاب بالمشاريع الحرة" Enactus: واستهدفت هذه المبادرة دعم الشباب فى القيام بالمشروعات الحرة ونشر ثقافة وريادة الأعمال فى المجتمع المصري.
  • مبادرة مجلس الشرق الأوسط للمشروعات الصغيرة وريادة الأعمال (مكسبى): وتسعى (مكسبى) من خلال ارتباطه بالمؤتمر الدولى لريادة الأعمال إلى إنشاء مراكز ريادة أعمال لتعمل بمثابة حاضنات فى الجامعات المصرية، بهدف ترويج الروح الريادية بين طلاب الجامعات.
  • مبادرات "الجمعية المصرية لشباب الأعمال": وتهدف إلى تدريب طلاب الجامعات وتأهيلهم للدخول إلى عالم ريادة الأعمال ونشر ثقافة ريادة الأعمال، وتمويل المشروعات الصغيرة. (حطاب، 2013، 59)
  • مشروع أكاديمية البحث العلمى لدعم الابتكار ونقل وتسويق التكنولوجيا: ويهدف هذا المشروع إلى تشجيع الباحثين على الإبداع العلمى والابتكار، ومساعدة الباحثين على تسجيل براءة الاختراع الخاص بهم، وزيادة وعى الباحثين بفرص تمويل المشروعات البحثية، وتقوم أكاديمية البحث العلمى بتقديم هذه الخدمات من خلال ثلاثة مراكز وهى: مركز نقل التكنولوجيا، مركز تمويل المشروعات والتعاون الدولى، مركز دعم الابتكار والتكنولوجيا من خلال الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.
  • مشروع "اعرف عن العمل الحر" Know About Business: وقد بدأ هذا المشروع فى مصر عام 2008، بالتعاون بين الحكومة المصرية ومنظمة العمل الدولية، من خلال منحة مقدمة من هيئة التنمية الدولية الكندية. وقد تم من خلال هذا المشروع إنشاء عشرين مركزًا تدريبيًا، وذلك بهدف تدريب الشباب الذين يعانون من البطالة للانخراط فى سوق العمل، وقامت هذه المراكز بتقديم برامج تدريبية فنية وبرامج فى ريادة الأعمال وشمل التدريب 1750 طالبًا ومتدربًا.
  • ويوجد جامعتان من ستة عشر جامعة غير حكومية تدرس برامج فى ريادة الأعمال والابتكار، وهما الجامعة الأمريكية والجامعة البريطانية بالقاهرة، وهناك ثلاث جامعات من بين ثمانية عشر جامعة حكومية تقدم أيضاً برامج فى ريادة الأعمال والابتكار، ومعظم هذه البرامج موجهة لطلاب كليات الهندسة والحاسبات. ويجدر الإشارة إلى أن البرامج الخمسة المشار إليها لا تشمل البرامج المقدمة فى كليات التجارة وإدارة الأعمال، ويتضح مما سبق أن 14.7% من الجامعات المصرية يدرس بها مقررات للتعليم الريادى، ويجب التأكيد على أن ريادة الأعمال تدرس فى الجامعات المصرية كتخصص جامعى (كليات التجارة وإدارة الأعمال)، وليس لتكوين رواد أعمال، بينما الجامعات الريادية فى الدول المتقدمة تهدف لبناء المعرفة عن الريادية بين طلابها فى جميع الكليات، لذلك نجد رواد الأعمال يظهرون فى هذه الدول من مختلف كليات وأقسام الجامعة. (حطاب، 2013، 58)
  1. معوقات وتحديات العمل الحر فى مصر:
هناك معوقات كثيرة تعيق البدء فى العمل الحر أو المشروع الصغير فى مصر، وهناك معوقات أيضاً كثيرة بعد بداية المشروع الصغير، وفيما يلي تفصيل ذلك:
  •  معوقات قبل بدء المشروع الحر:
  • تحدى التعليم والتدريب: على الرغم من الجهود التى بدأت تظهر خلال السنوات الأخيرة فى مصر، لإدخال التعليم للعمل الحر داخل النظام التعليمي، إلا أنها مازالت فى مراحلها الأولى، ولم يتم التنسيق بين المبادرات والمشروعات والتجارب التى تمت فى مجال العمل الحر، وقد تمت معظم هذه المبادرات من خلال المعونات الدولية، لذلك كانت تتوقف بمجرد انتهاء المنح المقدمة لها.
كما أن نظام التعليم بالمدارس والجامعات لا يولى اهتمامًا بالتعليم للعمل الحر، ولا يشجع على الابتكار والفاعلية الذاتية والمبادرة الشخصية، ولا يغرس المفاهيم الصحيحة. فقد جاء تقييم الخبراء فى مصر عن مستوى التعليم للعمل الحر فى المدارس الابتدائية والثانوية بأنه عامل معيق، كذلك أشار تقييم الخبراء إلى تدني مستوى التعليم والتدريب للعمل الحر فى الكليات والجامعات والمعاهد الفنية، مما يعنى أن التعليم والتدريب عامل ضعيف فى دعم العمل الحر فى مصر (حطاب، 2013، 58).
كذلك أشار المجلس الوطنى المصرى للتنافسية، إلى أن نظام التعليم العالى المصرى قد فشل فى إعداد الطلاب ليكونوا خريجين لديهم القدرة على المنافسة فى الاقتصاد القائم على المعرفة، لذلك يجب العمل على إجراء الإصلاح التعليمى لمؤسسات التعليم العالى لتتمكن مصر من المنافسة الدولية فى عصر اقتصاد المعرفة. (المجلس الوطنى المصرى للتنافسية، 2017)
  • تحدى الدعم: أن المشاريع التى تم دعمها من خلال "الصندق الاجتماعى للتنمية" تركزت حول مشروعات متناهية الصغر، تتعلق بتجارة المواد الغذائية، ولا توجد مشروعات ذات طابع ابتكارى تطويرى، أو متعلقة بنقل وتوطين التكنولوجيا، ويرجع ذلك أساسًا لعدم التركيز على برامج تعليمية تتعلق بالتعليم من أجل العمل الحر.
  • البيروقراطية: على الرغم من رغبة الشباب الراشدين فى الدخول فى مجال العمل الحر، إلا أن العراقيل البيروقراطية والضمانات المطلوبة تحول دون التمكن من الحصول على القروض، لذلك يرى الشباب المصرى أن تأسيس العمل فى مجال المشروعات الجديدة، مجال غير آمن، ذلك مقارنة بالدخل المنتظم من خلال التوظيف فى المؤسسات الحكومية، لذلك يتطلع الشباب للوظائف الحكومية. وأن الابتكار والإبداع لا يمثلان أولوية لمن يعملون بالأعمال الحرة فى مصر، وأن معظم أنشطة العمل الحر تتجه نحو الأعمال الصغيرة، والتى توظف أقل من خمسة أشخاص، وتتركز على مجالات تجارة التجزئة والمطاعم والفنادق، وغير معنية بالتقنية الحديثة والتطوير، وندرة مشاركة المرأة، وهذه السمات مألوفة فى الاقتصاد المعتمد على الموارد الطبيعية كما هو الحال فى مصر. (حطاب، 2013، 33)
  • تضارب السياسات الحكومية: عدم وجود رؤية ورسالة واضحة فى سياسة الدولة لدعم وتشجيع التعليم الذى يحث على العمل الحر، كما أن الخطة الإستراتيجية القومية لإصلاح التعليم قبل الجامعى فى مصر لا تتضمن أية إشارة إلى العمل الحر. بالإضافة إلى أن البرامج التدريبية يتم وضعها دون تنسيق وتعاون مما يؤدى إلى التكرار والتشابه. فالسياسات المتعلقة بالتعليم للعمل الحر فى مصر غير مكتملة وتحتاج إلى مزيد من العمل، وأن تعلن الحكومة عن دعمها للعمل الحر من خلال إستراتيجيات تركز على قيام المدارس والجامعات بتوعية الشباب عن أهميته، واكتسابهم المهارات العملية المطلوبة للعمل الحر، وذلك من خلال دمج مقررات التعليم للعمل الحر فى المناهج الدراسية وتنفيذ البرامج التدريبية اللامنهجية، وتقديم الدعم اللازم للراغبين فى العمل الحر لتأسيس أنشطة جديدة، وذلك يستلزم التنسيق بين الوزارات المختلفة، خاصة وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى ووزارة الصناعة ووزارة القوى العاملة. (حطاب، 2013، 58)
  • عزوف الشباب: لا تزال مشاركة الشباب فى الأنشطة الاقتصادية المستقلة والحرة  منخفضة بشكل كبير، حيث يُشكل أصحاب العمل ممن يعملون بشكل حر أو يوظفون غيرهم ما نسبته واحد بالمائة فقط تقريباً من فئة الشباب بين عمر 15 و29. حيث إنهم يفتقدون إلى الدافع للقيام بالعمل الحر؛ بالإضافة إلى تدنى مستوى ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم.
  • سياسات العمل الحر والإجراءات الرسمية: إن البيروقراطية والإطار التشريعى والقانونى واللوائح وعدم توافقها مع اقتصاد السوق بصورة عامة، بالإضافة إلى مشكلات التسويق والتمويل واستخراج التراخيص اللازمة، وثقل العبء الضريبى وعدم ملاءمة الأنظمة الضريبية تُعد من أهم التحديات التى تواجه الشباب ممن يطمحون لإنشاء مشروعات حرة أو مشروعات خاصة صغيرة أو العمل لحسابهم الخاص.
  • تحدى التجهيزات: عدم توافر أماكن العمل والمستلزمات والتسهيلات الضرورية؛ بالإضافة إلى عدم توافر رأس المال المبدئى والتمويل اللازم وشح المصادر التمويلية وغياب صيغ التمويل البديلة، وتردد كثير من المؤسسات والهيئات المانحة أو المقرضة أو البنوك فى تزويد الراغبين فى العمل الحر برأس المال، وسيادة الاتجاه لديهم لتمويل المشروعات متناهية الصغر. (صالح، 2013، 173)
  • تحديات أمنية: بعض المناطق النائية أو التى تشهد بعض الصراعات تفتقر إلى التغطية الأمنية مما يعرض المشروعات للخطر.
  • التقاليد المجتمعية والموروثات الثقافية: تُعد التقاليد المجتمعية والموروثات الثقافية من أهم التحديات التى تواجه ثقافة العمل الحر فى مصر. حيث إن الثقافة السائدة بالاعتماد على الحكومة فى التوظيف، والخوف من المخاطرة التجارية، والإحباط لا تزال تسيطر على عقل المواطن المصرى.
  •  معوقات بعد بدء المشروع الحر:
وفى حالة البدء فى القيام بمشروع صغير أو عمل حر، تواجه تلك المشروعات الصغيرة العديد من المعوقات والتحديات التى تحد من قيامها بالدور المنوط بها وهى كالتالى: (التابعى، 2010، 269-271) (Che Omar & Nor Azmi, 2015, 42-43)
  1. التمويل: حيث يعانى أصحاب المشروعات الصغيرة من نقص التمويل اللازم لإنشاء المشروع أو لتطويره، فيلجأون إلى الاستدانة من الأقارب أو الأصدقاء، ويعزفون عن الحصول على قروض من أية جهة مصرفية تخوفاً من التعثر فى السداد، أو كثرة الضمانات، أو ارتفاع أسعار الفائدة، أو عدم ملاءمة فترة السماح، كذلك عدم انتظام التدفق النقدي من المؤسسات التمويلية بالإضافة إلى استخدام القروض فى أنشطة تقليدية غير مربحة. كما أن البنوك تتردد كثيراً فى منحهم القروض، حيث لا تثق فى قدراتهم على الوفاء بالتزاماتهم، وذلك لانخفاض كفاءة العمالة، وحجمها بالغ الصغر ووضعية الشركة أو العمل فى السوق، والآلات المتهالكة المستخدمة، والمواد الخام ذات النوعية الرديئة بالإضافة إلى انخفاض جودة المنتجات. كما أن الشركات الصغيرة أو الأعمال الناشئة لا تمتلك السيولة المالية التى تمكنها من دفع أجور العمال، والإيجار، وفاتورة الماء والكهرباء والغاز، وفواتير الموردين والدائنين والمصروفات اليومية. وبالتالى، فإن عدم القدرة على تغطية المصروفات اليومية يعقّد عمليات وأنشطة العمل الحر.
  2. نقص المهارات وتدنى الجوانب الفنية: يفتقر الشباب من أصحاب المشروعات الحرة للمعلومات الأساسية حول احتياجات السوق كما يفتقرون لمهارات تصميم، أو إطلاق، أو إدارة مشروع جديد والخبرات اللازمة لذلك. كما أن نقص المعرفة والمهارات والتدريب والتزام العمال الذين يعملون لديهم يؤثر بصورة مباشرة على الأعمال الحرة؛ حيث إن غالبية العاملين يفتقرون للمهارات الأساسية، وذلك لأن معظم من يقومون بها ويعاونون فيها فئة ضعيفة تعليمياً. بالإضافة إلى عدم توفير دورات تدريبية للعمال والموظفين من قبل أصحاب الأعمال الحرة وخاصة فى الإدارة والمحاسبة، وحاجة العمال إلى برامج للتأمينات والمعاشات. 
  3. تحديات تتعلق بالإنتاج: تتمثل فى عدم استقرار أسعار مستلزمات الإنتاج خاصة المستوردة، وارتفاع أجور العمالة، وعدم استقرارها. وبسبب اعتماد هذه المشروعات على المواد الخام، فإنها تواجه مشكلة نقص هذه المواد فى المستقبل، وقد يحد ذلك من توسعها. وقد يؤدى نقص المواد الخام إلى زيادة أسعارها مما يؤدى إلى زيادة أسعار المنتجات المصنعة منها، وهذا قد يحد من الطلب عليها.
  4. تحديات إدارية وتنظيمية: منها على سبيل المثال ما يتعلق بالضرائب والتقدير الجزافى غير الواقعى، وضريبة المبيعات، والتأمينات، وعدم تسجيل المشروعات رسمياً نظراً لعدم تسجيل المبانى المقام فيها تلك المشروعات، وعدم وجود كيان مؤسسى يجمع المشروعات الصغيرة فى إطار تنظيمى واحد. وتواجه المشروعات الناشئة الصغيرة والمتوسطة مشكلات التوظيف، حيث لا يتمكنون من توفير المرتبات والأجور والظروف الجيدة للإنتاج.
  5. تحدى الجودة: ويتمثل فى عدم توافر الدعم الفنى للمشروعات الصغيرة، وعدم توافر برامج تدريبية متخصصة للعمالة، وارتفاع تكاليف الاستشارات الفنية لتطبيق نظام الجودة بالمشروعات المقامة.
  6. التسويق: يُعد التسويق من أخطر التحديات التى تواجه أصحاب المشروعات الصغيرة، حيث يتم إغراق السوق المحلى بالمنتجات المستوردة مما يصعّب من عملية المنافسة. بالإضافة إلى تكرار أنشطة المشروعات الصغيرة وتشابهها مما يضر أيضاً بالمنافسة، وهذا يستدعى التخصص فى منتج واحد عالى الجودة، بحيث يصبح الأفضل فى السوق ويتفوق على منافسيه. كما أن محدودية المنافذ التى يتم فيها تسويق المتنجات ومتطلبات المواصفات القياسية للجودة تفرض تحدياً قاسياً على المنتج المحلى. كما أنهم لا يستطيعون الوفاء بمتطلبات العملاء. ومعظم هذه المشروعات تفتقر فى إعدادها إلى التخطيط وبحوث التسويق وبيانات السوق المستهدف.
  7. الوقت: إذ ظهر منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى شكل جديد للمنافسة فى اليابان وأوربا، حيث تمتلك الشركات اليابانية ميزة تنافسية فى اقتصادات الإنتاج الكبير وانخفاض تكاليف الجودة العالية، وتنافس اليوم على معيار جديد هو الوقت، فالوقت أصبح يمثل طريقاً لقياس الإنجاز بالنوع والتنويع والإنتاجية، ومن الأمثلة المعروفة عن هذا النوع من التنافس هو الاستجابة السريعة والمفاجئة لشركة Honda للتحدى الذى فرضته شركة Yamaha عن إستراتيجيتها فى قيادة السوق، فالسرعة العالية هى فكرة التنافس فى اليابان وبين الشركات الغربية. (صالح، 2013، 170)
  8. تحدى خلق فرص عمل: فالتغلب على مشكلة خلق فرص التشغيل يكمن فى معالجة أوجه القصور الهيكلية فى جانبى العرض والطلب فى سوق العمل من خلال إصلاح نظم التعليم، وتشجيع المبادرات الحرة والشخصية للقيام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بدلاً من العمل فى الجهاز الحكومى. وقد قامت مصر بإجراء إصلاحات هيكيلية منذ أوائل تسعينيات القرن الماضى حيث شهد الجانب المالى من الاقتصاد المصرى تحسناً كبيراً من حيث تخفيض عجز الموازنة العامة ومعدل التضخم واحتياطى النقد الأجنبى، إلا أنه فى المقابل للأداء الجيد للاقتصاد على المستوى الكلى لم يحقق الاقتصاد أداءً مماثلاً فى مجال مهم ألا وهو خلق فرص عمل، حيث قُدّرت معدلات البطالة الصريحة خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين فى حدود 8-13% من قوة العمل خلال هذه الفترة.
  9. محدودية مشاركة المشروعات الصغيرة والأعمال الحرة فى الأسواق العالمية: إن مجال مشاركة هذه الشركات الصغيرة أو الأعمال الحرة الناشئة فى الأسواق العالمية محدود للغاية، للمواصفات المتواضعة للمنتجات، وخاصة فى صناعة الأغذية. وهذه المشكلة تنتج أيضاً عن المواد الخام التى لا يمكن تخزينها نظراً لدورة حياتها القصيرة. وعليه يظل السوق محلياً ويصبح من الصعوبة بمكان اختراق الأسواق العالمية نتيجة لنقص الإعلان، وتعزيز هذه المنتجات إعلاميًا. فمعظم الشركات الكبيرة توفر ميزانية كبيرة للإعلان.
  10. عولمة النشاط التجارى والاقتصادى: حيث تم الانفتاح على العالم الخارجى اقتصاديًا وإدارياً، فنياً وتسويقياً، حيث يتعامل العصامى مع عالم يتلاشى فيه تأثير الحدود الجغرافية والسياسية، عالم سقطت الحواجز الاقتصادية بين أسواقه بعد العمل بالاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (الجات)، وما أفرزته من قيام منظمة التجارة العالمية، كما تلاشت الحواجز الفكرية والثقافية بين الدول وشعوبها. ويتمثل التحدي الحقيقي لظاهرة العالمية فى مدى استعداد ميديرينا للتزود بمهارات النفاذ للأسواق العالمية، وهذا لن يأتى إلا بدراسة وفهم السمات المميزة لهذه الأسواق اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا وتشريعيًا وسياسيًا. كما يتطلب مواجهة تحدى العالمية التخلى عن قوالب الإدارة التقليدية الجامدة. وتبنى توجهات التخطيط الإستراتيجى والابتكار وإدارة الأعمال الدولية والتسويق الدولى، والتمكن من مهارات التفاوض الدولى مع مديرين ينتمون لثقافات متعددة. (صالح، 2013، 170)
  11. زيادة حدة التنافسية العالمية: حيث القدرة على إنتاج السلع والخدمات التى تواجه اختبار المنافسة الخارجية، فى الوقت نفسه الذى تحافظ فيه على مستوى مرتفع للدخل المحلى الحقيقى. أى محصلة لسلسلة من الأفعال والاستجابات التنافسية ما بين الشركات المتنافسة فى صناعة معينة. (صالح، 2013، 171)
خامساً: الدراسة التحليلية (إجراءاتها ونتائجها):
تمت الدراسة التحليلية وفقاً لعدة خطوات وإجراءات، كالتالى:
  1. أهداف الدراسة:
قامت الباحثة بالتحليل الكيفى لمضمون السير الذاتية لبعض الشخصيات العصامية المصرية الناجحة. وقد هدفت الدراسة التحليلية إلى ما يلى: (زيتون، 2006، 43-59)
  1. تحليل مضمون السير الذاتية لثلاث شخصيات عصامية.
  2. تصنيف البيانات الوارد فى مضمون السير الذاتية وفقاً لثلاثة محاور، كالتالى:
    1. ثقافة العمل الحر.
    2. بيئة العمل الحر ومُناخه.
    3. سياسة الاستثمار وتشريعاته فى المجتمع المصرى.
وقد قامت الباحثة بتحليل محتوى السير الذاتية التى توافرت للباحثة، والتى كتبها أصحابها بأنفسهم، حيث تمثل هذه الشخصيات خلفيات اجتماعية وعلمية وتجارب متباينة. وهذه الدراسة لا تقدم سيرة ذاتية لأى من الشخصيات العصامية الناجحة، ولكنها تبرز الأجزاء التى توضح الملامح التى تقوم الباحثة بدراستها.
  1. مجتمع الدراسة وعينتها:
اقتصرت الدراسة الحالية على الشخصيات المصرية العصامية الناجحة فى الفترة من ثورة يوليو 1952 حتى العام 2018. وقد تم تحليل مضمون المصادر الأصلية الخاصة بكل من الشخصيات التالية:
  1. عثمان أحمد عثمان (صفحات من تجربتى)، كتاب يقع فى 675 صفحة.
  2. عادل إسماعيل جزارين (لقطات من حياتى)، كتاب يقع فى 157 صفحة.
  3. محمود العربى (سر حياتى)، كتاب يقع فى 559 صفحة.
ولكى تستطيع الباحثة فهم الظاهرة والتعمق فيها، كان عليها أن تختار عينة بحثها قصدياً على نحو متعمد Purposeful Sampling. وقد تم جمع البيانات عن طريق تحليل وفحص السير الذاتية والحياتية. وعادة ما يكون عدد الحالات فى البحث الكيفى صغيراً، حيث يتم دراسة حالة واحدة أو عدة حالات؛ لأن قدرة الباحث على تقديم صورة عميقة عن الظاهرة وتعقدها تقل كلما زاد عدد العينة، كما أن تزايد عدد العينة يؤدى إلى تسطيح الدراسة. فضلاً عن أن تجميع البيانات الكيفية وتحليلها يستغرق وقتاً، ويتطلب جهداً يزيد بزيادة عدد العينة (زيتون، 2006، 61-82).
