الرئيسيةأعداد المجلة تفاصيل الدراسة

طبيعة المعرفة المقدمة فى نظام التعليم السعودى

مقدمة
تسعى المجتمعات الإنسانية إلى تحقيق الرقى والتقدم والاكتفاء الذاتى، وذلك عن طريق تطوير إمكانات أفرادها وتنمية قدراتهم العلمية والمهنية فى جميع المجالات. وفى سبيل تحقيق هذا الهدف، لا بد أن يتجه المجتمع أولاً إلى نظام التعليم ويراجع فلسفته ومدخلاته، ويحرص على الإفادة الكافية من العلم والمعرفة بوصفهما منهجًا للحياة.
ولقد شهد نظام التعليم فى المملكة العربية السعودية تطورات هائلة فى العقود الثلاثة الأخيرة، تناولت جميع العناصر المادية للمنظومة التعليمية. غير أن تطوير التعليم لا يقتصر على ذلك، بل لا بد أن تتضمن عملية التطوير بناء العقل الإنسانى على أساس المعرفة والإبداع، والقدرة على إنتاج العلم ومتطلبات الحياة بطريقة مبتكرة، والتى يتبعها تحولات عقلية إبيستمولوجية فى مختلف مظاهر حياتنا، بما يضمن لنا تحقيق تنمية بشرية نوعية، تعد مطلبًا حضاريًّا وضرورة تاريخية فى النسق التربوى، تنعكس على نهضة المجتمع (وطفة، 2001، 179).
ولما كانت الجامعات ميدانًا للتعليم ومجالًا نشطًا تتفاعل فيه عقول الطلاب، وتكتسب فيه المهارات العلمية اللازمة للبحث والإبداع وإنتاج المعرفة، فإن قضية تطوير التعليم فيها لا يقتصر على جوانب الكم المعرفى فقط، بل يقتضى التركيز على جوهر المعرفة المقدمة للطلاب، ومصادرها، وأدواتها وأساليب الحصول عليها، وطرق فحصها، وكفايتها فى توفير القوى البشرية العلمية المنتجة.
وتعدُّ نظرية المعرفة إحدى المباحث الفلسفية الوثيقه الصله بعملية التربية، حيث تهتم بتحليل المعرفة الإنسانية منذ بداية تاريخ البشرية، وتبحث فى طبيعتها وعلاقتها بالقوى المدركة لدى الإنسان، لذلك فإن انطلاق العلوم من نظرية المعرفة الخطوة الأكثر كفاءة فى مسيرة العلم والتعلم؛ ذلك أن نظرية المعرفة هى التى تحدد للعلم تصوراته عن نفسه أولًا، ثم عن الموضوع الذى يشتغل فيه، وتحدد له المنهج الذى يعتمده فى الوصول إلى الحقيقة، أو فى صناعة الفكر، ثم تحدد الأهداف التى يسعى إليها، والأساليب التى يستخدمها كذلك؛ الأمر الذى يؤدى بالنتيجة إلى تحسن العملية التعلُّمية التعليمية (الفارس، 2008، 410).
وقد أشارت دراسة "ساندوفال" SANDOVAL (2014) إلى أنه على الرغم من تغيير السياسات التعليمية المتكررة، وتطوير المناهج الدراسية فى ولاية كاليفورنيا الأمريكية، إلا أن الطلاب فى المرحلة الثانوية ما زالوا يواجهون صعوبة فى فهم طبيعة المعرفة وتبريرها، خصوصًا فى مواد العلوم؛ لذا أوصت بضرورة إجراء دراسات متعمقة فى طبيعة المعرفة فى مؤسسات التعليم المختلفة، من أجل تطوير صيغة التعليم الحالية.
وفهم طبيعة المعرفة ونظرية من أهم المباحث التى شغلت الفلاسفة، حيث ظهرت عدة اتجاهات فلسفية تناولتها بطرق متباينة وصنفت معايير الحقيقة وفق معايير مختلفة، فمنهم من ربطها بالواقع ومنهم من ربطها بالمثل ومنهم من قرنها بالفعل (الدغشى، 2001، 23، 121؛ الكردى، 1992، 14).
مشكلة الدراسة
إن الرغبة فى التعرف على طبيعة المعرفة المقدمة فى نظام التعليم السعودى عن طريق استجلائها من الطلبة الدارسين فى الجامعات السعودية، هى التى دفعت الباحثتين الى دراسة هذا الموضوع، وقد شجعهما على ذلك ندرة الدراسات العربية والمحلية فى هذا المجال، كما أن الدراسات التى تتناول فلسفة التربية غالبا ما تكون نظرية ولا تطبق ميدانيا، لذلك جاءت هذه الدراسة كإضافة علمية فى الدراسات الفلسفية الخاصه بالمجتمع السعودى ولسد النقص الحاصل فى هذا المجال، وبالتحديد، فهى تحاول الإجابة عن السؤال الرئيس الآتى:
ما طبيعة المعرفة التى يقدمها نظام التعليم الجامعى من وجهة نظر طلبة الجامعات السعودية (واقعية، مثالية، عملية)؟
حدود الدراسة:
ستقتصر الدراسة على الحدود الآتية:
الحدود الموضوعية:
                ستبحث الدراسة فى (طبيعه المعرفة المقدمة فى التعليم الجامعى السعودى)، وهذا يجعلها فى إطار الحدود الموضوعية الآتية:
  1. دراسة التصنيف التقليدى لطبيعة المعرفة الدراسات الفلسفية (الأبستمولوجيا)، وهى المعرفة المثالية، والمعرفة الواقعية، والمعرفة العملية (البرجماتية)، دون التطرق إلى طبيعة المعرفة التربوية فى القرآن الكريم والسنة النبوية، ولذلك مجال مستقل وميدان خاص.
  2. ستقتصر الدراسة فى جانبها الكمى على دراسة طبيعة المعرفة فى نظام التعليم الذى يتم داخل حرم الجامعة، دون التطرق إلى نظام التعليم العام أو أنماط التعليم الأخرى التى تتم خارج إطار الجامعة.
