الرئيسيةأعداد المجلة تفاصيل الدراسة

الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار

مقدمـة:   
          حملت الألفية حركة جديدة تدعو إلى تحقيق ما يسمى بـ "السلام الدينى العالمى لحل الصراعات"*، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة الفقر العالمى.
          "فمن خلال الحوار الخدمى للأديان الإبراهيمية يمكننا خلق مجتمع عالمى نابض بالحياة ومتنوع يحتوى جميع الأجيال" - رؤية معهد كوفمن للعقائد المتشابكة بجامعة جراند فالى بالولايات المتحدة الأمريكية- (Kaufman Interfaith Institute,  2017 )   انطلاقا من هذه العبارة  تقدم هذه الورقة البحثية طرحا لمتغير جديد بحقل السياسة الخارجية اعتبر مدخلا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويمتد أثره كمحرك للمتغيرات الداخلية "المجتمعية" التى تستخدمها الدول، إما للمحافظة على الجوانب المرغوب فيها فى البيئة الدولية أو لتغيير الجوانب غير المرغوب فيها وفقا "لجيمس روزينوه". (سليم ،1998، 8)
وتؤكد الدبلوماسية الروحية على القيم الدينية المشتركة التى يرى الاقتصاد الأخلاقى، واقتصاد الهوية إنها من أهم عوامل تفسير السلوك الاقتصادى للإنسان، وتعتبر النظريات التقليدية قد فشلت فى القضاء على الفقر وتفسير اختيارات الإنسان بسبب إغفال الانتماءات والقيم والمعتقدات التى تحرك الفرد، حتى أن البعض اعتبر الفشل فى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بسبب عدم الأخذ فى الاعتبار هذه المتغيرات، وأن هذا الفشل قد يكون حليفنا بشأن أهداف التنمية المستدامة إذا استمر هذا النهج فى المقابل. ومن ثم يتم طرح الدبلوماسية الروحية كمدخل – مزعوم - لسد هذه الفجوة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والقضاء على النزاعات ومسبباتها وإشاعة السلام العالمى.
وأيضًا من جانب علم السياسة كان لهذا التوجه عدد من الإرهاصات كبدء الحديث عن فكر مغاير لفكر المدرسة الواقعية التى لا تعطي وزنا لعامل الدين داخل الحياة السياسية، حيث ظهر مصطلح faith based political action أى "الفعل السياسى المستند على الإيمان"، وغالى البعض بوصفها عاملاً محركًا أو تابعًا فى تفسير السياسة الخارجية (McDougall, 1999)، وبدأ فى هذا الصدد مأسسة التوجه فظهرت مؤسسة  ترتكز على الفكر الإيمانى faith based organizations، ومع مرور الوقت ظهر الحديث عن دور حوار الأديان فى السياسة الخارجية، كمدخل تمهيدى لظهور مفهوم الدبلوماسية الروحية كمتغير خارجى تستغله بعض الدول للتأثير لتغيير مقدرات القوى لصالح حل النزاع والصراع، وبناء ما يسمى بالسلام الدينى العالمى عبر المشترك بين الأديان السماوية، وترجمته سياسيا لينتقل على الخريطة السياسية لحل النزاعات التى ستؤثر بدورها على مقدرات التنمية المجتمعية، وتسهم فى تحقيق تنمية مستدامة داخل الدول.  
          ومن ثم يمثل هذا الطرح توجههًا يجمع جوانب متعددة، فلا يمكن النظر إليه من منظور علم واحد، فهو تأكيد على تعددية نظم العلوم Multidisciplinary Approach، فهذا الطرح الجامع بين بعدى السياسة والعقائد والأديان يتم توظيفه اقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وله تأثير على البيئة والنوع الاجتماعى – كما سيتضح - للوصول إلى ما يسمى بالسلام الدينى العالمى.*
          والجديد فى هذا الطرح الغربى تغير رؤية الغرب للحديث عن الأديان فلم تعد النظرة أحادية للدين باعتباره مسببًا للصراع – وفقا لهم - ولكنه أصبح ينظر إليه باعتباره - أيضا - مصدرًا للحل، وهذا الحل سيساهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وفقا لرؤية البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، عبر الدعوة إلى خلق سلام دينى عالمى ينادى بحل النزاعات والخلافات السياسية الدولية والإقليمية، من خلال منهج قائم على توظيف القيم المشتركة بين الديانات السماوية فى إطار طرح جديد تحت مسمى "الديانات الإبراهمية أو الدين الإبراهيمى العالمى" بنهج مغاير عما هو مألوف ومتعارف عليه فى القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، ومن خلال فاعلين جدد ووسائل مستحدثة.
ويضمن هذا النهج – وفقا لهذا التيار- أشكالاً مغايرة من الحوارات العالمية، يمكن أن نطلق عليها مسمى "الحوار الخدمى"، والذى يهدف إلى خلق خدمات ملموسة مصاحبة للدبلوماسية ترفع من معدلات التنمية ليحقق تعاطفا عالميا مشتركا نحو المصير الإنسانى المشترك، من خلال قيم الحب والتسامح التى تدعو لها الأديان، والعمل على حل النزاعات عبر دمج القادة الروحيين مع الدبلوماسيين والساسة فى ساحات مشتركة للحوار تعرف بدبلوماسية المسار الثانى. ويشارك هؤلاء القادة الروحيون فى حل النزاعات وفقا للقيم المشتركة، وإعادة تفسير النص وترجمته سياسيا على الخريطة السياسية العالمية، والإقليمية؛ لنشر السلام بعد حل الصراعات الممتدة، خاصة ذات الأبعاد الدينية المتشابكة. وهذه الحلول سيتم التوصل لها بشكل مشترك مما يضمن قوتها لتكون مستقبلاً مركزا ونواة للحوكمة السياسية الرشيدة فى العالم.
بعنى آخر تقدم الدبلوماسية الروحية كمبادرة جديدة للتأثير على دوائر صنع القرار، وتشكيل السياسة الخارجية لتحقيق سلام دينى عالمى مشترك يدعمه ويطرحه أنصار الأديان السماوية ومراكز صنع القرار عالميًا كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة المرغوبة محليًا ودوليًا.
لكن ما تحاول الورقة إثباته هو التعرف على جدية، وحقيقة هذا الطرح المقدم،
هل هو بالفعل مدخل جيد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
هل سيتحقق من خلاله السلام الدينى العالمى؟
هل هذا الطرح جيد وسيؤدى إلى حل النزاعات ومسببتها؟
أم يكمن بداخله مخاطر أخرى، ما هو دور صانع القرار المصرى؟ والسياسات التى يمكن طرحها على صانع القرار للمجابهة والتأهب ونشر الوعى.
وفى هذا الخصوص، نود التأكيد على أن هذه الورقة لا تتناول المعتقدات الدينية أو محاولة تأويلها، ولكنها ترصد لحركة، وتوجهات، وأطروحات، يتنامى الاهتمام بها على الساحة الدولية، بل وهناك محاولات لتطبيقها على أرض الواقع كما سيتضح لاحقا. من هذا المنطلق جاء اختيار الباحثة لمثل هذه القضية.
وتجدر الإشارة أنه فى إطار القيام بعملية البحث وإجراء مقابلات الدراسة، واجهت الباحثة العديد من مواقف الرفض والخوف من التعاطى مع هذا الطرح، مما جعل القضية تعكس أهمية لتناولها وطرقها كى لا تظل مجهولا للباحث والقارئ، وصانع القرار. وقد أجرت الباحثة عددًا من المقابلات الحرة مع علماء الاجتماع، والدبلوماسيين، ورجال الدين بهدف استيضاح أبعاد المفهوم والقضية. وطبقت الباحثة منهج تحليل السياسات القائم على رصد المشكلة فى إطار تناول المفهوم والمفاهيم المتداخلة معه لتسليط الضوء على القضية، والجهد المبذول دوليًا فى هذا السياق، والوصول إلى عدد من السياسات الممكن طرحها أمام صانع القرار.
فى ضوء ما سبق، ينقسم البحث بدوره إلى ثلاث أقسام رئيسة:
القسم الأول يتناول الدبلوماسية الروحية بين الدبلوماسية العامة، وأهداف التنمية المستدامة.
والقسم الثانى يتناول مفهوم الدبلوماسية الروحية ومقومات المفهوم ومأسسة المفهوم دوليًا وعلى مستوى الحكومات، والمستوى القاعدى (المنظمات والأكاديميات).
والقسم الثالث يتناول سياسات مقترحة أمام صانع القرار.
القسم الأول: الدبلوماسية الروحية بين الدبلوماسية العامة وأهداف التنمية المستدامة:
عند الحديث عن الدبلوماسية الروحية قد يقدح الذهن تساؤلاً حول مساحات الجديد فى هذا الطرح، وأن الدين لم يكن بعيدًا عن حقل السياسية أو الدبلوماسية قبل هذا الطرح، وهذا رأى صائب تماما فدور الدين داخل السياسة الخارجية أمر لم تستحدثه دبلوماسية الروح؛ وأنما طريقة تطويعه هى الأمر الجديد فى هذا الطرح. فرغم مادية المدرسة الواقعية التى لا تعطى وزنًا للأديان داخل مسار الحياة السياسية، والتى سيطرت على فكر الولايات المتحدة الأمريكية لعقود )عبد الشافى، 2011)، ظهرت تيارات أخرى ترى أن الدين يلعب دور فى السياسة الخارجية كمتغير مستقل أو كمتغير تابع، فيكون مستقلاً حينما يؤثر فى اتجاهات وسلوك معتنقيه لتبنى مواقف سياسية معينة؛ فمنذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضى ظهر تيار من المحللين والساسة ينظر للدين كمحرك رئيسى حاكم فى العلاقات الدولية، وتفسير السياسة الخارجية للدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن البعض أصبح يفسر الدور الأمريكى فى العالم من منطلق الدين؛ كمحرك ومبرر ومفسر مثل   Andrew J. Rotter - عضو مجتمع المؤرخين للسياسة الخارجية الأمريكية. (Rotter, 2017)، وهناك تيار من الساسة يتحدث عن أهمية الدين فى صنع السياسة الخارجية فى الوقت الراهن؛ من بينهم "مادلين أولبريت" – وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأسبق - التى ترى أن عالم بدون دين أمر غير مناسب فهو الجحيم بعينه، بل إن على الدبلوماسيين الأمريكان أن يفكروا بشكل أوسع حول دور الدين فى السياسة الخارجية، وبالتبعية فى اختيار الخبراء المعاونين لهم. (Albright, 2017)
ويظهر كمتغير تابع حينما يستخدم فى تبرير السلوك السياسى، أى يوظف لخدمة السياسة الخارجية. )أبو العلا أحمد، 2015، 40: 45( وهذا يتفق مع المفهوم الروسى للدبلوماسية الدينية، حيث يستخدم كأداة لتحقيق المصلحة الوطنية باعتبار أن الدين من أدوات السياسة الخارجية الدولية كقوى ناعمة، لذلك يتم التعاون بين الدولة والكنيسة الروسية فى إطار المصلحة الوطنية البرجماتية للدولة الروسية، وتوظيف الأنشطة الدينية للكنيسة والمؤسسات الدينية الأخرى لخدمة الأهداف العليا الروسية (Curanović, 2012) ومن التجارب التى قطعت شوطا فى هذا السياق أيضا؛ تجربة المملكة المغربية، ودولة السنغال فهما يشتركان فى استخدام الطريقة الصوفية بالمغرب (الطريقة التيجانية)، والطريقة المريدية بالسنغال (إحدى الطرق الصوفية الإسلامية)؛ )إفريك، 2017(  كذلك الحال بالنسبة للدبلوماسية الإسلامية منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التى دافعت عن المصالح العليا للعالم الإسلامى وبلورها الآن منظمة التعاون الإسلامى. )التويجرى، 2009) ويظهر جليًا دور الأزهر الشريف والكنيسة المصرية فى هذا السياق فهما أحد أدوات القوى الناعمة المصرية.
وظهر على أجندة السياسة الخارجية مفهوم حوار الأديان - خاصة - بعد حقبة الحرب الباردة كمصطلح يُشير إلى التفاعل، والبناء الإيجابى بين الناس من تقاليد دينية مختلفة، ومعتقدات روحيّة، وإنسانيّة سواء كان ذلك على مستوى الفرديّة، والمؤسسيّة، حيث يتم خلاله تعزيز التفاهم بين الأديان أو المعتقدات المختلفة لزيادة قبول الآخر. (العقلة، 2017)
وفى هذا السياق، تم تنظيم سلسلة من المؤتمرات التى شغلت العديد من الساسة والمحللين، وفى إطار تسييس القضية تم النظر إليها من منطلق إدارة الصراعات الدولية؛ ففى عام 2001 أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا بعنوان: تجاوز الإنقسام، وحوار الحضارات، وتوصلت إلى دور حوار الأديان فى ترسيخ التعاون الإقليمى، وخلق مشترك بين الدول التى تختلف فى سياستها الوطنية التى تعلى من مصلحتها القومية على أية اعتبارات أخرى. من منطلق أن حوار الأديان يمكن أن يقلل من تكلفة إدارة الصراعات، ويزيد من الجوانب الإيجابية الكامنة؛ لأنه سيشمل البنى التحتية فى المجتمعات الوطنية كمؤثر على الساسة أى التواصل مع الرأى العام العالمى، ويزداد المردود إذا كان للبعد الدينى دور فى نشأة الصراع. (عبد الشافى، 2017)، وكان مدخل حوار الأديان بوابة لتطوير مصطلح الدبلوماسية الروحية القائمة على تحويل حوار الأديان إلى خدمات يتم تقديمها بهدف بناء جسور تربط بين الشعوب؛ كمكافحة الملاريا وحملات الإغاثة  فلم يعد دور الأديان إدارة للنزاع أو الصراع، وإنما فاعل على الأرض لخلق سلام دينى عالمى. (Chane, & Keiswetter, 2016)
ومن ثم يتضح أن طرح الدين ليس بالجديد عن العمل السياسى وربطه بالروح التى مصدرها الله - عز وجل - بهدف  تحقيق أهداف الدولة من خلال مخاطبة العقائد والتقاليد الدينية التى تمس القلب، وتعتبر معيار التمييز والمحك للحكم على الأمور، بل ومصدر كينونته وفقا لأفلاطون (العالم الجديد، 2017). فالروحانيات هى إعادة تشكيل النفس البشرية التى تهدف إلى معالجة حالة الإنسان، وصورة الله، طبقاً لهذا التعريف، فإن إعادة التهيئة موجهة نحو القالب. أى أنها تتعلق بسياسات تمس القلب والشعور، وتحظى بالقبول والدعم الداخلى. (Wolfteich, 2011)، ومن ثم يمثل هذا الربط الضمان لخلق الأتباع والمؤيدين لها نفسيا بل وتشكيل رأى عام داعم ومساند لها.
وسيتضح الفارق عند التعرض لمفهوم الدبلوماسية العامة بمعناها المتعارف عليه تمهيدا للوقوف على مواطن الاختلاف الذى تقدمه الدبلوماسية الروحية. لكن قبل التطرق إلى مفهوم الدبلوماسية العامة. تقتضى الإشارة إلى استخدام الدبلوماسية الروحية كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة لضمان الدعم الدولى لهذا الطرح كما سيتضح.
من هنا سينقسم هذا الجزء إلى قسمين يتناول الأول الدبلوماسية الروحية كمدخل للتنمية المستدامة، والثانى يقدم مفهوم الدبلوماسية العامة كمفهوم مرتبط للتمهيد لفهم المبادرة الجديدة والاختلاف عن الطرح التقليدى لها.
  1. الدبلوماسية الروحية رافعة للاقتصاد الأخلاقى وأهداف التنمية المستدامة:
إن ربط الطرح المقدم لعلاقة أهداف التنمية المستدامة بالدبلوماسية الروحية لا يمكن النظر إليه فى معزل عن التطور الحادث فى علم الاقتصاد الذى يعطى للأخلاق والقيم دورًا فى تفسير ما عجزت عنه النظريات الاقتصاددية التقليدية.
فقد ظهر تيار يرى أن النظريات الاقتصادية التقليدية لم تعد قادرة على تفسير سلوك الإنسان وتفضيلاته، أو أنها لم تستطع خلق مصلحة عامة Common Good داخل المجتمعات، كما عجزت عن القضاء على الفقر، وهو الإخفاق الذى يعزوه البعض إلى غياب البعد الأخلاقى، أو عدم مراعاة اعتبارات الهوية والقيم الحاكمة (Akerlof & Kranton, 2011)* (Bowels, 2016)، فى المجتمعات، كما يرجع أيضا لعدم الأخذ فى الاعتبار القيم الروحية التى تنادى بها الديانات المختلفة. وفى هذا الخصوص يشير "كمران مفيد" - مؤسس مبادرة العولمة من أجل تحقيق المصلحة العامة - أن السياسات النيوليبرالية قد فشلت فى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية – MDGs والقضاء على الفقر، وستفشل - إذا استمرت فى هذا النهج - فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 – SDGs بسبب مغالاتها فى الفردية وتركيزها على تحقيق المصلحة الشخصية وتعظيم الربح. ويقدم طرحا آخر مغايرا يرى أن الاقتصاد لابد أن يكون قائما على الروحانية، والتعاطف والقيم الأخلاقية، والعدالة الاجتماعية التى نصت عليها الأديان السماوية، حيث تتفق جميعها فى مراعاة العدالة الاجتماعية مقابل النفعية الاقتصادية واحترام الكرامة الإنسانية والتضامن المشترك. وهذه الأديان لا تنفصل إنما تتداخل وتتشابك معًا فهى أساس تحقيق المصلحة العامة؛ تحدد كيف نعمل معا ومع بعضنا البعض خاصة من الفقراء والفئات الأكثر احتياجا، فبناء المصلحة المشتركة هى الأساس الذى ترسخه هذه الأديان. هذا مقابل النظام الاقتصادى القائم الذى خلق فجوة اقتصادية كبيرة طغت على الالتزامات الاجتماعية، وعملت على تكريس الفقر، فلم يكن "آدم سميث" يعى أن أخلاق السوق ستعم وتسود أخلاقيات المجتمع. فالمشكلة الحالية ليست اقتصادية أو تكنولوجية – وفقا له - وإنما غياب الروحانيات والاخلاق عن الاقتصاد. وعلى ذلك يرى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة ستتأتى عبر دمج البعد الروحانى داخل علم الاقتصاد، ومراعاة العدالة الاجتماعية عبر شمول وتعاون مختلف دول العالم التى تؤمن بقيمة الحب، وتعلى من أهمية الحياة، والعمل المشترك معًا، ومن ثم سيصبح العالم أكثر حرية وليبرالية وأكثر مراعاة لحقوق الطبيعة، ووضع الموارد الطبيعية، عالم يسوده السلام ويتجه بعزم نحو القضاء على الفقر ونصرة الضعفاء والفقراء. (Mofid, 2015)، ومن ثم فإن الحديث عن الروحانيات أو الأخلاق والقيم أمر مطروح بين علماء الاقتصاد، وهو يدور فى الأساس حول دورها فى تحسين فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فكل منهما يؤكد على المشترك والروابط المشتركة بين الشعوب للعيش المشترك وأهمية الشمول Inclusiveness أى شمول مختلف الطوائف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وجميع دول العالم الفقيرة والغنية، وأهمية انتقاء القادة الدينيين الذين يمكنهم أن يشاركوا فى رفع راية التنمية فى العالم، فليس كل رجل دين مناسبًا مؤهلاً لذلك، وهذا ما تطلق عليه الدبلوماسية الروحية بالقادة الروحيين. ويعمل كلاهما على علاج مسببات الفقر والقضايا التى تسبب النزاعات، وتمثل تحديا للتنمية المستدامة، كاللامساواة والاستيعاب الاجتماعى وحقوق الإنسان والتطرف، عبر أجندة أكثر رحابة واتساعا تشمل الروابط المتكاملة بين الأفراد والأرض، والماء، والهواء، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والبنية التحتية للحياة. ويعتبر أنصار الدبلوماسية الروحية أنها تمثل مدخلا لتحقيق التنمية المستدامة كى لا تكون حكرا على المنظور العلمانى للطرح، وإنما تعبر عن مدخل جديد لمواجهة تحديات التنمية المستدامة عبر الجمع بين الأديان، بل وتقديم ضمانة للعاملين فى حقل التنمية من خلال اقترابهم من رجال دين مختارين بعناية قادرين على العمل على الأرض.
من هنا، ينظر البعض  للدبلوماسية الروحية باعتبارها رافعة ضرورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر - SDGs، والتى يمكن تجاوزا - بشكل تحكمى من الباحثة* - تقسيمها إلى ستة محاور رئيسة (مكافحة الفقر، الاستدامة الصحية، التعليم، الاستدامة البيئية، النوع الاجتماعى وتحقيق المساواة، السلام وبناء الشراكات الدولية):
  • مكافحة الفقر (الأهداف أرقام 1، 2، 8، 9،12): تقوم الدبلوماسية الروحية على التقارب بين أنصار الديانات السماوية للاتفاق حول المشترك، ومن ثم يمكن ان تساهم فى مكافحة الفقر عبر: (Ethics in Action Working Group, 2016)
  • إعداد دليل حول القيم المتفق عليها التى تؤيد عمل التنمية المستدامة والنصوص الدينية المؤيدة التى توضح القيم الدينية المشتركة، التى تتكامل معا لدعم البشرية وتحقيق الاستدامة، والوصول إلى ميثاق نحو "القيم الفضلى" لدعم الالتزام نحو تحقيق التنمية المستدامة والالتزام باتفاق باريس لتغير المناخ.
  • التوافق حول قيمة العمل والإنتاج ودفع عجلة التنمية الصناعية، عبر الدمج بين القادة الروحين الذين يعملون على خلق المشترك الروحى المحفز للعمل، والساسة الذين يترجمونها فى شكل سياسات اقتصادية على الأرض، كما أن دعم المنظمات الدولية لمثل هذا النهج سيسرع من عجلة التنمية الصناعية عبر توفير التمويل اللازم.
  • بناء رأس مال اجتماعى من القيادات الروحية والأخلاقية للمشاركة فى السياق الرسمى مثل المنتدى السياسى الرفيع المستوى المعنى بالتنمية المستدامة فى الأمم المتحدة –HLPF ، وقمة مجموعة العشرين، حيث تهتم بشكل دورى بأهداف التنمية المستدامة، والمساهمة فى النقاش الداعم للقضاء على الفقر.
  • تمكين الطوائف الدينية لأتباعها عبر العالم من خلال العمل الخدمى التنموى القائم على أفعال عملية تنموية على الأرض تدعم قيم الشراكة الإنسانية والإخاء لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • خلق توافق بين القادة العلمانين والدينيين حول التقاليد الأخلاقية اللازمة التى يجب مشاركتها للقضاء على الفقر المدقع، وتحقيق الاستيعاب الاجتماعى، مما سيخلق تماسكًا بين مختلف العقائد والتقاليد التى تحترم كرامة الإنسان وتحقق المصلحة العامة.
  • التغلب على أية عوائق أيديولوجية قد تعوق هدف القضاء على الفقر، مثل مقاومة مفهوم التضامن أو التعاون أو التفاعل الاجتماعى، مقابل تفضيل المنافسة والفردية والمكسب السريع قصير الأجل. ويسهم عمل الدبلوماسية الروحية هنا فى تحقيق توافق أخلاقى واستدامة طويلة الأجل للتعاون الاجتماعى؛ بما يعزز من فرص خلق رفاهية مجتمعية.
  • تحقيق السلام العالمى عبر الدين سيقضى على الفقر والعنف كمسبب، وكذا على نتائج الفقر فى آن واحد.
  • الحوار الخدمى التنموى: عبر تحويل المشترك والمتفق عليه إلى (مبادرات تنموية) تقلل من معدلات الفقر، وتعمل على تمكين الفئات الفقيرة والأقل حظًا، كما تحقق التضامن الاجتماعى والاستيعاب والشمول.
  • الاستدامة الصحية: (الأهداف رقم 3،6): يساعد الحوار المشترك فى الاتفاق حول الممارسات الصحية السليمة التى تدعمها الأديان، وتحويلها إلى مشروعات خدمية فعلية كتوصيل المياه النظيفة والطعام، والوصول الآمن إلى الغذاء عبر مراكز الدبلوماسية الروحية التى تمثل أحد أشكال المنظمات القائمة على العقائد FBOs. فعلى سبيل المثال فى الولايات المتحدة يصل عدد المستشفيات التابعة لمثل هذه المنظمات إلى 630 مستشفى تمثل حوالى 11% من إجمالى المستشفيات بالولايات المتحدة(Karam, 2016) . كما أن الدمج بين القادة الروحين والساسة سيساعد فى تنفيذ القرارات المتفق عليها على الأرض بشكل دورى ومباشر.
  • التعليم (الهدف رقم 4): الاتفاق بين القادة الروحيين حول التعليم المشترك عبر التوافق حول المقررات التى توضح المعنى المشترك للحياة المستدامة من القيم الدينية والروحية المتوافق عليها. فالتعليم بهذا المعنى سيكون اللغة المشتركة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والاتفاق حول التحديات المشتركة أمام التنمية المستدامة. فاتفاق القادة الروحيين حول قضايا التعليم والتدريب للأطفال والشباب سيعالج جذور التطرف وأسباب الإرهاب. كما أن المقررات المشتركة سترسخ التعليم النقدى وبناء معلمين مدربين قادرين على نقل المشترك الدينى القائم على التسامح والعدالة (Karam, 2016). كما أن مهمة الدبلوماسية الروحية بناء قيادات شبابية متعلمة قادرة على دعم المشترك الروحى الداعم لدور التنمية، ومكافحة الأمية من منطلق دينى. بالإضافة  إلى أن دورها فى بناء مدارس داعمة لفكر الدبلوماسية الروحية سيساهم فى بناء أجيال داعمة لفكر التنمية المستدامة المتفق عليها روحيًا.