  1. إجراءات التحليل الكيفى:
قدمت الباحثة فى هذا الجزء الإجراءات التى قامت بها للتحليل الكيفى لثقافة العمل الحر من واقع تحليل مضمون السير الذاتية للشخصيات العصامية الناجحة التى تم اختيارها بصورة قصدية، وفيما يلى تلك الإجراءات:
  • أداة التحليل:
قامت الباحثة بالاطلاع على بعض الأدبيات التربوية والدراسات والقوانين واللوائح المتعلقة بالعمل الحر فى مصر وخارجها، واعتمدت الباحثة فى بناء أداتها على تحديد المحاور الرئيسة للتحليل والتى تم استخلاصها من الإطار النظرى للدراسة الحالية، والدراسات السابقة فى المجال وتحليل العوامل المجتمعية التى أدت إلى تراجع العمل الحر، وواقع العمل الحر كما جاء فى اللوائح والقوانين والدراسات السابقة؛ بالإضافة إلى تحليل قانون الاستثمار رقم (72) لسنة 2017 لأنه يجُب ما قبله. 
  •  بناء أداة التحليل:
تم بناء أداة التحليل وفقاً لثلاثة محاور رئيسة هى: أ- ثقافة العمل الحر لدى عينة الدراسة؛ ب- بيئة العمل الحر ومُناخه؛ ج- سياسة الاستثمار وتشريعاته.
  •  ثبات أداة التحليل: Reliability
يُقصد بالثبات فى البحوث الكيفية مدى قدرة الباحث على اكتشاف أو تقصى الظاهرة مع اتفاق كل من الباحث والمشاركين على وصفها، أو بعبارة أخرى يمكن القول إنه يشير إلى الاتساق بين الأسلوب التفاعلى للباحث والذى يشمل جمع البيانات وتسجيلها وتحليلها وتأويلها أو إضفاء معانٍ عليها، فضلاً عن اتساقه مع المشاركين فى ذلك.
واستخدمت الدراسة لتقدير الثبات فى تحليل المضمون أسلوب إعادة التحليل: حيث قامت الباحثة بتحليل عينة من المادة قيد الدراسة وتركتها لفترة كافية من الزمن مدة شهر، ثم عادت لتحليل المادة نفسها. واستخرجت معامل الاتفاق بين التحليلين. وقد حصلت نسبة الاتفاق على 93.7%. (عبد الحميد، 1986، 405-415)
  • صدق أداة التحليل: Validity
ينقسم الصدق فى الدراسة الكيفية إلى نوعين رئيسيين: الصدق الداخلى والذى يعتمد على أساليب جمع البيانات وتحليلها، والصدق الخارجى الذى يتعامل مع الشخصيات العصامية على أنها دراسات حالة، تهدف دراستها إلى تعميق الفهم وتفصيله بحيث ينتقل أثره إلى فهم مواقف مشابهة، كالتالى: (زيتون، 2006، 93)
  1. الصدق الداخلى: يعتمد الصدق الداخلى على أساليب جمع البيانات وتحليلها. وفيما يلى طرق تحقيق الصدق الداخلى فى الدراسة الحالية:
  •  طول فترة جمع البيانات: حيث استغرقت الباحثة فترة طويلة فى جمع البيانات المناسبة للتحليل وتحليل الأفكار وتعديل المحاور والبنود المناسبة.
  • لغة العينة المفحوصة: تم توحيد المصطلحات المستخدمة للتحليل حتى يكون لها مدلولات موحدة متفق عليها. 
  • السياق الطبيعى: تم إجراء التحليل للسير الذاتية الخاصة بالعينة فى سياقاتها الطبيعية والتى تعكس واقع مصر والعمل الحر بها فى حقبة من حقب التاريخ المعاصر، بما يوفر درجة أكبر من الواقعية والمصداقية بعيداً عن السياقات المفروضة المعملية المصطنعة فى الدراسات الكمية، حيث تعكس السير الذاتية مواقف طبيعية وأحداث تمت بالفعل. (زيتون، 2006، 91)
  • صلاحية فئات تحليل المضمون لقياس ما وُضعت لقياسه.
    1. الصدق الخارجى: يهدف إلى تعميق الفهم والوصول لفهم مُفصل بحيث ينتقل أثره إلى فهم المواقف المشابهة.
  1. نتائج الدراسة التحليلية:
قدم الجزء السابق صورة الواقع النظري لثقافة العمل الحر، أما الجزء الحالى، فقدم نبذة مختصرة عن كل شخصية قامت الباحثة بدراستها للوقوف على أهمية وثراء ووطنية هذه الشخصيات؛ حيث إن دراسة حياتهم ونشأتهم وغير ذلك خارج حدود الدراسة، ثم تناول رصد ثقافة العمل الحر على لسان المعاصرين لأحداث مصر والمعايشين للظروف الواقعية التى أثرت على أعمالهم، وذلك للوقوف على جوانب ثلاثة: 1- المفاهيم الخاطئة لثقافة العمل الحر فى مصر من وجهة نظر عينة الدراسة؛ 2- بيئة العمل الحر ومُناخه؛ 3- سياسة الاستثمار وتشريعاته. وفيما يلى:
  1. نبذة مختصرة عن الشخصيات العصامية المصرية الثلاثة:
    1. عثمان أحمد عثمان: مهندس وسياسى مصرى؛ ولد فى 6 إبريل من العام 1917 فى مدينة الإسماعيلية وتوفى فى 1 مايو عام 1999. ساهم فى بناء السد العالى، ومؤسس شركة "المقاولون العرب"، من كبرى شركات المقاولات فى الشرق الأوسط وأفريقيا فى أعمال التشييد والبناء مثل الكبارى والطرق والأنفاق والمطارات ومشروعات المياه والصرف الصحى. وهى أكبر شركة مقاولات عربية فى الستينيات وحتى الثمانينيات من القرن العشرين. وهو صهر الرئيس الراحل محمد أنور السادات. وكان وزير الإسكان فى عهده. طوال فترة رئاسة السادات كانت مجلة فوربس الأمريكية تورد اسمه ضمن أكبر 400 ثرى فى العالم.
    2. عادل إسماعيل جزارين: فى أكتوبر 1980 تم تكريمه من قبل الرئيس محمد أنور السادات بالحضور بصفته من رواد صناعة السيارات فى مصر، وتم منحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، كما حصل على وسامين إيطاليين من الحكومة الإيطالية وهما من أرفع الأوسمة هناك، وهما وسام الفارس ثم وسام الكومنداتورى الذى منح له فى يوليو 1974 وذلك تقديرًا لجهوده فى تنمية العلاقات المصرية الإيطالية، وقد ظل لفترة طويلة رئيسًا لجمعية الصداقة المصرية الإيطالية ورئيسًا لمجلس الأعمال المصرى الإيطالى. وقد تم منحه وسام النجمة الحمراء من السفارة البولندية بالقاهرة. كما تم منحه شهادة تقدير للتفوق فى الإدارة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة وقام بتسليمها له الرئيس محمد حسنى مبارك الذى كان نائبًا لرئيس الجمهورية فى ذلك الوقت.
    3. محمود العربى: تُعد قصة نجاحه نموذجاً فريداً، وبرهاناً مؤكدًا على صحة قاعدة: الخط المستقيم هو أقصر طريق بين نقطتين .. فمن كان يصدق أن الطفل الصغير محمود العربى الذى راح يبيع ألعاب العيد (برأس مال 30 قرشًا!) وهو دون السادسة فى قريته "أبو رقبة" عام 1938، هو نفسه من شارك فى إطلاق اسم "العربى" من الموسكى فى سماء التجارة يوم 15 إبريل عام 1964، وهو نفس الإنسان الذى وقف ليستقبل كبار الضيوف من مصر واليابان يوم 15 إبريل 2014 حين تم افتتاح مصنع الثلاجات الجديد لينضم لقافلة مصانع مجموعة "العربى" (أى بعد 50 عاماً كاملة من الانطلاقة الأولى)؟! فما بين تلك الأيام الثلاثة خط مستقيم واحد ممتد، مرّ بذكريات وخبرات وأحداث لا تنسى، فى القاهرة وبورسعيد وبنها وقويسنا. ولا شك أن انتهاج "العربى" لأسلوب الإدارة بالحب وبالقيم، كان من أهم أسرار نجاح تلك الملحمة.. إن طريق الحاج محمود مع أخويه محمد وعبد الجيد – رحمه الله – عبارة عن طريق طموح طويل، شهد من المعاناة القاسية والتجارب الثرية والنجاحات الهائلة والتعاون الجاد مع اليابانيين، ما استحق أن يوثّق وأن يكشف عن الكثير من كواليس أحداثه، لعلها تنفع من يريد محاكاتها من الأجيال الشابة، بإذن الله..
  2. المفاهيم الخاطئة لثقافة العمل الحر فى مصر من وجهة نظر عينة الدراسة:
  • تولى الدولة جميع المهام بدلاً من المواطنين:
"وتولت الدولة مسؤولية كل شىء، وأجبرت الناس على أن يديروا ظهورهم لبلدهم.. وكانت المصيبة مصيبتين .. خربوا ما كان قائماً من مشروعات أمموها، ولم يطوروها.. وأحجم رأس المال الخاص عن أن يشارك فى تنمية بلده.. وتعلم الناس خطأّ أن يلقوا بكل حمولتهم على الدولة، فناء كاهلها، وتضخمت مسؤولياتها.. لأنها وضعت نفسها فيما ليس لها فيه.. فكانت كل تلك المعاناة التى تصرخ الآن منها، وتواصل البحث عن إيجاد حلول لها." (عثمان، 287)
  •  إحجام رأس المال الخاص عن المشاركة خشية التأميم والمصادرة:
"وأحجم رأس المال الخاص عن أن يشارك فى تنمية بلده .. وتعلم الناس خطأً أن يلقوا بكل حمولتهم على الدولة، فناء كاهلها، وتضخمت مسئولياتها.. لأنها وضعت نفسها فيما ليس لها فيه.." (عثمان، 287)
  •  لامبالاة القائمين على المشروعات العامة:
"وتعلمت أيضاً.. العكس تماماً فى المشروع العام.. فلا يهم القائم عليه من أمره شيئاً.. ما دام يتقاضى مرتبه كل أول شهر.. وما دام يحقق منه أهدافه الشخصية.. خاصة أن الدولة هى التى تتكفل به وبالمشروع.. ثم لماذا هو حريص على نجاح هذا المشروع؟ وما هو العائد عليه أكثر من مرتبه الذى يتقاضاه؟ وعموماً فهو مطمئن إذا انهار المشروع فلن ينهار هو.. ولن ينتقص من مرتبه شىء .. بل ستوجد له الدولة وظيفة أخرى فى موقع أفضل يتولى تدميره كما دمر ما سبقه.." (عثمان، 587)
  1. بيئة العمل الحر ومُناخه:
كان لبيئة العمل الحر فى مصر آثار سلبية على كل من أراد القيام به، وتعرض كثير منهم لمعوقات وتضييقات تتضح من وجهة نظر عينة الدراسة فيما يلى:
  1. القوانين:
  • منع خروج العملات الصعبة: "كانت قوانين الدولة فى مصر تمنع فى ذلك الوقت عام 1964 خروج أية عملة صعبة من البلاد، تحت أى ظرف، ولأى سبب.." (عثمان، 186)
  • مساوئ الاقتصاد الشمولى: ""علمتنى التجربة.. إن الاقتصاد الشمولى الذى يعتمد على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، يزرع الحقد بين الناس.. ويقتل ملكاتهم على الخلق والعطاء.. ويحول الإنسان إلى ترس فى آلة الإنتاج.. ويسلب إرادته بالكامل." (عثمان، 581)
  • اعتمادات تعيين الخريجين: "واتجهت الدولة إلى تخصيص اعتمادات فى ميزانياتها.. تسميها اعتمادات تعيين الخريجين وتقوم بتعيينهم فى مختلف الوزارات والمصالح، دون أن تلتفت إلى ضرورة الاستفادة بجهودهم، وتكدست بهم دواوين الحكومة ومكاتبها.. دون أن يكون لوجودهم فيها ضرورة، ودون أن تكون هذه المكاتب والدواوين المكان الحقيقى الذى يجب أن يتواجد فيه أمثال هؤلاء الشباب.. وبدلاً من أن يصبح هؤلاء منتجين، أصبحوا فى غالبيتهم عالة على الدولة.. وعبئاً تحسب حسابه، وتفكر فى كيفية إيجاد الحلول له.." (عثمان، 572-573)
  • عشوائية القوانين وعدم وضوح إستراتيجية الاستثمار: "وقد مرت الصناعة المصرية منذ أواخر الثمانينيات إلى الآن بمراحل متعددة، ولكن للأسف لم توضع إستراتيجية واضحة للصناعة المصرية على ضوء الانفتاح الاقتصادى والعولمة، واتفاقيات الشراكة الأوربية، وغيرها من اتفاقات التجارة الحرة التى وقعتها مصر مع دول متعددة مما سيضع الصناعة المصرية فى وضع محرج أمام سيل الواردات الصناعية التى ستغطى الأسواق المصرية.. كما أن عمليات الخصخصة التى بدأتها وزارة قطاع الأعمال مع بداية الثمانينيات لم تسر بالسرعة المطلوبة، ولم يتم فى الوقت نفسه تحسين الأوضاع فى شركات القطاع العام بل ولم تعط أى استثمارات لتحديد وتحديث إنتاجها.. حتى أصبح أغلبها متقادماً ومتهالكاً.. وفى الوقت نفسه عانى القطاع الخاص من مشاكل التمويل وتعثر العديد منها.. ومن مشاكل أخرى كثيرة.. وهكذا أصبحت الصناعة المصرية فى موقف صعب، وتعمل الحكومة الحالية جاهدة على التغلب على المشاكل والنهوض بالصناعة المصرية ووضع إستراتيجية واضحة لها حتى تصبح قادرة على المنافسة العالمية بعد أن تحولت إلى العولمة.." (جزارين، 153)
  • قانون اتحاد الصناعات المصرية: "فى عام 1984 صدر قرار من السيد وزير الصناعة المهندس محمد عبد الوهاب بتعيينى رئيساً لاتحاد الصناعات المصرية خلفاً للسيد حامد المأمون حبيب – وهى وظيفة شرفية ليس لها مرتب أو مخصصات، وهى بجانب عملى الأصلى كرئيس لهيئة الصناعات الهندسية.. واتحاد الصناعات المصرية هو المنظمة التى تمثل بموجب القانون القطاع الصناعى المصرى بشقيه العام والخاص، وقد تأسس الاتحاد فى سنة 1922، ثم أعيد تشكيله بموجب قرار جمهورى، وكان الاتحاد قبل الثورة ومع بداية الثورة أصبح من أقوى المنظمات التى لها صوت مسموع لدى الحكومة وتساهم مساهمة فعالة فى معاونة الحكومة فى كل ما يخص الصناعة.. وقد تولت رئاسته شخصيات صناعية معروفة لعل من أهمها عبود باشا.. وعقب صدور قرار تأميم الصناعة المصرية فى يوليو سنة 1961 بدأ دور الاتحاد فى التقلص، وصدر قرار جمهورى ينظم الاتحاد وسلطاته لتحل محل قانون الاتحاد، وأصبحت هيمنة الدولة عليه واضحة .. وأصبحت الغالبية فيه لممثلى شركات القطاع العام .. وكان لوزير الصناعة السلطة فى اعتماد قرارات المجلس حتى تصبح نافذة .. وكذلك سلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس إدارة الاتحاد والغرف .. وكذلك تعيين رئيس الاتحاد .. أى أنه واقعياً قد أصبح الاتحاد منظمة شبه حكومية، تسيطر عليه الحكومة.. وحين تسلمت عملى بالاتحاد كان يتبع الاتحاد 12 غرفة صناعية تختص كل منها بصناعة معينة مثل غرفة الصناعات الغذائية والهندسية والكيماوية .. وغيرها .. وكانت تضم أيضاً غرفة صناعة السينما وغرفة المطاحن وصناعة الحبوب، وكان لكل غرفة مجلس إدارة ينتخب ثلثيه لمدة دورة من ثلاث سنوات، ويعين الثلث الباقى بمعرفة وزير الصناعة، ثم يقوم المجلس بانتخاب رئيسه وكذلك مندوبه فى مجلس إدارة الاتحاد .. وكان مجلس الاتحاد مكوناً من مندوبى الغرف الـ12 بالإضافة إلى مندوب إضافى من غرفة الغزل والنسيج، ويضاف إليهم ستة أعضاء يعينهم السيد وزير الصناعة وكذلك رئيس الاتحاد، وكان للسيد رئيس مصلحة الرقابة الصناعية الحق فى حضور جلسات المجلس .. وكان مقر الاتحاد فى عمارة إيموبيليا التى كانت تضم الاتحاد نفسه والعدد الأكبر من الغرف.. وكان موظفو الاتحاد جميعاً معينين طبقاً للائحة القطاع العام، وليس لدى أى منهم مؤهلات علمية عالية.. ولم يكن بالاتحاد سوى مهندس مؤهل واحد فقط هو مدير عام غرفة الصناعات الهندسية.. وطبقاً لقانون الاتحاد فكان على كل منشأة صناعية يعمل بها أكثر من 10 عمال أو يزيد رأسمالها عن 5 آلاف جنيه أن تصبح عضواً فى الاتحاد، وبالتالى فقد كان عدد أعضاء الاتحاد حوالى 12 ألف عضو، وتشمل الشركات القطاع العام الكبيرة والمتوسطة والباقى الآلاف من المصانع الصغيرة.. وعلى سبيل المثال، فإن غرفة صناعة الجلود كانت تضم ما يزيد عن 5000 صانع أحذية.. ومن الغريب أن هذه المصانع الصغيرة كانت تتساوى فى التصويت مع صوت المصانع الضخمة مثل شركة المحلة أو كفر الدوار أو غيرها.
وفى الواقع فسرعان ما اكتشف أن الاتحاد والغرف كان مليئاً بالمتناقضات والصراعات بين مراكز قوى مختلفة تحاول السيطرة على شئون الغرف.. وأن مديرى الغرف كان لديهم سلطة ونفوذ كبير على أعضاء الغرف.. تتيح لهم فرصة سوء استغلالها.
وكان الاتحاد هو الممثل القانونى لأصحاب العمل بمصر فى منظمة العمل الدولية فى جنيف.. وكان الاتحاد يرسل مندوبيه لحضور مؤتمر المنظمة السنوية الذى يعقد فى جنيف فى شهر يونيو من كل عام ولمدة 4 أسابيع كما كان لمصر أحياناً ممثل فى مجلس إدارة المنظمة الذى يجتمع 4 مرات سنوياً... وهكذا تسلمت عملى بالاتحاد الذى كنت أتردد على مكتبى فيه بعمارة الإيموبيليا مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا .. وسرعان ما تبين لى أنه بعد مرحلة الانفتاح الاقتصادى وتشجيع القطاع الخاص، وقيام العديد من المصانع الجديدة التابعة للقطاع الخاص فى المدن الجديدة أصبح اتحاد الصناعات بوضعه الحالى عاجزاً عن القيام بدوره.. وأنه يلزم إدخال تعديلات جذرية على قانون الاتحاد ونظم العمل به حتى يمكن أن يؤدى دوره فى خدمة الصناعة.. وقد لاقيت من السيد وزير الصناعة فى ذلك الوقت المهندس محمد عبد الوهاب تفهماً كاملاً لهذا الموضوع وتشجيعاً واضحاً له.." (جزارين، 119-120)
  1. خطر المصادرة والتأميم:
"خطر التأميم: كان التأميم غلطة كبرى وقعت مصر كلها ضحية لها، ودفع الشعب وحده ثمنها.. وسيطر شبح التأميم والحراسات والمصادرة واستولى النظام على كل ما وصلت إليه يده، وكان كل همه أن يحتفظ بكرسيه.. ووجد وسيلته إلى ذلك فى ربط كل الناس بحبل واحد إلى الكرسى .. يتحكم فى أقدارهم أو أرزاقهم ولقمة عيشهم .. وليصبح فى يده كل مصيرهم ..