الحدود المكانية:
          سوف تشمل الدراسة مدن المملكة العربية السعودية الرياض وجدة والدمام؛ وذلك لتنوع سكانها من مختلف المناطق فى المملكة.
الحدود البشرية:
                سوف تقتصر الدراسة على الحدود البشرية الآتية:
        الطلاب والطالبات السعوديين المنتظمين فى مرحلة البكالوريوس فى الجامعات الآتية:
  • جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز بالرياض.
  • جامعة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بجدة.   
  • جامعة الإمام عبدالرحمن الفيصل بالدمام.
الحدود الزمانية:
        تم إجراء الدراسة فى العام الجامعى 1438/1439ه، 2017م
آدبيات الدراسة
عرض الفلاسفة للبحث فى طبيعة المعرفة الإنسانية وحقيقتها، وحاولوا أن يعرفوا كيفية العلم بالأشياء، وأن يقفوا على اتصال قوى الإدراك بالشيء المدرك وعلاقة الأشياء المدركة، بالقوى التى تدركها، فكان هذا مثارًا لاختلاف الباحثين من الفلاسفة، التقت عنده المثالية والواقعية بمختلف مذاهبها. تصورت أولاهما الأشياء مرهونة بالقوى التى تدركها بمعنى أن الموجودات المحسوسة مجرد أفكار فى عقولنا، ورأت الواقعية أن للأشياء وجوداً مستقلاً عن الذات العارفة.
وفيما يلى عرض لتناول المدارس والمذاهب الفلسفية لقضية طبيعة المعرفة كما يلى:
المدرسة المثالية:
إن الأساس الذى بنى عليه فلاسفة المذهب المثالى نظرتهم للمعرفة هو "وجود عالم آخر جميع ما فيه حقيقى، وأن كل ما نعرفه أو ندركه فى عالمنا الواقعى ما هو إلا ظل للعالم الحقيقى".
وقد أنكرت المثالية أن تكون المعرفة إدراكاً مطلقاً للموجودات المدركة، وأن يكون لهذه الأعيان وجود مستقل عن العقل الذى يدركها، إذ ليس بين عملية الإدراك والأشياء المدركة تشابه أو تطابق يبرر اعتبار المعرفة صور دقيقة للأشياء المدركة. إن وجود الموجودات فى نظر المثاليين يتوقف على القوى التى تدركها وهى نفسها ليست إلا صوراً عقلية، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "ديكارت" هو مؤسس المثالية الجديدة، والذى قال بالفصل بين الفكر والوجود. (الكردى، 1992: 242، 247) ولكن من الباحثين من يرى بأن نواة المثالية فى الفلسفة الإنجليزية عند هوبز لأنها - مع اهتمامها بالتجربة الحسية - قد ألغت وجود الأشياء الواقعى وردته إلى التأثيرات الذاتية (الحسية) على أن المذهب المثالى قد بدأ واضحاً عند "براكلى" عام 1753م ثم عند أكبر ممثليه كانت 1804م وهيجل 1831م. (الطويل، 1979)
والمثالية تطلق على جميع المذاهب التى تجعل وجود الأشياء الخارجية متوقفاً على وجود القوى التى تدركها. فإذا انعدمت هذه القوى استحال وجود العالم الخارجي، وتقتضى المثالية عند أهلها بأن الأفكار سابقة على المحسوسات التى تطابقها والمعانى الكلية على الجزئيات، وقد ظهر هذا الاتجاه فى صور أبرزها:
  • المثالية المفارقة:
يصور لنا أفلاطون فى محاورة السفسطائى المعركة القائمة بين المثاليين والماديين، على أنها معركة بين الآلهة والشياطين، فالمثالية عند أفلاطون تعنى:
  1. وجود مثل أو صور للأشياء.
  2. وجود هذه المثل مفارقة للأشياء.
  3. قيام هذه المثل المفارقة فى عقل إلهى يمثل عنده صورة الصور أو أعلى المثل درجة وأسماها مرتبة. ولذلك فإن مثالية أفلاطون المفارقة يصح أن نسميها كذلك بالمثالية الإلهية (الكردى، 1992: 248).
ولكن أفلاطون لم يثبت على نظرية واحدة فى مثاليته. فهناك نظريته التى عرضها فى محاورتي فيدون والجمهورية، وهناك نظريته التى عرضها فى محاورة برميندس، وأخيرا نظريته التى عرضها فى محاورة السفسطائى.
تتلخص نظريته الأولى فى أنه قال بوجود نوعين من المعرفة: معرفة غير صحيحة وهى المعرفة المادية (الظنية) التى تأتى لنا عن طريق الحواس، وأخص خصائصها التغير، ومعرفة صحيحة وهى المعرفة (اليقينيه) التى تأتى لنا عن طريق النفس، وأخص خصائصها الثبات. ويذهب الى أن هناك أنواعًا من المعرفة تتشارك فى الصيرورة والتغير، فى حين تندر المعارف التى تتعلق دائماً بالوجود الثابت (زكريا ،2004: 151).