  • الاستدامة البيئية (الأهداف رقم 7، 11، 13، 14، 15): فالأرض والطبيعة مقدسة داخل جميع الأديان السماوية والوضعية، فالإنسان هو جزء من الطبيعة، ومهمته الحفاظ على البيئة، والعيش فى انسجام مع الطبيعة والاتفاق الروحى على ذلك سيمثل حافزا له لمجابهة قضايا كتغير المناخ والتصحر والجفاف. كما أن الحوار الخدمى المستند إلى مبادرات تنموية عملية سيساعد فى إقامة مشروعات بيئية مستدامة تحافظ على البيئة للأجيال القادمة، واكتشاف مصادر جديدة للطاقة تهدف للحفاظ على البيئة فى المقام الأول. (Senevirathe, 2018)
  • النوع الاجتماعى وتحقيق المساواة (الأهداف رقم 5، 10): تحقيق عدالة النوع الاجتماعى سيظل تحديًا كبيرًا بسبب صعوبة قراءة السياق الدينى والعادات والتقاليد والسياق الثقافى المحيط، فالمرأة المتدينة يمكن أن يكون وضعها صعبا ومعقد بسبب إساءة فهم النصوص الدينية، ويزداد الوضع تعقدًا فى المجتمعات الدينية التى تعانى صراعات أو مشاكل اقتصادية، لكن حتى وإن تم حل تلك الصراعات لن يتحسن وضع المرأة فى ظل وجود عوائق متجذرة تقف حائلا ضد تمكين المرأة. من هنا يأتى دور الدبلوماسية الروحية فى صياغة مشترك دينى يخاطب المجتمعات إناثا وذكورًا حول وضع المرأة فى القيم الروحية المشتركة وبناء قيادات روحية ومجتمعية داعمة لدور المرأة، وتمكينها من المشاركة فى صنع القرار. بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم عبر مراكز الدبلوماسية الروحية لتمكينها اقتصاديا، بل وتنظيم حملات إعلامية وإعلانية تعلن عن القيم الروحية الداعمة لوضع المرأة. وسيساعد الحوار الخدمى التنموى فى تحسين معدلات تعليم الإناث عبر إقامة مدارس ومشروعات لمحو أميتهن، وتقليل معدل وفيات الإناث عبر نشر الممارسات الصحية السليمة، بل ومكافحة مرض نقص المناعة. علاوة على تعزيز التماسك الأسرى عبر تصحيح مفهوم الأسرة، ودورها عبر تفنيد النصوص المعوقة – وفقا لهذا الفكر - والاتفاق حول المشترك الروحى الداعم لدور الأسرة فى المجتمعات. (Karam, 2016)
  • السلام وبناء الشراكات الدولية: (الأهداف رقم 16، 17): تهدف الدبلوماسية الروحية إلى بناء سلام دينى عالمى عبر القضاء على النزاعات ذات الأسباب الدينية ومن ثم تتلاقى مع الهدف السادس عشر الهادف لتحقيق السلام. كما تسعى عبر الوصول للمشترك الدينى إلى بناء أساس داعم للعدالة الاجتماعية، ودولة القانون القائمة على احترام السلطة المتمثلة فى مراكز صنع القرار فى العالم أى مراكز الدبلواسية الروحية. (Children of Ibrahamic Institute Official Website, 2017) التى ستدعم بدورها الدول والحكومات عبر بناء المؤشرات والمساهمة فى صياغتها، بل والمساهمة كأحد مؤسسات المجتمع المدنى فى الرقابة عليها خلال عملية التنفيذ. كما أن الدبلوماسية الروحية ستمثل ساحة لشمول الطوائف الدينية المختلفة التى تمثل نصف العالم تقريبا، فيجب بناء شراكات معهم لضمان شمول مختلف الاصوات والطوائف لترفع راية التنمية المستدامة وتضمن تحقيقها. (Karam, 2016)
وفى هذا الخصوص، يرى تقرير الأمم المتحدة للسكان لعام 2016 أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتوقف إلى حد بعيد على قدرة الفاعلين فى حقل التنمية المستدامة وموظفى الأمم المتحدة على الجمع بين لغات ثلاثة أو مهارات أو قيم تتمثل فى: حقوق الإنسان، العقائد، اللغات المحلية، وغالبا ما توجد لغة حقوق الإنسان داخل العقائد (وهذا ما ستوفره الدبلوماسية الروحية) مما سيقرب الفكر ويقلل مساحات الاختلاف.
فى ضوء ماسبق، يتضح أن الدبلوماسية الروحية تقدم نفسها كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة كما سلف الذكر، وتجدر الإشارة إلى أنه قد سبق استخدامها أيضا فى مطلع الألفية كمدخل لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية – MDGs فى الفترة بين عامى 2000-2015. وذلك عبر الحوار الخدمى، القائم على مبادرات تنموية، بين الأديان بهدف بناء (مشترك واقعى) يتجسد فى مشروعات تنموية تكافح الفقر، وترفع معدلات التنمية خاصة فى الدول النامية. إلا أن تطويرها بهذا الشكل السالف طرحه جاء بعد عام 2015 عقب انقضاء أجل الأهداف الإنمائية للألفية، ودخول العالم إلى حقبة تنموية جديدة وهى أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 – SDGs  تحت رعاية الأمم المتحدة.
وترى الباحثة أن هذا الطرح المقدم يمكن تحقيقه من خلال التعاون مع المؤسسات الدينية القائمة وليس فى إطار هذا الفكر المطروح، لأنه كما سيتضح لاحقا هو مجرد ستار لمخطط استعمارى جديد التنمية هى المحفز والدافع للتعاون وقبول الفكر والاستغلال والتخريب هو الباطن غير المعلن. ومن ثم فتحقيق أهداف التنمية الستدامة وفقا للسيناريو المطروح أمر مقبول، ويجب العمل بجد لتحقيقه، ولكن من قبل المؤسسات الدينية المتعارف عليها فى الأديان الثلاثة دون الانصياع لهذا الطرح كما سيتضح لاحقا.
  1. الدبلوماسية العامة:
قبل تناول المفهوم يقضى السياق الوقوف على مفهوم الدبلوماسية العامة بمعناه المتعارف عليه للتمهيد لمعرفة الفارق بين مصطلحى الدبلوماسية العامة والروحية.  فالدبلوماسية العامة تختلف محاولات تعريفها فهى فن وعلم إدارة العلاقات الدولية، وتعود جذورها للعصر اليونانى لتدل على الوثائق والمعاهدات المبرمة بين دول المدينة، ومع تطور العلم، وظهور الدبلوماسية المعاصرة التى بلورت ملامحها اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 (الكيالى، 1993)، حيث انتشرت لتصبح جزءًا من العلاقات الدولية التى تربط الدول معا (خضر، 2017). فهى علم له قواعده وفن له أصوله ومهنة لها تقاليدها، قد تختلف أهدافها ومصالحها من دولة لأخرى، لكن لا تختلف قواعدها ودورها فهى مجموعة المفاهيم والقواعد والمراسلات والمؤسسات والأعراف الدولية التى تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا الأمنية والاقتصادية والسياسات العامة للدول، للتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات الدبلوماسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية. (التويجرى، 2009)
ولن نفسح المجال للتوجهات المختلفة للتعريف، لكن هناك عدد من السمات الرئيسة التى تميز الدبلوماسية العامة بمعناها المتعارف عليه فى القوانين والمواثيق الدولية المنظمة، والتى تقضى بأهمية الوقوف عليها كخطوط  فاصلة ومميزة للمفهومين على النحو التالى:
أولاً: الرسمية: فقد أرست معاهدة وستفاليا 1648 قواعد الدبلوماسية، فالدبلوماسى هو ممثل رسمى للدولة.
ثانياً: التميز بقواعد وأصول محددة: ينظمها القانون الدبلوماسى والقنصلى والقانون الدولى عامة ومحددة فى الأعراف الدولية والبروتوكول الدبلوماسى. (مركز السلام للثقافة الدبلوماسية، 2017)
ثالثاً: دور السفير (رئيس البعثة الدبلوماسية) وهو ممثل للدولة لا لشخص الحاكم؛ ومن مهامه – هو والبعثة الدبلوماسية ككل - اطلاع دولته على ما يجرى فى البلاد المعتمد لديها.
رابعاً: يتمتع الدبلوماسى بالامتيازات والحصانة، فالإساءة لمبعوث الدولة قد تؤدى لتوتر العلاقات بل وإعلان الحرب، ومن أهم أهداف الحصانة هو توفير الاطمئنان العام لتمكين الدبلوماسيين من القيام بمهامهم.
خامساً: هدفها: خدمة أهداف الدولة الأمنية والاقتصادية لتنفيذ السياسة الخارجية للدولة، والإسهام فى إيجاد حلول غير عنيفة للمنازعات الدولية انطلاقا من مبدأ الحفاظ على موازين القوى. 
سادساً: إعداد الوسائل والأدوات، ومن بينها التفاوض والتفاهم مع الاحتفاظ بحيازة أسباب القوة والمنعة الذاتية، فالدبلوماسية والقوة يدعم كل منهما الآخر.
سابعاً: الحساسية للتطورات المحيطة وسرعة استجابتها لها، كالمستجدات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية والثقافية والسياحية ... مما أدى لظهور أنماط جديدة مع التطور كدبلوماسية القمة بسبب حركة الطيران وتقريب المسافات ...
ومع مرور الوقت وحساسيتها ومرونتها العالية أخذت الدبلوماسية فى تطوير أدواتها؛ فلم تعد الدبلوماسية العلنية* هى المدخل الوحيد للتفاوض، فقد عارضها سكرتير عام الأمم المتحدة "داغ هرمشولد" (ويكيبديا الموسوعة الحرة، 2017)** لأنها لن تكون الضمانة للوصول إلى اتفاقات دولية، فقد تؤدى فى المقابل أغراض دعائية عوضا عن تسخيرها للتوصل إلى تفاهم دولى وتسوية بين الأطراف. (الكيالى، 1993) وظهر مع الوقت ما يسمى بالمفاوضات غير الرسمية بهدف منع الصراعات أو حل الصراعات القائمة. ففى عام 1981 فرق "جوزيف مونتفيل" بوزارة الخارجية الأمريكية بين ما يسمى بدبلوماسية المسار الأول ودبلوماسية المسار الثانى، ثم تم إضافة مستويات أخرى كدبلوماسية المسار الأول والنصف (1.5)، ودبلوماسية المسارات المتعددة التى تتدرج إلى تسع مسارات تشتمل على الأول والثانى حتى التاسع: فالمفترض أن تشير الدبلوماسية إلى التفاعل بين الدول القومية إلا أن هذا التصنيف الجديد نسبيا يشير إلى مستويات أخرى من الدبلوماسية على النحو التالى:
  • دبلوماسية المسار الأول: المسار الرسمى القائم على التفاعل بين الحكومات خلال الدبلوماسية الرسمية تتم بين صناع القرار والدبلوماسيين ولها أبعاد رسمية معلنة.
  • دبلوماسية المسار الأول والنصف: تفاعل بين مؤسسات الدولة كالحكومة، أو المؤسسات السياسية، وطرف ثالث كمؤسسات المجتمع المدنى، أو القطاع الخاص، ومثل هذا التفاعل سيؤدى إلى تغيرات فى التوجهات بين الأطراف محل النزاع. والبعض يعرفه بأنه تفاعل بين مسؤولين بالدولة بواسطة ميسرين مدنيين أو تفاعل بواسطة ممثلين رسميين متقاعدين. والبعض يصفه بالمسار الهجين لأنه ينتقل برشاقة بين المسار الأول والثانى، ويُمكن الطرف الثالث من الانتقال برشاقة بين تقنيات المسارين وفقا لكل موقف  (Mapendere, 2017)
  • دبلوماسية المسار الثانى: تتم بين الفاعلين غير الحكوميين، والمهنيين لحل الصراع وحفظ السلام، فهو ساحة للتفاوض تتكون من مجموعة من المهنيين من قبل المنظمات غير الحكومية؛ كمحاولة لتحليل ومنع وحل وإدارة الصراعات الدولية بواسطة الفاعلين من غير الدول Non State Actors. (وسيتم الإشارة لاحقا إلى تطوير الدبلوماسية الروحية لآليات هذا المسار عبر جمع القوى غير الرسمية بالساسة لرسم السياسات واتخاذ القرارات الفورية كمركز للحكم العالمى كما سيتم العرض وكما يدعون).
  • دبلوماسية المسار الثالث: تتم بالتفاعل بين رجال الأعمال وحفظ السلام عبر التجارة، نظرًا للمصالح المشتركة التى تحققها التجارة وتأثيراتها الفعلية والكامنة حول حفظ السلام؛ عبر توفير الفرص الاقتصادية والصداقة الدولية، والتفاهم والقنوات الرسمية للاتصال، ودعم الأنشطة الأخرى لصنع السلام.
  • دبلوماسية المسار الرابع: حفظ السلام من قبل الأفراد الفاعلين على الساحة عبر ما يسمى بـ "دبلوماسية المواطن" القائمة على تبادل الشباب، ودعم التطوع، وإقامة شبكات من المتطوعين بالمنظمات غير الحكومية، وجماعات المصالح الخاصة.
  • دبلوماسية المسار الخامس: حل النزاع عبر البحث والتدريب والتعليم فحفظ السلام يتم عبر التعلم. فهى تتعلق ببرامج الجامعات ومراكز الفكر والمراكز البحثية الخاصة، وبرامج التدريب الهادفة إلى تقديم التدريبات للفاعلين كبرامج التفاوض والوساطة، وحل النزاع ودور الطرف الثالث كميسر. والتعليم يبدأ من الحضانة عبر برامج الدكتوراه التى تغطى جوانب مختلفة من الدراسات الثقافية الكونية المشتركة، ودراسات الوضع العالمى والسلام، وتحليل الصراع، والادارة وحل النزاع.
  • دبلوماسية المسار السادس: تتم عبر حملات الدفاع والمناصرة Advocacy، وهذا المسار يغطى مجال السلام والنشاط البيئى حول قضايا مثل نزع السلاح وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، والدفاع حول جماعات المصالح بشأن السياسات الخاصة للحكومات.
  • دبلوماسية المسار السابع: تتم عبر الأديان وتحويل المعتقدات إلى فعل، التى تختبر المعتقدات والأفعال المستهدفة للسلم عن طريق القيم الروحية، والجماعات الدينية مثل الحركات القائمة على الأخلاق كاللاعنف.
  • دبلوماسية المسار الثامن: صنع السلام عبر التمويل وتوفير المصادر، وهذا يشير إلى الجماعات الممولة لكافة المؤسسات، والجماعات الفردية التى توفر الدعم المالى للكثير من الأنشطة التى تتم عبر المسارات الأخرى.
  • دبلوماسية المسار التاسع: حفظ السلام يتم عبر الاتصالات والإعلام والمعلومات، فهى ساحة لصوت الشعب، وكيفية تشكيل الرأى العام عبر وسائل الإعلام المطبوعة، والمرئية، والمسموعة، والإلكترونية، والفن. (Diamond & McDonald, 1996)
ومن ثم يتضح أن العمل الدبلوماسى لم يعد بصورته المتعارف عليها وإنما تحقيق أهداف الدول؛ فأصبح يتم وفقا لمسارات عدة يتداخل خلالها مختلف الفاعلين؛ لضمان أن نتائج المسار الأول سيتم تنفيذها بطرق مناسبة، وأنها حققت أكبر منفعة ممكنة، وبطرق عدة تقاطعت مع آليات عدة منها القيم الروحية أو الدبلوماسية الروحية كما اتضح فى دبلوماسية المسار الخامس.
من هنا وبعد تناول استخدام الدبلوماسية الروحية كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة، ووضعها فى الحياة السياسية، ومفهوم الدبلوماسية العامة بمعناها التقليدى للتمهيد للقسم الثانى المتعلق بالمفهوم ذاته ومرتكزاته.
القسم الثانى: مفهوم ومرتكزات ومأسسة الدبلوماسية الروحية - والفروق مع الدبلوماسية العامة:
بعد الوقوف على ماهية الدبلوماسية العامة واستخدامات الطرح الجديد وربطه بالاقتصاد اللاخلاقى، وأهداف التنمية المستدامة يمكن الدخول إلى موطن المفهوم محل البحث. فمفهوم الدبلوماسية الروحية جاء الاهتمام به مع مطلع الألفية الجديدة كأحد المتغيرات الدولية للسياسة الخارجية - التى تستهدف تحقيق السلام العالمى، وحل النزاعات، وتحقيق التنمية المستدامة عبر مكافحة الفقر ومسبباته والقيام بخدمات ومشروعات تنموية تكرس الولاء للفكر الجديد - والتى لها تأثير على السياسات المجتمعية الداخلية. فهى طرح جديد يقدم على الأرض مدعوما من القوى الغربية (المعسكر الغربى) على رأسها الولايات المتحدة، والمملكة البريطانية، والكيان الصهيونى "إسرائيل"، وبعض حلفاء الولايات المتحدة. ويقدم هذا الجزء طرحًا جديدًا كالحديث عن السلام الدينى العالمى، الدين مصدر للحل وليس فقط مسببا للنزاع، القادة الروحيين وعملهم المشترك مع الساسة، أهمية دبلوماسية المسار الثانى، الحوار الخدمى، ونقل المشترك الدينى على الخريطة السياسية. وهذا ما سيتم التطرق إليه خلال هذا القسم، حيث يستهدف الوقوف على ماهية الدبلوماسية الروحية ومرتكزات المفهوم ومأسسته على أرض الواقع خلال ثلاثة المستويات الدولية، الحكومية، القاعدية للوقوف على حدود هذا الطرح المقدم ومدى انتشاره فى العالم فهل هو مجرد مجهود فكرى وبحثى أم حركة صاعدة يتم تطبيقها وفقا لخطوات جادة وحثيثة.
  1. مفهوم ومرتكزات الدبلوماسية الروحية:
لا يوجد تعريف محدد جامع مانع للمفهوم خاصة؛ بسبب حداثته وهناك من تناوله أو أشار إليه بشكل عابر أو تناول المفهوم من خلال الممارسات التطبيقية، وقد استطاعت الباحثة اشتقاق اتجاهات مختلفة خلال تناول الفكرة أو المفهوم. وتمكنت الباحثة من تقسيم الأدبيات التى تعرضت للمفهوم إلى اتجاهين يتفرع منهما اتجاهات فرعية؛ الأول تناول الهدف من المفهوم والثانى هوية المفهوم.
الاتجاه الأول: التعريف وفقا للهدف من المفهوم
هناك من رأى أنه مدخل للقضاء على الفقر العالمى كالبنك الدولى؛ ففى تقريره بعنوان "التنمية والدين عام 2007" تحدث عن السلام الدينى العالمى كمدخل لمكافحة الفقر الكونى عبر دبلوماسية المسار الثانى، لتحقيق تفاهم مشترك حول مسببات الفقر، وكيفية محاربته من خلال الأديان باعتبار أنه لا سلام بدون سلام بين الأديان الإبراهيمية، والمشاركة فى تقديم خدمات مبنية على قيم التعليم الدينى لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والتى تحولت بعد ذلك لأهداف للتنمية المستدامة. (Marshall & Saanen, 2006)
وهناك من اعتبره مدخلا لحل الصراعات كالمركز الدولى للديانة والدبلوماسية بواشنطن؛ باعتبارها مدخل لحل الصراعات المعتمدة على الهوية التى تتخطى حدود قدرة الدبلوماسية الرسمية، عبر تكامل الأديان كجزء من الحل. وتتمثل الأسس الفكرية والروحية كاقتراب غير تقليدى لحل الصراعات التى يمكن إيجادها فى الأديان، فهى البعد المفقود من صناعة الدولة STATECRAFT والدبلوماسية المستندة، على المعتقد واللعب بالسياسة الواقعية كورقة رابحة، فهناك دور إيجابى لما يمكن أن تلعبه العوامل الدينية والروحية فى منع وإعادة حل الصراع. بينما تقود بدعم التغير الاجتماعى المستند على العدالة والمصالحة. كما يقومون بعمل حالة قوية لتكامل الاعتبارات الدينية فى إطار تطبيق السياسة الدولية . (The international Center for Religious & Diplomacy, 2017) فهى مدخل جديد لحل النزاعات والصراعات: تستخدم بدافع الشخصيات والظروف. وتختلف وفقا للموقف؛ فالدبلوماسية المبكرة أو المانعة تقتضى التدخل السريع بعد اندلاع الصراع أو فى إطار عملية مصالحة طويلة الأجل بالنسبة للصراعات القائمة الممتدة؛ مهمتها هو منع وحل الصراعات التى تعتمد على الهوية IDENTITY BASED CONFLICT: (The International Center for Religious & Diplomacy, 2017)
"صراع الأفراد أو الجماعة كعامل مبكر فى الصراع - الهوية الدينية محركة للصراع – وأيضًا الهوية الدينية ممكن تكون مخففة للألم والصراع".
وهناك من اعتبر هدفها هو الوصول للسلام الدينى العالمى، كاتحاد تراث إبراهيم فيرى أنها القوى المحركة للسلام عبر التقارب بين الديانات الثلاثة. (Abrahamic Reunion, 2017)
الاتجاه الثانى:ركز على هوية المفهوم كساحة من ساحات التفاوض (دبلوماسية المسار الثانى)
فيعرفها "أندرو بترسون" بأنها دبلوماسية المسار الثانى لتحقيق الأهداف السياسية للدولة، بشأن حل النزاعات والخلافات الحساسة، ولتقريب وجهات النظر التى لا يمكن حلها فى العلن بطرق تقليدية خاصة التى لها جذور دينية كخطوة  للتقارب من أجل السلام العالمى، وإقامة علاقات طبيعية فى المستقبل. (Preston, 2012,  409: 436) وهناك من أكد على مدخل وآلية هذا المسار من التفاوض "المدخل النفسى" لتحقيق الهدف المرجو، كمؤسسة إعادة اتحاد أبناء إبراهيم فتعرفها باعتبارها مفاوضات المسار الثانى باستخدام المدخل النفسى لدحض الأصولية فى الأديان الثلاثة، لاستنتاج نهاية العالم والالتزام بشأن العلاقات المستقبلية التى تستند على القيم المشتركة؛ الأخلاقية والاجتماعية. (Montville, 2006)
وفى ظل حداثة المفهوم وعدم تحديده حاولت الباحثة تقديم تعريف إجرائى يرسم ملامح هذه المبادرة الجديدة على النحو التالى:
"مسار من مسارات التفاوض تستهدف حل النزاع أو منع حدوثه من أجل بناء سلام دينى عالمى، يتم عبر الجمع بين القادة الروحيين والساسة داخل آلية المسار الثانى للمفاوضات Track II Diplomacy؛ للتباحث حول القضايا الحساسة محل النزاع بهدف التوصل إلى مشترك عبر تقارب الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام – المسيحية - اليهودية)، أو ما يسمى بالديانات الإبراهيمية (أو الدين الإبراهيمى "الدين العالمى الواحد" حسب ما يقدم من طرح للقضاء على الاختلافات والوصول إلى متفق يقبله المجتمع، عبر ترجمته لخدمات ملموسة يشعر بها المواطن (الحوار الخدمى) ليكون ولاؤه للدين الإبراهيمى، ويتم نقله للخريطة السياسية لأن هذا المسار سيكون مركز صنع القرار السياسى بالعالم (Children of Ibrahamic Institute official website, 2017) بهدف خلق السلام الدينى العالمى."
من المفهوم السابق يتضح وجود عشرة ركائز رئيسة تستند عليها الدبلوماسية الروحية:
  1. الغاية: الوصول للسلام الدينى العالمى.
  2. القضايا موضع الاهتمام ومنهجية الحل السياسى.
  3. أماكن التدخل: (نطاق العمل).
  4. دور القيم الدينية المشتركة.
  5. الميثاق: المرجعية التى ترتكز عليها الدبلوماسية الروحية.
  6. الوسيلة: دبلوماسية المسار الثانى والتنسيق بين القيادات الروحية والسياسية.
  7. دور رجال الدين: (القادة الروحين) ومعايير اختيارهم.
  8. تحويل الحوار إلى خدمات: (المنهج الخدمى التنموى).
  9. مشروعات بحثية، وأكاديمية مساندة.
  10. صراعات دينية: ستظهر على الساحة للتمهيد لقبول المبادرة.
وفيما يلى نلقى الضوء على كل من المرتكزات العشرة السابق الإشارة إليها على النحو التالى:
أولاً: الغاية الوصول للسلام الدينى العالمى:
فالحاجة إلى بيئة كونية لدعم نوعية التنمية الاقتصادية التى يمكن أن تفيد النسبة العظمى لسكان العالم. تتم عبر التقارب بين الأديان والوصول إلى المشترك الذى يطبق سياسيًا عبر ربط المصالحة الدينية بالدبلوماسية الرسمية، وغير الرسمية أى خلق انسجام SYNERGY لحفظ السلام الذى يخدم كافة هذه الاحتياجات. وتحقيق السلام الدينى العالمى. (Montville, 2006)  
ثانياً: القضايا موضع الاهتمام ومنهجية الحل السياسى:
إعادة المصالح الدينية – لما اسموه بـ -"الشعوب الأصلية" على الخريطة (لكن دون تحديد من هم الشعوب الأصلية، حيث سيتم الاتفاق عليها خلال جلسات الحوار حول المشترك الروحى)؛ باعتبارها عناصر أساسية لمفاوضات السلام بين الشعوب التى لها تاريخ من التدين. فعلى سبيل المثال يركز معهد أطفال إبراهيم تحديدا على الأديان الإبراهيمية، وعلى الصراعات التى تقسم الشعوب التى تدين بالطاعة لله "كمشترك عام". والأكثر إلحاحا من هذه الصراعات؛ هى بالطبع الصراعات العنيفة، هذا علاوة على الخلافات السياسية غير العنيفة ذات الأهمية الاجتماعية بين الجماعات الدينية. فعلى سبيل المثال بشأن النزاع فى الشرق الأوسط يتم النظر إليه بأن حله من خلال استغلال الإمكانيات التى تتيحها الأديان لتكون مصدرًا للتفاهم المشترك؛ كسيارة يمكن امتطاؤها نحو السلام، وتغير الرؤية السائدة من قبل (من جانب بعض المفكرين والساسة الغربين بل الإسرائيلين أمثال "شيمون بيريز" خلال طرحه لمشروع الشرق الأوسط الكبير) باعتبار الدين أكبر مصدر للنزاع فى الشرق الأوسط (لكن الباحثة تختلف مع هذه الفكر فمصادر النزاع متعددة أغلبها تضارب المصالح والأطماع الاستعمارية والإقليمية من بعض القوى)، وإثارة مسألة الدين فى المفاوضات والمعاهدات لن تفتح إلا خلافات تعمل على تعقيد نواحى الصراع. والأفضل هو تحييد الدين فى المفاوضات والعمل على تمكين العناصر المستنيرة الأقل تدينا للاهتمام بجوانب أخرى لحل الصراع كالمشروعات التنموية (الصناعية التقنية ... الخ). إلا أن التوجه الجديد – للقوى الغربية المقدمة لهذا الطرح - يقوم على أن الدين يحمل أسباب النزاع – وفقا لوجهة نظرهم - وهو مصدر للحل فى ذات الوقت الذى يمكن ترجمته سياسيًا على الخريطة السياسية عبر تقديم نصره أصحاب الحق الأصلى من منطلق دينى (دون إيضاح أو تحديد من هم أصحاب الحق الأصلى). (Children of Ibrahamic Institute official website, 2017)
 