وكان أن اقتطع من عمر مصر عشرين عاماً، دمر فيها كل جهد كان يمكن أن يعطيه أبناؤها لها، وترك من خلفه تركة ثقيلة، احتاج رفع أنقاضها إلى عشر سنوات لكى تعود مصر إلى الطريق السليم الذى تاهت عنه كل تلك السنين.. قام بتأميم كل المصانع، والشركات، واستولى على أموال الناس بغير وجه حق." (عثمان، 286-287)
"وحدث ما لم أتوقعه.. وكان أن شملتني قرارات التأميم وأجبرتنى على أن أسلم لها، ولكننى دافعت بكل حياتى عن شركتى حتى لا أمكنه منها .. وكانت معركة شرسة خرجت منها الشركة سالمة، وإن كان النظام قد جردنى من كل شىء إلا حرصى عليها.. واعتبرت ذلك قمة الانتصار.. "إن الله يدافع عن الذين آمنوا".. لقد تصورت أن الدولة يمكن أن تؤمم أى شىء إلا المقاولات، لأنها تعتمد بالدرجة الأولى على عقل وخبرة وممارسة القائم عليها، ولا تعتمد على ما يستخدم فيها من معدات محدودة الثمن مهما كانت قيمته.. فالمهم فى المقاولات حجم الأعمال التى تنفذ، وليس حجم المعدات التى تقوم بالتنفيذ.. ونجد القيمة فى مثل ذلك المجال ليس فى المعدات ولكن فى العقل الذى يستطيع أن ينفذ الأعمال.. وهل العقل أو الخبرة أو الممارسة يخضع أى منها للتأميم؟ واستبعدت لذلك السبب أن يشمل التأميم مجال المقاولات.. فالأمر يختلف فيها عن مصنع قائم ومنتظم الأداء بشكل يسهل قيادته لغير صاحبه.. لأن الأدوار موزعة فيما بين العاملين بداخله من بداية العملية الإنتاجية وحتى نهايتها... كان أن أعلن نظام الحكم السابق أنه سيقوم بتأميم الإقطاعيين والرأسماليين المستغلين، وكل من هو محتكر أو ذنب للاستعمار.. ولم أجد نفسى واحداً من كل هؤلاء، وكل ما كان لدى من ثروة استطعت تكوينها من خارج مصر، وجئت أبنى بها أعظم سد.. قالوا إنه لخير مصر.. وأصدر نظام الحكم السابق، رغم كل ذلك قرار تأميم شركتى.. وكانت المفاجأة.. ولا أقول الصدمة.." (عثمان، 288-289)
"جاءوا بالتأميم فأخذوا ما أخذوه وأخفى المصريون من أصحاب الأموال من أموالهم ما أخفوه.. واختفت مع أموالهم أفكارهم.. واختفت معهم المشروعات التى كان يمكن أن يقيموها.. فحرمت مصر من أن تستفيد منهم ومن أموالهم.. فمنهم من وضع أمواله تحت البلاطة، ومنهم من هرب بها وبجلده معها خوفاً من بطشهم. وأصبحت الدولة هى كل شىء.. تزرع وتصنع وتتاجر.. مع أنها صانع سيئ وتاجر أسوأ.. وزارع لم ير الحقل فى حياته.. وخلاصة القول خاف الناس على أنفسهم وأموالهم فآثروا أن يبتعدوا.. وتركوا المجال للتأميم والحراسات والمعتقلات. وللحقيقة لم يفعل الناس ما فعلوه من تلقاء أنفسهم.. ولكن قوانين الدولة نفسها أغلقت الطريق أمامهم.. حتى من أراد ألا يبتعد منهم.. وقف لا حول له ولا قوة. وكانت النتيجة أن خسرت مصر كثيراً." (عثمان، 583-585)
"حيث أخطرنا السيد الدكتور عزيز صدقى أن هناك قراراً جمهورياً فى سبيل صدوره الآن بتأميم جميع الشركات الاقتصادية، وتحويل ملكيتها إلى الدولة.. وأن القرار واجب التنفيذ فور صدوره.. وأنه قد جمعنا لتكليف كل منا باتخاذ اللازم لتنفيذ هذا القرار فى الشركة التى سيكلف بها.. وأن علينا أن نتوجه بعد الاجتماع إلى مقر كل شركة لتشميع الخزانة والتحفظ على المستندات الهامة الموجودة هناك.." (جزارين، 103)
"والآن وقد مضى أكثر من أربعين عاماً على قرار تأميم الصناعة فقد أصبح من المؤكد أن هذا القرار كانت له آثار سلبية على الصناعة المصرية وكان من العوامل الأساسية فى تدهور العديد من الشركات الصناعية الناجحة والتى تبحث الدولة الآن على إعادة خصخصتها.." (جزارين، 104)
  1.  إسناد إدارة الأمور إلى غير أهلها أو إلى غير المتخصصين (بما فى ذلك كل ما تم تأميمه):
"ليته اكتفى بالتأميم.. أو ترك إدارة تلك المشروعات لأصحابها.. فليس هناك من هو أحرص منهم عليها.. كانوا سيعملون على الحفاظ عليها، وعلى تطويرها وزيادة إنتاجها.. لأنهم يجدون أنفسهم فيها، ويحققون أحلامهم مع اتساع نشاطها رغم فقدانهم لملكيتها.. إنها جزء عزيز منهم لا يفرطون فيه بسهولة... وكان أن أصر على إبعادهم، وإسناد إدارتها إلى غيرهم.. فتولاها إما مجموعة من اللصوص حرصوا على سرقتها.. بدلاً من أن يحرصوا على تنميتها، وإما مجموعة من الجُهلاء الذين أساءوا إدارتها.. وكلاهما لا يهمه أمرها سواء تدهورت أو أغلقت أبوابها.. فإن أياً منهم سيجد له مكاناً آخر فى شركة أخرى يغلقها بالضبة ويلقى بالمفتاح فى عرض النيل.. وكانت النتيجة خراب فى خراب.." (عثمان، 287)
"المضحك المبكى: ووضعت الترتيبات اللازمة لاستقبال النظام الحاكم فى كل موقع من المواقع التى كان مقررًا أن يقوم بزيارتها.. وكان جميع المستقبلين من بين الحاشية والمنافقين، وليس لأى منهم أدنى علاقة بموقع العمل، ولا يعرف أى شىء عما يجرى فيه.. ولم يكتف هؤلاء بأن يتقدموا "الزفة" ولكنهم تحولوا إلى فنيين متخصصين فى كل دقائق العمل، التى راحوا يتولون شرحها للنظام الحاكم، وهم لا يعرفون عنها أدنى شىء .. ووقف الرجال الذين كانوا ينحتون الصخر بعقولهم وأظافرهم يتفرجون ويستمعون لشرح من لا يعلم، كما كان يستمع هو بالضبط.. وقد اعترضت على ذلك الأمر، ولكنهم قالوا لى إن البرنامج وضع كذلك، ولا ينبغى أن يكون غير ذلك .. وسلمت بما حاولوا إقناعى به على اعتبار أنهم أعلم منى ومن رجالى بما يتم فى الموقع كما قالوا لى .. وفعلوا نفس الأمر معى شخصيًا. فكان من المفروض أن أرافقه لأشرح له ما يحدث فى الموقع والذى لا يعرفه أحد غيرى، ولكنهم اكتفوا بأن اختار لنفسى أحد المواقع الثلاثة لأقف فيها دون أن يكون لى أدنى علاقة بالموضوع.. وكان واجبًا على أن أشكرهم لمجرد أن سمحوا لى بأن أختار الوقوف فى أحد المواقع دون أن يفرضوا ذلك أيضاً." (عثمان، 320-321)
"وأعود إلى الوضع الإدارى بالشركة، فقد بدأت الخلافات بينى وبين السيد/ أحمد بكر نتيجة لعدم وضوح الاختصاصات بيننا كما بدأت بعض الخلافات فى الرأى بينى وبين السيد الدكتور محمود على حسن رغم ما تربطنى به من صداقة وطيدة.. وذلك لإصراره على التدخل فى الأعمال التنفيذية للشركة وإصداره لقرارات على خلاف ما أراه واعتقادى الراسخ أنها فى غير مصلحة الشركة.. وزاد من حالة الارتباك الإدارى ما أتى، حيث أننى فوجئت فى 1/6/1963 بقرار من السيد وزير الصناعة الدكتور/ عزيز صدقى بتعيين السيد المهندس مختار إبراهيم مديرًا لمصانع الأجزاء بالشركة دون أى توضيح لاختصاصاته، وفى وظيفة لم تكن أصلاً فى الهيكل التنظيمى للشركة، حيث إن كافة الشئون الفنية كانت تتبعنى كمدير فنى تتبعه أيضاً المصانع.." (جزارين، 40)
"وكان مقر (اتحاد الصناعات المصرية) فى عمارة إيموبيليا التى كانت تضم الاتحاد نفسه والعدد الأكبر من الغرف.. وكان موظفو الاتحاد جميعاً معينين طبقاً للائحة القطاع العام، وليس لدى أى منهم مؤهلات علمية عالية .. ولم يكن بالاتحاد سوى مهندس مؤهل واحد فقط هو مدير عام غرفة الصناعات الهندسية.." (جزارين، 120)
  1. معارك أصحاب الشركات للحفاظ عليها بعد التأميم:
"ووقفت فقط أمام أمر واحد، يمثل الوجه الآخر لثروتى .. إنهم أبنائى العاملون فى الشركة .. وكان لا يمكن أن أفرط فيهم مهما كانت الظروف ... وكان ذلك السبب وحده كفيلاً بأن اتخذ قرار دخول معركة الحفاظ على الشركة حتى لا تتمزق أو تهتز رغم ما أصابها، ولحق بها بسبب قرار تأميمها، وكان لابد أن أحافظ على تماسكها ووحدتها وكيانها.." (عثمان، 290-291)
  1.  بيئة غير آمنة مليئة بالتهديد:
"ويتضح لى ذلك ما علمته لى تجربتى كرجل أعمال.. إن رأس المال جبان.. ولديه حساسية قوية.. وقدرة كبيرة على رؤية المستقبل.. ويسارع إلى أن "ينفذ بجلده" مع أول بادرة يرى أنها تهدده.. ويقبل على الاستقرار كلما يشعر بالأمن والأمان.. بالأمس هرب رأس المال، وترك ميدان العمل.. ولم يساهم فى أى من المشروعات التى كان ينبغى أن يُدلى بدلوه فى العمل فيها.." (عثمان، 602)
"وقد تصادف أنه خلال فترة التأخير (عن توريد صفقة 120 أتوبيساً للعراق) قام الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة للرئيس عبد السلام عارف رئيس جمهورية العراق فى ذلك الوقت، وشكا الرئيس العراقى للرئيس جمال من تأخير شركة النصر فى التوريد، وأوضح له ذلك أنه قد تسبب فى حدوث أزمة فى نقل الركاب فى بغداد وأساء إلى صورة الحكومة العراقية.. وذات يوم وخلال تواجدى بالمكتب فوجئت بإشارة من محكمة أمن الدولة تطلب منى الحضور للمثول أمام السيد وكيل النيابة فى موعد محدد.
وذهبت إلى السيد وكيل النيابة الذى فاجأنى بأننى متهم بأننى أسأت إلى سمعة مصر فى الخارج بالتأخير فى تسليم الأتوبيسات إلى العراق، وبدأت عملية التحقيق معى فى هذه التهمة الخطيرة لمدة حوالى الثلاث ساعات رفض فيها سيادته أن أجلس، فالمتهم لابد أن يظل واقفاً!! وبعد الانتهاء من التحقيق، والذى شرحت فيه ظروف الصفقة وعدم وجود أى إهمال فى تنفيذها، قرر السيد وكيل النيابة الإفراج عنى بضمان وظيفتى بعد ساعات من العذاب الجسدى والنفسى، وقد توجهت فور ذلك إلى السيد الدكتور "عزيز صدقى" وزير الصناعة شارحاً له الموضوع فقام سيادته بالاتصال بالرئيس عبد الناصر الذى أمر بحفظ التحقيق بعد أن علم بظروف العملية، وبعد حرب الأعصاب التى عشتها.." (جزارين، 67-68)
  1. نقص التمويلات والخبرات الفنية اللازمة للعديد من المشروعات: "فى سنة 1958 قام اثنان من الشباب المصرى هم المهندس "جورج حاوى والسيد عصام" بالتقدم لوزارة الصناعة بمشروع صناعة سيارة صغيرة أطلقوا عليها اسم السيارة "رمسيس" وقدموا للهيئة العامة للتصنيع عينتين من هذه السيارة لاختبارها قبل إعطائها الترخيص.. والسيارة هى أصلا ًالسيارة "فريسكى" البريطانية بمحرك سعة 400 سم3، ذات جسم من الصوف الزجاجى تم صناعته محلياً بعد أن تم استيراد مكوناتها من بريطانيا، والمحرك كان ثنائى الأشواط ويدور فى الاتجاهين، ولم يكن فى السيارة تعشيقة للخلف، فكان من الضرورى عند الرغبة فى السير للخلف وقف المحرك وإدارته فى الاتجاه العكسى.
وقد كلفت لجنة من الدكتور مهندس "محمد العلايلى" – رئيس قسم السيارات بجامعة عين شمس – والمهندس "شوقى النحاس" ومنى لاختبار السيارتين، وقمنا بقيادتهما من القاهرة إلى مرسى مطروح والعودة، وقد تعطلت إحداهما فى الطريق، كما ظهرت عدة عيوب فى الأخرى، مما جعل رحلتنا متعبة للغاية، وخصوصًا، وأنها كانت فى الصيف وفى جو حار للغاية، ونتيجة الاختبار قمنا بطلب إدخال العديد من التعديلات على السيارة قبل التصريح بإنتاجها، وكان من أهمها وجود فيتيس للسير للخلف، وكذلك إنتاج الجسم من الصاج بدلاً من "الفيبر جلاس".
وقد تكونت شركة خاصة لإنتاج هذه السيارات خصص لها موقع فى بداية الطريق الصحراوى للإسكندرية، وقد بدأت الشركة فى تجميع السيارات المعدلة فى يوليو 1958 بعد أن تعاقدت على توريد الـ 100 سيارة الأولى للهيئة العامة للتصنيع بمبلغ أذكر أنه 120 جنيهاً للسيارة تم دفع ثمنها مقدماً كتشجيع للشركة الجديدة.. وقد استمرت الشركة فى إنتاج بضع مئات من السيارات وبنسبة تصنيع حوالى الـ40% هى قيمة مكونات يتم الحصول عليها من السوق المحلى بالإضافة إلى تصنيع بعض أجزاء الجسم الصاج يدوياً داخل المصنع إلى أن تم تأميمها فى يوليو سنة 1961 ودمجها مع شركة صناعة الدراجات والموتوسيكلات، لتصبح شركة لإنتاج وسائل النقل الخفيف تابعة لمؤسسة الصناعات الهندسية.. وتعتبر هذه أول محاولة لتصنيع سيارة مصرية.. وللأسف لم يكتب لها النجاح لعدم قيامها على أسس اقتصادية سليمة وفنية.." (جزارين، 113)
  1. الخداع والتغرير:
"غرر نظام الحكم بالناس، وضحك عليهم وحجب الحقيقة عنه.. راح يغدق عليهم بالشعارات والكلام، ثم اكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم كانوا يطاردون خيط دخان.." (عثمان، 286)
  1. احتكار الحكومة للمشروعات:
"ففيما مضى حرموا الدولة والشعب من أن يستفيد أى منهما من كل هذه الإمكانيات وأصبحت الحكومة تتولى كل شىء .. حتى عمليات التجارة.. واستغنت عن الاستفادة بدعوة أبنائها لبناء بلدهم بما تيسر لهم.. أى دولة تلك التى يمكن أن تفعل ذلك ولا تفقد نفسها!!" (عثمان، 590)
"بعكس الحال فى ظل الاحتكار.. الذى فى ظله يرفع المنتج السعر بالشكل الذى يريحه.. ويقدم السلعة بالجودة التى يراها مهما كانت نوعية ذلك المنتج أو الناتج.. والمستهلك ليس أمامه إلا أن يشترى هذه السلعة.. وكان ذلك سبباً فى أن تنهار جودة الإنتاج، فى ظل القطاع العام، وتصل إلى ما وصلت إليه لأن المنتج واحد.. وليس هناك من ينافسه.. وكان أن دفعت الثمن الصناعة المصرية، التى فاتها الكثير من التطور الذى سبقتها به دول العالم المتقدم.." (عثمان، 587)
  1. الروتين والبيروقراطية:
"هكذا كانت إدارتى لوزارة الإسكان والتعمير.. قرارات فورية.. وتنفيذ أسرع.. دون الدخول فى متاهات الروتين.. والمناقصات والمكاتبات والمعاينات واللجان.. وما إلى ذلك من الإجراءات الفاشلة.... مأساة البيروقراطية والروتين التى ابتليت بها مصر." (عثمان، 490)
"وذهبت إلى القاهرة لاستلام عملى بوزارة الأشغال يوم 22 يناير 1952.. وتصادف أن كان ذلك يوم حريق القاهرة المشهور والذى وجدت نفسى فى وسط أحداثه.. ومع ذلك فقد تمكنت من الوصول إلى الوزارة للبدء بالقيام بأعباء وظيفتى المرموقة بالدرجة الخامسة.. وكان فى انتظارى هناك مفاجأة كبيرة، لقد نسى المسئولون عن إدارة المستخدمين بالوزارة عمل إجراءات تسليمى العمل قبل سفرى بالبعثة.. وبالتالي فقد أخطرنى السيد مدير الإدارة بأنه لا مفر من إعادة تعيينى بالدرجة السادسة لأظل بها سنتين ثم أحصل على ترقية بعدها إلى الدرجة الخامسة.. وانتصرت البيروقراطية المصرية، ولم يشفع لى خطاب السيد الوزير والذى يخطرنى فيه بترقيتى إلى الدرجة الخامسة.. وأصرت الوزارة على رأيها.. وواجهت تحدياً جديداً." (جزارين، 14-15)
  1. نقص الحرية:
"ومع أن مصر بدأت محاولات أخذ مكانها اللائق بها عقب ثورة 1952 بشكل يمكنها من أن تحقق قفزات جرئية وسريعة على طريق الحضارة الحديثة لتعوض ما فاتها.. ولكن للأسف الشديد من تولى أمرها قصر نظره.. فلم يستطع أن يلمس عظمة الإنسان المصرى.. أو يقف على ما بداخله من طاقات كامنة تحتاج إلى من يفجرها.. وليس هناك من يستطيع أن يفجر طاقات الشعب المصرى كما علمتنى التجربة.. إلا إذا جاء إليه ومعه الحرية.. الحرية وحدها هى التى تخرج به إلى الآفاق الرحبة ليبدع.. فالحرية هى المدخل الحقيقى الذى يوفر الأمن والأمان والاستقرار.. الذى يؤهل الإنسان لأن يكون طبيعياً مع نفسه.. وأن يقترب من الآخرين ويقترب الآخرون منه.. يفهمونه.. ويفهمهم.. ويتعلمون الغوص بين لآلئ أعماقه.. وكان غياب الحرية فيما قبل السبعينيات سبباً فى أن يفشل نظام الحكم السابق فى الوصول إلى التمكن من إطلاق ملكات الإنسان المصرى.. بالشكل الذى لمسته أنا فيه من واقع تجربتى معه على امتداد أربعين عاماً كاملة.. "(عثمان، 601)
  1.  القوى العاملة:
"القوى العاملة مقبرة الشباب: ثم استطردت أقول للطالب: "يا ولدى أنا لست صاحب نظريات ولكننى رجل منّ الله على بكنز ثمين من التجارب.. أقول لك على ضوئها، لا تنتظر القوى العاملة لكى تحيلك إلى المعاش، فور تعيينك فى وظيفة تقيدك بها وفيها، وتقتل ملكاتك، وتقبر إمكانياتك مقابل قروش تتقاضاها كل شهر.. لا تشبع ولا تغنى من جوع.. إن القوى العاملة، لا أنظر إليها إلا كنوع من الضمان الاجتماعى،  يفسد على الشباب مستقبله، ويحرم بلده من إمكانياته.. وهو فى عنفوان قدرته وعطائه.. ورحت أقول لإبنى الشاب.. وأقول من خلاله – لكل الشباب من خريجى الجامعات، والمعاهد المتوسطة، والمدارس الفنية المتوسطة أن يلقوا خلف ظهورهم، فكرة الاعتماد على الدولة لتوظيفهم، بل يجب أن يفهموا أن الدولة هى التى ينبغى أن تعتمد عليهم.. لا هم الذين يعتمدون عليها.. إنهم شبابها وهم طاقتها.. وهو مستقبلها.. وواصلت حديثى أقول له: أنصحك يا ولدى بالانطلاق والبحث عن العمل، الذى يحقق لك العائد الذى يتناسب مع عطائك، دون أن تنتظر طابور الموظفين الطويل، فيضيع جهدك وعمرك، فى البحث عن علاوة وترقية دون أن تفطن إلى القدرات الهائلة، التى بداخلك والقادرة على صنع المعجزات.. واستطردت أقول: إن نظام القوى العاملة لم تضعه الدولة لتحقيق مصلحة الشباب.. ولكن الدولة كانت فى وقت من الأوقات فى حاجة إلى حماية كرسى الحاكم، فأرادت أن تربط الناس بها، وتعطيهم لقمة عيشهم من يدها.. ليس لكى تطعمهم، ولكن لكى تجعلهم يدورون فى فلكها بغض النظر عن الخسارة التى يمكن أن تلحق بهم أو ببلدهم، نتيجة هذا الأسلوب الذى استخدموه فى تحطيم طاقات الشباب، وقفل الطريق أمام مواهبهم وطموحاتهم وآمالهم.. وقلت لولدى: وأقول من خلاله لكل أولادى الشباب الذين يقفون على أعتاب المستقبل: إن الحياة طريق طويل جداً لا يمثل الحصول على المؤهل العلمى نهايته، كما يتصور البعض.. ولكن المؤهل لا يمثل إلا جواز مرور يسمح للشاب بمقتضاه، أن يمر من بوابة الحياة، ليسير على أول منحنى فى دربها الطويل.. ليس هناك من مسئول عنه غير قدراته وإمكانياته.. ليست المادية فقط، ولكن إمكانياته الكامنة فيه من ملكات ومواهب وإصرار وطموح.. فقد يقطع فى اليوم ميلاً.. وقد يقطع عشرة أميال.. وقد يتوقف اليوم.. لينطلق غداً.. وقد يكبو فى حفرة.. ولكن سيجد بعدها أرضاً ممهدة، قد تكون مليئة بالمطبات فى البداية.. ولكن ما دام يوجد العزم والإرادة فستكون نهايتهما.. خيراً كثيراً.. وقلت له: إن الشاب سيلتقى على هذا الطريق مع مختلف أشكال الناس ونوعياتهم ومستوى ثقافاتهم.. سيلتقى بالفلاح والعامل.. بالمهندس والملاحظ.. بالمحامى والمحاسب.. بالحداد والنجار.. وما إلى ذلك من كل هؤلاء.. وبقدر قدرة الشاب على التعامل مع كل حسب مستواه، وتركيبته الشخصية والنفسية، ومستوى عقليته يتعامل مع كل بالأسلوب الذى يتناسب معه على مقدار قدرة الشاب على كل ذلك على قدر ما ينجح فى قطع مسافة أطول على الطريق.. ويدرك نهايته أو قل قمته أسرع من غيره.. وحذرت إبنى الشاب وأنا أقول له: ونتيجة معاملتك إما أن تجد من يعترض طريقك.. إذا أسأت فهم الدرس الذى أشرحه لك، وإما إذا وعيت كل ما فى الدرس من أبعاد فإنك ستجد أن معظم من يلتقى بك سيسارع بتقديم المساعدة لك ويدفعك إلى الأمام.. تلك هى الخبرة التى اكتسبتها من الحياة.. وأستطيع أن أقول على ضوئها رأياً واضحاً فى قضية القوى العاملة... أقول لشبابنا إبدأ بالبحث عن نفسك ليس بوظيفة فى دواوين الحكومة.. ولكن بفرض نفسك وشق طريقك بالأمل والكفاح.. لا تُحرج يا ولدى من أن تذهب إلى صاحب العمل.. وتقدم له نفسك.. ولا تيأس من ذلك الذى يرفض الاستعانة بجهودك، لأنه ليس فى حاجة إليك.. ولكن ابحث عن غيره.. وغيره.. وستجد بالتأكيد لنفسك مكاناً.. إن أى صاحب عمل فى حاجة إلى كل مجتهد.. لا تتمسك بشهادتك.. ولا تصر على أن تعمل فى عمل يتناسب مع هذا المؤهل.. وليس هذا الرأى دعوة منى لك لكى تتخلى عن تخصصك.. ولكن يكفى أن تعلم يا ولدى إنه لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. فكونك حصلت على مؤهل من أى نوع، فإن هذا المؤهل أتاح لك الحصول على المزيد من العلم والمعرفة فى العديد من المجالات.. هذا العلم الذى ينير لك طريقك.. وسيساعدك علمك على أن تستوعب أى عمل تعمل فيه أسرع من غيرك الذى لم ينل أى قسط من التعليم... إن استيعاب حامل ليسانس الآداب لمهنة الخراطة بحكم اتساع أفقه، أسرع بكثير من استعداد شاب لم ينهل من العلم إلا قليلاً.. وعندما يمتهن صاحب المؤهل هذه المهنة فإنه سيضيف إليها، من ذوقه وعلمه، ليس فى مجال التخصص فقط، ولكن فى طريقة معاملته مع الناس.. وقدرته على أن يدرك المواقف، ويتصدى للمشاكل، بعقل مفتوح.. لذلك اذهب يا ولدى إلى أى صاحب عمل دون أن تتمسك بمؤهلك، والتحق بأى عمل.. وبالتأكيد ستضيف إلى هذا العمل بما حصلت عليه من ثقافة..