وتظهر منذ محاورة برميندس - احدى محاورات أفلاطون - علامات على  تطور فى فكر أفلاطون، حيث عدل مثاليته المفارقة، وذهب إلى ضرورة أن يشتمل عالم المثل على شىء من التغيير والحركة، لنستطيع أن نصل إلى معرفته، وقرر فى هذه المحاورة أن الواحد لا وجود له إلا بالأغيار، وإن الوحدة لا تقوم إلا بالكثرة وفى الكثرة، وأن الثبات لا يفهم إلا بالتغيير وفى التغيير، فالمثل إذن تشارك فى التغيير والحركة، وذلك من ناحيتين، من ناحية أنها مثل متعددة وليست مثالاً واحداً فقط، فهذا التعدد يؤدى إلى نوع من الكثرة فى عالم المثل نفسه، ومن ناحية أنها مثل أو صور عقلية تشارك فى الأشياء المحسوسة المتكثرة بطبيعتها. فبعد أن كان يقول إن المثل قائمة مفارقة فى عالم خاص بها، ولم يحدث أن شاركت فى الوجود التغيير الحسى، يقول أفلاطون: "على الفيلسوف الذى يقدر المعرفة قدرها أن يتمثل بالطفل الذى يقدم له شيئان ليختار بينهما فيختار الاثنين معاً، عليه أن يقرر أن الحقيقة قائمة فى كل ما يتغير وكل ما هو ثابت معاً، ولكن المثل بعد أن تشارك فى العالم الحسى تترك التغيير الحسى، كما تركت من قبل الثبات، وتذهب إلى حقيقة أخرى مغايرة للثبات والتغير معاً، فالمثل فى الصورة التى قدرها أفلاطون عبارة عن صورة نوعية للأشياء، توجد فوقها وتشارك كلها فى مثال الخير الذى هو واهب الصور عند أفلاطون"  (أفلاطون، 1958، 27-28).
ومن هنا نفهم أن أفلاطون رائد المذهب المثالى لم يهمش دور الحواس فى اكتساب المعرفة، ولكنه جعل الحواس طريقا للمعرفة، كما أنه أدرك أخيرا أن الحقيقة الممكنة قائمة على معارف ثابتة ومتغيرة وأن الثبات سمة المعرفة العقلية بينما التغير من صفات المعرفة الحسية.
  • المثالية الذاتية:
إن هذا المذهب يفسر العالم المادى تفسيرًا عقلياً روحياً، فيقول بأن الوجود هو الإدراك والمدرك موجود وغير المدرك لا وجود له. والمادة لا تدرك فى ذاتها باعتراف القائلين بالمادة، أى أنها معنى مجرد لا يمكن تصوره بعيداً عن كيفياته. وهذه مادية لا تنكر وجود المحسوسات بدليل أننا ندركها، وهى لا تحول الأشياء إلى معان بل إنها تحول المعانى إلى أشياء، وقد ذهب "باركلى" إلى أن وجود الشىء هو إدراكه، حيث عبر عنها فى مبدئه الشهير "الوجود إدراك" أو "وجود الشىء قائم فى إدراكه " ويبرهن على مبدئه فى المحاورة الثالثة ذلك بقوله: "سل البستاني لم يعتقد بوجود شجرة الكريز أمامه فى الحديقة؟ وسينبئك بأنه يعتقد بوجودها لأنه يراها ويلمسها، وفى كلمة واحدة لأنه يدركها بحواسه. ثم سله بعد ذلك لم يعتقد أن شجرة البرتقال غير موجودة؟ فسينبئك أنه يعتقد بعدم وجودها لأنه لا يدركها. وعلى ذلك فالشىء الواقعى أو ما له وجود عنده هو ما يدركه بحواسه. أما ما لا يدركه فيقول عنه إنه غير موجود" (باركلى، 1713/2015، 10،145)، وهذا يعنى أن الإدراك هو المعيار الوحيد لوجود الأشياء بالكلية فما لا ندركه بعقولنا لا يمكن أن يكون موجودًا أصلا، ولكنه قال بأن الإدراكات الحسية مستقلة عن العقل الذى يدركها وبذلك حاول تفسيرها بقوله: إنها موجودة فى العقل الإلهى، وهكذا أنقذ "براكلى" فلسفته من الذاتية المطلقة التى يؤدى إليها مذهبه اللامادى، لأنه اعترف بالوجود الواقعى للعالم عن طريق العقل الإلهى (رسل، 1947، 50-51)
 
ج- المثالية النقدية:
تذهب المثالية النقدية إلى التمييز بين الظواهر العقلية السابقة على كل تجربة والظواهر التى تكتسب بالتجربة، وتعتبر الأولى ضرورية لإدراك الأشياء ومعرفتها. وترى أن المعرفة لا تستقى من المدركات الحسية وحدها، ولا من العقل وحده لأن مرجعها إلى الحس الذى ينقل إلى العقل صور المحسوسات، فيضيف إليها علاقات زمنية أو مكانية. وقد فرق (كانت) بين ما يرتد إلى الذات وما يرجع إلى العالم الخارجى، ويرى أن التجربة لا توصف قط بأنها ذاتية خالصة أو موضوعية محضة، ويقرر أن الشىء الخارجى يمكن أن يكون موجوداً على حدة بعيداً عن العقل الذى يدركه، ولكن معرفته باعتباره موجوداً على هذا النحو غير ممكنة، ويرى (كانت) أن وظيفة نقد المعرفة أن تكشف لنا عما يجىء من الخارج، وما يضيفه الفكر من عنده ويسبق التجربة سبقاً منطقياً لا زمنياً (الكردى، 1992، 256)
إن مذهب (كانط) يذكرنا بمذهب الظواهر الذى يبدو على صورتين: أولاهما تجزم بإنكار وجود حقيقة وراء الظواهر، وقد قال بذلك "رانفيه" Ranouvier  و"شلدويرث" Shadworth  و"هودكسون" Hodgson. وثانيهما تؤكد حقيقة الأشياء فى ذاتها، ولكنها تنكر إمكان العلم بها ويقول بهذا "كومت" Comte  و"هربرت سبنسر" Spencer.
وتزعم "هوسرل"  E. Husserlالمدرسة الظاهراتية الحديثة، التى اهتمت بفلسفة الظواهر كعلم برهانى مستقل، وطالب بدراسة الأشياء التى تظهر فى الشعور بجلاء، مثل: اللون والصوت والحكم على ماهيات ثابتة تدرك بالحدس، فأصبح هذا المذهب على يده نقداً جديداً للمعرفة، يهدف إلى توخى الدقة بوصف الظواهر وترتيبها فى أحكام، وشرح المعانى الإنسانية، حتى تبدو جلية واضحة فتقع المعرفة بهذا على ماهيات بخصائصها الثابتة. وبهذا تتكفل بإقامة علوم دقيقة كالرياضيات. لذلك فقد تحولت فلسفة الظواهر على يده إلى منهج للتحرر من المثالية والذاتية (هوسرل، 2011، 20-24).