ثالثاً: أماكن التدخل (نطاق العمل):
يشمل نطاق عمل الدبلوماسية الروحية فى الصراعات الطائفية COMMUNAL CONFLICT التى تتجاوز حدود الدبلوماسية الرسمية خاصة التى تتلاقى فيها: (The international Center for Religious & Diplomacy, 2017)
  • المصالح الإستراتجية للسياسة الخارجية بالنسبة للدولة الأم التى ترعى الفكرة أو المنظمة الروحية.
  • مناطق الصراعات التى هجرتها الدبلوماسية أو التى لم تشترك فى حلها الدبلوماسية الروحية.
  • عدم قدرة الدبلوماسين الرسميين للوصول إلى الفاعلين الرئيسيين للصراع.
  • الفاعلون الدينيون المشتركون بشدة فى الصراع أو الذين لا يشتركون بدرجة كبيرة فى عمليات السلام.
  • امتلاكها لعلاقات يمكن أن تيسر الدخول للفاعلين الرئيسيين للصراع وضمان القبول المحلى لها.
رابعاً: دور القيم الدينية المشتركة:
الدين عامل مصالحة أكثر من كونه عامل انقسام، عبر استخدام مفاهيم الإيمان المشتركة كوسيلة لبناء حس إنسانى مشترك عبر مبادرات على رأسها الأديان الإبراهيمية. فعلى سبيل الذكر اختبر "جوناثان فوكس" نظرية "هنتنجتون" صراع الحضارات، وتوصل إلى أن الدين لا يسبب الصراعات الدينية، ويستنتج "فوكس" أن هناك إحصاءات تظهر أن الخلافات داخل الحضارات التى يهيمن عليها دين إبراهيمى واحد أو غيره أكبر من الخلافات فيما بينهما. وتتصدر المسيحية القائمة – وفقا له - ويأتى الإسلام فى المرتبة الثانية. بسبب أن واقع هذه الأديان وطوائفها – وفقا لرأيه هو وليس رأى الباحثة - تطالب بالحصرية دوما. وظهر فى هذا السياق، مصطلح "الدين العام" باعتباره الامتداد الواسع لدور الله فى الخلق مانحا البشرية حقوقا واضحة ومحددة. وهو الأساس الذى يجمع بين القادة الروحيين من أرجاء العالم كافة، ليؤكدوا القيم المشتركة فيما بينهم، والالتزامات وليجتمعوا حول طاولة واحدة للحوار والعمل. وهذا الدين العام الهدف منه هو تحقيق الصالح العام: بمعنى الأساس الذى يجمع بين القادة الروحين من أرجاء العالم كافة ليؤكدوا على القيم المشتركة فيما بينهم والالتزامات، وليجتمعوا حول طاولة واحدة للحوار والعمل. فالدين العام هو عامل للمصالحة والاستقرار السياسى؛ فقيم التعاطف الأبدية وتحمل أعباء الآخرين تعد أفكار تحبذها الأديان والفلسفات الروحية من حول العالم فمعظمها يشجع الصداقة، والمصالحة، والتعايش السلمى بين القبائل والثقافات والشعوب والدول واحترام، الخلاف، والتسامح، ولا تتعارض هذه العقلية والمفاهيم والأفكار الدبلوماسية. (The international Center for Religious & Diplomacy, 2017)
خامساً: الميثاق: المرجعية التى ترتكز عليها الدبلوماسية الروحية
يقدم للعالم طرحين أما الحديث عن الديانات الإبراهيمية أو الديانة الإبراهيمية الموحدة. وتجدر الإشارة إلى أن الأكثر قبولا هو الديانات الإبراهيمية؛ نظرًا لوجود اختلافات لا يمكن تجاوزها فى دين عالمى موحد، لكن كما سيتضح أن الطرحين لا يختلفان عن بعضهما البعض.
فكلاهما يقوم على اعتبار أن تكامل الأديان هو جزء من الحل عبر: (The international Center for Religious & Diplomacy, 2017)
  • تجسير الصلة بين الأطر السياسية والدينية فى دعم صنع السلام.
  • نشر الفرق الدينية التنفيذية المتداخلة فى الأماكن التى بها تهديد باندلاع الصراعات أو بأماكن حدوثها.
  • تدريب رجال الدين والمؤمنين على مهارات صنع السلام.
  • دعم ترجمة التعليم الدينى الذى سيقلل سوء الفهم والصراعات.
الديانات الإبراهيمية(Friedman, 2011)   :*
تشير إلى مصطلح الديانات الإبراهيمية أو الإيمان الإبراهيمى (نسبة إلى النبى إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء) الذى يقضى بجمع القادة الدينيين والسياسيين معا لمشاركة الأديان السماوية الثلاثة "الإسلام – المسيحية - اليهودية"* للتراث المشترك والتشابهات فى علم اللاهوت من أجل تحقيق سلام دينى عالمى قائم على الضمير الجمعى العالمى.**
والبعض يصف مصطلح الديانة الإبراهيمية بمصطلح التراث اليهودى المسيحى* باعتبار المفهوم يستخدم لوصف الديانة الغربية والتقاليد الأخلاقية. ويحاول أنصار هذا الطرح أن يرجع جذوره للحرب العالمية الثانية، والهلوكوست والصراع العربى الإسرائيلى الممتد، حيث عملت هذه الأزمات على تحريك الوازع الدينى لقادة العالم والمتدنين للعمل من أجل السلام بين الثلاثة أديان. ومن رواد هذا الفكر الباحث الرومانى الكاثوليكى "لويس ماسيجنون" (1883-1962) الذى طرح مفهوم السلام بين الديانة المسيحية والإسلام، اعتمادا على الإيمان "الجذر الشائع فى إبراهيم". وفى الفترة الممتدة من 1962: 1965 صدرت وثائق من الفاتيكان تحدثت عن التراث المشترك للأديان الثلاثة، واستخدمت النبى إبراهيم (عليه السلام) كمصدر رئيسى لمحاولة التقارب الدينى. وفى أكتوبر 13 عام 2007 وجه 139 باحثًا مسلمًا ورجل دين خطابًا مفتوحًا موجه لقادة كنائس العالم؛ عرضوا خلاله تفهمهم للأرضية المشتركة بين المسيحية والإسلام. حمل الخطاب عنوان "الكلمة المشتركة بيننا وبينك" استند العنوان على الآية القرآنية التى أشارت إلى "أهل الكتاب" للوصول إلى اتفاق حول عبادة الإله، ويطلب الخطاب السلام والتفاهم بين المسلمين والمسيحيين استنادا على القيم التأسيسية للعقيدتين "حب إله واحد وحب الجار". وتجدد الطرح مرة أخرى بعد اعتداء 11 سبتمبر 2011 تمت الدعوة إلى الوحدة والسلام عبر إيجاد أرضية مشتركة بين الأديان الثلاثة.  (Synod, 2017)
ويعى هذا الطرح لوجود اختلافات بين كل من اليهودية والمسيحية والإسلام، فهناك اختلافات جوهرية بين الأديان الثلاثة إلا أن الديانات الإبراهيمية، تؤكد على جوانب الأفكار التعليمية الأساسية لتكون الأساس المشترك بين الأديان الثلاثة:
  • أهمية النبى إبراهيم داخل الأديان الثلاثة كمرجعية روحية.
  • التوحيد بالأديان السماوية الثلاثة.
  • الكتب المقدسة رغم اختلافها لكن وجودها أساسى كمرجع دينى.
  • القيم السماوية بالأديان الثلاثة خاصة أن أغلبها مشتركة كالمحبة والإخاء والتسامح.. الخ.
  • المقدسات المشتركة داخل الديانات الثلاثة (رحلة سيدنا إبراهيم والدول التى زارها خلال رسالته السماوية)، خاصة محورية قدسية مدينة القدس مدينة السلام فى الثلاثة أديان. ( Synod, 2017)
ترى الباحثة الحديث عن المشترك هو ما سيمهد الطريق لقبول أفكار مشتركة فى ظل القيم السماوية العليا التى يقبلها الجميع، والتى لا تشكل مشكلة لدى أنصار وأتباع الديانات الثلاث للوصول إلى المقدسات والأماكن المقدسة المشتركة لتكون مدخلا لحل الصراع الدائر كأحد محركات هذا الطرح (الصراع العربى الإسرائيلى) والحديث عن دمج رجال الدين بالساسة لحل أسباب النزاع الدينى ونقلها على الخريطة السياسية، والحديث عن إعطاء الحق للشعوب الأصلية التى لم يتم تحديدها وتركها للاتفاق بين رجال الدين والساسة؛ هنا يأتى دور المفاوض الإسرائيلى والغربى فى طرح الآتى: الحديث عن مملكة داود ككيان سياسى، وأن اليهود هم أهل كنعان )صالح، 2017، 7، 8(، وأن اليهودية سبقت المسيحية والإسلام. وتصبح المبررات الدينية مقترنة بالسياسية تمهيدًا لتنفيذ ما يسمى بالدولة الإبراهيمية التى ترتكزعلى إعطاء الحق لأصحابه الأوائل "اليهود" – وفقا لها الطرح وتلك المبررات الزائفة المقدمة أو غيرها - وقد تم بالفعل مع مطلع 2017 بعد انتخاب الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" (الجمهورى ممثل تيار المحافظين الجدد المؤيدين للمسيحية الصهيوينة التى تقضى بدعم دولة إسرائيل لظهور المسيح) جاءت محاولات من منظمة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينين "الاونروا" لتغير المناهج، ومحو كلمة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية إلى أن القدس هى مدينة مقدسة لكل الديانات الإبراهيمية. تمهيدا لخلق واقع جديد وبناء جيل جديد مؤمن بهذا الطرح، خاصة أنه موجه للأطفال من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائى. )مرزوق، 2017(
كما أن الحديث عن الديانات الإبراهيمية هناك من يقدمه بطرح أخر له نفس المضمون الذى يعطى الحق لليهود فى النهاية؛ فالإسلام – وفق هذا الطرح الذى لا تتفق معه الباحثة على الإطلاق - ما هو إلا يهودية معربة والمسيحية لم تكن ديانة، بل مجرد مذهب هرطوقى منشق عن الديانة اليهودية. )بوعبيد، 2016) ومن ثم مثل هذا الإدعاء الزائف الذى يقضى بتفريغ الأديان من جوهرها، وإعطاء الحق للديانة اليهودية، وفى مثل هذه المبادرة التى تقضى بوضع المشترك على الخريطة السياسية ستكون عواقبها خطيرة جدًا على مستقبل المنطقة العربية، إذا تم التعاطى مع المفهوم العام دون الوعى للباطن والجوهر المسموم.  )تشابمان، 2008(*
  1. الديانة الإبراهيمية العالمية: الدين العالمى الموحد
هو طرح مقدم للولاء لدين عالمى واحد يجمع القيم المشتركة بين الأديان، التى لا يوجد عليها خلاف ويدين المواطن لها. ويعد هذا الطرح الأقل قبولا من الطوائف الدينية المختلفة بمختلف الأديان السماوية لأنه يفرغ جوهر الأديان ويمحو وجودها. ومن رواد هذا الفكر القس Dr. Jaerock Lee بكوريا الجنوبية "مؤسس كنيسة "مانمين بسيول" ورئيس منظمة عالم الروح المقدس الصليبى ورئيس مؤسسة الخلاص من العالم المسيحى".(Official website of REV Dr. Jaerock Lee, 2017)   وقد أشار أيضاً إلى الدين الإبراهيمى الواحد الرئيس الأمريكى "باراك أوباما"؛ خلال تقرير الدين والدبلوماسية الصادر عن معهد "بروكنجز" الدوحة 2013. (كيسويتر وشاين، 2013) ومن الجديد بالذكر أن دكتور  "لى" قد ألف كتابًا حديثًا يحمل عنوان القدس الجديدة (يقدم القدس باعتبارها المدينة الإبراهيمية).
  1. سادساً: الوسيلة: دبلوماسية المسار الثانى والتنسيق بين القيادات الروحية والسياسية:
  • دبلوماسية المسار الثانى
يمكن لدبلوماسية المسار الثانى أن تطلع بما لم تقدرعليه الدبلوماسية الرسمية؛ فهى وسيلة اتصال لتمرير الأفكار والرسائل بصورة غير رسمية إلى الطرف الآخر والعكس. تقوم بإرساء الإنسانية المشتركة لكل الأطراف لبناء العلاقات، وتسهيل البحث عن المصالح المشتركة. فالتفاعل قد يولد أفكارًا ومبادرات تتوافر للمفاوضين الرسميين لدرسها وتطبيقها. فهى مرحلة انتقالية تهدف لاحقا إلى خلق الدبلوماسية المباشرة أو تعزيزها. وتقوم بإنشاء شبكات دبلوماسية المسار الثانى بين رجال الدين من كلا الطرفين، ونشوء قضية فى العامين المنصرمين بإمكانها أن توفر بداية دبلوماسية عبر القيام بالآتى: (كيسويتر وشاين، 2013)
  • تشجيع الديانات "الإبراهيمية" لدعم مفاوضات السلام الجديدة.
  • زراعة دائرة من العلماء المسلمين واليهود والمسيحيين الذين تعلموا كيفية العمل معا بشكل وثيق، ودراسة التقاليد المقدسة لبعضهم البعض، وتوليد نماذج للدراسة التعاونية بين ممارسى الديانات الإبراهيمية الثلاث. (Children of Ibrahamic Institute official website, 2017)
  • تحاول مفاوضات المسار الثانى التركيز على خلق بيئة من الرأى العام، مهيئة ومؤيدة تجعل أمام القيادة السياسية المساحة لخوض المخاطرة للحديث عن السلام بل وتبنيه. وهى النقطة الهامة لبناء سلام حقيقى.
وقد طورت الدبلوماسية  الروحية آلية المسار الثانى عبر دمج الإطار غير الرسمى المتمثل فى رجال الدين (القادة الروحيين) أو المنظمات المستندة على العقائد (المراكز الدبلوماسية الروحية) مع الساسة والدبلوماسيين لضمان تحويل المشترك إلى واقع سياسى فعلى على الأرض كمركز للحكم بالعالم.
وفى هذا السياق، تقوم جامعة "هارفاد" بإجراء بحث عن التفاوض بين أبناء إبراهيم فى إطار مبادرة تسمى "على خطى إبراهيم" التى تعيد طرح رحلة هجرة إبراهيم وأتباعه للتأكيد على المشترك بداية من حران القديمة فى تركيا -  كما يقول سفر التكوين فى اليهودية، وهو المكان الذى دفن به وفقا لهم إلا أن هناك طرحًا آخر يقول إن مدينة الخليل بالأراضى المحتلة هى المدينة التى دفن فيها النبى إبراهيم عليه السلام - هذه الخطى أو المسيرة قدرت على مدار 55 يومًا - يتم خلالها الإعلان عن أسماء المدن والمناطق التى زارها عليه السلام على امتداد الرحلة، وحيثما يختلف الطريق وفقا لمصادر القرآن والإنجيل لخلق رابط مقدس بين الدول محل الرحلة. الهدف من الخطى هى تجذر الفكرة لدى الرأى العام، خلال تغطية تليفزيونية بالقمر الصناعى للجذور المشتركة بين الأديان التوحيدية. وسيكون هناك تركيز بشكل كبير على العبرية حيثما يخبرنا كل من التوراه والقرآن على تحويل أبناء إبراهيم؛ فالنبى إسحاق يمثل اليهود والمسيحيين (على اعتبار أن سيدنا يعقوب جاء من نسل سيدنا إسحق)، والنبى إسماعيل يمثل المسلمين الذين عادوا معا لدفن أباهما أى أن بينهما مشترك، وعمل مقدس منذ القدم. (أى خلق تاريخ مشترك) فالمستهدف هو الإرسال تليفزيونيا لقوة الرمز أمام العالم. (Montville, 2006)
ومن أبرز الأمثلة العملية لدبلوماسية المسار الثانى لتحقيق السلام الدينى العالمى؛ إدراك الرئيس الأمريكى "روزفلت" لأهمية الفاتيكان قبل حوض الحرب العالمية الثانية، وفى ظل معارضة البروتوستانت لإقامة علاقات طبية مع الفاتيكان الكاثوليك للخلاف بين الكنيستين – آنذاك - ورفض الكونجرس لموقعها بقلب إيطاليا الفاشية موسيلينى، كان خيار التقارب على المستوى غير الرسمى هو الأمثل فأرسل ممثلاً شخصيًا له، وليس للدولة، رجل الأعمال "ميرون تيلر" رجل الأعمال الثرى، والعضو بالكنيسة الأسقفية ليكون مبعوثه بالفاتيكان  (أى اختار رجل برجماتى يمثل الطابع الأمريكى، ومحافظ متدين يوافق مع المناخ المحافظ للفاتيكان)، وعمل بالأساس على تقريب وجهات النظر الأمريكية من الفاتيكان حول مستقبل النظام العالمى، الذى كان مشرفًا على اندلاع حرب عالمية ثانية، علاوة على تقديم حملات إغاثية للاجئين لاستمالتهم نحو المصالح الأمريكية ونقل أخبارهم إلى أمريكا. ولعب دورًا فعليًا فى كسر حاجز الثلج بين أمريكا والفاتيكان وتلاه خطوات أخرى حتى تم إقامة العلاقات الطبيعية، أى كان خطوة أولية للعلاقات الرسمية.   (Preston, 2012, 409: 436)  ومن ثم يمكن القول، أن "روزفلت" اختار مبعوثًا له كشكل للدبلوماسية الروحية غير الرسمية له مواصفات محددة تعكس صالح الدولة وفكر الجهة المستهدفة، ونقل التقارب إلى خدمات ملموسة. واختار السبيل غير الرسمى حقنا للخلاف الداخلى، والعوائق القانونية، والرأى العام المعارض لهذا التقارب بسبب حساسيات دينية وسياسية. وكانت خطوة أولية مهمة لإقامة علاقات رسمية طبيعية.
  • التنسيق بين القيادات الروحية والسياسية:
ترتكز الدبلوماسية الروحية على المشاركة المباشرة من القادة الروحيين العاملين مع دبلوماسيين ومحللين؛ سعيا لإيجاد حلول للتحديات المعقدة التى تواجهها السياسة الخارجية، وتؤثر على الاستقرار والسلام، خاصة، وقت الأزمات وحالات الطوارئ على حد سواء. ويدرس فريق العمل مع السياسات الخارجية والدين التابع لوزارة الخارجية الأمريكية طرق العمل مع أحفاد إبراهيم الروحيين؛ لتطوير شبكة من طرق الحج تربط المواقع المقدسة فى البلدان العشرة من الشرق الأوسط التى زارها إبراهيم، كمشروع نزع الألغام من وادى نهر الأردن الذى يضم ثالث أقدس موقع مسيحى لما فيه موقع معمودية يسوع المسيح فى الضفة الغربية، كشكل عملى للتنسيق على أرض الواقع بين السياسى والروحى.
سابعاً: دور رجال الدين (القادة الروحيين) ومعايير اختيارهم
يمكن لرجال الدين والقادة الروحيين أن يطرحوا مبادرات تسعى لاستخدام مفاهيم الإيمان المشتركة، كوسيلة لبناء حس إنسانى مشترك على الأقل بين الأديان الإبراهيمية، ومن أبرز الأدوار الممكنة فى هذا الصدد:
  • بالنسبة للمجتمع المحيط:
    • المساعدة فى تثبيت عملية السلام بشكل أيسر مع المحافظة عليه.
    • إقناع أفراد من أديان مختلفة للعمل معا (أى تمهيد الطريق للاعتراف بإنسانيتهم المشتركة).
    • الإعتراف بأنهم يتعاملون مع أفراد يشبهونهم.
    • يعزز الدين القيم الجوهرية التى يحتاجها الأفراد من مختلف الثقافات؛ ليعيشوا فى جو من الوئام نظرا لأن الدين يلعب دورًا فى تحفيز الأفراد وتشكيل وجهات نظرهم بمواطن عدة من أهمها قضايا التنمية المستدامة، كقضايا البيئة والنوع الاجتماعى ومكافحة الفقر وقيمة العمل وحل النزاعات.. الخ.
  • بالنسبة إلى العلاقة بين الدبلوماسيين ورجال الدين:
  • استخلاص القيم المشتركة لتسهيل الدبلوماسية والانفتاح على البدائل وتقديم المشورة للدبلوماسيين؛ لأن الدين يعلم العالم عن الخصوم والحلفاء فهو شكل من أشكال الذكاء الظرفى. فينخرط كل من رجال الدين والقادة الروحيين فى الدبلوماسية غير الحكومية أو دبلوماسية المسار الثانى.
  • بناء القيادات: وضع برامج للدراسة فى المدارس الثانوية والجامعات والكنائس - التى تعد العلماء والقادة الدينيين فى المستقبل (Children of Ibrahamic  2017, Institute official website,)
ومن أبرز معايير اختيار القادة الروحيين: أن يكون لهم سجلاً حافلا من الاشتباكات ما بين الأديان، ونجاحهم فى فرض احترامهم ليس فقط داخل طوائفهم، ولكن خارجها وحظوا باحترام ثقافات دينية أخرى، علاوة على تقديمهم نموذجًا "قدوة" يحتذى به فى احترام التاريخ والثقافة والدين.
ثامناً: تحويل الحوار إلى خدمات: (المنهج الخدمى التنموى)
ترتكز الدبلوماسية الروحية على تحويل الحب والمشترك بين الأديان إلى خدمات ملموسة يشعر بها المواطن، وتجعل ولاءه للطرح الجديد للديانة الإبراهيمية، ومن ثم ستكون بمثابة جسور تربط بين الشعوب كحملات مكافحة الملاريا بإفريقيا وشن حملات إغاثية عقب الكوارث الطبيعية. فعلى المنظمات الدينية تنفيذ مشاريع على أرض الواقع تؤثر فى التطور المجتمعى من أسفل إلى أعلى مثل جهود المركز الدولى للدين والدبلوماسية فى باكستان، حيث يطلع بتطوير مناهج 1600 مدرسة ونظم المركز ذاته فى مصر حلقات دراسية فى القاهرة تجمع بين القادة السوريين المتعارضين لمساعدتهم فى حل نزاعاتهم 2012. (كيسويتر وشاين، 2013، 7) نظرًا لأن جوهر الديانات السماوية يساعد على التعاطف وتحمل أعباء الآخرين، مما يساعد على تخطى العداوة والانقسامات مثل إحلال المصالحة ومعالجة الأمور المتعلقة بالاستدامة العالمية ورعاية الفقراء والمعدومين، ومن ثم تمثل قاعدة لتعزيز المودة بين المجتمعات الدينية.
تاسعاً: مشروعات بحثية وأكاديمية مساندة:
تساند المبادرة بعض الساحات الأكاديمية ويتم تقديم طرح معرفى، ودراسات بحثية وتقديم بدائل سياسات؛ ومن أبرزها مشاريع بحثية تقوم بها جامعة "جورج تاون" و"بنسلفانيا" و"نوتردام" و"برمنجهام" و"أكسفورد"، وقد أصدرت كتب مثل التسامح فى السياسات الدولية وكتاب باسم تناقض المقدس، ومن أشهر باحثيها "دوجلاس جونستان"، ومعهد الولايات المتحدة للسلام. وفيما يلى نموذج لعمل بعض مراكز البحث الدبلوماسية الروحية فى مجال البحث والتخطيط، بل وتطبيق هذه الدراسات نموذج المركز الدولى للدين والدبلوماسية(The international Center for Religious & Diplomacy, 2017)
البحث: ترتكز محاور النشاط البحثى فى:
  • إعداد دراسات تخاطب الصراعات والنزاعات من المنظور المنهجى الآتى: اختيار الوضع الحالى من أجل تحديد أبعاد المشكلة والعوامل الرئيسة المتداخلة، التى تشتمل على أية مساهمات فى التاريخ، وتحديد الشخصيات الرئيسة التى تؤثر على الموقف، تحديد من لديه شبكة العلاقات ومنهجية الاقتراب منهم لتقديم الدعم المطلوب، تحديد مستوى المهارات المطلوبة لمخاطبة المشكلات، إجراء تقييم للديانات المحلية والقدرات العلمانية - تحديد المهارات الخارجية التى تتطلب مهارات داعمة بشكل أفضل - اختيار المنظمة المرشحة أو الأفراد للشراكة مع المنظمات الشريكة التى يمكنها تلبية الاحتياج من الخارج".
  • الانضمام إلى الشبكات الدينية والروحية الكونية لنشر الفكر وتبادل الآراء والدراسات "WORLD Vision- national prayer breakfast- mercy corps international- advocates international- initiative of change- religions for peace"
  • التخطيط: اختيار الموارد والإمكانيات التى يمكنها ان تحدث تأثيرًا عظيما، وتطويرًا لإستراتيجية شاملة لتناول المشكلات فى الموقف المختار.
  • التطبيق (التدخل على الأرض لحل النزاع): يقدم هذا المركز نموذجا لـ Think Do Tank مركز الفعل والتفكير فمع رسم المخطط وإعداد الدراسة المساعدة يتم تطبيق الخطة والتدخل لحل هذه النزاعات من المنطلق الآتى:
  • استخدام نقاط الاتصال المحددة، تنظيم مكون من عضوين "فريق الاستكشاف بالمركز" لمقابلة شخصيتين دينيتين محليتين رئيسيتين؛ لتحديد توجهاتهم تجاه المشكلة المطروحة وإدراكهم حول استعدادهم للمساعدة إذا كانت المساعدة المقدمة كافية.
  • تحديد الإمكانات المتاحة وطرق التنفيذ الممكنة، مع الأخذ فى الاعتبار الدعم المحلى الممكن (كل من الحكومى وغير الحكومى) من أجل صنع السلام؛ علاوة على التنسيق مع الفاعلين غير الدينيين، إضافة إلى الدعم على المستوى القومى فى اتجاه داعم لهذا النهج.
  • تحديد الأفعال الدينية المشتركة أى النهج الدينى التطبيقى فى شكل خدمى، وذلك بمجرد الشعور بحركة داعمة من القيادات الدينية والعلمانية.
  • إشراك موظفى المركز كقادة وأعضاء الفريق حيثما يكون ضرورى.
  • البدء فى حوار مع القادة الدينيين والحصول على دعمهم للبدء بمبادرة صنع السلام.
  • اختيار المؤسسات الطبيعية المناسبة مع شركائهم.
  • تطويع الدعم الحكومى وفاعلى القطاع الخاص لتمويل عمل المركز على الأرض.
  • تنفيذ الإستراتيجية ومتابعتها على الأرض: أى  متابعة العملية وتقديم الدعم الأخلاقى والفكرى للفريق المشترك.
  • الاستمرار فى تطبيق هذا المنهج داخل المنطقة التى حل بها النزاع لحل أية مشكلات مستقبلية قد تطرأ.
عاشراً: صراعات دينية ستظهر على الساحة للتمهيد لقبول المبادرة:
أشارت بعض الدراسات إلى وجود توترات على الساحة عبر الإحالة إلى بعض المصادر المرجعية، وترى الباحثة أن مثل هذه الصراعات تمثل مدخلا للتمهيد لقبول المشترك الدينى القائم على التسامح – ظاهريا - فى إطار الحديث عن الدبلوماسية الروحية. فالانقسام السنى الشيعى سيحل محل القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأهم فى العالم الإسلامى )كيسويتر وشاين، 2013، 7( وفقا  لدراسة صادرة عن مؤسسة "بروكنجز". وهذا يتلاقى مع الطرح الذى قدمه مركز "راند" عام 2007 خلال تقرير المفهوم الأمريكى للاعتدال الإسلامى، حيث أشار إلى:
  • إشعال حرب أسبابها دينية تقوم على إثارة صراع طائفى بين الوهابية (التى تمثلها السعودية) والشيعة (على رأسها إيران).
  • مع بناء نخب دينية تلعب دور داخل المعترك السياسى ألا وهى النخب الصوفية مع دعم التيار العلمانى. من أجل قيادة العالم الإسلامى نحو قيم للاعتدال بمفهوم أمريكى غربى وليس إسلامى.
  • والعمل على إظهار الحركة الجهادية كحركة أيديولوجية متطرفة تقتضى محاربتها بطرق وأدوات جديدة "حرب الأفكار".
  • فالحرب على الإرهاب – وفقا للتقرير وليس رأى الباحثة - لن تتم إلا بهزيمة الفكر الإسلامى فى ساحة الأفكار، فالصراع صراع أفكار بجانب الصراع الأمنى والعسكرى، وتكوين الولايات المتحدة مؤسسات أخرى تدعم التيار المعتدل – من المنظور الأمريكى الغربى - مع السماح لقيام المزيد من المؤسسات التى تخدم المصالح الأمريكية.
  • والتركيز على الأطراف وليس المركز خلال الصراع، والعمل على خلق دعاة جدد من الشباب والمفكرين والأكاديمين. (خفاجى، 2007)
فهذا الصراع الدينى الذى سيضع قضية الصراع المذهبى السنى الشيعى سيؤدى إلى خلق حالة من النفور بسبب المشاكل الداخلية بين أنصار الدين الواحد، ويمهد الطريق لقبول قيم مشتركة لا خلاف عليها، ولديها قبول إنسانى كقيم التسامح والمحبة والإخاء كمدخل للقبول بالفكر الجديد الذى تروج له الدبلوماسية الروحية. فى ظل تقديم طرح يقوم على أن الدين لا يسبب الصراعات بقدر ما يمكن أن يزيد من حدة الخلافات داخل الحضارات التى يهيمن عليها دين إبراهيمى واحد، أكبر من الخلافات فيما بين الأديان المختلفة. فذكر تقرير معهد "بروكنجز" بعنوان: الدين والدبلوماسية أن المسيحية تتصدر القائمة فى تلك الصراعات المذهبية، ويأتى الدين الإسلامى بعدها ليحتل المرتبة الثانية ويفسر ذلك – وفقا لرأيه - أن هذه الأديان وطوائفها تطالب بالحصرية دوما. )كيسويتر وشاين، 2013، 7( فالصراعات المذهبية داخل كل دين يحاول استغلالها للترويج لفكرة القيم الدينية والإنسانية المشتركة، لتحل محل أسباب النزاع كما يدعون. فالانقسامات داخل الأديان تزيد من فرص سياسات "ميزان القوى السياسى الواقعى".
2. الشكل المؤسسى للدبلوماسية الروحية: (مأسسة المفهوم)
تأخد الدبلوماسية الروحية ثلاث مستويات من المأسسة على المستوى الدولى (داخل المحافل الدولية)، ومستوى الحكومات، والمستوى القاعدى المتمثل فى مأسستها بالجامعات ومؤسسات المجتمع المدنى (مراكز الدبلوماسية الروحية) وذلك لضمان الدعم الدولى الرسمى والحكومى، والتمويلى كمحرك على الأرض للانتشار على المستوى القاعدى، وبناء الخلفية والأساس العلمى، والحجية التى تقوى دور المفاوض الدينى والسياسى (الدبلوماسى). وقد لوحظ أن مطلع الألفية كان بداية ظهور هذا الشكل المؤسسى لهذا الفكر الجديد.
أولاً: على المستوى الدولى:
نجح أنصار الدبلوماسية الروحية منذ مطلع الألفية فى خلق اهتمام دولى للمؤسسات التمويلية بقضية السلام الدينى العالمى؛ عبر دبلوماسية المسار الثانى بالتقارب بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة ووضعها على أجندتهم التمويلية، لأن هذا السلام سيحقق التنمية ويحارب الفقر الكونى. ويوضح الجدول رقم (1) أبرز الأنشطة والمؤتمرات على الساحة الدولية.
الجدول رقم (1)
أبرز الانشطة والمؤتمرات على الساحة الدولية
التوقيت المحفل/ النشاط
سبتمبر 2000 عقدت القمة النبوئية لإعلان الألفية فى إطار الأهداف الإنمائية للألفية وتم فيها التعهد ببذل الجهد لتحرير اتباعها من النساء والرجال والأطفال من الظروف السيئة للفقر المدقع.
عام 2000 أصدر صندوق النقد الدولى تقريرًا يتحدث عن المشترك الإبراهيمى يحمل عنوان عالم أفضل للجميع، وكان الأساس الذى قام عليه حوار الأديان برعاية البنك الدولى والصندوق ومجلس الكنائس العالمى.
2005 عقدت الأمم المتحدة أول اجتماع للقادة الدينين بالعالم الذين ركزوا على اللامساواة الكونية والحاجة الماسة لتناولها، وتم خلالها ربط الأفكار والمؤسسات الروحية بالعلمانية
يوليو 2005 تم تنظيم مؤتمر فى إطار مجموعة الثمانية (Guardian, 2014) G8* شارك خلالها عدد من القادة الدينيين والتنمويين والساسة معا لتحقيق سلام قائم على محاربة الفقر وتوصلوا لأهمية دور الجماعات الدينية فى قيادة العالم والتعبئة والحوار والفقر.
2006 قام مجلس المؤتمر العالمى للأديان من أجل السلام لمناقشة المساهمات الدينية المشتركة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
يوليو 2006 عقدت مؤسسة خدمة عالم الكنيسة ومؤتمر الكنائس بعنوان "قمة الأديان المتداخلة حول أفريقيا" ضمت عددًا من القادة الدينين من أفريقيا والولايات المتحدة تناولوا التحديات التى تقف أمام القارة الأفريقية، والتى انتهت بتوصية لتيسير اتصال المؤسسات الدينية لتحقيق السلام العالمى وتحقيق التنمية وحل الخلافات الدينية.
وفى يونيه 2006 عقد بالمغرب منتدى عالمى FES FORUM يناقش قضية التسامح فى إطار الديانات الإبراهيمية عبر التعليم الدينى المشترك النابع من حب الإله لدى الديانات الإبراهيمية الثلاثة.
2007 أنشأ المنتدى الاقتصادى العالمى دافوس مبادرة مجلس المئة C100 عام 2007 لتضم 100 قيادة تمثل خمسة تخصصات (العمل، السياسة، الدين، الإعلام، المجتمع المدنى) لمناقشة التحديات على هامش منتدى دافوس بحجة أن الاقتصاد والتنمية يتطلبان مناقشة السبل الممكنة لتحقيق السلام العالمى عبر مناقشة العلاقة بين الإسلام والغرب وهذه القيادات تمثل الطوائف الدينية -الفرعية- المختلفة الأديان السماوية الثلاثة، وتقوم بمناقشة مشكلة العلاقات الثقافية المشتركة والسلمية بين الأديان الإبراهيمية. ويعقد المجلس بشكل دورى على هامش المؤتمر.
2010 أنشأت الأمم المتحدة اللجنة الداخلية للتنمية المستدامة والعمل الإنسانى المرتبطة بالمنظمات المستندة على العقائد، جاء تأسيسها كمجموعة داخلية للتنمية، ولكن تطور دورها لتشمل 15 كيانًا من مختلف هيئات الأمم المتحدة وخارجها.
2014 اللجنة الداخلية للتنمية المستدامة بالأمم المتحدة المسؤولة عن الاتصال بالمنظمات المستندة على العقائد بالشراكة مع منظمات ترويجية، وجامعة "لندن" وجامعة "جورج ماسون" وآخرين بهدف الاجتماع مع المانحين الدولين وأبرز الشركاء من المنظمات المرتكزة على العقائد للبدء فى ترسيخ الروابط بين الدين والديناميكات التنموية الدولية والحفاظ على الأولويات الكونية لعصر ما بعد ظهور أهداف التنمية المستدامة فى 2015.
فبراير 2015 نظمت جامعة برمنجهام بالمملكة المتحدة تشاورات حول التعليم الدينى هدفت إلى صياغة مقرر حول مستقبل المدارس الدينية.
2015 أسست الأمم المتحدة شبكة أقران الدين والتنمية للاجتماع سنويا لمراجعة التنمية السياسية والجغرافية، وتقيم ما تصل إليه العقول والمؤسسات المجتمعية، والذى يمكن أن يسهم فى تطوير إدراك أجندة 2030 فى العالم.
يوليو 2015 اجتماع البنك الدولى التى جمع خلالها معنيين تنمويين رئيسيين بهدف مناقشة الروابط بين الدين والقضاء على الفقر، وتم خلالها مناقشة قضايا متعلقة بالصحة وتغير المناخ والعنف المستند على النوع الاجتماعى وموقف اللاجئين السوريين.
أعسطس- سبتمبر 2015 عقدت الوزارة الفيدرالية الألمانية حول الاقتصاد والتعاون والتنمية أول اجتماع للمانحين الدوليين حول الدين والتنمية فى فرانكفورت تم الاتفاق خلالها على ميكانيزمات التنسيق الدولى حول الدين والتنمية وسبل تفعيلها.
2016 أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقرير بعنوان العقائد المقسمة: الديانة: النوع الاجتماعى: السلام، والأمن فى أجندة 2030. ويؤكد التقرير على أهمية الدين والحوار بين الأديان السماوية الإبراهيمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهمية العمل مع المنظمات المستندة على العقائد والقادة الدينيين خلال تنفيذ برامج التنمية للأمم المتحدة.
15 فبراير 2016 مناقشات وستمنستر للعقائد تجمع معا الأكاديميون والقيادات العامة لمناقشة أحدث الأبحاث حول الدين والقيم يمول بواسطة منح مجلس أبحاث الأدب والإنسانيات ومجلس البحث الاقتصادى والاجتماعى وجامعة لنكستر.
2016 عقد المؤتمر الدولى "الديانة والتنمية المستدامة: بناء شراكات للقضاء على الفقر المدقع" تم تنظيمه من قبل البنك الدولى وبشراكة مع الحكومة الألمانية ومبادرة التعليم المشترك حول الجماعات الدينية والمحلية تم مناقشة قضايا على  هامش المؤتمر كالتحول الديموقراطى ومساواة النوع الاجتماعى، وتمكين المرأة والصراع السنى الشيعى.
نهاية 2016 أصدرت الحكومة الألمانية إستراتيجية حول "الدين والتنمية" وفى ضوئه أكدت الوزارة الفيدرالية الألمانية حول الاقتصاد والتعاون والتنمية وهيئة GIZ ضرورة تغيير سياسات عملهم وبرامجهم لتتضمن الأمور الدينية.
2016 أرسلت الأمم المتحدة بيانًا إلى كافة مكاتبها بدول العالم المختلفة لتقديم حوافز ودعم لربط التنمية بالعقائد ودعم المنظمات المستندة على العقائد، والتأكيد على ارتباط برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى عمله مع المنظمات المستندة على العقائد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أكتوبر 2017 عقد مؤتمر مجلس الكنائس العالمى حول سلام الكرة الأرضية، وتوصل إلى دور العقائد والمنظمات العقائدية فى حماية البيئة ومواجهة تغير المناخ.
أكتوبر 2017 نظمت جامعة كامبريدج مهرجانًا حول الأفكار تضمن حلقة نقاش حول جغرافيا الأديان فى جنوب آسيا تركز على العلاقات الديناميكية بين الأديان والوعد بالسلام الدينى العالمى ونبذ العنف والقضاء عليه.
25 مايو 2018 برنامج قيادة العقائد العليا يجمع قادة روحيين من الأديان السماوية الثلاثة (تحت مسمى الأديان الإبراهيمية) بالشراكة مع جامعة كامبريدج للعقائد المتداخلة يهدف للوصول إلى تفاهم حول النصوص.
11 : 18 نوفمبر 2018 أسبوع العقائد المتداخلة أسبوع يتضمن أنشطة تجمع معتقدى الأديان المختلفة للتقارب، حيث سيتضمن أنشطة مثل مناقشة كتب حول العقائد المتداخلة وأنشطة ثقافية مصاحبة تؤكد على التكامل الاجتماعى والحوار التفاعلى بين الشباب (كالقراءة – الموسيقى - الطبخ - التأمل) ينظمه شبكة الأديان المتداخلة بالمملكة المتحدة.
 