وإذا فعلت ما أنصحك به لن تصبح يوماً ما مسئولاً كبيراً فى العمل الذى قد تبدأ فيه خفيراً!!.. ولكنك ستصبح صاحب عمل.. يجب يا ولدى أن تحصل على نصيبك العادل، نتيجة لمجهودك، ولن تحصل على هذا النصيب إلا إذا تحررت من عقدة ضرورة أن تصبح موظف حكومة.. ويكفي أن أقول هنا أن هناك سائقين فى "المقاولون العرب"، يصل دخل السائق منهم إلى أربعمائة جنيه فى الشهر.. فهذا حقه.. وثمار عرقه.. فلماذا لا تبحث يا إبنى عن نفسك، وتطرق كل الأبواب، التى سيفتح لك منها باب بالتأكيد، بدلاً من أن تنتظر القوى العاملة، التى لا تعطيك إلا ما يدخل فى حدود الإعانات، التى توزعها وزارة الشئون الاجتماعية على المحتاجين.
نشأ هذا النظام عندما التزمت الدولة بتوفير فرصة عمل لكل خريج.. وهذا أمر جميل ومحمود.. ولكن ماذا حدث؟ حدث أن الدولة لم تلتزم بإيجاد فرصة عمل منتج يحقق الشاب ذاته من خلالها، ويحصل على العائد الذى يستحقه مجهوده منها.. وفى نفس الوقت تستفيد الدولة من طاقات القوة الضاربة فيها وهم الشباب.. فتوظف جهودهم فى مختلف المجالات المنتجة، فى الاقتصاد والزراعة والخدمات، لكى يزيد الإنتاج وتنتعش أحوال البلاد.. لم تفعل الدولة ذلك، ولكن تحول الالتزام بإيجاد فرصة عمل لكل شاب إلى التزام بتعيين كل شاب.. وهناك فارق كبير بين الالتزامين.. فالالتزام الأول يضيف إلى الاقتصاد القومى.. أما الالتزام الثانى فإنه يأخذ منه.. واتجهت الدولة إلى تخصيص اعتمادات فى ميزانياتها.. تسميها اعتمادات تعيين الخريجين وتقوم بتعيينهم فى مختلف الوزارات والمصالح، دون أن تلتفت إلى ضرورة الاستفادة بجهودهم، وتكدست بهم دواوين الحكومة ومكاتبها.. دون أن يكون لوجودهم فيها ضرورة، ودون أن تكون هذه المكاتب والدواوين المكان الحقيقى الذى يجب أن يتواجد فيه أمثال هؤلاء الشباب..
وبدلاً من أن يصبح هؤلاء منتجين، أصبحوا فى غالبيتهم عالة على الدولة.. وعبئاً تحسب حسابه، وتفكر فى كيفية إيجاد الحلول له.. ولم تجد من الحلول ما هو مجد، إلا أن تحمل الميزانية عاماً بعد عام اعتمادات جديدة. وللأسف تتفاخر الحكومة، تلو الحكومة بأنها اعتمدت مبالغ كذا.. وكذا.. لتعيين الخريجين.. دون أن يجد أحد فى نفسه الشجاعة ليعلن عن المشكلة الحقيقية، ويطلب ضرورة مواجهتها. مع أن ما يحدث جريمة بشعة ترتكب فى وضح النهار، ضد مستقبل هؤلاء الخريجين، وضد مستقبل بلدهم.. ولا أعرف ما إذا كان يدرى القائمون على أمر ذلك الموضوع، أم لا يدرون.
        وكانت النتيجة أن أصبحت الدولة غير قادرة، على أن توفى هؤلاء المعينين حقوقهم الحقيقية.. واكتفت بأن تمنح الشاب بضعة جنيهات.. ثم تضع له نظاماً للترقى والعلاوات، لا يضيف إلى دخله سنوياً إلا بضعة ملاليم.. وعليه أن ينتظر فى طابور الترقى سنوات وسنوات.. فما دام هؤلاء وهم خيرة القوى المنتجة فى البلاد تحولوا إلى موظفين.. فمن الذى يستطيع أن يزيد الإنتاج غيرهم.. وما دامت هناك عدم زيادة فى الإنتاج فمن الصعب جداً أن نجد زيادة فى الأجور والمرتبات.. وبذلك أصبح حال الموظف كما نراه الآن.. ومقارنة بسيطة بين أحسن الخريجين حظاً، ممن تتولى القوى العاملة تعيينهم.. وبين ما يتقاضاه أقل عامل زراعى، على اعتبار أن أجور العمالة فى الزراعة هى أقل مستويات الأجور، تتضح الحقيقة المرة التى وضعنا شبابنا فيها دون أن يجد أى منا الشجاعة لأن ينبه إلى ضرورة السير فى الطريق السليم ووجد النظام الحالى نفسه فى حيرة .. كيف يتخلص من ذلك المرض الذى فهمه الشباب على أنه الدواء ..
كان السبب الذى دفع الحكومات فى النظام الذى سبق الرئيس السادات إلى هذا النظام هو أن تربط الخريجين إلى المكاتب بسلاسل، كتلك الحبال التى نجد فى بعض دواوين الحكومة الموظفين يربطون بها الكراسى إلى المكاتب.. وليس لها من هدف سوى أن تضمن ولاء هؤلاء الخريجين، ولم تجد سبيلاً لكسب هذا الولاء، إلا بتخدير الشباب بما سمته القوى العاملة، وتعيينهم وتكديسهم فى الدواوين، دون أن توجد لهم الفرص الحقيقية التى يجدون أنفسهم من خلالها ويظهرون ملكاتهم ويعبرون عن طموحاتهم .. ودأبت الحكومات على كسب ود الناس، بإعلانها تعيينها للخريجين العام بعد العام، دون أن تفكر فى خلق العمل المنتج لأى من هؤلاء .. وكانت النتيجة التى نراها الآن .. وهى أن عائد أقل عامل لا يقل عن ثلاثة جنيهات فى اليوم أى تسعين جنيهاً فى الشهر .. وهذا الدخل يعادل ما يتقاضاه مدير عام فى الحكومة.. لذلك فأنا ضد سياسة القوى العاملة فى تعيين الخريجين، حيث لا حاجة لجهودهم .. ومع سياسة ضرورة إيجاد فرص عمل منتجة، للخريج يجد منها عائداً عادلاً عن مجهوده من ناحية.. وتحقق الدولة فائضاً نتيجة هذا المجهود من ناحية أخرى.. ولا أنصح أى شاب أن ينتظر فى طابور القوى العاملة، ليتسول منها بضعة ملاليم .. وهو صاحب الساعد القوى والفتوة القادرة .. ولكن عليه أن يسعى ويبحث عن نفسه التى لابد أن يجدها .. مع فرصة متساوية، مع قدراته .. تعطيه ما يتوق إليه فى الحياة.
فيا ولدى أنت تبدأ صغيراً ثم تكبر.. وذلك بخلاف أن تولد كبيراً فالصغير يكبر ويأخذ دورة نموه الطبيعية، فتشتد عزيمته ويصلب عوده.. غير ذلك الذى يولد كبيراً فيولد بغير تجربة.. لذلك يختفى سريعاً دون أن يأسف عليه أحد .. ولا ينبغى أن يفهم أحد أننى ضد القطاع العام فى مجموعة.. فهناك مشروعات من المقبول.. بل من الضرورى أن تخضع للملكية العامة كصناعة الحديد والصلب.. والصناعات الحربية.. والسكك الحديدية.. ومرافق الخدمات.. وما إلى ذلك من المشروعات التى لا يقدم عليها الأفراد من ناحية.. والتى لا يستطيعون القيام بها من ناحية أخرى على وجه التحديد أنا ضد التأميم، ولكن للدولة أن تقيم ما تراه من مشروعات طالما ليست على حساب الأفراد.." (عثمان، 567-579)
  1. أبرز مقومات العمل الحر من وجهة نظر بعض الشخصيات العصامية المصرية:
  1. القيم الأخلاقية لصاحب العمل الحر: مثل:
  • الشرف والأمانة.. "المهم.. الوفاء.. أدركت فى تلك اللحظة أن المهندس شاكر أبو كرم رجل طيب، له ضمير حى، يعرف الحق، ويخاف الله، واستقر اسمه فى رأسى ولم أنسه، وعندما توليت أمر وزارة التعمير رحت أبحث عن فريق من المهندسين الشرفاء لمعاونتى، وكان المهندس شاكر أبو كرم أول من سألت عنه، وطلبت إليه أن يتعاون معى، وعرفت أنه قد أحيل إلى المعاش، وقمت على الفور باستدعائه، وأصدرت قرارًا بتعيينه "رحمه الله" مستشارًا لوزارة التعمير. وظل الرجل يعمل إلى جوارى طوال الفترة التى أمضيتها فى العمل الوزارى الأول الذى كلفنى به الرئيس السادات. أنقذنى ذلك الرجل من كارثة، ودفع الظلم عنى، وكان يفرض على الوفاء أن أفعل ذلك مع رجل لم يفعل إلا ما يرضى الله.. وأذكر بهذه المناسبة.. أنه كلما التقيت برجل شريف مؤمن، كنت أضعه فى ذاكرتى ولا أنساه، وألجأ إليه فى المجال الذى يستطيع أن يعطى فيه كلما استدعى الأمر ذلك.. فالشرفاء لا يمكن التعرف عليهم إلا من خلال اختبار.. لذلك أحرص كل الحرص على كل رجل عرفته من خلال تجربة.." (عثمان، 134)
"وأذكر أنه بعد فترة من احتلال المدرسة، قام الإنجليز بإعادتها إلى الحكومة المصرية.. ثم قامت إدارة المبانى باستدعائى لإصلاح ما أفسده الإنجليز فى المدرسة.. وكان من بين ما أسند إلى، عملية تركيب أبواب جديدة، بدلا ًمن الأبواب التى تم خلعها.. وأذكر أننى قلت للمهندس شاكر أبو كرم وقتها إن الأبواب القديمة موجودة فى مخازني، لقد قمت بخلعها من المدرسة قبل احتلالها واحتفظت بها عندى.. وانتابت الدهشة الرجل.. كان يتصور أنه ما دام أحد لم يطلبها منى، فإننى سأخفيها. ولكن كيف أخفيها، وقد رآنى من لا يخفى عليه أى شىء .. وكم كان ذلك الموقف كبيراً فى نظر الرجل.. وكم كان أثره عظيماً فى الإسماعيلية كلها.. ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد من نوعه فى حياتى.. ولكنى اتخذت من نتائجه درساً لا أنساه.. وحدث أننى تعرضت لنفس الموقف فى المملكة العربية السعودية.. عندما أضفت إلى حساباتى ثلاثة عشر مليون ريال عن طريق الخطأ.. كان بمقدورى أن أخفيها، ولكننى لم أفعل، فكان الأثر الذى تركته فى نفسى، هو نفس الأثر الذى تركه موضوع الأبواب، واستفدت أضعاف تلك الريالات.. إننى اقتنعت بالحلال.. فزادنى منه الله – والحمد لله.." (عثمان، 136-137)
"وكانت دقة تنفيذنا.. ومتانة إنشاءاتنا.. والتزامنا بمواعيدنا.. واحترامنا للغير ولأنفسنا سبباً فى أن تثق الحكومة السعودية فينا، فأسندت إلينا العديد من المشروعات بعد ذلك، فى جميع أرجاء السعودية بطولها وعرضها.. سواء فى الرياض، أو الظهران، أو الدمام، أو جدة، أو المدينة وغيرها من مناطق المملكة.." (عثمان، 162)
"علمتنى تجربتى أن من ليس عنده رقابة داخلية من نفسه على نفسه، بوازع من ضميره، لا يجدى معه أى أسلوب من أساليب الرقابة الخارجية التى تمارس معه مهما كانت قوتها.. لذلك اعتمدت على رقابة الإنسان الذى يخاف ربه.. ووجدت أفضل وسيلة للرقابة فى اختيار عناصر مؤمنة ذات قيم وأخلاقيات، ومبادئ، كبداية، ثم توليت تأكيد هذه القيم وتعميقها فى كل من عمل معى وفوق هذه القواعد الخرسانية المتينة والسليمة ارتفع صرح "المقاولون العرب." (عثمان، 484)
"إن أهم أخلاقيات العمل فى المقاولات هى صدق النوايا والأمانة.. ويجب أن تعلم أن خيانة قرش واحد قد تكون سبباً فى أن تدفع كل مستقبلك ثمناً لما حدث منك.. وإذا كنت مخلصاً فإن مكسب قرش واحد قد يتضاعف ويصبح ملايين الجنيهات.. فلابد أن يكون الإنسان أميناً.. لأن الأمانة صفة هامة جداً من الصفات التى يجب أن يتحلى بها أى إنسان، يريد أن يبنى لنفسه مستقبلاً مشرقاً، على قواعد من الثقة المتينة.. إن العائد الذى يعود على الإنسان بسبب أمانته يصل إلى أضعاف العائد المحدود، الذى يعود إليه عندما تسول له نفسه أن يفعل ما لا يرضى الله.. حتى هذا العائد السريع سرعان ما يضيع ويضيع معه كل شىء .. فلا تطمع يا ولدى إلا فى الله فعنده الكثير.. وكنوزه لا تفنى.. وأولها كنز القناعة الذى يفتح لك كل الكنوز بلا حساب.." (عثمان، 543)
"وكانت مفاجأة للرجل عندما قلت له: أنا لا أقبل الحرام.." (عثمان، 545)
"منهجه التربوى أن يُعمل المرء عقله فى كل ما يمر به من مشكلات. كان يرى دائماً أن كل من يكون قريباً من الله عز وجل، ويجتهد فى سعيه وعمله، لن يخيبه الله أبداً حين يُعمل عقله فى أى مشكلة تصادفه.." (العربى، 54)
  • الصبر وحسن الخلق والعطاء: "اتسم عبد المجيد (أخى الأصغر) بطيبة قلب ورحمة، وأيضاً بتدفق العاطفة. كانت نفسه هادئة مطمئنة منذ صغره، كان يحب العطاء، وكان يكثر من قول: "السفينة اللى مافيهاش لله، لازم ييجى يوم تغرق!". وكان يحب قولَ النبى صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدُكم حتى يُحب لأخيه ما يحِبُ لنفسه".. حين كان يعمل فى محل "رزق"، جاءه زبون وسأله عن "قاروصة" الأقلام "الكوبيا"، فقال له عبد المجيد: "القاروصة بـ 13 قرش"، فإذا بالرجل يصفعه على وجهه بقسوة.. وبدلاً من أن يغضب أو يصرخ فى وجهه، إذا بعبد المجيد يتبسم له ويدعوه للجلوس والهدوء، ويطلب له الشاى! أثناء شرب الرجل للشاى، سأله عبد الجيد بهدوء عن الخطأ الذى ارتكبه، والذى استحق به تلك الصفعة، فإذا بالرجل يعتذر له، ويقول له: "معلش يا ابنى اعذرنى، أصل أنا ولادى ماتوا فى حادث حريق، ما كنتش أنا ولا أمهم فى البيت لما النار ولعت فى كل حاجة..". وأخبره الرجل أن ذلك قد حدث يوم 13 فى الشهر! وأصبح الرجل عميلاً مهمَّاً لنا بعد ذلك.. كان عبد المجيد – رحمه الله – يحكى هذه القصة لأبنائنا وبناتنا، ليؤكد على أهمية قيمة الصبر وحسن الخلق، حتى مع من يسىء إليك، ولو بغير أى سبب.." (العربى، 48-49)
"كان الطلبة يأتون إلينا من أماكن بعيدة، لكى يوفروا (تعريفة) كاملة فى الكراستين.. هذا مثال مما علمنى إياه عم رزق من أسرار التجارة سريعة دوران رأس المال.. كان إقبال الناس كبيراً على دكان عم رزق، ولكن ذلك الإقبال قد انخفض بسبب تعامله الخشن مع الزبائن، فبدأوا يتسربون منه، حتى بدأت بالعمل معه، فبدأت أُعامل الناس بأسلوب مختلف، تلك المعاملة المصبوغة بالحب والرفق، فأصبحت الحركة ضعف ما كانت عليه قبل تسلّمى للعمل.." (العربى، 92)
  • الاستقامة وتحرى الحلال: "لقد تعلمت من آيات القرآن الكريم الحلال والحرام، وهذا هو ما خلق عندي تصوراً واضحاً للمنهج الذى سرت عليه طوال حياتى، الحمد لله كان منهجاً مستقيماً.. إن من يبحث عن منظومة القيم، التى تحدد مساره، وتوجهه فى تقاطعات الحياة، وطرقاتها المتشعبة، بعيدًا عن كتاب الله تعالى، قد يصيب نجاحاً، ولكننى واثق أن النجاح القوى المستمر، بل والأزلى غير المنقطع، حتى بعد الموت، يجب أن يستمد ركائزه من ذلك الكتاب المعجز.." (العربى، 66)
  • الوفاء بالعقود: "العمل على تحسين صورة الشركة الخارجية عن طريق الالتزام بالوفاء بالعقود التى تبرمها الشركة والإسراع بتسليم الحاجزين للسيارات مع تخفيض فترة الانتظار وتحسين مستوى الخدمة، والصيانة حتى بدأت سمعة الشركة السيئة فى التحسن تدريجياً واستعادت ثقة عملائها.." (جزارين، 46)
  • تحمل المسؤولية: "تعلمت من فترة الخدمة العسكرية أن أحرص على النهوض سريعاً بعد كل عثرة، فإياك من ندب الحظ حين تسقط، قائلاً: إننى ضحية مؤامرة كذا، أو القول بأن أحدهم يتعمد وضع العراقيل فى طريقى.. أنت المسؤول الأول عن نجاحك أو إخفاقك، وليس هذا أو ذاك.." (العربى، 128-129)
  1. الحلم والطموح والتخطيط لتنفيذ الحلم: "بدأنا نحلم ونخطط معاً بأن يكون لدينا محل خاص، وأن نبدأ فى شق طريقنا نحو إنشاء شركة تجارية خاصة بنا، ورغم أننا لم نكن نمتلك أية أموال لتحقيق ذلك الحلم، فإننا خلال فترة الزمالة الطويلة لم نتوقف عن الحديث حوله، وقد طرح عنتر علىّ فكرة أن نبحث عمن يموّلنا برأس المال، ونحن نشاركه بالمجهود.. كانت فكرة براقة بالنسبة لى، وجديدة كذلك، ومثلت لى القارب الوحيد الذى سيأخذنا نحو تحقيق حلمنا وطموحاتنا الكبيرة.. لم تكن طموحات تتناسب مع أحوال عامليْن يتقاضى الواحد منهما ستة جنيهات فى الشهر، ولكن سر إصرارنا الحقيقي كان يكمن فى الإيمان بقدرة الله عز وجل، وبأنه هو الرزاق الوهاب، وليس أحد غيره، وأنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً.. وأيضاً كان هناك سرٌّ آخر مادى ملموس، وهو علاقاتنا الوثيقة القائمة على الثقة والاحترام، مع كل التجار والموردين الذين نتعامل معهم فى سوق الموسكى... ولكن لأننا لم نكن نمتلك رأس المال المطلوب، ولأنها مغامرة لا ندرى ماذا سيكتب لها الله، فقد آثرنا أن أبدأ بالمغامرة – مع عنتر – بترك العمل المستقر ذى الأجر الثابت.." (العربى، 134-135)