فقد اعتقد "هوبز" فى عام 1640 بعصمة العقل وسمو مبادئه وهو ما دفعه إلى اعتماده مبدأ فى سياسته، ثم يتراجع بعد سنتين من ذلك التاريخ ويعلن بوضوح تام ابتعاده عن موقفه السابق القائل بعصمة العقل، وباعتباره قوة من القوى الطبيعية فى الإنسان، ويدلل على الموقف السابق بقوله "بيد أنه عندما نستدل انطلاقا من مبادئ قد بينت التجربة أنها لا ريب فيها، وعندما نتفادى خداع الحواس ولبس الكلمات نقول بأن الخلاصة التى نستخلصها هى استنتاج مطابق للعقل السليم؛ ولكن عندما يتمكن إنسان ما انطلاقا من استنتاجه عن طريق استدلال جيد؛ من الوصول إلى استخلاص يتناقض مع حقيقة بديهية مهما كانت، فعنئذ نقول بأنه قد استنتج استنتاجا مناقضا للعقل، ويسمى هذا الاستنتاج بالخلف". Hobbes, 1642 , 12))
وبنظرة إجمالية على ما سبق نجد أن أتباع المدرسة المثالية جمدوا دور الحواس المعرفى، ولم يجعلوا لها دوراً فى المعرفة اليقينية، بل إنهم تابعوا (أفلاطون) فى اعتباره العالم الحسى أشباحاً بالقياس إلى عالم المثل والماهيات الثابتة.
كما فند أفلاطون النظرية القائلة بالإدراك الحسى مصدراً للمعرفة، من خلال إرجاعه إدراكات الحواس إلى مثل ما يحدث فى "الأحلام والأمراض فى حالة الجنون بوجه خاص، وفى مختلف أوهام السمع والأبصار أو غيرهما من الحواس" (الشماع، 1977، 35-37).
ويضعف الاتجاه المثالى فى رفضه حقيقة العالم الحسى حولنا، إذا علمنا أن ما أخرجته العلوم الحديثة يثبت أسبقيته العالم الحسى الكونى على الإنسان وكذلك نظرة الإسلام والقرآن الكريم، وبالتالي فلا يمكن أن يكون ذلك العالم أشباحاً (طاهر، 1983، 80-81).
تبين مما سبق أن المعرفة عند أصحاب المذهب المثالى: إدراك الأشيًاء حسب ما يظهر لنا، إذ لا يمكن أن يكون بين المعرفة - التى هى عملية نفسية والأشيًاء الخارجية تشابه، وإنما يمكن أن يكون العالم الذى حولنا نتيجة أنتجتها عقولنا، وبالتالى يكون كل ما نعرف عنه سواء بالحواس أو بالتأمل ليس سوى خيال يولده العقل (رابوبرت، 1979، 92).
والمتأمل فى نظرة المثاليين للمعرفة يجد أنهم ينظرون للكون وما يجرى فيه كأنه سرك والبشر يقومون فيها بعروض غير حقيقية، وعلى الباحث عن الحقيقة التعرف على حقيقة ما يتم فى هذا السرك بعقله، وليس بحواسه فلو عرض على الطالب فى الفصل كرسيا يطير فإدراكه الحسى سيصل إلى معرفه مفادها أن الكراسى ممكن أن تطير ولكن عقلانيتة سترجح أن هناك علة خفية تجعله يبدو وكأنه يطير.
وتبعا لما سبق  فإن مبادئ نظرية المعرفة عند المثاليين يمكن إيجازها فى ما يلى:
  1. أن المعرفة من جنس الذات العارفة وليست مستقله عنه.
  2. أن المعرفة لا توجد فى الواقع الذى نعيشه ولا نصل إليها بالإدراك الحسى.
  3. الإدراك أساسة العقل البشرى أولا والحواس مشكوك فيها.
  4. المعارف لا تقوم بذاتها وتعتمد فى وجودها على عقل الإنسان وإدراكه.
  5. المعرفة المجردة من الإدراكات الحسية هى المعرفة الثابتة و اليقينية.
  6. أن إدراك الإنسان للأشياء يحدد وجودها من عدمها.
أن نظرة المثاليين للمعرفة تدعو إلى نوع من التأمل فى الوقائع اليومية والتفكير فيها بالعقل والمنطق وليس بالحواس، ومن هنا فإن التعليم الذى يتبنى الفلسفة المثالية هو تعليم يركز على المسلمات والبديهيات العقلية، ويهمش الحواس مما يجعله تعليمًا نظريًا يعتمد على التلقين والمحاضرة ويجعل للنص مكانة أكثر من غيره 
ويتطلب أن يكون المعلم فيه على درجة عالية من التأهيل والخبرة ويعتمد على اللغة الواضحة والعبارات الدقيقة، ويستخدم المناهج المصاغة بدقة وهو تعليم يجعل الحكمة سمة من سمات مخرجاته لأنه يكسب الفرد القدرة على التحليل المنطقى والاستدلال العقلى (هل تعليمنا برغم استخدامه أسلوب المحاضرة والالقاء يتمتع طلابه بالقدرة على الاستدلال العقلى).
- المذهب المادى (الواقعية):
فسر بعض أتباع الاتجاه المادى قديماً المعرفة تفسيراً مادياً محضاً يمثل الوجه المقابل للمثالية، حيث يجعل (أنبادوقليس وديمقريطس) المعرفة الحسية مركزها القلب؛ ليس لأنه مركز تفسير مدركات الحواس، ولكن لأن المعرفة تتم عند اجتماع عناصر متآلفة تماماً من العالم الخارجى مع ما فى جسم الإنسان من مثيلاتها، ومن ثم تكون المعرفة الصحيحة عنده ما يتم بين الشبيه والشبيه (بدوى، أ، 1979، 148-149)، وقد نجد من أتباع هذا الاتجاه من يجعلون المحسوسات أصلاً فى كل معرفة، حتى فسر بعضهم الإحساس بأنه انطباع أثر المحسوس فى النفس كما ينطبع نقش الخاتم فى الشمع (بدوى، ب، 1979، 17-18).