المصدر:
Karam, Azza, Realizing the Faith Dividend: Religion, Gender, Peace and Security in Agenda 2030, Technical Report, United Nation Population Fund, New York, 2016
Cambridge Interfaith Programme, www.interfaithcam.ac.uk/seniorsseminars, Accessed on 22/01/2018
Interfaith Network for the UK, Interfaith Week, available at http//:www.interfaithweek.org/static/privacy, accessed at 20/01/2018
Marshall, Katherine, Saanen, Marisa Van, Development & Faith:  Where Mind, Heart, Soul Work Together, Washington DC, World Bank, 2006, http://siteresources.worldbank.org/EXTDEVDIALOGUE/Resources/Development_Faith.pdf, accessed on 22/11/2017
West Minister Faith Debates, A New Settlement: Religion & Belief in Schools, www.Faithdebates.org/uk/wp-content/vploads,2015, accessed at 20/01/2018
World Council of Churches, Final Message of the WCC Conference Just Peace with Earth (Iceland, Oct), www.oikoumene.org/en/resources,2017, accessed at 20/01/2018
يمثل هذا المستوى من الاهتمام على الساحة الدولية حل لمشكلة تمويل مؤسسات الدبلوماسية الروحية أو الدينية فى التمويل؛ فربطها بقضية مكافحة الفقر العالمى، وتحقيق لأهداف التنمية المستدامة التى أرستها الأمم المتحدة. حفزت كل من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى لتبنى الفكرة وتنبيه كافة المؤسسات التمويلية العالمية بوضع قضية تحقيق السلام الدينى العالمى على أجندتهم التمويلية مثل GIZ ومن ثم تكون منظومة التنفيذ مكتملة الأبعاد.
ثانياً: على مستوى الحكومات: (وزارة الخارجية الأمريكية)
من أبرز الحكومات التى مأسست لهذا الفكر الحكومة الأمريكية، ومن أهم الأمثلة على هذا التوجه المؤسسى داخل وزارة الخارجية الأمريكية مع اختلاف وزراء الخارجية:
ففى عهد هيلارى كلينتون – وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق - تم تكوين فريق عمل حول الدين والسياسة الخارجية - فريق العمل هو فريق من ست فرق أنشأتها وزيرة الخارجية كلينتون تحت عنوان "الحوار الإستراتيجى مع المجتمع المدنى" - من أجل "ضمان فرصة التشاور والتعاون المتبادلين". ويتبع الهيئة الاستشارية الفيدرالية حول الحوار الإستراتيجى يضم  حوالى 100 فرد من القادة الروحيين، ومسئولين فى وزارة الخارجية تطلع بتقديم المشورة لوزير الخارجية  Keiswetter & Chane, 2013) وقد أوصى الفريق بسلسلة إجراءات تندرج تحت أربعة عناوين:
  • تعزيز قدرة وطنية على توجيه القضايا الدبلوماسية الدينية.
  • توجيه وزارة الخارجية لتطوير مواد لتحسين التعامل مع الدين.
  • إنشاء آلية رسمية داخل وزارة الخارجية تأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر الدينية.
  • إضفاء الطابع المؤسسى على فريق العمل حول الدين والسياسة الخارجية.
وعلى الرغم تغير وتعاقب وزراء الخارجية الأمريكية، وتغير الإدارة من الديموقراطيين للمحافظين، إلا أن هذه الإدارة مازالت قائمة وتمارس عملها فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رمز المحافظين (وزارة الخارجية الأمريكية إدارة الحوار الإستراتيجى مع المجتمع المدنى، 2017( الجدد، مما يعكس أن النهج مستمر، ولم ينقطع. ويرى د. سعد الدين إبراهيم (رئيس مجلس إدارة مركز ابن خلدون) أن هذا النهج المؤسسى يعود لجورج بوش الأب لكن قد يكون الإعلان عنه جاء فى عهد هيلارى كلينتون. )سعد الدين إبراهيم، 2017)
مكتب وزارة الخارجية الأول للمبادرات الدينية: وفى عهد وزير الخارجية جون كيرى: بدأ يدرس التعاون الدبلوماسى الدينى، وعين شون كيسى (عضو الميثودية المتحدة وأستاذ الحلقات الدراسية اللاهوتية فى جامعة ويسلى بواشنطن) ليدير مكتب وزارة الخارجية الأول للمبادرات الدينية، حيث يكرس الشراكة مع المجتمعات الدينية العالمية، والقادة الروحيين بشأن قضايا أولية مثل: "التحولات العربية - السلام فى الشرق الأوسط - التغيرات المناخية - حقوق الأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة". وفى أغسطس 2013 اعترف الوزير كيرى "بالأرض المشتركة للديانات الإبراهيمية" واعترف بتأثير الدين العالمى فى مواجهة الخطر المحدق بالولايات المتحدة. "إعلان كيرى لتأسيس مكتب المبادرات الدينية، حيث أوعز للدبلوماسيين أهمية إشراك القادة الروحيين والمجتمعات الدينية فى العمل يوما بعد يوم"(Keiswetter & Chane, 2013) الشبكة السياسية للدين والدبلوماسية: تمولها وزارة الخارجية الأمريكية  لتمارس ذات الدور المنوط بمؤسسات الدبلوماسية الروحية، حيث تقوم بجمع الدبلوماسيين ورجال الدين الأوربيين والكنديين والأمريكان تركز على قضية الدين وبناء السلام) (Office of Religion and Global: U.S. Department of State Affaire 2017).
ثالثاً: مراكز أو مؤسسات أو برامج الدبلوماسية الروحية: (الانتشار القاعدى)
مثل مطلع الألفية التوجه لمأسسة الفكر فى شكل مؤسسات عاملة على الأرض، خاصة أن الباحثة لم تتمكن من الوصول إلى مؤسسات ترجع نشأتها قبل مطلع الألفية(Abrahamic Reunion, 2017) .* يمكن تسمية هذه المنظمات "المنظمات القائمة على الإيمان" faith based organizations لكنها اشمل من الروحية، حيث تمثل الأخيرة أحد أنواعها فهم فاعلون من غير الدول كالمنظمات غير الحكومية والعمال والقادة الدينيين والأفراد. فهى مؤسسات دينية بارعة فى حل المشكلات التى لا يمكن للدبلوماسية العلمانية فهمها. مثال المصالحة التى تتم بواسطة معهد المصالحة بكشمير، ومثل هذا النوع من الدبلوماسية التى تمارسها هذه المؤسسات يجعل من الممكن عقد حوارات حول مفهوم البيئة الآمنة. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن ليس كل نوع من هذه المنظمات يمكن وصفها بأنها منظمات دبلوماسية الروح لكن كل منظمات الدبلوماسية الروحية هى منظمات تستند على العقائدية(Sandal, James,  2011, 3-25), ، وأمكن التوصل إلى عدد من الملامح التى تشكل منهجية عمل هذه المؤسسات بناء على دراسات حالة مختلفة لهذه المؤسسات، على النحو التالى:
  • وضع دليل إرشادى "للقادة الروحيين (رجال دين - ساسة)" البعض كمعهد أبناء إبراهيم يطلق عليه اسم "التفكير الكتابى: دليل للعقل والحركة" يقدم مرجعية للقيادات الروحية ومصدر للنصوص المشتركة يحمل صفة القدسية. (نزع القدسية تدرجيا عن الكتب المقدسة وإعطائها لهذا الدليل). ويستخدم هذا الدليل كمرجع أيضا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تناول القضايا التى تم طرحها عام 2015م من قبل الأمم المتحدة والاتفاق حول النصوص المؤيدة لها وسبل دعمها.
  • المنهجية تتمثل فى إعادة التفسير فى إطار التأويل وعدم التسرع فى فهم المعنى الظاهرى للنص، كما يسمونه الرسائل الحرفية للنص (وهو مدخل الخطورة لتأويل النصوص وفقا للاهواء).
  • تعزيز العلاقات بين المشاركين كمدخل لنشر المفهوم عالميا عبر:
  • مركز للحرمة والقدسية (العلاقات الدينية): أى نقل حرمة دور العبادة فى الأديان إلى حرمة المراكز الإبراهيمية العاملة (كمعهد أبناء إبراهيم).
  • احترام النص المشترك وفتح بوابة دائمة للحوار فهذه البوابة هى مصدر القداسة.
  • إقامة شبكات من العلاقات بين المشاركين: وتحديد مواقع البشر المؤيدين لمواصلة الدراسة الكتابية.
الانتشار عالمياً:
  • إقامة أفرع لهذه المؤسسات عالميا بالدول والأقاليم المختلفة "مراكز إقليمية للرابطة الإبراهيمية"؛ بحيث تكون المراكز الرئيسة مهمتها رعاية المراكز الصغيرة، وتحديد الأهداف السياسية والدينية، لتكون مراكز للحكم السياسى والمدنى وكذا الدراسة الدينية. والمراكز الصغيرة التابعة مهمتها جمع قيادات المجتمع العاملة فى مجال الأعمال المدنية والسياسية. ويمكن استخدامها فى دعم التنمية المستدامة من المنظور الروحى الذى وضعه الدليل الإرشادى للقادة الروحين.
  • إنشاء جامعات أو تدريس هذا الفكر فى جامعات عالمية كجامعات فيرجينيا وبنسلفانيا. أو التنسيق مع الأكاديميين والطلبة وفتح جلسات دراسية، وحوارية مستمرة، والبدء باختيارات نصية صغيرة لمناقشتها وتفنيدها، والتمييز بين القراءة التقليدية والمعاصرة للنص الدينى وربطه سياسيا. وإقامة حلقات ومقررات وتدريبات تناقش قضية "كيفية تدريس أديان العالم للسلام والحرب فى مختلف دول العالم".
  • بناء كوادر بمختلف دول العالم يتم تدريبهم على برنامج يسمى بدورات الممارسين الإبراهيمين وتوليد ما يسمى بـ "أسر ممارسات السلام".
يوضح الشكل رقم 1
منهجية عمل مؤسسات الدبلوماسية الروحية