  2. المنافسة الحرة الشريفة: "علمتنى التجربة.. علمتنى تجربتى الكثير.. ومن بين ما تعلمته.. آمنت بالمنافسة الحرة طريقاً لصنع التقدم.. ومهداً للرخاء.. آمنت بالمنافسة الحرة مجالاً يستطيع الإنسان معه أن يبدع ويبتكر.. يعطى جهده.. ويجد نفسه.. أياً كان موقعه من العملية الاقتصادية.. عاملاً.. أو مالكاً.. علمتنى التجربة.. أن التنافس سمة من سمات البشر عندما يحب الإنسان أن يحسن من وضعه.. وأن يرفع من مستواه.. مادياً .. وفكرياً.. ومعنوياً.. وانتهيت إلى تصور كامل.. أجد فى هذا التصور ما يوضح كل ما أجملته فيما قدمت، ولا طريق أمام مصر إلا قوتها البشرية، فهى سلاحها ورأسمالها.. وبها نقتحم كل المجالات.. ونغزو كل مكان فيها لنرسم صفحة الرخاء ليس فوق الوادى ولكن على وجه الصحراء أيضاً.." (عثمان، 581)
"ولكى تنجح لابد أن تكون قادرة على المنافسة.. منافسة المشروعات الأخرى المشابهة لها والتى تعمل فى نفس مجالها.. ولا تستطيع منافستها.. إلا إذا كانت أسعارها أرخص.. وإنتاجها أجود.. وليس هناك من مستفيد من هذه الأسعار والجودة، إلا المستهلك.. " (عثمان، 587)
  1. الحرية والأمن والأمان: "إن لمصر مقومات تنفرد بها عن غيرها.. ولكن لا يمكن لهذه المقومات أن تؤتى ثمارها إلا إذا توافر شرط ضرورى هو الحرية والأمن والأمان الذى يبحث عنه رأس المال.. أى رأسمال فى أى مكان من الدنيا.. وعندما يجد رأس المال سواء المصرى أو الأجنبى الأمان فى مصر، كما يجده فى الدول الأخرى.. أو يجده فيها بدرجة أكبر من أى دولة أخرى.. سنجده يختار بشكل تلقائى أن يأتى إلى هنا نظراً لما تتمتع به بلادنا من ميزات لا توجد فى غيرها تجعل منها هدفاً لكل رجال الأعمال، ما دامت تجد مشروعاتهم من يؤمنها لا من يؤممها.." (عثمان، 603)
"ويهمنى أن أؤكد هنا على حقيقة هامة هى أنه .. يكذب .. ويكذب من يقول إنه قادر على أن يحصل من أى إنسان على كل ما عنده، من جهد وعطاء مهما كان دون إرادة صاحب هذا الجهد.. ومن غير أن يكون راغباً وراضياً عما يفعل.. قد تكون قادراً على استخدام الناس، ولكن لا توجد قوة غير نابعة من داخلهم تجبرهم لأن يفصحوا عن ملكاتهم.. وليس الاعتماد على الجهد الحكومى هو الطريق الذى يمكن من خلاله الحصول على عطاء الناس.. إذا تساءلنا.. كيف يمكن أن يساهم المواطنون مساهمة حقيقية فى بناء بلدهم؟ نجد الإجابة فى.. ضرورة أن يحصلوا على حرياتهم أولاً.. يختارون العمل الذى يريدونه.. والمشروعات التى يساهمون فيها.. وعندما نتيح لهم هذه الفرصة.. تنطلق جهودهم جنباً إلى جنب، مع جهود الدولة.. إن لم تتقدمها.. وبذلك نحقق.. مساهمة حقيقية منهم تصل لأن تمكنهم من أن يساهموا بإخلاص فى تنمية بلدهم، فى العديد من المشروعات، التى يقبلون عليها فى كافة المجالات.." (عثمان، 588-589)
"وتبين لى وجود انتقادات حادة للبرنامج المقدم.. والإشارة إلى عدد من الأخطاء فى الافتراضات التى بنى عليها هذا البرنامج.. وإلى عدم الواقعية فى الكثير مما ورد فيه.. وخرجت بانطباع واضح هو رفض رجال الصناعة السوريين لهذا البرنامج.. ويجب أن نأخذ هنا فى الاعتبار أن الصناعة السورية فى ذلك الوقت كانت فى أيدى القطاع الخاص.. الذين اعتادوا على الحرية الكاملة فى تصرفاتهم.. حيث لم تكن هناك قيود على الاستيراد أو التصدير.. أو تدخل من الحكومة فى شئونهم.. وكان الرأى العام بين رجال الصناعة والاقتصاد هو رفض أى قيود تفرض عليهم أو الارتباط بخطة محددة تفرضها عليهم الدولة.. وقد حدث فعلاً ما توقعت.. وعلمت أنه قد حدثت اجتماعات عاصفة مع رجال الصناعة السوريين وانتهت إلى رفضهم للبرنامج.. وصرف النظر عنه.." (جزارين، 24)
  1. العلم والمعرفة والتعلم: "لا تتمسك بشهادتك.. ولا تصر على أن تعمل فى عمل يتناسب مع هذا المؤهل.. وليس هذا الرأى دعوة منى لك لكى تتخلى عن تخصصك.. ولكن يكفى أن تعلم يا ولدى إنه لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. فكونك حصلت على مؤهل من أى نوع، فإن هذا المؤهل أتاح لك الحصول على المزيد من العلم والمعرفة فى العديد من المجالات.. هذا العلم الذى ينير لك طريقك.. وسيساعدك علمك على أن تستوعب أى عمل تعمل فيه أسرع من غيرك الذى لم ينل أى قسط من التعليم... إن استيعاب حامل ليسانس الآداب لمهنة الخراطة بحكم اتساع أفقه، أسرع بكثير من استعداد شاب لم ينهل من العلم إلا قليلاً.. وعندما يمتهن صاحب المؤهل هذه المهنة فإنه سيضيف إليها، من ذوقه وعلمه، ليس فى مجال التخصص فقط، ولكن فى طريقة معاملته مع الناس.. وقدرته على أن يدرك المواقف، ويتصدى للمشاكل، بعقل مفتوح.." (عثمان، 560)
"وفى يونيو سنة 1946 حصلت على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية بدرجة امتياز وكنت الأول على الدفعة.. ومن أول دفعة تخرجت فى كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وبعد فترة قليلة من ظهور النتيجة تلقيت دعوة من جلالة الملك فاروق الأول لحضور حفل شاى بسراى رأس التين، حيث كان هناك تقليد بأن يقوم الملك بتكريم أوائل الخريجين بإقامة حفل شاى لهم ويقوم بمصافحتهم ومنحهم بعض الهدايا التذكارية.." (جزارين، 9)
"وقد كان لفترة دراستى فى سويسرا أثر كبير على تنمية شخصيتى وتوسيع دائرة معلوماتى وزيادة الاعتماد على النفس وحب القراءة وإتقان اللغات، مما ساعدنى كثيراً فى مستقبلى – كما أن سويسرا فى ذلك الوقت كان البلد الأوربى الوحيد تقريباً الذى لم تقترب الحرب منه بل زادته غنى، وبالتالى كانت العملة السويسرية قوية للغاية كما كان أيضاً الجنيه المصرى والذى كان يتم تغييره بـ 17 فرنك سويسرى (مقابل حوالى 0.3 من الفرنك حالياً) مما أتاح لى الفرصة للسفر وزيارة عدد كبير من الدول الأوربية منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا وهولندا وبلجيكا وإنجلترا وأسبانيا مما أعطانى حصيلة ضخمة من المعلومات العامة أفادتنى كثيراً فى المراحل التالية من حياتى.. كما أفادتنى فى إتقان اللغات الأجنبية التى أتكلمها وهى الإنجليزية والألمانية والفرنسية".
"ووافقت على الفور.. وأصبح علىّ أن أدرس من جديد وبطريقة سريعة مكثفة هندسة السيارات التى سأقوم بتدريسها لطلبة بكالوريوس الهندسة.. وبدأت فعلاً فى هذه الدراسة وساعدنى عليها دراستى للدكتوراه التى تعلم الإنسان القراءة والبحث العلمى والاعتماد على النفس، ولكى أزيد من خبرتى فى هذا المجال اتفقت مع المهندسين والفنيين الموجودين فى هذا القسم على استغلال المعدات الموجودة به لإصلاح سيارات هيئة التدريس بالكلية مجاناً.. وقمنا بالإعلان عن ذلك ووجدنا تجاوباً كبيراً، وكان لذلك أثره الكبير فى ازدياد خبرتى بهندسة السيارات فى وقت قياسى ومكننى من التدريس لطلبة البكالوريوس فى هذا القسم، والذى كان من بينهم من هم أكبر منى سناً وساهمت فى تخريج أول دفعة من مهندسى السيارات فى يونيو 1952." (جزارين، 14-15)
"وفى شركة (النصر) تعلمت أموراً جديدة خاصة بتجارة الجملة، ما كان لى أن أحيط بها علماً وأنا فى دكان عم رزق.. تعرفت على أشكال هامة من الإجراءات التى يلزم تاجر الجملة أن يحيط بها، مثل البيع بالآجل، وتحرير الشيكات والكمبيالات، وسائر المعاملات بين التجار، والتى تختلف تماماً عن البيع القطاعى، لأنها علاقة مستمرة تحتاج إلى صبر كبير، وإلى تحديد البضاعة المناسبة للتاجر المناسب فى الوقت المناسب، مما يكسب التاجر الثقة فى محل الجملة، فيصبح زبوناً دائماً له.." (العربى، 99)
  1. حب العمل الذى تقوم به والرغبة فيه وعدم الإرغام عليه: "جاء لى أخى على بعمل فى مصنع عطور بالموسكى كان صاحبه صديقاً له.. لم يكن مصنعاً للعطور فى حقيقة الأمر، بل كان عبارة عن ورشة فى محل صغير بالموسكى ... وكان عملى لا يتعدى إغلاق الزجاجات (بالفلّة) بعد تعبئتها، ثم بالغطاء الأساسى، ثم إلصاق "تكيت" الماركة المسجلة.. لم أتحمل هذا العمل لأكثر من شهر.. سألنى أخى عن السبب، قلت إننى جئت للقاهرة لأعمل فى البيع والشراء.. أريد أن أتعامل مع الناس وأعمل فى التجارة.. "أنا ماجيتش أقفل القزايز بالفلّة يا على!"... بطبيعة الحال، كان هذا الأمر غريباً مفاجئاً لأخى، أن يصدر من طفل عمره لم يتجاوز عشر سنوات، ولكنها الفطرة التى فطرنى الله عليها: عشق البيع والشراء، وارتباط عقلى ووجدانى بالتجارة.." (العربى، 90-91)
  2. عدم التكبر على العمل: "حاول يا ولدى، أن لا تتكبر على العمل. ولا يكن هدفك فى الحياة أن تجلس خلف مكتب.. لأن هذا المكتب سيقضى على مستقبلك." (عثمان، 560) " وقد بدأت حياتى "صبى ميكانيكى" فى الإسماعيلية، منذ أن كنت تلميذاً فى المدرسة، وهذا ليس عيباً.. ولكن العيب أن تخطئ فى حق نفسك، ولا ترى لك مستقبلاً أبعد من الوظيفة الحكومية التى ستدفن فيها نفسك وإلى الأبد.." (عثمان، 581)
  3. الاجتهاد والمثابرة: "يجب يا ولدى أن تحصل على نصيبك العادل، نتيجة لمجهودك، ولن تحصل على هذا النصيب إلا إذا تحررت من عقدة ضرورة أن تصبح موظف حكومة.. ويكفى أن أقول هنا إن هناك سائقين فى المقاولون العرب، يصل دخل السائق منهم إلى أربعمائة جنيه فى الشهر.. فهذا حقه.. وثمار عرقه.. فلماذا لا تبحث يا إبنى عن نفسك، وتطرق كل الأبواب، التى سيفتح لك منها باب بالتأكيد، بدلاً من أن تنتظر القوى العاملة، التى لا تعطيك إلا ما يدخل فى حدود الإعانات، التى توزعها وزارة الشئون الاجتماعية على المحتاجين." (عثمان، 581)
"وتوجهت بالفعل إلى القاهرة.. وإلى وزارة الأشغال حيث علمت بأنه قد تقرر إيفادى فى بعثة إلى المعهد الفنى العالى بزيوريخ للحصول على درجة الدكتوراة فى محطات القوى الكهربائية ثم التدريب فى إحدى الشركات السويسرية لمدة ستة أشهر أخرى.. وقد كانت أوربا فى ذلك الحين ما زالت تئن من جروحها التى خلفتها الحرب التى كان قد مضى عام واحد على انتهائها، ومازالت فى بداية الطريق لإصلاح الدمار الشامل الذى خلفته هذه الحرب.. حتى سويسرا التى لم تدخل الحرب كانت الآثار الجانبية للحرب عليها واضحة.. والكثير من المواد الغذائية كالسكر والزبدة والشوكولاتة بالبطاقات.. ولكن كنا نتقاضى مرتباً كافياً يكفل لنا معيشة مريحة ومستوى مناسباً. لقد كان الجنيه المصرى فى ذلك الوقت يعادل حوالى 17 فرنكاً سويسرياً وكنا نتقاضى 540 فرنكاً سويسرياً شهرياً، وكان كافياً لضمان المعيشة إلى جانب التسهيلات التى تمنح للطلبة فى زيورخ.
وهكذا بدأت مرحلة جديدة من حياتى انتقلت فيها فجأة من مرحلة ارتباط كامل بالأسرة والاعتماد عليها إلى مرحلة الاستقلال والاعتماد الكامل على الذات فى بلد غريب لا أعرف لغته الألمانية، ولا عاداته أو تقاليده ووجدت نفسى أواجه تحدياً ضخماً وهو ضرورة الحصول على درجة الدكتوراة من معهد يتميز بمستواه العلمى الرفيع وسمعته العالمية وبلغة أجهلها.. وأمضيت الشهور الستة الأولى فى تعلم اللغة فى إحدى المعاهد المتخصصة، وقمت فى الوقت نفسه بمقابلة الأستاذ الذى سوف أعمل معه فى الدكتوراه، وعلمت منه بضرورة الالتحاق بالدراسة فى الفصول الأربعة الأخيرة بالقسم الميكانيكى بالمعهد.. أى لمدة سنتين.. ثم أتقدم للاختبار فى ثلاث مواد اختارها تتعلق بموضوع الدكتوراه، وأن النجاح فى هذا الاختبار يجب أن يسبق التقدم للدكتوراه.. ولكن أشار إلى أنه بإمكانى فى الوقت نفسه أن أبدأ فى موضوع البحث الخاص بالدكتوراة بشرط أن أنهى بنجاح دراسة خاصة طلبها منى الأستاذ، وكانت التصميم الكامل لتوربينة بخارية لم أكن قد درست عنها فى مصر سوى القليل.. وقبلت هذا التحدى.. وعملت لمدة ثلاثة أشهر بمثابرة وجد فى الدراسة والاطلاع حتى أنجزت ما طلبه الأستاذ وأنهيت التصميم المطلوب.
وكانت مكافأتى على ذلك أن حصلت على موضوع البحث الخاص بالدكتوراة، وبدأت فيه فى نفس الوقت الذى كنت أنتظم فى الدراسة فى أولى الفصول الأربعة بالمعهد مع الاستمرار فى تعلمى اللغة الألمانية.. وأنهيت دراستى للفصول الأربعة والتى استغرقت سنتين بنجاح وتقدمت لامتحان القبول.. امتحان تحريرى وشفهى فى المادة الأساسية وشفهى فى المادتين الأخريتين.. ونجحت والحمد لله، وأصبح من حقى رسميًا أن أتقدم لامتحان الدكتوراة فور إنهائى للرسالة التى كنت فى ذلك الحين قد قطعت شوطاً لا بأس به فيها.." (جزارين، 11-12)
  1. تحديد أهداف المشروعات الحرة بوضوح: "ولا يتأتى ذلك إلا بتحديدنا أهدافاً لكل مشروع، نطلب من العاملين فيه وخاصة قيادته تحقيقها، ونضع زمناً محدداً لتنفيذ هذه الأهداف، ثم نترك بعد ذلك المشروع، دون أن نتدخل فى شئونه، ونترك لمن فيه الصلاحية لإدارته.." (عثمان، 579)
  2.  تنظيم العمل وتوزيع الأدوار:
"أنا نفسى لم أكن أعرف أن ما كنت أفعله، بتلقائية شديدة، هو تعبير عن موهبة القدرة على التنظيم والترتيب، وهو ما أعتبره الآن من أهم الأسس التى قامت عليها، وكبرت بها شركة "المقاولون العرب". (عثمان، 23)
"كان لابد لى من مقر أزاول منه نشاطى، وساعدني فى ذلك الدكتور سليمان عيد "رحمه الله" وكان أحد أقارب والدتى الذى خصص لى حجرة فى عيادته الخاصة بالحى الأفرنجى بالإسماعيلية.. وكانت تلك الحجرة أول مقر للشركة العملاقة التى قامت على أكتاف أبنائها كمنارة لفن البناء والتشييد وتنفيذ المشروعات الكبيرة.. ليس على مستوى الشرق الأوسط وحده، ولكن على مستوى العالم كله.. وكان عثمان أحمد عثمان أول عامل فى الشركة التى تحولت فيما بعد إلى "المقاولون العرب"، "عثمان أحمد عثمان وشركاه" والتف فيها حوله أكثر من 55 ألف عامل .. هم جميعاً فى مكان الأبناء من قلبه.. وكنت أقوم بتنظيف تلك الحجرة كل مساء بعد أن أنتهى من أعمالى التى كانت تتطلب تواجدى فى المكتب، وهكذا قمت بإعداد أول تنظيم للعمل.." (عثمان، 63-64)
"كنت أقوم فى تلك الأيام بأكثر من وظيفة فى وقت واحد.. كنت أنا المخزنجى وأنا أمين الخزنة، وأنا عامل التليفون، وأنا ساعى المكتب أيضاً.. كنت أقوم بكل هذه الوظائف إلى جوار أننى مقاول بالدرجة الأولى.. وأحياناً كنت أقوم بدور العامل أيضاً عندما يتخلف أى عامل من العمال عن الحضور للعمل لأى سبب من الأسباب عندما كنت أتولى تنفيذ مهمته.. وفى تلك المرحلة من حياتى كنت أقوم بترتيب وتنظيم العمل، والإشراف على كل شىء بنفسى دون أن يساعدنى أحد.." أتجه بعد ذلك إلى مكان العملية التى كنت أقوم بتنفيذها قبل أن يصل إليها أى عامل من العمال.. وكانت عادتى أن أقوم بتوفير كل ما تحتاجه العملية من لوازم العمل، من مواد بناء ومستلزمات فى مساء اليوم السابق، حتى يبدأ تنفيذ العمل على الفور عند وصول العمال، وحتى لا يكون هناك أى نقص فى العملية سبباً فى تأخير العمل.
وأدركت من تجربتى أن استيقاظى مبكراً، والذهاب إلى مقر العمل قبل أى عامل، وتوفير مستلزمات العمل فى حينها ليجد العمال كل شىء جاهزاً.. يتسبب فى رفع نسبة الربح بشكل تلقائى دون أى تدخل آخر منى إلى 20% بالضبط.. وأدركت أيضاً أن مجرد تواجدى فى العمل قبل غيرى من العاملين فيه، يفرض على الجميع عدم التأخير، كما أن تواجدى بينهم لا يجعل أياً منهم يتراخى أو يهمل.. وأدركت أيضاً أن المعاملة الحسنة تجعل كلاً منهم يعطيك من المجهود كل ما فى وسعه.