يطلق المذهب الواقعى على مجموعة من المذاهب التى تشترك فى خصائص أظهرها القول بأن للأشياء الخارجية وجود عينى مستقل عن العقل الذى يقوم بإدراكها، وعن جميع أفكار العقل وأحواله، ومعرفة العقل مطابقة لحقائق الأشياء المدركة، فليس العالم الخارجى كما هو مدرك فى عقولنا إلا صورة لهذا العالم كما هو موجود فى الواقع، والعلاقة التى تقوم بين الأشياء الخارجية وأفكارنا التى تمثلها فى عقولنا علاقة مشابهة وتطابق، فالمعرفة عند الواقعيين إدراك عقلى أو حسى مطابق للأعيان فى الخارج، وهى انعكاس العالم الخارجى على العقل (الطويل، 1979، 330).
إن الواقعية هى نقيض المذهب الأفلاطونى الذى يعتبر المثل وحدها هى الموجودات الحقيقية ويرى أن الأشياء أو الموجودات المحسوسة ليست إلا مجرد أشباح وظلال للمثل ويعد أرسطو من أبرز رواد الواقعية، وتظهر فروع هذا الاتجاه فيما يلى:
  • الواقعية الساذجة:
والتى تذهب إلى القول بأن أفكارنا صور مطابقة للأشياء فى الخارج والعالم الخارجى، الذى يبدى لنا صوراً كثيرة من الموجودات والكائنات تقوم بينها روابط. فالعالم متعدد متكاثر ولا يمكن رده إلى وحدة كما ظن المثاليون. يعتبر هذا المذهب ساذجاً لأنه يمثل مرحلة سابقة على مرحلة التفكير العلمى والفلسفى، ولا يخضع للتفكير النقدى، ويثق فى مدركات الحس ثقة لا حد لها، وتقول الواقعية بأن العالم الخارجى قائم موجود بالفعل حتى عندما يكون بعيداً عن متناول إدراكنا الحسى، وهو موجود على نفس الحال التى يوجد عليها عندما يقع عليه إدراكنا (الطويل، 1979، 330-331).
 
  • الواقعية النقدية "التقليدية":
والتى ترى بأن الحس يدرك حقائق الأشياء، وهذه الحقائق تمحص فى ضوء قوانين العلوم الطبيعية، فالمادة فى نظر العلوم شىء حقيقى له وجود عينى حقيقى، ولكن الكيفيات التى تدركها الحواس ليست إلا من عمل الذهن.
وتتميز الواقعية النقدية عن الواقعية الساذجة برفضها التسليم بالوجود الحقيقي لعالم المدركات الحسية بغير اختبار نقدى. كما تقول بأن وجود الأشياء لا يتوقف على قوى إدراكها (كرم، 1979، 145).
لقد أضافت الواقعية الساذجة إلى العقل فاعلية خاصة بحيث لم تصبح المعرفة صورة مطابقة لواقع الأشياء المدركة، كما كان الحال فى الواقعية الساذجة، ولكنها أصبحت صورة معدلة بفعل العقل الذى يستطيع أن يتجاوز الجزئيات المحسوسة إلى الكليات على نحو ما معروف عند أمثال "جون لوك"، حيث يقول: (لكى نحصل على معرفة صادقة يجب أن نسوق الفكر إلى الطبيعة الثابتة للأشياء وعلاقاتها الدائمة، لا أن نأتى بالأشياء إلى فكرنا) (لوك، 1975، 112).
وتبعاً لهذا المبدأ يعتقد أن المذهب الحسى هو المذهب الوحيد الممكن، ويرى "جون لوك" أن النفس فى الأصل كلوح مصقول لم ينقش فيه شىء، وأن التجربة هى التى تنقش فيها المعانى والمبادئ جميعاً، والتجربة نوعان:
تجربة ظاهرة واقعة على الأشياء الخارجية، أى إحساس، وتجربة باطنة واقعة على أحوالنا النفسية، أى التفكير، وليس هناك مصدر آخر لمعان أخرى. فالألفاظ فى الأصل تدل على جزئيات مادية، ثم نقلت بالتدريج على ضربين، أحدهما: من الجزئيات إلى الكليات بملاحظة التشابه وإسقاط الأعراض الذاتية، والضرب الآخر: من الماديات إلى الروحانيات بالتشبيه والمجاز: فألفاظ التخيل والإحاطة والتصور والاضطراب والهدوء وما إليها، أخذت أولاً من الماديات، ولفظ النفس معناه الأصلى النفس، وهكذا بحيث "لا يوجد فى العقل شىء إلا وقد سبق وجوده فى الحس" (كرم، 1979، 144-146).
  • الواقعية الجديدة
بدأ هذا الاتجاه الجديد منذ عام 1910م على يد ستة من الفلاسفة الأمريكان وهو (Ej. Spanlding, Fitken, W.P Montague, E.B, Holt, K.P Perry, Marvin).
كان مدار فلسفتهم نظرية المعرفة وفهم العلاقة التى تقوم بين الذات العارفة وموضوع معرفتها من غير تمييز بين العارف والمعرف كما رفضت التسليم بما رأته الواقعية النقدية التقليدية من وجود وسيط بين الشىء المدرك والذات العارفة، وهو الصورة الذهنية فى مذهب "لوك"، لأن الإدراك فى نظر الواقعية الجديدة يقع مباشرة بغير وسيط. مما يجعل معرفتنا للشىء الخارجى صورة مطابقة لحقيقته فى الخارج (الطويل، 1979، 334).