المصدر: الشكل من إعداد الباحثة
يتضح مما سبق ومن الشكل رقم (1) أن مفهوم المقدس يخططون لتغيره لنزع قدسية الكتب السماوية (مما يمثل الخطورة)، لتكون أدلة الفكر الجديدة هى المقدسة، ونزع حرمة دور العبادة لتصبح مراكز الفكر الإبراهيمى وهى التى لها الحرمة وفقا لهذا الفكر، وفتح باب التأويل المستمر للنصوص وفقا للأغراض السياسية ومواجهة أية عقبات سياسية قد تقف أمامهم.
يتم تمويل المشاريع فى مختلف مناطق العالم، وكذلك فى مدن مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، من خلال التمويل الحكومى والتبرعات الخاصة والمنح وتمويل الجامعات. (Abrahamic Reunion, 2017) يوضح الجدول رقم (2) أمثلة لبعض المنظمات العاملة فى الدبلوماسية الروحية.
جدول رقم 2
أمثلة لبعض المنظمات العاملة فى مجال الدبلوماسية الروحية
المركز أو الجهة النشاط
المركز العالمى للدبلوماسية الروحية مؤسسة أمريكية تعمل خارج أرض الولايات المتحدة فى جزيرة Bermuda وهى حركة غير سياسية وغير حزبية، ولا تمثل تيارًا فكريًا سائدًا حول الدبلوماسية، ولكنها تهتم بربط الدين بالعمل الدبلوماسى لحل المشاكل السياسية بين الأمم والجماعات القومية(Official Page of Spiritual Diplomacy World Council, 2017)  وتعرف نفسها بأنها راعية الدبوماسية الروحية فى العالم. وتدعم طرح د Dr. Jaerock Lee بكوريا الجنوبية الذى سبق الإشارة إليه (الدين الإبراهيمى الموحد)، وتتحدث الآن عن القدس الجديدة الإبراهيمية.
مركز شارلوتسفيل المجتمعى مركز رعاية الطلبة فى مجال الدراسات الكتابية.
مجلة التفكير بالكتاب المقدس منبر لنشر النصوص المتفق عليها.
مركز تشايدرد تشاى يسجل المراكز التابعة لمعهد أبناء إبراهيم ويمثل حلقة الوصل للتنسيق المستمر.
كلية العلاقات المسكونية والأديان - جامعة إنديانابوليس تقوم بتدريس مقررات تدعو للفكر المطروح.
معهد أبناء إبراهيم يتبع جامعة فيرجينيا مجموعة التفكير بالكتاب المقدس مؤسسة تمارس الدبلوماسية الروحية، تم تأسيسه  فى عام 2007م، كمعهد أكاديمى يمنح زمالة المجتمع المستمر للتفكير بالكتاب المقدس المسيحى والدراسة مقرها فى جامعة فرجينيا.
مركز سانت إيثلبورغا للمصالحة والسلام
 