وأطلق على العمال فى تلك الأيام اسم "المعلم"، فقد كانوا يجدوننى دائماً بينهم، وكنت أنا الذى أقوم بترتيب العمل وتنظيمه لهم، وتقسيمه فيما بينهم، وتوزيع الأدوار عليهم كما كنت أقوم بتوفير كل المتطلبات لهم، وبصرف أجورهم، وكل شىء بالنسبة لهم.. إنهم لم يتعودوا على أن يروا بينهم مهندساً، فقد كان المهندس بالنسبة لهم شيئاً كبيراً، وكان أبرز من كانوا يرون أثناء العمل هو الملاحظ، وكانوا يطلقون اسم المعلم على كل من كان يقوم بتنظيم العمل لهم، وتوزيعه عليهم.. وعندما وجدونى أقوم بهذا الدور وبحسن نية منهم بدلاً من أن ينادوننى "يا باشمهندس" كانوا ينادوننى "يا معلم".. وكم كنت سعيداً بهذا اللقب، الذى أعتز به، وأعتبره من أبرز الألقاب التى أطلقت على فى حياتى.. وظل هذا اللقب يلازمنى حتى الآن.. حتى إن أولادى وأولاد إخوتى لا ينادوننى فيما بينى وبينهم إلا بهذا اللقب.. المعلم "راح" المعلم "جه".. وكم أنا سعيد منهم بهذه الكلمة، لأنها تعيد إلى ذهنى ماضيًا، كثيراً ما يشدنى الحنين إليه بكل ما فيه من حلاوة ومرارة.. (عثمان، 67-68)
وألفت هنا نظر أولادى الشباب إلى ضرورة التزام الدقة، والتنظيم والترتيب فى العمل، عندما كنا نحمل معنا ما نحتاج إليه من أدوات هندسية تلزم تنفيذ العمل. (عثمان، 158)
وكان أن استوعب حجم العمل فى السد العالى أكثر من 35 ألف رجل كانوا يعملون بشكل متواصل أربعاً وعشرين ساعة كل يوم، وكنت قد قمت بتقسيم العمل على ثلاث ورديات، وكانت مدة الوردية ثمانى ساعات، ويعمل فيها حوالى تسعة آلاف عامل.. برزت فى ذلك الوقت أهمية القدرة على التنظيم الجيد، وترتيب العمل، ولولا أننى تمكنت من أن أحكم زمام الموقف، لكان قد فلت الأمر من بين يدى.. وكانت تلك معركة أخرى، كان على أن أخوضها جنباً إلى جنب مع معركتى ضد الروس.. واجهت المشاكل بأفق واسع، وترتيب دقيق وتنظيم وصلت قمته إلى أن موعد تغيير الوردية أصبح يستغرق دقيقتين فقط فى كل مرة، بعد أن كان يستغرق ساعتين كاملتين فى بداية العمل. (عثمان، 229)
  1.  إدارة المشروعات من قبل أصحابه والمتخصصين فيه: "وأرى بحكم خبرتى أن يتولى إدارة كل مشروع أبناء نفس المشروع.. وأن نلفظ الأسلوب القديم.. أسلوب تبادل القيادات بين مختلف المشروعات.. لأن ابن المشروع هو أعلم من غيره بعمله وبمشروعه وبالعاملين معه.. ويستطيع أن ينطلق به إلى تحقيق الأهداف المطلوب تحقيقها.." (عثمان، 579) "إن صاحب المشروع هو أقدر الناس على إدارته.. فهو الذى يتولاه بالرعاية.. وهو الذى يخطط له.. وقلبه عليه.. وهو الذى يسعى لاتساعه.. ويحرص عليه.. لذلك فهو الحريص الأول على أن ينجح.. وإن وجده غير ناجح فسيعمل على تصفيته قبل أن يصاب بالخسارة.. وتعلمت أيضاً .. إن صاحب مشروع القطاع الخاص .. يدافع فى مشروعه عن أمواله.. وعن سمعته.. ومستقبله.. فكل شىء فى المشروع موضع اهتمامه.. ومحل نظره.. إن مشروعه جزء منه.. لذلك فإن هذه المشروعات لابد أن تنجح.. ولا تعمل إلا إذا نجحت.." (عثمان، 587)
  2. أهمية التدريب:
"وبدأ العمل فوراً فى استيراد وتركيب معدات تجميع اللورى والأتوبيسات وتعيين وتدريب العمال والفنيين اللازمين لهذه المرحلة الأولى فى ألمانيا وفى مصر.. وكان المقصود بهذه المرحلة أن تكون مرحلة تدريبية وتمهيدية لحين الانتهاء من تنظيم المخازن وتدريب العمال والفنيين وعمل الدورة المستندية اللازمة، ودراسة ما يمكن شراؤه من السوق المحلى من أجزاء ومكونات بدلاً من استيرادها، وفى نفس الوقت دراسة الوضع النهائي للمشروع وعمل الرسومات والبيانات الفنية اللازمة له تمهيداً لإقامة مصانع خاصة له.." (جزارين، 30)
"وعقب حصولى على الدكتوراة قمت بالعمل بإحدى الشركات السويسرية للتدريب قبل عودتى إلى القاهرة وظللت فى زيوريخ حتى يناير سنة 1952 حيث عدت إلى مصر." (جزارين، 14)
"تعلمت كذلك أن التخطيط والتهيئة للعمل، وتدريب فرق العمل التنفيذية، أهم ما فى مراحل تنفيذ العمل. لذا، فإننا وبعد أن دخلنا مجال التصنيع لا نبخل على إنفاق المال والوقت والجهد لتدريب أفراد فرق (العربى)، أثناء الترتيب لأى مشروع جديد.. لا يمكن أن ينجح مشروع من دون بذل كل الجهود الممكنة لتدريب طاقم العمل على كل مراحل العمليات.." (العربى، 129)     
  1. قانون ضرائب سليم: "وهناك أيضاً الإجراء الذى يجب أن يتقدم كل الإجراءات.. وهو قانون ضرائب سليم يستطيع أن يعبر بحق عن أنه أداة لتحقيق العدل الاجتماعى.. بأن نأخذ من القادر، لكى نعطى المحتاج.. لأنه مواطن له حق على بلده.. ولابد أن توفر له حداً أدنى من الحياة الكريمة.. كما أن نفس القانون يصبح فى نفس الوقت وسيلة المجتمع لتحقيق التوازن فى عمليات التنمية.." (عثمان، 593)
"لذلك لابد من بناء الثقة بين مصلحة الضرائب والممول، كشرط أساسى لكى ينجح قانون الضرائب فى تحقيق الهدف الكبير منه.. بعد أن أصبح ليس وسيلة لجمع المال.. ولكن أداة لتحقيق التوازن فى المجتمع بكل ما تشمله الكلمة من معنى، سواء فيما يتعلق بتشجيع الإنتاج أو حصول الدولة على حقوقها من القادرين، ومساعدتها لغير القادرين من بين أبنائها.." (عثمان، 595)
  1. التعاون مع أهالى منطقة العمل:
"ومن ناحية ثانية لا ينبغى أن تنسحب هذه العلاقات الطيبة على العاملين معك فقط.. بل يجب أن تنسحب أيضاً على المجتمع الذى تعمل فيه، والمنطقة التى تزاول فيها نشاطك.. فتربط أهلها بك وترتبط بهم.. وهناك أيضاً أهالى المناطق التى نقوم بتنفيذ أعمال فيها.. فإننا نتعاون معهم ونستعين بهم وبإمكانياتهم فى العمل .. فيستفيدون ونستفيد نحن بجهودهم.. إلى جانب ما يمكن أن ندخله إلى المنطقة من خدمات وتحسينات.. كل هذه الأمور تقيم جسوراً من المودة والمحبة بيننا وبين هؤلاء جميعاً.. ولا يستطيع أن يقدر قيمة ما يمكن أن يحققه هذا الأمر من عائد، إلا كل من يستطيع أن يصل بنفاذ بصيرته إلى أعماق الإنسان المصرى .. فقد يتصور قصير النظر أن هذه نفقات بلا فائدة.. ولكن من يرى أبعد من تحت قدميه، يلمس مدى ما ينعكس على العمل من إيجابيات تزيد من عائد الإنتاج بشكل كبير.." (عثمان، 538-539)
  1.  موقع العمل مقراً للإدارة:
"رفضت أن أدير الوزارة من مكتب فى القاهرة يقع خلف العديد من الصالونات الفاخرة، ولم أدرها بواسطة موظفين يجلسون خلف مكاتب عتيدة يسبحون بحمد الروتين.. ولكننى اتخذت من مواقع العمل مقراً للإدارة.. وكانت الدولة قد خصصت طائرة هليوكوبتر للوزارة.. ولم أستخدمها حتى يتسنى لى اتخاذ القرارات وتنفيذها فوراً فى موقع العمل دون الحاجة إلى الرجوع للقاهرة حيث يوجد مقر الوزارة.. عندما كنت أذهب إلى أى منطقة، من مناطق محافظات التعمير كنت أعقد مؤتمراً أناقش فيه كل شىء على الطبيعة مع الناس، وأصدر أثناءه القرارات للعمل على حل المشاكل التى تطرح، ويقوم التنفيذيون الذين معي بتنفيذها فى نفس اللحظة.. لم ألجأ إلى الأساليب الروتينية البيروقراطية التقليدية العفنة، كأن أستمع إلى المشكلة، وأعد بدراستها ثم أكلف لجنة لتقديم تقرير، واللجنة تعقد الاجتماع تلو الاجتماع وتتفق وتختلف.. وتدور فى دوامة ليس لها آخر، وليس لى إلا نتيجة واحدة وهى تعقيد الأمور أكثر مما هى معقدة.. لم ألف حول الروتين ولم أترك الروتين يدور حولى ثم يدور كلانا فى حلقة مفرغة دون أن أصل إلى هدف.. فقد كنت أجمع كل المسئولين وأطرح عليهم جميع الأمور لنناقشها معاً وما ننتهى إليه من قرارات كنا نبدأ على الفور فى تنفيذه.. عرفت أن هذه الطريقة وحدها هى أقوى الأسلحة التى تمكننا من مواجهة الروتين، أى أن نقفز من فوق أسواره ونتخطاه، لأننا لو شغلنا أنفسنا بهدم هذه الأسوار، لفتح الطريق فإن وقتنا وجهدنا سيضيع دون أن نتمكن من هدمها.. ففطنت إلى أننا لو تعاملنا مع الروتين.. ستصيبنا عدواه بل سندمنه ونجد أنفسنا أسرى له، وهذا ما رفضته وما أزال أرفضه فى كل عمل أقوم به." (عثمان، 487-488)
"حرصت أن تكون إدارتى نابعة من الواقع وليس إدارة مستوردة.. وحرصت على أن أنشئ مدرسة قائمة بذاتها.. وحرصت على حمايتها من أى دخيل تربى فى مدرسة أخرى على غير مبادئها.. سواء أخلاقياً أو فنياً.. وفوق كل هذا حرصت على أن يشترك العاملون معى، فى كل ما أحصل عليه من أرباح.. فلابد وأن يذوقوا ثمرة عرقهم، لكى يبذلوا المزيد من هذا العرق.. حرصت أيضاً على شرف الكلمة.. فلابد أن تكون لك كلمة يجدك الناس دائماً عندها.. فهذا هو السبيل الوحيد، إلى الثقة التى هى أساس كل شىء فى التعامل مع الآخرين.. إن الثقة غالية.. وهى أكبر رأس مال يمكن أن يكونه أى إنسان.. وكانت الثقة رأسمالى الأول الذى كان سبباً فى أن تتراكم لدى بعد ذلك رؤوس الأموال الأخرى.. وكانت الأمانة هى أول طريق لى لبناء كل هذه الثقة.." (عثمان، 542)
  1.  الاستماع إلى جميع الآراء وعدم الاستهانة برأى أحد:
"وتعلمت أثناء تنفيذ تلك العملية ألا أستهين برأى أسمعه مهما كان ومهما كان صاحب هذا الرأى غير ذى قيمة أو شأن.." وأذكر أنه كان يوجد فى موقع العمل بمصنع السماد خبير أمريكى، وكان اسمه "كلارك ديفيد".. وكان الاتفاق بينى وبين المصنع على أن يتم بناء السور طبقاً لمواصفات معينة لمواد البناء.. وأذكر أننى كنت أدفع جنيهاً لتكاليف نقل المتر الواحد من الزلط المطلوب من مكانه إلى موقع العمل، كما كنت أدفع جنيهين لتكاليف نقل المتر الواحد من الرمل، حيث كنت أقوم بإحضاره من منطقة كبريت.. لأنها تقع على بعد تسعين كيلومتراً من موقع العملية.. ذات يوم وبينما أنا منهمك فى العمل، جاءنى رجل صعيدى ليس لى به سابق معرفة، وقام بعرض عينة رمل كانت معه أحضرها لى من محجر كان يعرفه، ويبعد ذلك المحجر عن موقع العملية كيلومترين فقط، وأمسكت العينة ثم قمت بفحصها فحصاً أولياً لأثبت أنها من النوع الممتاز، وكانت لا تقل جودة عن "الرملة" التى استخدمتها فى العمل.. وأذكر أنني قمت بعرض العينة على "كلارك" وأنه أبدى إعجابه بها، وقد قمنا بإرسالها إلى كلية الهندسة لإجراء التجارب عليها لاختبار مدى جودتها. وكانت النتائج رائعة، وقد وافق "كلارك" على استخدامها، لتخفيض نقل المتر الواحد من الرمل من جنيهين إلى عدة قروش.. وكان على أن أقوم بتخفيض التكاليف إلى أقل حد ممكن، ففتشت حولى عن أماكن قريبة يمكن أن نحضر منها نوعاً بديلاً من الزلط.. وفقنى الله إلى العثور على منطقة قريبة لا يكلف إحضار المتر منها إلى موقع العمل أكثر من 35 قرشاً فقط.. وعرضت الأمر على "كلارك" وكان رجلاً متفهماً مرناً، واستطعت أن أقيم معه علاقات صداقة طيبة.. بعد معاينة للعينتين، العينة المستخدمة والعينة الجديدة، وافق على الفور.. وكان ذلك سبباً فى تحقيق وفر كبير فى تكاليف العملية.. واختزنت ما استفدته من تلك التجربة حتى استفدت منه كثيراً فى "السد العالى" عندما وقعت أكثر من سيارة من سياراتى الروسية الصنع فى النيل بسبب "خرطوم الفرامل".. وكانت تلك المشكلة من أضخم المشاكل التى كان يمكن أن تغير مجرى سير العمل فى الموقع بدلاً من أن نقوم نحن بتغيير مجرى نهر النيل.. وأذكر أن ميكانيكياً مجهولاً استوقفنى مرة ليقترح على حلاً لهذه المشكلة، وحاول بعضهم أن يقول إنه مجنون، ولكننى أعطيته الفرصة كاملة ليقول كل ما يريد، لأن التجربة علمتنى أن أستفيد من كل المواقف التى تصادفنى فى حياتى.. جرب الميكانيكى ونجحت تجاربه وكان فضلها على العمل كبيراً.." (عثمان، 95-97)
" كان يأخذ رأى أبنائنا فى الكثير من الأمور الهامة، ويعلمهم بصورة جادة، حتى قبل أن يكبروا، من خلال القصة وضرب المثل.." (العربى، 52)
"الريس عبد الرحيم ومهارة الفراعنة.. حينما بدأ توريد المكابس الثقيلة الخاصة بعنبر المكابس حوالى 1964 كان من بينها مكبس سعة 1000 طن وقد ورد مفككاً من عدة أجزاء وصل وزن أحدها أكثر من 12 طناً، وقد عرضت شركة دويتز القيام بتركيب المكبس مقابل مبلغ 120000 مارك ألمانى (أى حوالى 90 ألف جنيه فى ذلك الوقت) شاملاً المعدات التى سترسلها لهذا الغرض.. وكنت فى ذلك الوقت المدير الفنى للشركة، وفوجئت بالسكرتيرة تخطرنى بأن الريس عبد الرحيم وهو رئيس العتالين بالشركة يرغب فى مقابلتى .. وفى المقابلة قال لى إنه قد سمع أن شركة دويتز تطلب مبلغاً كبيراً لتركيب المكبس وأنه على استعداد هو والعتالين بالشركة القيام بعملية تركيب المكبس بالكامل دون مقابل وبوسائلهم الخاصة.. وقد ترددت كثيراً فى اتخاذ القرار فالمسئولية ضخمة وإذا حدث أى شىء للمكبس فلن نحصل على أى تعويض من شركة دويتز.. وتشاورت مع السيد مدير التركيبات والصيانة المهندس سعد زغلول فى ذلك الوقت الذى شجعنى على إسناد العملية للريس عبد الرحيم وسوف يشرف هو عليها.. وبدد مخاوفى قائلاً أنه إذا كان الفراعنة قد بنوا الهرم فأبناؤهم قادرون على تركيب مكبس.. وبالفعل اتخذت القرار رغم اعتراض شركة دويتز، وبدأ الريس عبد الرحيم وفريقه من العتالين فى العمل وقاموا برفع الأجزاء الثقيلة بطرق بدائية للغاية وباستخدام عروق خشب وبكر.. وسط دهشة الخبراء الألمان الذين بادروا إلى تصوير هذه العملية التى استغرقت بضعة أيام وتم تركيب المكبس وقام الخبراء بتجربته وتأكدوا من سلامة التركيب.. ووافقت شركة دويتز على ضمان تشغيل المكبس.. وهكذا أثبت المصريون أنهم فراعنة، وبهم صفات متوارثة من أجدادهم.. وفى احتفال بسيط قمت بصرف مكافآت للريس عبد الرحيم وفريقه من العتالين.. أبناء الصعيد والذين وفروا للشركة مبلغاً ضخماً.." (جزارين، 95)
  1.  إتقان العمل:
"كان عبد المجيد يكثر من تعليم أولادنا جميعاً أهمية إتقان العمل، وكان يكثر من تذكيرهم بحديث الحبيب صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".." (العربى، 51)
  1.  التعاون:
"وكان لنجاحنا فى تحقيق مثل هذه الرحلات وغيرها، ما عزز لدينا الإيمان بأن اقتحام العقبات والتصدي لما يعترضنا من مشاكل، والتغلب عليها ممكن دائماً بالتعاون والأناة فى التفكير، وحشد الجهد بخطة مدروسة، لبلوغ الغاية التى نسعى إلى تحقيقها." (عثمان، 25)
"إن ما تحقق من نجاح فى الشركة فى هذه الفترة يعود إلى إيمانى بخلق التعاون الكامل بين الإدارة والعاملين، وتأسيس مجتمع أسرى يتعاون فيه الجميع نحو تحقيق الأهداف.. ولذلك فقد أصررت من البداية أن يذكر فى جميع إعلانات الشركة كلمة: (مع تحيات أسرة النصر للسيارات).. وقد قامت العديد من الشركات بتقليد هذا الشعار.." (جزارين، 44)
 
  1.  مهارات وفن الاتصال والتسويق:
"أذكر مرة فى بداية تصنيع التليفزيون (أواخر عام 1995) أن وصلنا فاكس من شركة "توشيبا" يبلغونا فيه بارتفاع كبير فى أسعار مكونات التصنيع لجهاز التليفزيون، فغضبنا كلنا من هذا الخبر، فنجاح المنتج فى السوق المصرى كان رائعاً، وكان عامل السعر حساساً للغاية، ولا نستطيع رفعه عما كان. كان عبد المجيد قد توفّاه الله قبل شهور، فتذكرته وأنا أفكر فى الطريقة التى نرد بها عليهم. وبالفعل ألهمنى الله تعالى أسلوباً للرد كتبناه بطريقة تجمع بين شدتى وحزمى وبين رفق عبد الجيد وقدراته الاتصالية العالية، فكانت النتيجة اعتذار الشركة لنا، بل وعقاب الموظف اليابانى الذى كان سبباً فى هذا التوجه (اعتذر لى هذا الموظف فى اليابان، بعد هذه الحادثة بشهور قليلة، واعترف لى بخطئه). إنه الرفق الممزوج بالحزم.." (العربى، 50-51)
"فى علم الاتصال والتسويق، كان عبد المجيد خبيرًا متمرسًا، أكسبته خبرات الحياة عمقاً هائلاً.. ثم بعد ذلك، فى سفرياته إلى دول شرق آسيا للتعاقد على بضاعة، قبل أن نحصل على توكيل توشيبا، وأيضاً فى إدارته لمصنع بنها، والذى تولى إدارته منذ افتتحناه عام 1982، فى كل تلك المحطات كان عبد المجيد – بالفعل – أستاذاً قديراً فى علم الاتصال.." (العربى، 49)
  1. المخاطرة والمغامرة:
"قال أخى: إنه طريق محفوف بالمخاطر! قلت: أحب أن أسير فى هذا الطريق لأجرب حظى، حتى إذا ما نجحت واصلت المشوار، أما إذا لم يوفقنى الله، فإن بكالوريوس كلية الهندسة ما يزال معى، ولن أعدم وسيلة فى الحصول على وظيفة مهندس.." (عثمان، 56)
"وجرنا الحديث إلى إعلان كان قد قرأه فى إحدى الصحف، يفيد بأن وزارة الدفاع السعودية أعلنت عن عملية، وتريد من يقوم بتنفيذها – وناقش معى فكرة أن أسافر إلى هناك، وأتقدم فى عطاء تلك العملية، ووافقت على اعتبار أن المغامرة لابد وأن تكون إحدى صفات رجل الأعمال.. ولعلنى أجد هناك مخرجاً من أزمتى، وكان لابد وأن أرتاد آفاقاً جديدة، ومجالات أخرى بعيدة.. ولكن على أساس من الحساب." (عثمان، 150-151)
  1.  احترام الوقت والالتزام بالمواعيد:
"أقول إن الوقت له قيمة كبيرة فى أعمال المقاولات." (عثمان، 94)
"إن الوقت من ذهب وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك.. فلا يصح أن يضيع الإنسان وقته الثمين فى أمور صغيرة، ويجب أن يتصرف بسرعة، وينطلق إلى هدفه ما دام الأمر لا يساوى أن يشغل به نفسه. (عثمان، 145)
"وكان طريقى إلى ما أقمته من علاقات فى حياتى، مع كل من التقيت بهم معروفاً. ولم أحد فى يوم من الأيام عنه، هذا الطريق هو التزامى بمواعيد تسليم كل ما أكلف به من أعمال من ناحية، ودقة ما أقوم بتنفيذه من ناحية ثانية.." (عثمان، 169)
"وقد رأيت الجدية والالتزام الذى يتعامل به السويسريون فى عملهم، ودقتهم الشديدة فى العمل، واحترام المرؤوس لرئيسه، واهتمامهم البالغ بإتقان العمل، وكنت أغادر المنزل فى الصباح الباكر حوالى السادسة صباحاً، ولا يزال الظلام دامساً، وأعود فى السادسة والنصف مساءً بعد حلول الظلام أيضاً، حيث كان المصنع الذى أعمل به يقع على بعد عشرين دقيقة بالقطار من زيوريخ فى مدينة صغيرة اسمها بادن.." (جزارين، 14)
 
  1. المؤسسات التعليمية تعاون أصحاب المشروعات الحرة:
"ولتوضيح مدى تقدم أمريكا فى ذلك الحين.. أذكر أن أحد الواجبات التى كلفت بها فى المعهد كان لتصميم بعض العدد اليدوية تصلح للاستخدام على سطح القمر، وفى الظروف المناخية هناك.. أى أنه منذ 1953 كان التخطيط قد بدأ للنزول على سطح القمر. وهذا مثال بسيط عن مدى التقدم العلمى والتكنولوجى الأمريكى الذى شعرت به مقارنة بأوربا التى كانت فى بداية الطريق لإزالة آثار الحرب المدمرة فيها وكانت كل البحوث التى يقوم بها المعهد لخدمة الشركات الصناعية وحسابها." (جزارين، 17)
  1.  الدعاية والإعلان:
"المهم.. بدأت مع تشغيل ماكينة الطحين حملة دعائية واسعة، وكان أن ذهبت إلى المقاهى وإلى التجمعات أخبر الناس بمشروعنا الجديد.. وكانت هذه الحملة لما حققته من نتائج، بداية إدراكى لأهمية دور الإعلام فى التعريف بالمشروعات وطبيعة عملها ونوعية إنتاجها، وزاد الإقبال على التعامل معنا.." (عثمان، 47)
"وكان على أن أبادر باستخراج أول سجل تجارى لمزاولة نشاط المقاولات "عثمان أحمد عثمان" مهندس ومقاول، وقمت بتعليق لافتة كتبت عليها هذا الاسم، بعد أن كنت قد تعلمت من قبل قيمة الإعلام فى نجاح الأعمال، عندها قمت بأول حملة إعلامية فى حياتى لعبت دوراً كبيراً فى إنجاح ماكينة الطحين.. وأذكر فى تلك الأيام أننى كنت أخرج كل يوم فى بداية نشاطى أتجول فى الإسماعيلية، أذهب إلى المقاهى وأماكن التجمعات، لأقدم نفسى إلى من لم يكن يعرفنى، معلناً للجميع أننى بدأت مزاولة نشاط المقاولات.. اتصلت بجميع الناس فى حملة إعلامية واسعة النطاق شملت الإسماعيلية كلها." (عثمان، 64)
سادساً: أوجه الاستفادة من مقومات العمل الحر من وجهة نظر بعض الشخصيات العصامية المصرية فى تعزيز ثقافة العمل الحر فى المجتمع المصرى:
تناولت الدراسة فى إطارها النظرى مفهوم ثقافة العمل الحر وأهميته وأهدافه خاصة فى ظل توجه الدولة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو نحو السوق الحر، وأهمية تمتع الشباب فى هذه المرحلة من تاريخ مصر بما يؤهلهم للانخراط فى سوق العمل وفتح آفاق جديدة ومنافسة غيرهم من أبناء وطنهم وخارجه على أنشطة العمل الحر وتبوؤ مصر مكانة متقدمة بين دول العالم إذا أرادت التقدم والنمو والرقى.