  • مذهب الواقعية النقدية (المعاصرة):
أنشأ هذا الاتجاه سبعة من الأمريكان هم: (G.Santayana, A.K.Rogers, A.d. Lovejoy, D. Darke, J.B. Bratt, C.A. Strong, R.W.Sellars).
وقد شرعوا منذ عام 1916م يبشرون بمذهب جديد، يرفض الواقعية الجديدة الذى لا يفرق بين العارف والمعرف، وعادوا إلى الثنائية التى تميز بين المدّرك والشىء المُدرك، مع القول بأن للشىء المعروف وجوده الخارجى، وأن معرفتنا به هى التى تؤدى إلى وجوده، ولكن وجوده مستقل عن هذه المعرفة كل الاستقلال، كما رفضوا وجود فارق بين ظاهر الشىء وحقيقته، أو ما يبدو من الشىء والشىء فى ذاته، وعلى هذا فليس ثمة شىء يقوم وراء الطبيعة أو فوقها أو يكون مفارقاً لها، ومن فلاسفتها  "صويل ألكسندر" 1938م، و"السير بيرسى نن" 1944 و"برتر رسل" و"مور" 1958 وغيرهم كثيرون (هويدى، 1993، 256-257).
ولقد ذهب أرسطو ومن تابعه من أصحاب المدرسة الواقعية - إلى اعتبار الحواس الظاهرة والباطنة المصدر الأول فى معرفة الإنسان، وجعل هدف المعرفة الكشف عما هو كامن فى الطبيعة بالحواس، فأكد أن طريق المعرفة يبدأ من الحواس (النشار، 2001، 44)، والناظر فى المذهب الواقعى يجده يعتد بالمعرفة الحسية، سواء أكانت يقينية أم ظنية، ويعتد بتأمل الفكر؛ ليجعل منهما مرتكزات تقوم عليها آلات البدن والنفس الموصلة إلى إدراك الأشياء على ما هى عليه فى الواقع (رابوبرت، 1979، 192).
وإيجازا لما سبق يرى أصحاب هذا المذهب أن المعارف تستمد من عالمنا الواقع ومن خلال خبراتنا اليومية، ولا يوجد معرفة فى عالم المثل بل إن عالم الأشياء الفيزيقية هو ميدان المعرفة، ومن خلال هذه النظر يمكن إيجاز مبادئ نظرية المعرفة لدى الواقعيين فيما يلى:
  1. المعرفة مرتبطة بالواقع فهى من جنس الوجود الخارجى وليست مستقلة عنه وهى نسخة طبق الأصل لما هو موجود فى الواقع الخارجى.
  2. تختلف العقول البشرية فى مدى قدرتها على إدراكها للمعرفة.
  3. يمكن معرفة الحقيقة بالعقل او الحدس او التجربة.
  4. العقل دوره التصديق على الواقع وليس منفصلا عنه.
  5. الأشياء توجد مستقلة عن الإدراك فالمدركات، موجودة وقائمة بالفعل سواء أدركناها أم لم ندركها.
  6. للمعارف دور فى توجيه السلوك الإنسانى والاجتماعى.
- الفلسفة البرجماتية:
          إن المدرسة البرجماتية تعتبر ثورة على نظرية المعرفة العقلية، حيث تعتبر أن الطريق الموصل إلى المعرفة ليس العقل، وإنما هو السلوك أو الفعل. إن البرجماتية قامت لمهاجمة الذهب العقلى بوجه خاص، فهى ترى أن الماهيات لا وجود لها، والموجود هو الآثار السلوكية التى تحدد فيها الفكرة، وإذا كان العقليون يرون أن الحقيقة باطنة فى الأشياء، فإن البرجماتيين يقولون إن الحقيقة تقبل على الأشياء من الخارج أى من دنيا الفعل أو السلوك، وإذا كان العقليون يعتقدون أن الصور العقلية للأشياء أهم فى الدلالة على هذه الأشياء من آثارها الحسية، فإن البرجماتيين يرون أن لا شيء يعدل الآثار الحسية، إذا كان بعض العقليين مثل (كانت) قد رأى أن الوظيفة الرئيسية للعقل قائمة فى نشر مجموعة من العلاقات على الموجودات، فإن البرجماتيين يذهبون إلى أن العلاقات توجد بين الأشياء فى الطبيعة.
          ومن فلاسفة هذه المدرسة "تشارلز بيرس" 1878، والذى عرف الفكرة بأنها مجال الفعل، وكذلك "وليم جيمس" 1842-1910 الذى ذهب إلى أن الحقيقة ليست إلا ما يقودنا إلى النجاح فى الحياة والمعتقدات الصحيحة هى وحدها التى تنتهى بنا إلى تحقيق أغراضنا الفعلية، وذلك لأن الحق لا يوجد أبداً منفصلاً عن الفعل أو السلوك، بل هو نفسه ليس إلا صورة من صور الفعل أو العمل الناضج. (على،  1995، 72-73).
وقد قدم "جون ديوى" 1865- 1952 صورة جديدة للبرجماتية عرفت باسم مذهب الذرائع، حيث يرى أن حياة الإنسان ليست فى جوهرها إلا محاولة متصلة من جانبه ليتم له التوافق مع البيئة المحيطة، والإنسان الذى لا يستطيع إيجاد وسائل أو ذرائع يحقق بها توافقه مع بيئته؛ مصيره حتماً الموت. أما الأفكار فليست إلا هذه الوسائل أو الذرائع التى يلتمسها الإنسان فى حياته لتحقيق هذا التوافق. ونحن لا نستطيع أن نتحدث عن وجود تجربة إلا إذا تحقق هذا التوافق بين الذرائع والبيئة المحيطة. إن "ديوى" قد انتقل من البرجماتية الفردية إلى البرجماتية الاجتماعية، حيث اعتبر أن التوافق الذى يهدف إلى الإنسان فى حياته المتصلة توافقاً طبيعياً واجتماعياً معا. (ديورانت، 1988: 624)
وهكذا فإن التجربة التى نلتقى بها عند "ديوى" مخالفة تماماً لتلك التجربة المعقولة عند (كانت). والأحكام العقلية كما يفهمها "ديوى" ليست هى هذه الأحكام التى اعتاد المناطقة أن يقدموها لنا.