مركز فى قلب مدينة لندن مكرس لاستكشاف العلاقة بين الإيمان والصراع من خلال: أ) جمع الناس معا لتبادل الخبرات والتعلم عن دور الإيمان فى حالات الصراع، وب) تطوير طرق عملية لمساعدة الأفراد والمجتمعات المحلية على استخدام إيمانهم لتحويل حالات الصراع.
برنامج كامبردج للأديان، جامعة كامبريدج يركز على الهويات الأساسية لليهودية والمسيحية والإسلام فى العالم المعاصر، من خلال تفسيرهم للكتاب المقدس، وتقاليدهم التمثيل والفن. ومنح زمالات أكاديمية فى الديانات الإبراهيمية.
جمعية التفكير التوراتى بدأت فى عام 2001م، تمنح زمالة أعضاء هيئة التدريس لدراسة الكتاب المقدس المسيحى والمنطق، ومقرها فى جامعة كامبريدج.
مجموعة طلاب جامعة فيرجينيا هى شكل لدوائر طلاب الجامعات. تتألف من طلاب الدراسات العليا، وتجتمع مجموعة التفكير الكتابى شهريا لحضور دورات قراءة الأديان ودراسة الكتاب المقدس. ويتم تنظيم هذه الجلسات حول قصص الكتاب المقدس المشتركة أو الموضوعات الدينية الهامة. تركز كل جلسة على نص معين من أحد التقاليد الإبراهيمية، كل قراءة تبنى بناء على القراءات السابقة.
جمعية التفكير العقائدى تم تأسيسها 2002م لدراسة الكتاب المقدس وفقا للرؤية المشتركة وساهمت فى نشر الفكر بين الأوساط الأكاديمية للأديان الثلاثة.
جامعة إنديانابوليس قامت بتنظيم برنامج للحوار بين الأديان وتوصلت لأهمية التركيز المسكونى للأديان، وخرجت بمبادرات قيمية كأحد مناهج الأدلة الإبراهيمية
اتحاد تراث إبراهيم مؤسسة إسرائيلية أعضاؤها من اليهود، وعرب 48  تحمل شعار الدين هو القوى المحركة للسلام بالأرض المقدسة. فريق من القيادات الدينية والروحية من الرجال والنساء المسلمين اليهود والمسيحيين والدروز تهدف لبناء السلام فى الأرض المقدسة. ودعم صناع السلام الروحيين الآخرين والمنظمات لتقديم التدريبات للأفراد المهتمين بصنع السلام الروحى، وخلق وتنفيذ برامج دينية مشتركة واحتفالات وأنشطة شبابية وغيرها من المبادرات التعليمية الأخرى.
إعادة اتحاد عائلة إبراهيم برنامج بمعهد esalen بكاليفورنيا تشمل مفاوضات المسار الثانى باستخدام المدخل النفسى وتتضمن ورشة عمل حول الأصولية الإسلامية والمسيحية واليهودية  وذلك لتحديد جذور المبادئ الأصولية فى الأديان الثلاثة وتطبيق ما يعرف عن علم نفس الجماعة الكبيرة، والتروما التاريخية لرؤية إذا كان هناك طريقة لتقليل التوجهات العنيفة والقتالية فى الأصولية. إن الهدف العام هو بناء اتحاد قوى للمشاركة فى ورش عمل يهودية مسيحية إسلامية يتم تحديدها لاستنتاج نهاية هذا العالم ووضع أسس الالتزام بشأن العلاقات المستقبلية التى تستند على القيم المشتركة الأخلاقية والاجتماعية من منطلق قبول واحترام مبادئ محددة "إننا جميعا أبناء الله وجميعنا مهمين ولنا قيمة".
الشبكة السياسية للدين والدبلوماسية    تقوم بجمع الدبلوماسيين ورجال الدين الأوربيين والكندينين والأمريكان تركز على قضية الدين وبناء السلام مدعومة من وزارة الخارجية الأمريكية  .
المركز الدولى للديانة والدبلوماسية مؤسسة غير هادفة للربح بواشنطن  تهدف إلى تقليل المسافة (تجسير) الاعتبارات الدينية مع التطبيق الخاص بالسياسة الدولية لدعم صنع السلام.
مشاريع بحثية تقوم بها جامعة جورج تاون وبنسلفانيا ونوتردام أصدرت كتب مثل التسامح فى السياسات الدولية وكتاب باسم تناقض المقدس
 