وقد تناولت الدراسة العوامل المختلفة التى أثرت على تنمية هذه الثقافة التى تباينت فيما بينها إلى عوامل السوق وعوامل تتعلق بالشباب أنفسهم وأخرى مجتمعية.
وتناولت الدراسة أبرز المتغيرات المجتمعية التى كان لها تأثير واضح على واقع هذه الثقافة لدى الشباب من خلال تداعياتها الواضحة عليهم وعلى ثقافته العامة باعتباره أحد أفراد المجتمع، وأيضاً تداعياتها على المجتمع المصرى ككل، وكذلك الأوضاع التعليمية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية التى تقترن بمن يعمل فى مجال العمل الحر، وذلك من خلال كشف الدراسة عن واقع ثقافة العمل الحر وتنميتها لدى الشباب. بالإضافة إلى استقراء مجموعة من المؤشرات الفعلية لواقع ثقافة العمل الحر لدى بعض الشخصيات العصامية الناجحة. وقد تبع الكشف عن هذا الواقع تعرّف بعض المستجدات التربوية التى تمثل فرصاً حقيقية لتنمية هذا النوع من الثقافة لدى الشباب، فضلاً عن حاجة هذه المستجدات أيضاً إلى توافر قدر من تلك الثقافة باعتبارها تمثل البنية الأساسية التى تنطلق منها فى تحقيق أهدافها.
وقد سعت الدراسة إلى تعرّف متطلبات تنمية ثقافة العمل الحر من خلال تحليل مضمون كتابات العصاميين أنفسهم أى سيرهم الذاتية، والتى تعتبر أصدق تأريخ وتوثيق للعمل الحر ومعوقاته ومميزاته ومخاطره ومتطلباته الشخصية والمهنية والتشريعية والمادية والمالية وبيئته ومناخه المثبط أو المحفز الذى يساعد على النجاح فى هذا المجال.
وقد أسفرت الدراسة عن العديد من النتائج التى يتعلق بعضها بالإطار النظرى والبعض الآخر بتحليل المضمون، وفيما يلى عرض لنتائج هذين الجانبين النظرى وتحليل المضمون:
أولاً: نتائج الدراسة بشقيها النظرى وتحليل المضمون:
وتوضحها الدراسة كما يلى:
  1. نتائج الدراسة النظرية:
فيما يلى عرض لما توصلت إليه الدراسة من خلال تحليل الإطار النظرى:
  • إن الثقافة بما لها من خصائص تميزها من حيث أنها: مكتسبة، إنسانية، مستمرة، تراكمية، دينامية متغيرة، تكاملية، تتيح الفرصة لتعديل أساليب التفكير والاتجاهات والسلوكيات المرغوب عنها إلى تلك المرغوب فيها من خلال بث المفاهيم المستحسنة عبر الوسائط التعليمية والإعلامية كافة، وتجاوز المعوقات الإدارية والمادية والمالية، ودعم الدولة واستثمار المهارات والقدرات الذهنية والملكات الإبداعية وما إلى ذلك.
  • أثرت الثقافة السائدة للمجتمع المصرى فى كل فترة من فترات تاريخه على العمل الحر إيجاباً وسلباً وتردداً بين الازدهار والإبداع والخمول والتكرار وفقاً للمحفزات والمعوقات التى تقف فى طريقه.
  • هناك العديد من العوامل المجتمعية التى تؤثر فى ثقافة العمل الحر سلباً أو إيجاباً منها: مُناخ الاستثمار، ثقافة المجتمع، التعاون بين العاملين فى المجال، التعاون وخطوط الاتصال بين الدولة وأصحاب الأعمال الحرة، تحفيز أصحاب الأعمال الحرة، كفاءة إدارة الأعمال الحرة، مهارات أصحاب الأعمال.
  • إن الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وما تملكه من سلطات تشريعية وتنفيذية لها دور كبير فى تنمية ثقافة العمل الحر لدى الشباب من خلال ما تملكه من أدوات تأثير لها نفاذية وسلطان وبت.
  •  هناك تكامل وترابط بين جوانب ثقافة العمل الحر الثلاث المعرفية (المعلومات والمعارف) والوجدانية (الاتجاهات والقيم) والمهارية والسلوكية (مهارات وسلوكيات).
  • إن تنمية ثقافة العمل الحر لدى الشباب ترتبط بمجموعة من العوامل الشخصية التى تتعلق بالشباب الراغب فى العمل الحر أنفسهم، مثل: إيمان الشباب الراغب فى العمل الحر بمهنتهم واتجاهاتهم نحوها، التطور المهنى والنفسى لهم، حاجاتهم التى يشبعونها من العمل الحر ودوافعهم للعمل الحر، مواقفهم من المستحدثات والتطورات فى مجالهم.
  • إن المتغيرات المجتمعية التى تطرأ على المجتمع لها تأثير مباشر وغير مباشر على واقع ثقافة العمل الحر لدى أصحاب الأعمال الحرة، ويتمثل تأثيرها غير المباشر فى تداعياتها على الشباب وثقافتهم العامة باعتبارهم أفراد فى المجتمع، وكذلك تداعياتها على المنظومة الاستثمارية والمالية، أما تأثيرها المباشر على ثقافة الشباب الراغب فى العمل الحر فتتمثل فى أوضاعهم المهنية والاجتماعية والاقتصادية.
  • إن مؤشرات الواقع الفعلى لثقافة العمل الحر لدى الشباب وأصحاب الأعمال الحرة تكشف عن ضعف ثقافة العمل الحر بجوانبها المعرفية والوجدانية والمهارية والسلوكية لديهم.
  •  من أبرز المستجدات الاستثمارية التى تبنتها وزارة الاستثمار فى عام 2017 صدور قانون الاستثمثار رقم (72) لسنة 2017، دعم الاستثمار، دعم مناخ الاستثمار، توفير قروض ميسرة وفرص استثمارية للشباب الراغب فى العمل الحر، توفير حوافز للاستثمار، إبداء رغبة القيادة السياسية فى تعديل الاتجاهات والسلوكيات الخاصة بالعمل الحر، العمل على وضع ميثاق أخلاقى للعاملين فى مجال الأعمال الحرة.
  •  إن واقع العلاقة بين المستجدات الاستثمارية وثقافة العمل الحر لدى الشباب يعبر عن ضعف حدوث التكامل المرغوب فيه بين ثقافة العمل الحر لدى الشباب، وبين المستجدات الاستثمارية التى تتبناها وزارة الاستثمار، وينشأ هذا الضعف إما نتيجة للطريقة التى تتبعها السياسة الاستثمارية عن تطبيق المستجدات الاستثمارية أو من خلال عدم توفير المناخ والبيئة المناسبة لتنفيذ المستجدات الاستثمارية.
  1. نتائج تحليل المضمون:
هدف تحليل المضمون إلى تعرّف مقومات ثقافة العمل الحر لدى الشباب من خلال تحليل مضمون السير الذاتية لبعض أبرز وأنجح العصاميين المصريين، وقد أسفر تحليل المضمون عن مجموعة من المقومات التى تندرج فى ثلاثة محاور، كالتالى:
  1. مقومات ثقافة العمل الحر لدى الشباب:
  • المقوم المعرفى لدى الشباب:
    • معرفة راغبى العمل الحر بمفاهيم العمل الحر وأساسياته وقوانينه وتشريعاته والمعرفة الأكاديمية التخصصية فى مجاله.
    • معرفة أساسيات الإدارة والتخطيط ومعايير الجودة.
    • معرفة أذواق المستهلكين ورغباتهم وتفضيلاتهم.
    • معرفة أن من يريد الاستمرار فى مجال عمله لابد أن يداوم على البحث والاطلاع والقراءة ومتابعة المستجدات وأحدث التوجهات.
  •  المقوم الوجدانى لدى الشباب:
    • شغف راغبى العمل الحر بما يريدون عمله أو إنتاجه أو تطويره، أى شغفهم بمهنتهم وعملهم.
    • شعورهم بالولاء والانتماء للمهنة التى يعملون بها.
    • الاعتقاد بجدية وفاعلية برامج التدريب التى يحصلون عليها متى أرادوا.
    • الشعور بالمسئولية الكاملة عن إنجاز الأعمال فى التوقيتات المناسبة وبالمواصفات المطلوبة وبالجودة اللازمة دون رقابة ومتابعة واستعداد لها.
    • الإيمان بأن سوق العمل الحر لا يفتح أبوابه للكسالى والمنتفعين والوصوليين والطفيليين، حيث إنهم كفقاعات الصابون سرعان ما تنفقئ ولا يبقى إلا الأعمال التى اجتهد أصحابها بخطى ثابتة فى ترسيخها وتطويرها وتدعيمها بالعمل الجاد والتفانى والإتقان.
    • الإيمان بأن النجاح من نصيب المجتهدين والجادين والعاملين بصدق وأمانة.
    • الإيمان بأن السلبية واللامبالاة والفهلوة والسمعة السيئة ورداءة المنتج ستتسبب حتماً فى فشل العمل الحر.
    • تنمية الرقابة الذاتية والشعور بالمسئولية لدى العاملين والراغبين فى العمل الحر.
    • الإيمان بأهمية العمل الحر فى خدمة المجتمع وتطوره وصلاحه وتقدمه.
 
  •  المقوم المهارى والسلوكى:
    • الانضباط والالتزام بمواعيد تسليم الأعمال وإنجازها وأهمية التوقيتات فى الأعمال الحرة.
    • أهمية تبادل الخبرات مع أصحاب المهنة الواحدة.
    • استخدام أحدث المعدات والخامات والمكونات المطابقة للمواصفات الصحية والفنية.
    • تنوع البدائل وكثرتها للمحافظة على العمل الحر من الكساد وإتقان عدة أساليب لإنجاز الأعمال.
    • المتابعة المستمرة والتقويم المستمر للمنتج وتحديثه والإضافة إليه أو تجديده أو التخلى عنه حسبما تتطلب ظروف العمل.
    • التواصل مع راغبى الخدمة أو المنتج لمناقشة مشكلاتهم أو معرفة تفضيلاتهم للحفاظ على المستوى المهارى لراغبى العمل الحر.
  1. مقومات بيئة العمل الحر ومُناخه:
  • سيادة الاحترام المتبادل بين العاملين فى مجال العمل الحر جميعهم.
  •  تخفيف بعض القيود الإدارية التى تعرقل سير العمل الحر.
  •  دعم المناخ الاستثمارى تشريعياً ومادياً ولوجستياً ومكانياً وتشجيع التنافسية ومكافحة الاحتكار.
  • وضع قواعد بيانات وإحصائيات متجددة على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى للإلمام بالأنشطة الاقتصادية المختلفة، يتم من خلالها جمع وتحليل البيانات الخاصة بسوق العمل مثل: ساعات العمل والوظائف الرسمية وغير الرسمية وحجم الإنتاجية وتكاليف العمالة فى الوحدات الإنتاجية والمؤشرات الخاصة بالأجور. وكذلك القيام بإعداد شبكة معلومات متكاملة باحتياجات سوق العمل وتيسير الحصول على تلك المعلومات لضمان وصولها للمستفيدين على أن تشمل هذه البيانات معلومات كافية عن خصائص قطاع العمل الحر ومعرفة نوعية العمالة التى يستوعبها.
  1. مقومات سياسة الاستثمار وتشريعاته:
  • إظهار وسائل الإعلام للمستثمرين وأصحاب الأعمال الحرة بصورة تتناسب مع الرسالة السامية والخدمات والمنتجات التى يقدمونها للمجتمع.
  •  نظر العملاء والمستفيدين لأصحاب الأعمال والمقدمين على العمل الحر بنظرة تقدير واحترام.
  •  دعم الدولة ممثلة فى وزارة الاستثمار لدور المستثمرين والمقدمين على العمل الحر فى تنفيذ السياسات الإصلاحية الاقتصادية للدولة.
  • المراجعة الدورية لتشريعات العمل وقوانين الاستثمار المطبقة على المستوى الإقليمى فى ضوء المتغيرات المجتمعية والمستجدات الاقتصادية، وكذلك فى ضوء معايير العمل الدولية والعربية لمعالجة سلبيات التطبيق، واقتراح تشريعات تكفل التطبيق السليم.
  • وضع نظام لمستويات المهارة على المستوى الإقليمى كأساس لترخيص مزاولة المهنة يتمشى مع المستويات الدولية وتستجيب للاحتياجات المهنية والتكنولوجية التى تتطلبها.
  • وضع معايير ومستويات للمهارات المهنية للقطاعات المختلفة متضمناً وضع نظام لمنح الشهادات طبقاً للمستويات الدولية مع إعداد جيل من العمالة المدربة الماهرة على أعلى المستويات العالمية وبناء خريطة للمهارات المهنية الإقليمى بمستوياتها وإعداد المناهج التى تعكس رؤية واحتياجات السوق الاستثمارية وذلك كأساس لوضع نظام إقليمى لترخيص مزاولة المهن المختلفة لا يخضع لأى ممارسات تمييزية على أساس النوع. وفى الوقت ذاته، فإن بناء مستويات المهارة إقليمياً يتيح الاستجابة للطلب فى سوق العمل الداخلى والخارجى ويتيح تسويق العمالة المصرية بنوعيها إلى جانب تحديده للقطاعات الاقتصادية ذات الأولوية بسوق العمل وتحديد المهن والمهارات والمعارف والبرامج التدريبية التى توصل للمستويات المهارية واختبارها.
ثانياً: آليات دعم مقومات تنمية ثقافة العمل الحر والتغلب على المفاهيم الخاطئة:
إن ثقافة العمل الحر هى التى تقود عملية الاستثمار فى الدولة وهى التى تسيّر الأعمال بالصورة المرغوب فيها. وإن الأفكار والاتجاهات والمعتقدات والقناعات والعادات والتقاليد السائدة فى المجتمع بالإضافة إلى بيئة العمل وظروفه ومناخ الاستثمار والتشريعات والقوانين المحفزة له أو المثبطة لعمله تؤثر سلباً أو إيجاباً على توجهات أصحاب العمل الحر والراغبين فيه والقدرة على الاستمرار فى طريقه.
  1. لدى صاحب العمل الحر:
  • فيما يتعلق بالجانب المعرفى:
يمكن للراغب فى العمل الحر أن يعمل على تنمية ثقافته فيما يتعلق بالجانب المعرفى الخاص بالعمل الحر من خلال:
  • الإلمام بمفاهيم وقيم العمل الحر من صدق وأمانة، وإحسان وصبر على سداد الدين وطلاقة الوجه ولين الجانب، وحسن معاملة والسماحة فى البيع والشراء.
  • استحداث برامج تليفزيونية عن مفاهيم العمل من صدق وأمانة وإخلاص وتفانى واحترام العمل، وأنه مهنة الأنبياء والمرسلين، وأن جميع الأنبياء والمرسلين والصالحين كانوا يأكلون من عمل يدهم.
  • يُفضل التخصص الأكاديمى فى مجال المهنة أو العمل الحر، وإذا لم يتمتع الشخص بالدراسة الأكاديمية التخصصية فى المجال، فيمكنه أن يعمل على تنمية نفسه ذاتياً بالقراءة والدرس والاطلاع والبحث.
  • الاطلاع على أمهات الكتب والمراجع الموثوق فيها والكتب العلمية فى المجال المُراد التخصص فيه.
  • الإلمام بمفاهيم التسويق وأساسياته وفنونه وإدارته، حيث إن الكثير من الأعمال الحرة يفشل بسبب الفشل فى التسويق. وهناك من بارت تجارته وكسد سوقه بسبب عدم قدرته على تسويق بضاعته التى أفنى مجهوده وعرقه ووقته وماله فى إنتاجه.
  • الالتحاق بدورات مكثفة فى إدارة الأعمال الحرة، حيث إنها تتطلب معرفة وحنكة ودراية بأساليب الإدارة الرشيدة والناجحة.
  • الاطلاع على الموقع الرسمى لوزارة الاستثمار لمعرفة اتجاهات الوزارة لتطوير الأعمال الحرة أو مراجعة الكتيبات والنشرات الصادرة عن الوزارة بصورة دورية للوقوف على توجهات الدولة فى هذا المجال.
  • الاطلاع على القرارات الوزارية والقوانين والتشريعات الخاصة بالعمل الحر لبناء قاعدة معرفية دقيقة تمكن الراغبين بالعمل الحر أو المؤسسين له من القيام بممارسات مهنية صحيحة.
  • الالتحاق المستمر والدورى بالبرامج والدورات التدريبية المؤهلة والتكميلية للعمل الحر التخصصى.
  • الاطلاع على أحدث المبادرات والمعلومات والأبحاث المنشورة فى المجال التخصصى للعمل الحر.
  •  فيما يتعلق بالجانب الوجدانى:
يمكن للراغب فى العمل الحر أن يعمل على تنمية ثقافته فيما يتعلق بالجانب الوجدانى الخاص بالعمل الحر من خلال:
  • حضور الندوات واللقاءات التعريفية التى تعقد فى وزارة الاستثمار والتى تحث على الالتزام بالصدق وإتقان العمل والإخلاص فيه، وتبرز خطورة الرسالة التى يؤديها أصحاب الأعمال الحرة فى دعم الاقتصاد الوطنى ودعم تقدم الأمة.
  • الإيمان بتجريم الغش والتدليس والسرقة والاحتكار والتطفيف والتهرب من سداد الديون والإساءة للناس وسؤء معاملتهم وعدم السماحة فى البيع والشراء، والتضييق على المديونين، وسجن الناس لضيق ذات اليد وعدم الصبر فى تسديدهم لديونهم.
  • فيما يتعلق بالجانب السلوكى والمهارى:
يمكن للراغب فى العمل الحر أن يعمل على تنمية ثقافته فيما يتعلق بالجانبين السلوكى والمهارى فيما يتعلق بالعمل الحر من خلال:
  • حضور دورات تدريبية فى مجال العمل الحر التخصصى.
  • استخدام الخبرة الشخصية للفرد فى العمل الحر، حيث عليه أن يجرب بنفسه ويتعلم بالمحاولة والخطأ أو يقوم بتنفيذ الأعمال بنفسه لتعرّف مفرداتها وخطواتها والثغرات التى يجب سدها، والمشكلات التى تنتج عن عدم الخبرة أو إساءة الاستخدام أو الاستهتار فى درء المخاطر.
  • متابعة أحدث وسائل الإنتاج أو وسائل التجارة الإلكترونية وتعلمها والتدريب عليها سواء فى مصنع أو مركز تدريب أو كصبى عند أحد العاملين فى مجال التخصص.
  • ضرورة الوقوف على خطوات العمل بدقة بدءاً من أول خطوة حتى صدور المنتج أو حتى التجارة به وإتقان الخطوات جميعها والإلمام بفنياتها.
  • ضرورة التلمذة على يد معلم أو صاحب شركة أو تاجر أو أى متخصص فى المجال، حيث إن المُعلم يُعد أقصر الطرق لتجنب مخاطر ومشكلات المهنة بتواجد المتتلمذ تحت إشرافه ورعايته وعنايته وتقويمه.
  1.  تهيئة بيئة العمل الحر وظروفه ومُناخه لتنمية ثقافة العمل الحر:
  1. بيئة العمل المادية:
  • المكان: أن يكون مناسباً مريحاً فسيحاً.
  •  البنية التحتية والتجهيزات: أن يكون مجهزاً بأفضل التجهيزات وملائماً للعمل المراد القيام به.
  • المال الكافى لإدارة المشروع.
  • توفير المخططات والتقارير واللوائح والإرشادات المنظمة للعمل فى المشروع والموجهة له.
  • أن يكون عدد العاملين مناسباً.
  •  توفير وسائل النقل والمواصلات لمقر العمل.
  1.  بيئة العمل المعنوية:
  •  مقاومة التطوير واستحباب التكرار والتقليد: تنتشر فى الأعمال الحرة التقليد والتكرار حيث يستحسن الناس عدم ارتياد آفاق جديدة غير مضمونة، فتجدهم يقلدون البضاعة الموجودة فى السوق أو يبيعون السلعة نفسها أو يروجون للمنتج نفسه، فتجد على سبيل المثال شارعاً بأكمله يبيع أحذية، وتضطر أن تذهب إلى مكان آخر لتشترى شيئاً آخر دون وجود بضاعة متنوعة تثرى المنطقة التجارية وتعمل على تحفيز التسوق والشراء.
  •  القيم والاتجاهات السائدة: لابد أن تسود قيم إيجابية داعمة للعمل الحر سواء من قبل الدولة نفسها أو من قبل الراغبين فى العمل الحر أو القائمين به.