حيث كانوا يربطون فيها بين موضوع عقلي ومحمول عقلي لا وجود لها فى الواقع بل هى الأحكام التى تنبع من الواقع، ويكون موضوعها ومحملوها معبرين عن (موقف) تجريبى معين، وإذا كانت الرابطة فى الأحكام المنطقية التقليدية لا تعبر إلا عن صلة فكرية بين الموضوع والمحمول العقليين، فإن الرابطة عند "ديوى" تؤدى وظيفة واقعية من حيث أنها فعل إسناد، تقوم فيها بإسناد محمول على موضوع فى الواقع التجريبى، وعن طريق فعل أو سلوك عملى، كما أن الأحكام العقلية التقليدية تعبر فى نظر "ديوى" عن مجرد أحكام انتقالية أو مجرد مرحلة نظرية من مراحل التحقيق البراجماتى أو الذرائعى. وهى لا تصبح أحكاماً بمعنى الكلمة إلا إذا انتقلت إلى المرحلة العملية التى يصبح فيها الموضوع والمحمول كائنات وجودية تعيش فى المكان والزمان الواقعيين. (هويدى، 1993، 159-160).
وهكذا يتضح ربط فلاسفة المذهب البرجماتى الحقيقة بالفعل أو السلوك العملى، فالبرجماتية لا تقدم لنا بحثاً إيجابياً عن الحقيقة لأنها فى صميمها ليست إلا منهجاً لاكتشاف الخطأ، والأفكار الخاطئة (وهي الأفكار التى ليست بحثاً إيجابياً) بمعنى أنها لا تنظر إلا إلى الترجمة العملية للحقيقة.
إذن: فالبرجماتية تعتمد على مبدأ عام مفاده أن كل القضايا الحقيقية لها آثار عملية، وأن القضية التى ليست لها آثار عملية لا يمكن أن تكون صحيحة أو حقيقة، أى أنها قضية خاطئة، وهذا يجعلنا نستبعد من دائرة القضايا الصحيحة القضايا التى ليست لها آثار عملية، والاستبعاد منهج سلبى فى الكشف عن الحقيقة، وليس إيجابياً لأنه يرشدنا إلى الخطأ ولكنه لا يقودنا إلى الحقيقة، إنه يكتفى بأن يقول لنا إن هذه القضية غير صحيحة أو خاطئة لأنه لا يوجد لها آثار عملية، ولكنه لا يستطيع أن يحكم بصدق القضية اعتماداً فقط على أن لها آثاراً عملية". (هويدى، 1993، 160-161).
وتعد نظرة "وليم جمس" أكثر اتساعا من "جون ديوى"، حيث ربط بين صدق الحقيقة وبين نتائجها العملية المباشرة وغير المباشرة أيضاً، وذلك لكي يوسع من ميدان الفكرة أو الحقيقة البرجماتية، بحيث أنه لو كانت لدينا فكرة أو حقيقة لها نتائج عملية غير مباشرة فقط ولكن ليس لها نتائج مباشرة فيصعب علينا أن نستبعدها او ننكر وجودها.
إذن؛ فإن المعرفة لا تفهم مستقلة عن العمل الذى يحقق بها، فالمعرفة عند الإنسان ليست إلا شيئاً عارضاً فى سلسلة وقائع تنتهى بالعمل، وهذا العمل يراد به تغيير البيئة التى تخضع له، وتغيير صاحبه الذى يزاوله، ومن هنا كان العالم وكانت الطبيعة البشرية فى حركة متصلة لا تعرف السكون، وليست المعرفة إلا القوة الدافعة لهذا التغيير، ومن العبث أن نعتقد فى وجود تفكير نزيه مجرد من كل غرض، إن مثل هذا التفكير محض خرافة، وما دام الغرض الذى تهدف إليه المعرفة هو تغيير البيئة، فالمعرفة تكون صادقة متى نجحت فى تحقيق هذا الغرض، فتغيرت أحوال البيئة الاجتماعية طبقًا لأغراضنا فى تغييرها، ومن أجل هذا يقول الكثير من الباحثين ما أقرب الشبه بين "ماركس" و"ديوى". (زرزور، 1979، 44-45).
وتجدر الإشارة إلى ما قدمه "ريتشارد رورتى" فى إطار نظرية المعرفة، حيث كان فى آرائه ما يدعم المذهب البرجماتى بشكل غير مباشر، حيث كان استهدف فى كتاباته الانزياح من المقايسة إلى المحادثة، وفتح آفاق جديدة للبحث فى هذه النظرية، حيث يرى أن التصور الذى أسر تلك الفلسفات، هو النظر إلى العقل على أنه مرآة للعامل الخارجى؛ وهو ما يجعل "مهمتنا الرئيسية هى أن نعكس - كالمرآة - فى ماهيتنا الزجاجية، بصورة مضبوطة، العالم المحيط بنا"، فماهية الإنسان من وجهة نظره أنه "مرآوى" بمعنى أن ماهيته تكمن فى قدرته على التقاط الماهيات وعكسها وتمثيلها بشكل متطابق، وهذا لا يتنافى مع كون العالم موجود وجودا واضحًا متميزًا، له ماهية قابلة للمعرفة والتحديد بدقة، فقد يكون المنهج قاصرًا والأفكار مشوشة، وقد تكون الحواس خداعة أو يسيطر عليها شيطان ماكر، ولربما كانت مسلماتى مغلوطة، أو قد أكون ميتافيزيقيا بالمعنى السلبى، غارقًا فى الجدل العقيم، فاقدا للحس العلمى، أو وضعيا بالمعنى القدحي، مقدسا العلم تقديس السذج لا امتلك أساسا ميتافيزيقيا صلبا بإمكانه الوقاية من الابتذال" (رورتى، 2009، 469)
وتلخيصا لما سبق يرى البرجماتيون أن المعرفة الحقة هى التى تجسد منافع عملية للعارف وبناءً على هذا الأساس يمكن إيجاز مبادئ نظرية المعرفة لدى البرجماتيين فى ما يلى:
  1. المعرفة أداة للسلوك العملى.