 
المصدر:
  • Children of Ibrahamic Institute official website, http://abraham.lib.virginia.edu/studentuva.html, accessed on 05/11/2017
  • Youn, Willie, "Be Transformed by the Renewing of Your Minds": Scriptural Reasoning and the Legacy of Dr. Martin Luther King, Jr., http://abraham.lib.virginia.edu/YouTran.html,accessed on05/11/2017
  • Cartwright, Michael G., Gathering at the Table for Scripture Study: A Jewish-Christian-Muslim Trialogue about Jonah Texts, http://abraham.lib.virginia.edu/CarGath.html
  • Abrahamic Reunion, http://stjamesbozeman.org/sites/default/files/abrahamic_reunion_flyer.pdf،accessed on 26/11/2017
  • Montville, Joseph V., Track Two Diplomacy: The Work of Healing History, The Whitehead Journal of Diplomacy and International Relations, Summer/Fall 2006, www.journalofdiplomacy.org
  •  The international Center for Religious & Diplomacy, http://icrd.org/approach/, accessed on 16/11/2017
يتضح من الجدول السابق أن هذه المؤسسات لم يكن لها وجود قبل مطلع الألفية، وتتنوع بين برامج أو معاهد أكاديمية مؤسسات مجتمع مدنى، جمعيات دوائر طلابية لبناء الكوادر الجديدة، وجميعها تهتم بالتأصيل النظرى للفكر الجديد عبر تأويل النصوص بالأديان الثلاثة.
3. الدبلوماسية الروحية مقابل الدبلوماسية العامة:
وبعد استعراض ملامح الدبلوماسية الروحية ومرتكزاتها التى تختلف عن المفهوم التقليدى للدبلوماسية العامة، وللتأكيد على هذه الفروق الجوهرية، ويقدم هذا الجزء طرحا لإمكانية تعريفها مقارنة بالدبلوماسية العامة. ويمكن تعريف الدبلوماسية الروحية باستخدام قانون الأضداد فتعرفها بضدها، خاصة أن الدبلوماسية الروحية تختلف فى مفهومها وممارستها عن الدبلوماسية العامة رغم ضرورة التنسيق بينهما فهما مكملان لبعضهما البعض. ويوضح الجدول رقم (3) الفارق بين الدبلوماسية الروحية والعامة.
جدول رقم 3
الاختلافات بين الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الروحية
وجه المقارنة الدبلوماسية العامة (الرسمية) الدبلوماسية الروحية
حل النزاع أحد مهام الدبلوماسية العامة عبر التفاوض. هو دورها الأساسى فى إطار وظيفة أسمى ألا وهى خلق سلام دينى عالمى.
الرسمية رسمية ولها قواعد منظمة اللارسمية من أهم خصائصها وقوتها لتجنب الدعائية وخسارة المكاسب السياسية بسبب المواقف المعلنة، أيضاً حتى يمكنها الوصول إلى الأهداف الرئيسة للنزاع.
السفير (البعثة الدبلوماسية) ممثل للدولة لا لشخص الحاكم لا يوجدما يمنع أن يكون ممثل لشخص الحاكم وليس الدولة أو قد يكون وفد أو دائرة من رجال الدين بشكل رسمى لحل مشاكل العالم عبر مناقشة القضايا الحساسة خاصة ذات البعد الدينى وإيجاد المشترك بينهم
الامتيازات حصانة وامتيازات ينظمها القانون الدولى والأعراف والمواثيق الدولية. تختلف ولا تصل لدرجة امتيازات البعثة الدبلوماسية الرسمية ولا يوجد ميثاق او قانون دولى ينظمها وقد يكون السبب حداثة المبادرة وتختلف من كل دولة ومنظمة ولكن قد ينظر إليهم كموظفى البعثات الإنسانية حسب دور كل مؤسسة مخولة بممارسة هذا الدور.
الهدف تحقيق الأهداف الأمنية والاقتصادية والسياسة الخارجية للدولة ومعرفة وضع الدولة المضيفة وحل النزاعات بالطرق السلمية مع الموازنة بين الحكمة والقوة. خلق سلام عالمى عبر خلق مشترك بين المقدسات السماوية ونقلها إلى الخريطة السياسية فالأولوية للمتفق عليه وما يسمى بـ "أصحاب الحق الأصلى".
الوسيلة بعثات دبلوماسية- مؤتمرات قمة- مباحثات- مفاوضات ... وغيرها من الوسائل التى ينظمها القانون الدولى. منظمات مجتمع مدنى (تسمى faith based organizations أو تحمل مسمى الدبلوماسية الروحية – أو الإبراهيمية- أبناء إبراهيم..) -  مؤتمرات دولية- دوائر حوار- تدريبات- أبحاث- شبكات دولية- بناء قيادات- وكوادر شابة - مقررات بالجامعات - تحويل الحوار والنتائج إلى تطبيق عملى ملموس.
التبعية المؤسسية وزارة الخارجية بدول العالم المختلفة ومؤسسات الدولة الرسمية وفقا للقانون والأعراف تتم بمبادرات فبعضها مؤسسات مجتمع مدنى أو تتبع جامعات - أو ضمن المؤسسات الدولية العالمية كشبكات المجتمع المدنى- أو تتم على هامش مؤتمرات دولية - لكن ما لاحظته الباحثة تركز أغلبها فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية - وإسرائيل علاوة على عدد فى فرنسا وألمانيا لكن الأغلب فى الدول الثلاث السالف ذكرها وتتركز الجامعات فى الولايات المتحدة كجامعة بنسلفانيا.
الأدوات التفاوض والتمثيل الدبلوماسى والمباحثات... الدمج بين الساسة ورجال الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام – المسيحية - اليهودية) عبر دبلوماسية المسار الثانى للتفاوض Track II Diplomacy .
العلاقة بينهما ضرورية لضمان إنفاذ التوصيات حتى لا تفقد جدية نتائجها خاصة أنها تتضمن ساسة قد يكونون دبلوماسيين أو صناع قرار آخرين. وأخذت الولايات المتحدة خطوة رسمية عبر إنشاء إدارة تضم دبلوماسيين ورجال دين ممثلين للأديان السماوية الثلاثة لمتابعة هذه المبادرة.
البعد السياسى واضح ومعلن فهى أداة من أدوات الدولة لتحقيق مصالحها، ومن أدوات صنع وتنفيذ سياساتها الخارجية. الساسة مكون رئيسى فى دوائر الحوار ونقل الدينى إلى الخريطة السياسية (كالحديث عن ما يسمى بالدولة الإبراهيمية).
القضايا موضع الاهتمام قضايا السياسة الخارجية والتعاون بين الدول والأمن القومى والشؤون الاقتصادية والتجارية والثقافية. كافة القضايا لكن اهتمامها الرئيسى بالأساس فى القضايا الأكثر حساسية والتى يصعب مناقشتها فى العلن أو التى يوجد بها محاذير لطرحها أو التى تتدخل فيها القضايا الدينية والأابعاد المشتركة خاصة قضية القدس والصراع العربى الإسرائيلى وإيران والاهتمام على وجه الخصوص بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربى.
ميثاقها المنظم القوانين الدبلوماسية المنظمة.
 
الديانات الإبراهيمية أو الدين العالمى (الدين الإبراهيمى) حسب الطرح المقدم من قبل الجهة التى تمارسه.
الدبلوماسية الدينية أحد أدواتها فى إطار مفهوم القوى الناعمة. رؤيتها تخطت مرحلة الدبلوماسية الدينية إلى أن تكون هى مصدر صنع السياسة ومراكز صنع القرار العالمى فتبعيتها وولاؤها ليس لدولة ولكن للمتفق العالمى والمتفق عليه فى إطار الطرح الإبراهيمى الذى سيتم تطبيقه على الخريطة السياسية.
رجال الدين قد يستعان بهم فى إطار القوى الناعمة للدولة لتبرير أو لتنفيذ السياسة الخارجية لكنهم ليسوا من ضمن الهيكل المؤسسى للدبلوماسية العامة. هم ركيزة أساسية تقوم عليها الدبلوماسية الروحية مع الساسة، وقد دمجتهم بشكل حكومى رسمى كاستثناء عن القاعدة الولايات المتحدة الأمريكية (كما سبق الذكر وسيتم تناوله بالتفصيل لاحقا).
 
المصدر: الجدول من إعداد الباحثة
يتضح من الجدول السالف ذكره أن الدبلوماسية الروحية تضطلع بالقضايا الحساسة التى يعتبر التدخل فيها بشكل رسمى أقل نفعا، ولكن التكامل بين الأداتين سيعظم المنفعه لكن الخطر ليس فى "التكنيك" ولكن فى الجوهر، كما سبق الإشارة.
وبعد استعراض المفهوم ومرتكزاته وانتشاره القاعدى ومأسسته داخل المحافل الدولية، ومن قبل بعض الحكومات، يمكن القول أن القضية أبعد من كونه مجهود فكرى أو بحثى فقط فهى خطة وحركة آخذة فى التنامى، وتحمل فى جوهرها المخاطر، حيث ترى الباحثة أن قبول هذا الفكر على علته أمر محفوف بالمخاطر، لأن:
  • الحديث عن فتح المجال والحوار بشأن إعادة تأويل النصوص، واعتبار هذا النهج أمرًا مقدسًا أمر محفوف بالمخاطر خاصة فى ظل استخدام البعض للتفسير الزائف لدمار العالم.
  • تغير المقدسات: نقل قدسية دور العبادة إلى مراكز الدبلوماسية الروحية، وقدسية الكتب السماوية إلى ناتج القيم المشتركة بين الأديان.
  • الدعوة إلى الديانات الإبراهمية أو الدين الإبراهيمى العالمى: رغم محاولة الترويج لاختلاف الطرحين لكنهما وجهين لعملة واحدة كلاهما يدعو إلى التماهى الدينى لصالح الديانة اليهودية، الديانة الأولى، وطرح أن الإسلام يهودية معربة والمسيحية ديانة وثنية مشتقة من اليهودية – كما سلف الذكر - ما هو إلا من أجل ضياع الحق وسيخلق مشاكل كبيرة لأن القبول بهذا المنطق غير وارد لدى أنصار المسيحية والإسلام.
  • حل النزاع عبر المشترك الدينى ونقله إلى الخريطة السياسية: أمر جد خطير خاصة فى تزييف التاريخ وتغيره وربطه بتأويل للنص الدينى، وفقا لأصحاب الحق الأصلى فى ظل براعة مفاوضين وإجادتهم لاستخدام "تكتيكات" يفتقدها البعض قد تهدد مستقبل المنطقة.
  • محورية قضية القدس وربطها بالديانة الإبراهيمية ووصمها بعاصمة الدولة الإبراهيمية، ثم المحاولة الفعلية لتطبيق النهج خلال مارس 2017م من قبل منظمة الانروا أمر يحتاج للتأهب والانتفاضة.                                                                                                                                                                                                     
  • بناء القيادات وأسر ممارسات السلام ستكون مدخلاً لبناء قوى داعمة للفكر والحركة.
  • النظر للدبلوماسية الروحية كمدخل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ما هو إلى وسيلة للحصول على الدعم العالمى للقضية، ويمكن تحقيقه عبر المؤسسات الدينية المتعارف عليها والمتفق عليها من قبل الأديان الثلاثة، والتنسيق قد يتم عبر الية الحوار المعتاد عليها والتى ظهرت بعد الحرب الباردة كما سلف الذكر. فيجب ألا ننخدع بمثل هذا الزيف المدمر للعالم.
  • دعم هذا الفكر هو من قبل تيار المسيحية الصهيونية التى ترغب فى سيادة إسرائيل وانتصارها لنزول السيد المسيح، ونهاية العالم كما سلف الذكر، ويجب أن نعى ذلك تماما وسيستمرون فى استحداث مبادرات مختلفة من هذا السياق لتحقيق هدفهم وغايتهم.
لابد أن نعى أن مثل هذا الطرح يجب الاستعداد له، بل والاستفادة من التكتيكات التى يستخدمها للتأهب والاستعداد ونشر الوعى المجتمعى، بل أن الباحثة تخشى أن يتم فى المستقبل قياس مؤشرات تحقيق التنمية المستدامة بمراعاة المبادرات المصاحبة للدبلوماسية الروحية بل وقياس التماسك الاجتماعى من هذا المنطلق. من هنا ترى الباحثة ضرورة صياغة نموذج خاص يعكس التماسك الاجتماعى الجاد بالمنظور المصرى السمح والاستفادة من "التكتيكات" المصاحبة للفكر مثل:
  • أهمية دبلوماسية المسار الثانى لحل النزاعات.
  • الحوار الخدمى مدخل مهم للاحتواء وإشاعة الحب والتفاهم.
  • أسر ممارسات السلام مفهوم مهم يجب الترويج له خلال التواصل مجتمعيا بشكل قاعدى.
  • الاهتمام بالطلبة فى المدارس ككوادر للمستقبل.
من هنا انطلاقا مع هذه الرؤية تقوم السياسات المقترحة التى يقدمها الجزء الثالث والتى تهدف إلى تقديم البدائل الممكنة لصانع القرار المصرى والعربى.
القسم الثالث: سياسات مقترحة لصانع القرار المصرى:
على الرغم من أن الهدف المعلن هو تحقيق السلام ومحاربة الفقر الكونى والشمول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والقضاء على الصراعات والنزاعات إلا أن الباطن أمر مختلف ويحمل أجندة خاصة تمثل تهديدا لواقعنا ومجتمعاتنا. وفى ظل الاهتمام الدولى بالمفهوم بشكل منظم على المستوى الحكومى وغير الحكومى، بدعم من المنظمات المالية الدولية كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، بشكل متكامل مع الحركة التنظيمية لمؤسسات الدبلوماسية الروحية، التى تتعدد أشكالها ما بين مؤسسات مجتمع مدنى ومقررات وبرامج أكاديمية ومعاهد دراسية، أو حركات شبابية، أو دوائر أكاديمية، أو شبكات إلكترونية... الخ، تتجسد الصورة فى صعوبة إنكار الظاهرة أو تجاهلها. فهى حركة متنامية مدعومة من الدول الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة البريطانية، والكيان الصهيونى "إسرائيل"، وكوريا الجنوبية حليفة المعسكر الغربى. لذا وجب على صانع القرار ضرورة الاستعداد وتكوين رؤية للاستفادة من هذا التوجه الجديد، والتعاطى معه بشكل مفيد وتقليل آثاره.
فى ظل الإيمان بأن السلام العالمى لا يتطلب تغير المعتقد أو تفنيد النص، ولكن التعايش الفعلى فى إطار من الاحترام المتبادل وقبول الآخر بعيدًا عن التعصب أو العنف.
وترى الباحثة أن الهدف من الدبلوماسية الروحية هو تغيير الواقع وضياع الحقوق، وفقا لمخطط جديد، يتم رسمه فى ظل عدم جدوى الطرق التقليدية السابقة للقضاء على مناطق النزاع بما يحقق المصالح الغربية. وقد اتضح للباحثة بعد استعراض الأدبيات المختلفة أن مكان الاهتمام هو منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى. كما أن القضايا محل الاهتمام والأكثر تكرارًا فى الأدبيات المختلفة قضيتى القدس، والعلاقات الإيرانية والصراع السنى الشيعى؛ كمدخل للتمهيد بقيم مشتركة تدعو للتسامح والإخاء، فى ظل تناحر الطوائف الواحدة داخل الدين الإسلامى الذى يرى تقرير الاعتدال عام 2007م أن الإسلام هزيمته ستتم فى ساحة الأفكار والتناحر لتصدير صورة أن سلوك الأتباع دليل على سوء المعتقد كما سلف الذكر.
والحديث عن الديانات الإبراهيمية أو الدين الإبراهيمى هما وجهان لعملة واحدة؛ يصبان فى نهاية المطاف لصالح الديانة اليهودية وترجمة ذلك على الخريطة السياسية، لحل النزاعات القائمة على أساس مبررات دينية قائمة على التأويل وربطها بصانع القرار والساسة. كما أن عدد اتباع الديانات السماوية الثلاثة حوالى نصف سكان العالم، لذا انتشار هذا الفكر ليسود بالعالم أمر محل شك لكن انتشاره ليسود الديانات السماوية أمر محفوف بالمخاطر، ويصعب جزمه لأن الأمر متوقف على الوعى والمقاومة.
تغير شكل النظام العالمى وصعود أسهم الصين سيفسح مجالاً للمناورة أمام الدول النامية ولن يجعل المطالب الأمريكية والغربية محل انصياع كامل، وإنما وجود رؤية مغايرة حتى وإن كانت ضد هذه المصالح الغربية أمر وارد وممكن. ومن ثم التعاطى مع هذا الطرح أمر غير حتمى حتى وإن كان مدعوما من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، فى ظل بدء ظهور بديل لهذه المؤسسات شرقى الوجهة أى تدعمه الصين ضمن اتحاد البريكس كبنك التنمية الآسيوى*. لذا من الضرورى الأخذ فى الاعتبار هذا المتغير المطروح عالمياً.
يجب تقديم النموذج المصرى القائم على التسامح الدينى، ودعم القيادات الدينية من أجل اللحمة الوطنية، وليس من أجل تأويل النصوص الدينية. فالحوار يجب بالفعل تحويله إلى فعل ملموس على الأرض يدعم بدوره التعايش المشترك، ويكسر الأفكار المغلوطة بسبب الاحتكاك المباشر، والتعاون من أجل تنمية الوطن، والانتقال من الأبراج العاجية للحوار بين القيادات الدينية للنزول إلى أرض الواقع بين الشعب. ويمكن فى هذا الصدد اقتراح عدد من السياسات يمكن تصنيفها إلى ثلاثة مجموعات الأولى تتناول المكون الدولى العالمى المتعلق بالسياسة الخارجية، والثانية تناقش سياسات قطاعية، والثالث يتعلق بتنظيمات أو مؤسسات قاعدية تم صياغتها على شاكلة خطة عمل تستهدف صانع القرار المعنى والشركاء المحتملين.
المحور الأول: محور السياسة الخارجية
يستهدف هذا المحور الاستفادة من التكتيكات التى تتضمنها الدبلوماسية الروحية كساحة المسار الثانى للتفاوض، وتطويعها لحل القضايا الشائكة، والاستعداد والتأهب للخطر المصاحب لهذا المشروع الغربى بل والمبادرة ونشر الوعى وبناء رأى عام دولى مؤيد للنموذج المصرى. ويجمع هذا المحور دوائر مختلفة من صناع القرار بمصر كمؤسسة الرئاسة، ووزارة الخارجية والأجهزة الأمنية، والمؤسسات الدينية، والهيئة الوطنية للإعلام. وتظهر هذه السياسات فى الجدول رقم (4)