  • المدرب أو المعلم أو الخبير: دعم مشاركة الخبراء والمدربين والمعلمين المتخصصين فى المجال والاستفادة بخبراتهم ودعوتهم لإلقاء المحاضرات والندوات والاعتراف بفضلهم وبسبقهم وريادتهم والاستعانة بهم فى تطوير أو تعديل أو توجيه العمل.
  •  الدعم المعنوى واللوجستى: توفير التشجيع بتقديم الجوائز المادية والمعنوية لأفضل عامل أو أفضل مستثمر وعمل لوحات وشهادات وحفلات للتكريم. الاهتمام بمراعاة الحالة النفسية فى العمل وتوفير سبل الراحة والترفيه من رحلات وحفلات ودروع وأجازات وعطلات رسمية وغير ذلك.
  •  العلاقة الإنسانية بين رب العمل والعامل: يقوم العمل الحر فى أساسه على العلاقة الجيدة الحسنة المتوازنة بما تتضمنه من احترام متبادل ورحمة ومعالجة للمشكلات من قبل رب العمل وإحسان وإخلاص وتفانى والتعاون والالتزام من قبل العامل. وبدون هذه العلاقة المنسجمة لن يتم إنجاز العمل المراد تحقيقه، وقد يكون ذلك سبباً فى إفساد وتوقف العمل ككل.  بالإضافة إلى الاجتماعات الدورية واللقاءات لمناقشة وجهات نظر كل منهما فيما يتعلق بالعمل ومتابعة المستجدات وحل المشكلات.
  • العلاقة بين الزملاء: انتشار مفاهيم سلبية مثل الأنانية والفردية والاستقلالية وضعف التعاون وحب الظهور والقتل المعنوى للخصم بإشاعة الإشاعات المغرضة والقاتلة، والمعروف أن العمل الحر قائم على السمعة الطيبة لأصحاب العمل الحر، فإذا شاعت عنهم إشاعات سيئة انخفضت إيرادتهم وبارت سلعتهم، وقد يشكل ذلك تهديداً لمنتجاتهم أو تجارتهم أو صناعتهم. لابد من عقد جلسات عصف ذهنى ومناقشات بين الزملاء لمواجهة بعض المشكلات الشائعة بينهم.
  • عقد شراكات وتوأمات وبروتوكولات تعاون مع شركات أخرى وتوسيع مجالات التعاون.
  • توجيه اللوم والعتاب (إنذار) للعامل المقصر أولاً قبل اتخاذ إجراءات قانونية ضده.
  • العمل على رفع مستوى طموحات العاملين المهنية.
  •  التسامج فى الأخطاء البسيطة التى لا تتضمن تداعيات على سير العمل أو أداء العمال.
  • تنمية قدرات العمال والعمل على صقلها والاستماع لهم والإشادة بهم وبأفكارهم المبتكرة والعمل بها.
  • إقامة حفل سنوى لتكريم العمال المثاليين.
  • وحدة البحوث والتطوير: لابد أن يكون هناك بحث مستمر ودؤوب لتطوير العمل وكلما استجدت مشكلة أو طرأت فكرة لابد من البحث العلمى لها وإيجاد طرق علمية فى معالجتها أو تحديثها أو تطويرها، وعلى هذا الأساس يجب إنشاء معامل أو وحدات للبحوث والتطوير بكل عمل حر لتنمية واستدامته.
  1.  تفعيل دور السياسة الاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدنى فى تنمية ثقافة العمل الحر:
للسياسة الاقتصادية للدولة دور كبير فى تنمية ثقافة العمل الحر لدى الشباب وذلك من خلال دور كليات إدارة الأعمال والتجارة والاقتصاد والعلوم السياسية والكليات الفنية والمعاهد والمدارس الفنية والصناعية، وكذلك أصحاب الأعمال الحرة الممارسين للمهن المختلفة، بالإضافة إلى دور المشرعين وواضعى القوانين المختلفة فى تنمية ثقافة العمل الحر لدى الشباب من خلال بعض المهام التى يمكنهم القيام بها لتنمية ثقافة العمل الحر لدى الشباب، ويمكن توضيح ذلك فيما يلى:
  • دعم المناهج والمقررات والأنشطة الدراسية فى المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية على اختلافها لمفاهيم العمل الحر من صدق وأمانة وإحسان وجودة ومبادرة والالتزام بالوقت والمواعيد فى إنجاز الأعمال والمهام الموكلة لأصحابها، والتيسير والسماحة فى المعاملات والصبر على المديونين وتقديم يد العون للغارمين، وعدم تجريم الغارمين وعدم معاملة الغارمين بوصفهم مجرمين يعملون ضد المجتمع فهم مغلوبون على أمرهم ضعفاء يحتاجون مساعدة المجتمع لهم. وذلك بتشكيل ثقافة العمل الحر من خلال الاهتمام بتنمية الجوانب المعرفية والوجدانية والمهارية والسلوكية لهذه الثقافة.
  •  اعتماد آلية مغايرة لآلية السجن للغارمين عن طريق العمل فى مجال آخر أو العمل بالأجرة عند صاحب الدين أو تسديد الدولة للدين وتأجير العامل بديْنه، طالما أن راغب العمل الحر ابتغى العمل الحلال ولكنه لم يوفق، فهو ليس مجرماً قدر ما هو مديوناً.
  •  نبذ سياسة المصادرة والتثبيت وفرض الحراسة والتأميم على أموال الناس الحرة والتى أتت نتيجة كدهم وتعبهم وشقائهم فى تأسيس أعمالهم وليس نتيجة سرقة أو استعمار، فهم مواطنون لهم ما لأبناء الوطن وأولى الأمر من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات، وليسوا مستعمرين يجب مكافحتهم وحربهم بوسائل غير مشروعة. وقد سرد صغار المستثمرين كثيرًا من القصص عن الذين قاموا بزراعة أراضٍ أو استصلاح أراضٍ صحراوية بور أو إنشاء مشاريع ثم قامت الدولة بوضع يدها عليها أو مصادرتها أو استغلالها فى مد طريق بعد أن حصلوا على تراخيص بالشراء وبالعمل وبالإنتاج. وهذا العمل فى رأيى غير مشروع ولا يليق بدولة مؤسسات لها نظم وقوانين، فهذا يليق بشريعة الغاب. وإذا لم يأمن المواطن فى دولته من مكر الماكرين وتلاعب المتلاعبين من كبار المسؤولين فى الدولة فسوف يثنيه ذلك عن الإقدام على أى عمل فيه خير البلاد والعباد طالما أنه مهدد فى أى وقت.
  • إعادة هيكلة القوى العاملة التى لا تقوم بتشغيل الشباب أو على أحسن الأحوال تقوم بتشغيلهم بعد مرور عشرة أعوام أو أكثر بحيث ينسون ما تعلموه، ولا يكونون على دراية بالمستجدات فى مجالهم ولا يصلحون إلا أن يكونوا كتبة أو موظفى أرشيف.
  •  لابد من المزاوجة بين القطاع العام والقطاع الخاص وأصحاب الأعمال الحرة، حيث لابد للدولة أن تمتلك قطاع خاص بها يقع ضمن المنفعة العامة التى لا يجوز التلاعب بها أو المساس بمقدراتها لأنها ملكية عامة تستمر باستمرار بقاء الدولة ولا تنتهى بنهاية حكم أو موت أشخاص. فملكية الدولة للبنية التحتية ووسائل المواصلات والأجهزة الأساسية المسيّرة لمصالح المواطنين لابد أن تقع تحت إشراف الدولة ورعايتها. أما القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الحرة أو الراغبين فيها فهم يقعون تحت مظلة الدولة تشرف عليهم ولكن لا تحد من طاقاتهم وإمكاناتهم.
  • لابد من اهتمام مؤسسات المجتمع المدني كافة بتنمية ثقافة العمل الحر لدى الشباب من خلال دعم نقابة العمال ووسائل الإعلام لذلك. أما عن نقابة العمال لابد من الاهتمام بتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية والتعليمية والتوعوية المختلفة من توفير دورات تدريبية ورحلات ترفيهية وندوات تثقيفية، ومكتبات ونواد وتأمين صحى، وغير ذلك، وفيما يتعلق بوسائل الإعلام، لابد من تضمين البرامج الإعلامية لمشكلات المهن الحرة وطرحها على الرأى العام بصفة مستمرة، وقيام وسائل الإعلام بتقديم أصحاب المهن الحرة بصورة جيدة ومعالجة المظاهر السلبية لهذه المهن.
  • وتظهر مراجعة بخاري (2014) لبعض الدراسات والتقارير التى تناولت الشركات الناشئة من الجامعات اليابانية أن نجاح هذه الشركات يعتمد على (14) عاملاً، ومنها: القدرة على تشكيل شبكة من العلاقات الخارجية التى تضمن توفير خدمات الدعم اللوجستى Logistic Support، والقدرة على استقطاب رؤوس الأموال، ومراعاة الفروق الفردية بين طالبى الخدمة، والقدرة على ضمان التعاون مع الجهات الحكومية وغير الحكومية الداعمة للتنمية الصناعية، والقدرة على التقييم المناسب لأداء الشركة، والقدرة على المرونة فى البنية المعلوماتية، والقدرة على اكتساب الدعم الاجتماعى للشركة الناشئة.
  • دعم مشروع المدرسة المنتجة وتعميم تطبيقها على المدارس المصرية جميعها ابتداءً من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوى.
  • لابد من دعم الجوانب المعرفية والوجدانية والسلوكية والمهارية للطلاب من خلال تضمين المناهج والأنشطة لتلك الجوانب وتشجيع أعمال الطلاب التطوعية والإنتاجية ومشاركتهم فى تحسين الحياة المدرسية.
  • التركيز على المهارات الأساسية للأعمال الحرة وتبسيط الإجراءات القانونية، والرسمية الخاصة بإنشاء أعمال حرة.
مراجع الدراسة
أولاً: المراجع العربية:
  1. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (1999). لسان العرب. ج18، بيروت: دار إحياء التراث العربى.
  2. أبو سيف، محمود سيد على (2016). إستراتيجية مقترحة للتربية لريادة الأعمال بالتعليم قبل الجامعى المصرى فى ضوء بعض الاتجاهات المعاصرة، التربية، ع167، ج2، جامعة الأزهر، مصر، ص ص 11-76.
  3. أمين، جلال أحمد (1983). الانفتاح الاقتصادى على إسرائيل ومستقبل الاقتصاد المصرى. فى المؤتمر العلمى السنوى الخامس للاقتصاديين المصريين (رؤية مستقبلية للاقتصاد المصرى فى ظل التطورات العالمية والإقليمية)، مصر، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، 123-154.
  4. أنيس، إبراهيم؛ منتصر، عبد الحليم؛ الصوالحى، عطية؛ أحمد، محمد خلف الله (2004). المعجم الوسيط، ط4، مصر، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية.
  5. بدوى، أحمد ذكى (1993). معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت، مكتبة لبنان، ص 323.
  6. بدوى، محمد طلال (2010). موسوعة العمل الحر Freelance، www.badwi.com.
  7. التابعى، مروة طلعت (2010). الصناعات الصغيرة وثقافة العمل الحر فى ظل تداعيات الأزمة العالمية (دراسة ميدانية بإحدى قرى محافظة الدقهلية). مجلة كلية الآداب بجامعة المنصورة، ع47، مج2، ج3، ص ص196-275.
  8. تقرير التنمية البشرية (2015). التنمية فى كل عمل. برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، ص ص1-50.
  9. جزارين، عادل إسماعيل (2006). لقطات من حياتى مع الصناعة المصرية. القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية.
  10. الحسينى، عزة أحمد محمد (2015). تعليم ريادة الأعمال بالمدرسة الثانوية فى كل من فنلندا والنرويج وإمكانية الإفادة منها فى مصر. دراسات تربوية واجتماعية، مج21، ع3، مصر، 1253-1301.
  11. دافيز، إيريك (2009). ترجمة عبد الغفار، هشام سليمان. طلعت حرب وتحدى الاستعمار: دور بنك مصر فى التصنيع 1920 – 1941. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، ص ص1-239.
  12. دندراوى، محمد سيد عباس (2011). "دراسة تحليلية لبرامج مراكز الشباب لتعديل اتجاهات الشباب بلا عمل نحو العمل الحر: دراسة مطبقة على مراكز الشباب بمدينة قنا"، دكتوراة، قسم خدمة الجماعة، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان.
  13. زيدان، عمرو علاء الدين (2010). العوامل المؤثرة فى تكوين السمات الريادية لدى طلاب الجامعات المصرية، المجلة العربية للعلوم الإدارية، ع1، مج17، الكويت، ص ص 29-67.
  14. زيدان، عمرو علاء الدين (2010). دراسة ميدانية مقارنة للتوجهات والدوافع الريادية بين الطلاب والطالبات فى الجامعات المصرية. المجلة العربية للعلوم الإدارية، مج17، ع3، الكويت، ص ص447-485.
  15. سالم، نادية (1983). إشكاليات استخدام تحليل المضمون فى العلوم الاجتماعية، مجلة العلوم الاجتماعية، الكويت، ص ص 43-59.
  16. سعد الدين، إبراهيم؛ يسن، محمد حسن؛ إدريس، على؛ جزارين، عادل إسماعيل (1984). الصناعة المصرية بين الحماية والمنافسة. مجلة المدير العربى، ع86، مصر، 7-26.
  17. سليمان، على عبد العزيز (1991). رواد الصناعة: دراسة عن رجل الصناعة المصرى المعاصر: نشأته، تكوينه وأسلوب إدارته. القاهرة، عالم الكتب، 1-232.
  18. السيد، لمياء محمد أحمد وإبراهيم عبد الفتاح محمد (2014). سياسات وبرامج التعليم الريادى وريادة الأعمال فى ضوء خبرة كل من سنغافورة والصين وإمكانية الإفادة منها فى مصر. دراسات عربية فى التربية وعلم النفس، ع53، السعودية، 275-349.
  19. شاهين، محمود (2012). الثقافة بين المفهوم وسيرورة التجربة. المجلة الثقافية، ع82، الأردن، 55-65.
  20. شحاتة، حسن والنجار، زينب (2003). معجم المصطلحات التربوية والنفسية. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.
  21. شحاتة، صفاء (2013). تنمية جدارات سوق العمل لدى المتعلمين فى مؤسسات التعليم العالى من خلال سياسات وبرامج ريادة الأعمال: رؤية إستراتيجية. دراسات تربوية واجتماعية، مج19، ع4، مصر، 33-208.
  22. صالح، أحمد على (2013). "دراسة استطلاعية لخصائص الرياديين العرب فى بعض البلدان العربية وأثرها فى تحديات التنافسية العالمية"، المجلة العربية للإدارة، مج 33، ع 2، المنظمة العربية للتنمية الإدارية (مصر)، ص ص 163-191.
  23. الصندوق الاجتماعى للتنمية (2008). تعميق فكر العمل الحر، القاهرة، الصندوق الاجتماعى للتنمية، ص18.
  24. العربى، محمود (2015). سر حياتى (حكاية العربى). إعداد وصياغة: خالد صالح مصطفى، القاهرة، دار نهضة مصر.
  25. عامر، عبد السلام عبد الحليم (1993). الرأسمالية الصناعية فى مصر من التمصير إلى التأميم 1957-1961، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  26. عبد الحميد، طلعت (1986). أسلوب تحليل المضمون وحدوده المنهجية، التربية المعاصرة، ع4، مصر، 405-415.
  27. عبد الرحمن، أحمد عاطف (2005). "مشكلة التعثر: كيف بدأت ومع من وما هو السبيل للخروج منها"، مجلة المال والتجارة، ع 240، مصر، ص ص 2-4.
  28. عثمان، عثمان أحمد (1981). صفحات من تجربتى، ط2، القاهرة، المكتب المصرى الحديث.
  29. على، عزيزة سلام جاب الله (2009). دور مراكز الشباب فى نشر ثقافة العمل الحر بين الشباب: دراسة مطبقة على مراكز الشباب بمحافظة القاهرة، ماجستير، قسم التخطيط الاجتماعى،  كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان.
  30. على، فاطمة كمال أحمد (2008). "برنامج فى نشر ثقافة العمل الحر لدى طالبات شعبة الاقتصاد المنزلى بكليات التربية وقياس فاعليته"، مجلة كلية التربية بالإسماعيلية، ع11، ص ص 189-218.
  31. فلية، فاروق عبده والزكى، أحمد عبد الفتاح (2004). معجم مصطلحات التربية لفظاً واصطلاحاً. الإسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
  32. فيريول، جيل (2011). معجم مصطلحات علم الاجتماع. ترجمة وتقديم أنسام محمد الأسعد. بيروت: دار ومكتبة الهلال.
  33. فريدمان، جورج؛ نافيل، بيار (1985). رسالة فى سوسيولوجيا العمل. بيروت، منشورات عويدات.
  34. قانون الاستثمار رقم (72) لسنة 2017. إعداد ومراجعة أنور، أسامة. القاهرة، دار العربى للنشر والتوزيع.
  35. القصاص، مهدى محمد (2008). العمل الحر لحل مشكلات الشباب (دراسة ميدانية). بحث مقدم فى ندوة علم الاجتماع وقضايا العمل والبطالة فى ظل العولمة 17-18 مارس 2008، قسم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة طنطا، ص ص1-26.
  36. كامبوشنير، دونيز (2010). ترجمة حيمر، جمال. "مفهوم الثقافة"، مجلة علامات، ع 34، المغرب، ص ص 81 – 84.
  37. مبروك، جمعة على عبد العزيز (2016). "دراسة تحليلية لدور المشروعات الزراعية الصغيرة فى توفير فرص العمل فى محافظة الجيزة"، ماجستير، قسم الاقتصاد الزراعى، كلية الزراعة، جامعة عين شمس.
  38. المجلس الوطنى المصرى للتنافسية (2017). "وضع مصر التنافسى فى 2016/2017 ثبات نسبى ومزيد من التحديات". www.encc.org.eg
  39. محمد، رنا محسن محمد (2014). "التخطيط لتدعيم ثقافة العمل الحر لدى الشباب الجامعى"، ماجستير، قسم التخطيط الاجتماعى،  كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان.
  40. محمد، رؤوف عباس حامد (1967). الحركة العمالية فى مصر (1899-1952). مكتبة الكتب العربية، القاهرة.
  41. محمد، هبة سمير عبد التواب (2010). تطور العلاقة بين السلطة والرأسماليين فى المجتمع المصرى: تحليل سوسيولوجى لأثر التحولات الاقتصادية والسياسية بدءاً من السبعينيات وحتى الآن. رسالة ماجستير، قسم علم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة حلوان.
  42. مراد، محمد على عبد المنعم (2012). "العمل الحر وآليات مواجهة الفقر: دراسة ميدانية لعينة من خريجى التعليم الجامعى فى مصر"، ماجستير، قسم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة حلوان.
  43. منظمة العمل الدولية (2017). العمل اللائق فى مصر، نتائج عام 2016. القاهرة: منظمة العمل الدولية، ص ص1-34.
  44. مهناوى، أحمد غنيمى (2014). دور التعليم الثانوى الفنى المزدوج فى إكساب طلابه ثقافة ريادة الأعمال لمواجهة مشكلة البطالة فى مصر. دراسات عربية فى التربية وعلم النفس، ع52، السعودية، ص ص313-361.
  45. حطاب، هلا (2013). تقرير ريادة الأعمال بمصر 2012، المرصد العالمى لريادة الأعمال، الجامعة البريطانية بالقاهرة.
ثانياً: المراجع الأجنبية:
  1. Aman Allah, Mehdi and Nakhaie, Hamid (2011). Entrepreneurship and Risk-Taking. IPEDR, International Conference on E-Business, Management and Economics, Singapore, 25, 77-79.
  2. Chi Omar, Che Mohd Zulkifli and Nor Azmi, Nurdiana Mohd (2015). Factors Affecting the Success of Bumiputera Entrepreneurs in Small and Medium Enterprises (SMEs) in Malaysia, International Journal of Management Science and Business Administration, 1(9), 40-45.
  3. Chowdhury, Mohammed S.; Alam, Zahurul; Arif, Md. Ifttekhar (2013). Success Factors of Entrepreneurs of Small and Medium Sized Enterprises: Evidence from Bangladesh. Business and Economic Research, 3(2), 38-52.
  4. Council of the European Union (2014). Conclusions on Promoting Youth Entrepreneurship to Foster Social Inclusion of Young People, Education, Youth, Culture and Sport Council Meeting, Brussels, 1-6.
  5. Debyser, Ariane (2013) Promoting Entrepreneurship through Education, Briefing, European Parliamentary Research Service, European Union, 1-6.
  6. Lauzikas, Mindaugas and Mokseckiene, Rasa (2013). The Role of Culture on Enterpreneurship in Lithuania, Social Research, 2(31), 55-69.
 
 
  1. Mansor, Mazura and Othman, Norasmah (2011). CoBLAS: Inculcating Entrepreneurial Culture among Higher Education Institutions’ Students, International Journal of Social Science and Humanity, 1(1), 86-91.
  2. Martins, Susana; Couchi, Catherine; Parat, Laisely; Federico, Carmine; Doneddu, Roberto; Salmon, Maureen (2004). Barriers to Entrepreneurship and Business Creation, European Entrepreneurship Cooperation, The Community Initiative EQUAL, European Comission, European Social Fund.
  3. Sabbarwal, Sherry (2010). Factors Affecting New Venture Creation: A Study in the Indian Scenario. International Journal of Business and Management Studies, 2(1), 81-88.
  4. Stefanovic, Ivan; Prokic, Sloboda; Rankovic, Ljubodrag (2010). Motivational and Success Factors of Entrepreneurs: the Evidence from a Developing Country, Zb. Rad. Ekon. Fak. Rij., 28(2), 251-269.
  5. Tiago, Teresa; Faria, Sandra; Couto, Joao Pedro; Tiago, Flavio (2015). Fostering Innovation by Promoting Entrepreneurship: From Education to Intention, International Conference on Strategic Innovative Marketing, IC-SIM, Madrid, Spain, Procedia-Social and Behavioral Science, 175, 154-161.

المزيد من الدراسات