 

المحور الثانى: السياسات القطاعية التنموية لدعم السلم المجتمعى
يهدف هذا المحور السياسات المحلية لدعم السلم المجتمعى والتماسك الداخلى وتجنب أية نزاعات يحتمل حدوثها عبر تقديم مبادرات جديدة تجمع عنصرى الأمة وتعزز اللحمة الوطنية. كتصدير التعليم كنموذج للتعايش والتكامل الدينى، وتحويل الحوار إلى خدمات ومشروعات تنموية وتحويل المشترك إلى خدمات ملموسة، وحل النزاعات بل وتجنب حدوثها من الأساس. وتستهدف عدد من دوائر صناع القرار الرسميين وغير الرسميين كوزارت التربية والتعليم، المالية، الثقافة، الشباب، التخطيط، التنمية المحلية، ومؤسسات المجتمع المدنى والأزهر والكنيسة. ويتضح ذلك فى الجدول رقم (5)















 المحور الثالث: محور التنظيم المؤسسى أو القاعدى
يستهدف هذا المحور إنشاء أو دعم كيانات مؤسسية تتولى مهمة دعم التماسك الاجتماعى وتعزيز السلم المجتمعى. كدعم مؤسسة بيت العائلة المصرية(عبد المقصود، 2017)، وإقامة تنظيمات بين الشباب سواء داخل الجامعات والمعاهد العليا أو عبر الأنشطة التى تنظمها وزارتا الشباب والثقافة مع مراعاة الاستدامة المؤسسية لضمان الفاعلية والاستمرارية والشمول بهدف تعظيم العائد. ويتضح ذلك فى الجدول رقم (6)

 






خاتمة:
لا يمكن النظر إلى المحاولات الغربية لنشر مفهوم الدبلوماسية الروحية من منطلق الإهمال أو التجاهل، فالدور متكامل "قاعديًا - حكوميًا - دوليًا"، علاوة على سد الثغرة فيما يتعلق بمصادر التمويل. فهى ليست مجهودًا فكريًا أو بحثيًا منقطعًا، ولكن يمكن وصفها بأنها إطار فكرى مدعوم بجهد مؤسسى منظم داخل الساحة الدولية مدعومة غربيا، تحت مزاعم ما يسمى بـ "السلام الدينى العالمى" القائم على القيم الروحية المشتركة التى يتوافق حولها الجميع. مع مخطط سياسى قائم على تأويل النص، ونقله على الخريطة السياسية بواسطة المفاوض الدبلوماسى، داخل المسار الثانى للتفاوض. ترويجا لفكرة أن أهداف التنمية المستدامة يمكن تحقيقها من هذا المدخل الجديد للقضاء على الفقر، والارتقاء بمعدلات التنمية بعد القضاء على مسببات النزاع.
فالجديد هو النظر إلى الدين باعتباره مصدرًا للحل. والحل السياسى ليكون مصدرًا للحكم واتخاذ القرار على المستوى الدولى، فى إطار ما يسمى بـ "الديانة الإبراهيمية العالمية" التى بدأت محاولات تطبيقها سياسا داخل الأراضى المحتلة بواسطة منظمة الأونروا لتغير هوية القدس لتصبح عاصمة للدولة الإبراهيمية.
وفى إطار انتشار الدعم المؤسسى والحكومى بالعالم العربى لفكر الدبلوماسية الروحية تجدر الإشارة، أن الملتقى العالمى الثانى عشر للتصوف بالمملكة المغربية، وتحت رعاية سمو الملك محمد السادس (ملك دولة المغرب) قد نظم ملتقى دولى فى نوفمبر 2017م يحمل شعار "التصوف والدبلوماسية الروحية: الأبعاد الثقافية والتنموية والحضارية" نادى إلى الأهمية التى تلعبها الدبلوماسية الروحية فى التقريب بين الشعوب وتفعيل الحوار والتعايش وتحقيق السلام وتناول محاور عديدة من أمثلتها (جريدة حدث كم: جريدة إلكترونية مغربية، 2018)
 "الدبلوماسية الروحية وترسيخ ثقافة السلام"، "والدبلوماسية الروحية ودورها فى الوقاية من آفتى الغلو والتطرف"، و"الدبلوماسية الروحية وتنمية الرأسمال اللامادى للشعوب"، و"الدبلوماسية الروحية المغربية فى العمق الإفريقى"،"الدبلوماسية الروحية والقضايا الوطنية"
وذلك بمشاركة علماء أجلاء من مختلف دول العالم العربى والإسلامى منهم جمهورية مصر العربية تحت رعاية المركز الأورومتوسطى لدراسة الإسلام، ومن ثم يتضح تبنى أحد الدول العربية والإسلامية لهذا الفكر بل وتعاطيها معه كمحاولة لتعظيم العائد للدولة خلال سياستها الخارجية خاصة داخل القارة الإفريقية. فلم يعد الأمر بالفعل محل إنكار لكن لابد من الاستعداد له والتصدى والتسلح والاستفادة أيضًا، ومجابهته فى ذات الوقت.
الاستفادة عبر النظر إلى التعايش الخدمى، والتحول من الحوار إلى منطق الخدمات المشتركة التى تدعو إلى التعايش والمصلحة المشتركة والسلم المجتمعى. وإعادة تقييم لدور ومهمة بعض المؤسسات واستحداث سبل جديدة للتفاوض، وإقامة شراكات مع شركاء جدد تحت راية المصالح الروحية المشتركة لخدمة قضية العروبة، ومصالح العالم الإسلامى والدفاع عن القدس وتوحيد الصف. ومجابهتها والتصدى لها عبر خلق جبهة للاستعداد والمقاومة، والترويج للنموذج المصرى السمح. وإعادة النظر إلى بعض القضايا التى تسبب احتقانًا مجتمعيًا وحلها من منطلق التعاون الروحى الخدمى فى ظل الدولة المدنية المصرية.
وأخيرًا تمثل هذه الورقة بداية لطرق هذا المفهوم الذى يتطلب مزيدًا من البحث حول انتشاره، وتقديم لدراسات حالة لبعض مراكز الدبلوماسية الروحية، والخطوات المؤسسية التى تتخذ على أرض الواقع، والانتشار القاعدى والأبعاد السياسية التى قد تتطور إلى ما يسمى بالحروب الروحية، فهى حقل خصب يحتاج إلى جرأة البحث والتناول خاصة أن محاولات تنفيذها بدأت بالفعل، مما يتطلب جهدًا بحثيًا وتنسيقًا سياسيًا فى آن واحد.

قائمة المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية:
  1. الوثائق
  • مطوية أبرشية الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية بمصر: نحن نبنى الجسور، القاهرة. ووثيقة مشروع تبادل الأئمة والقسوس، 2013-2015، أبرشية الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية بمصر، 2013-2015.
  1. الكتب:
* ألن كيسويتر، جون شاين، الدبلوماسية والدين: البحث عن مصالح مشتركة والانخراط فى عالم من الاضطرابات والتغيرات الديناميكية، أوراق بحثية، منتدى مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامى التابع لمعهد بروكنجز للعام 2013، واشنطن: معهد بروكنجز، تشرين الثانى 2013، https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/Religion-and-Diplomacy_Arabic_Web.pdf، متوفر بتاريخ 11/11/2017
  • عبد الوهاب الكيالى، موسوعة السياسة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، مارس 1993، الطبعة الثانية، الجزء الثانى.
  • عزيز بن عثمان التويجرى، الدبلوماسية الإسلامية فى خدمة الحوار والسلام، الرباط: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 2009.
  • كولن تشابمان، القدس لمن؟: القدس والصراع العربى الإسرائيلى، نكلس نسيم سلامة (ترجمة)، القاهرة: دار النشر الأسقفية، الطبعة الأولى، 2008.
  • محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، القاهرة: مكتبة النهضة العربية، ط 2، 1998.
  • محسن محمد صالح، الأربعون فى قضية فلسطين: رؤية إسلامية حقائق وثوابت ومعلومات أساسية، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2017.
  • هويدًا شوقى أبو العلا أحمد، دور الدين فى السياسة الخارجية مع التطبيق على السعودية وتركيا، القاهرة: المكتب العربى للمعارف، ديسمبر 2015.
  1. مقالات:
  1. مقابلات:
  • مقابلة مع د. سعد الدين إبراهيم: رئيس مجلس أمناء مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، القاهرة: 27/10/2017.
  • مقابلة مع أ.د. سيد عبد المقصود، عضو مؤسسة بيت العائلة المصرية والأستاذ بمعهد التخطيط القومى، القاهرة، 07/11/2017.
  • مقابلة مع السفير محمد النقلى، سفير مصرى على المعاش، القاهرة، 03/11/2017.
  • مقابلة مع المطران منير حنا: مطران الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال إفريقيا والإقليم الأفريقى، القاهرة، 16/11/2017.
  • مقابلة مع السفير منير زهران رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، القاهرة، 3/11/2017.
  1. مواقع إلكترونية:
  1. أخرى:
  • مصدر من وزارة الخارجية الأمريكية إدارة الحوار الإستراتيجى مع المجتمع المدنى، أكتوبر 2017.
ثانيًا: المراجع الأنجليزية:
  1. Documents:
 
  1. Books:
  1. Periodicals:
  1. Articles:


*  ستستخدم الباحثة مصطلح السلام الدينى العالمى كما هو مقدم من دعاة هذا الفكر رغم اختلافها تماما مع هذا الطرح، ولكن للضرورة العلمية لتسليط الضوء على المصطلحات الجديدة المستخدمة من قبل رواد هذا الطرح. فالأوقع أن يتم استعمال مفهوم آخر مثل السلام العالمى ذو مرجعية دينية قائمة على قيم روحية مشتركة مثلا لكن الباحثة رأت ضرورة استخدام المصطلحات المصاحبة لهذا الفكر. كما تقتضى الضرورة الإشارة إلى أن الورقة قد تحتوى على آراء ترفضها الباحثة تماما، مثل الحديث عن الدين العام أو ما يسمى بالديانات الإبراهيمية، أو الدين الإبراهيمى العالمى، فمثل هذا الطرح المرفوض دينيًا وعقائديًا أمر من قبيل الإلحاد، ولكن الباحثة ستسلط الضوء على المخطط العالمى الذى يحاك فى هذا الصدد فلا يعنى هذا أبدا تبنيها لهذا الفكر إطلاقا.
*  وهذا ما تؤكد عليه الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة مصر 2030، حيث تعتبر السياسة الخارجية الإطار الشامل لتحقيق الأبعاد الثلاث فى الإستراتيجية. وهذا ما يؤكد تداخل السياسة مع مختلف العلوم.
*  ويستشهد انصار هذا الاتجاه "بآدم سميث" فى كتابه حول "تطورات لتنظيم السلوك" الذى أكد خلاله أن البشر يعد النوع الأكثر تعاونا على وجه البسيطة، فمشاعرنا تطورت لدعم التعاون ووضع نحن قبل أنا. ويرى "جورج برايس" أن التطور الداروينى جعلنا ربما نؤثر الغير على أنفسنا فى التعامل مع الأشخاص الذين نعتبرهم فى المجموعة التى نسميها نحن، كما أن القيم والمعتقدات والأخلاق قد تكون الدافع لتفسير سلوكنا الاقتصادى. فقد نعمل بجد أكثر لا لكسب المال أو للحصول على مكافأة وإنما لتحقيق الذات ولنيل الاحترام، بل أحيانا يصرف صاحب العمل مكافآت لزيادة الإنتاجية لكن تكون النتيجة خلاف ما خطط إليه، بسبب وصول رسالة خاطئة للعاملين من وراء هذا السلوك كوصفهم بالنفعية أو الكسل والتقصير. ويرى "صامويل باول" أن الحوافز المصاغة بشكل يراعى الاعتبارات الأخلاقية يمكن أن تحقق الحكم الرشيد، ويسمى هذا الفكر بالاقتصاد الأخلاقى Moral Economy، وفى المقابل يقدم  اقتصاد الهوية طريقة لتفسير سلوك الإنسان والكشف عن الكيفية التى يمكن للهوية - وليس فقط الدوافع الاقتصادية - أن تكون محركة لقرارات الإنسان، فمفهوم من نحن وماذا نريد ربما يشكل حياتنا الاقتصادية أكثر من أية عوامل أخرى فالقيود التى يضعها المجتمع ربما تكون محدد رئيسى لاختيارات الحياة الاقتصادية.
* قد يكون هذا التقسيم غير دقيق ولكنه لمحاولة تيسير لبحث لكن المحاور الستة متداخلة ومتشابكة معا.
* الدبلوماسية العامة.
** داغ هرمشولد:سكرتير عام الامم المتحدة اقتصادى سويدى والأمين العام للأمم المتحدة بين 1953 و1961.
*  قبل الإشارة إلى الطرح فى هذا السياق تقتضى الضرورة إلى الإشارة إلى أن الباحثة لا تروج لما يسمى بالديانات الإبراهيمية أو مصطلح الدين العام أو مصطلح الدين الإبراهيمى العالمى، أو ما يطلق عليه السلام الدينى العالمى لكن الإشارة لتوجيه النظر للبحث حول المخطط الخارجى الخطير الذى يتم إثارته خارجيًا كأحد صور الإنذار المبكر. وترفض الباحثة تماما هذا الطرح ولا تتعاطى معه على الإطلاق.
* البعض يضيف أحيانا البهائية وأحيانا اليازيدية وفى أوقات اخرى الهندوسية لكن الأكثر انتشارًا الأديان السماوية الثلاثة.
**  استنادا إلى عدد أنصار  اتباع الديانات السماوية خاصة أن حوالى 32% من سكان العالم مسيحيين 2.2 بليون نسمة، و23% مسلمين حوالى 1.6 مليار نسمة و0.2 يهودك8 حوالى 14 مليون نسمة أى أن ما يزيد عن 56% من سكان العالم إبراهيمين.
* التراث اليهودى المسيحى هو مصطلح إزداد شيوعًا فى العالم الغربى فى الآونة الأخيرة، وهو يعنى أن ثمة تراثًا مشتركًا بين اليهودية والمسيحية، وأنهما يكوِّنان كلاًّ واحدًا. ويعتبر التراث اليهودى المسيحى من المكونات الرئيسية للحضارة الغربية.
* من الجدير بالذكر أنه صدر كتاب للقس كولن تشابمان يتحدث عن الوضع الدولى للقدس لحماية المقدسات الثلاثة وضمان حرية العبادة والوصول إليها فى 2008 مما يختلف كليًا مع الطرح العربى بأن هذه الأرض عربية وأن حرية العبادة تصان فيها إذا ظلت تحت السيادة العربية كما كانت لآلاف السنين فوجود الاحتلال لا يبرر المطالبة بتدويلها.
* G8 مجموعة الثمانية أو مجموعة الدول الصناعية الثمانية تضم الدول الصناعية الكبرى فى العالم. أعضائها هم: الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ألمانيا، روسيا الاتحادية، إيطاليا، المملكة المتحدة، فرنسا، وكندا.
* ومن أبرز المؤسسات الممولة للمبادرة (اتحاد مضاجع السلام "إسرائيلية"، الكنيسة الكاثوليكية للمسبحة المقدسة، اتحاد حجاج الكنائسUUC، الزمالة العالمية الأحادية لبوزمان، كنيسة الملك لوثران المسيح، كنيسة القديس جيمس الأسقفية، كنيسة أمل لوثران، كنيسة بوزمان للطرق الموحدة، مؤسسة وعد العائلة بوادى جالتن).
* بنك التنمية الآسيوى.

المزيد من الدراسات