  2. تكمن قيمة المعرفة فى العمل الذى تهدى إليه.
  3. كل معرفة لا تترجم إلى عمل هى وهم.
  4. تتكون الحقيقة أساسا من نتائج ومنافع عملية.
  5. كلما كانت المعرفة نافعه كلما زادت درجة الثقة فيها.
  6. منهج البرجماتيين يعتمد على الاستبعاد السلبى لكل المعارف غير العملية دون الاهتمام بالكشف عن الحقيقة.
  7. البرجماتية تعد منهجًا للحكم على الحقائق المعروضة أكثر من كونها بحثا فى طبيعة المعرفة بمعنى ان أصحاب هذا المذهب يطلقون حكما على الحقائق بعد تقييم النتائج المترتبة عليها.
مقارنة بين المذاهب الثلاث
المعيار المذهب المثالى المذهب الواقعى المذهب البرجماتى
علاقتها بالعارف المعرفة غير مستقلة ولا وجود لها بدون إدراك العارف لها المعرفة مستقلة وتدرك بحسب إمكانيات العارف المعرفة أداة عملية للسلوك بغض النظر عن صحتها
العقل والحس العقل هو السبيل الأول للمعرفة والادراك والحواس مشكوك بها العقل والحس والحدس سبل للإدراك أدوات لتطوير الحياة وليس لكسب المعرفة
مكونات الحقيقة بديهيات منطقية ومسلمات أولية تصورات عقلية مطابقة للواقع نتائج ومنافع عملية (الذرائع)
المعرفة التى يثقون بها هي المجردة وطريقها الاستدلال والمنطق والتحليل مستمدة من الواقع والخبرة اليومية وطريقها الملاحظة والاستقراء التجريبى النافعة وطريقها التطبيق العملى
الثبات المعرفة قبلية وثابته ويقينية المعرفة بعدية وسابقة على وجود البشر غير ثابته بل متغيرة بحسب مدى منفعتها
نوع المعرفة التى يهتمون بها الرياضية الطبيعية التطبيقية العملية
 
مقاربة تربوية
إن المعرفة عند المثاليين لابد وأن تنطلق من المسلمات العقلية المجردة، والتى يستحيل أن ينكرها البشر أى أن المعرفة تبنى على أسس ثابتة، ويتم استخلاص معارف جديدة من ربط المسلمات الأولية سلبا أو إيجابا، لذلك فهم يولون اهتماما بتعليم الاستدلال والتركيب والتحليل ، بينما المعرفة عند الواقعيين تعتبر الواقع ميدان لها فهى إذن تعتد بالحواس، وتثق فى المعرفة التى نكتسبها عن طريقها، لذلك تجد أن التعليم عندها يعتمد على الملاحظة والتصنيف والوصف بالإضافة إلى التركيب العقلى بمعنى جمع الجزئيات واستنتاج القوانين منها، وهى بذلك تستخدم الاستقراء والتجربة، والمعلم فى الفلسفة الواقعية لابد أن يستغل المواقف الحياتية والأحداث اليومية لاستخلاص المعارف، أما المعرفة عند البرجماتيين فهى تختبر عمليا قبل أن تمنح الثقة، وهى بذلك لا تحرص على المعارف التى تستخلص من ممارسات الحياة مالم تثبت نفعيتها فى المدى القريب، والسؤال الذى تهتم لإجابته هو ما هى التطبيقات العملية لهذه المعرفة وما مدى فائدتها للبشرية.
إن المذاهب الثلاث برغم اختلاف تصوراتهم عن المعرفة إلا أنهم لفتوا النظر إلى جانب من جوانب المعرفة، ومن وجهة نظر الباحثة يمكن التوفيق بين هذه المذاهب للخروج بفلسفة موحدة للمعرفة تعتمد على خلفية نظرية معتبرة وتؤمن بتباين التصورات واختلافها، فأفكار أفلاطون وإن تعارضت بعض الشىء مع أفكار أرسطو يمكن التوفيق بينها مع مراعاة إمكانية التطبيق، وضمان قدر من المنفعة وهى بذلك تؤسس لفلسفة توافقية تمنح المعرفة جانبا من العقل.
وبعد التأمل فى المذاهب الثلاثة وجدت الباحثة أن كل مذهب قد تبنى بعض الأفكار والتصورات التى فعلا توصل للحقيقة، وبرغم اختلاف طرقهم فى ذلك؛ إلا أن تفسيراتهم تعد من وجهة نظرهم ونظر المؤمنين بهم صحيحة، ولذلك يمكن أن نتبنى فلسفة توافقية فيما يخص المعرفة على وجه الخصوص ويمكن إيجاز مبادئها فيما يلى:
  1. المعرفة العقلية أكثر تعقيدًا من المعرفة الحسية وتستلزم نوعا من التأمل، وقدرًا من سلامة اللغة، والتركيب حتى يمكن التعبير عنها وتصل للآخرين فى مسارها الصحيح.
  2. المعرفة العقلية توصف بسهولة ولكن حين إثباتها لابد من استخدام المبادئ المنطقية التى تعبر عنها وتبرر لها.
  3. المعرفة العقليى تختص بالمعانى المجردة والتى ليس لها وجود ملموس فى الواقع سواء أكانت هذه المعانى تعبر عن قيم أو بديهيات، بينما المعرفة الحسية تختص بفهم ما يصل لإلينا من الواقع وندركه بحواسنا ويعبر عن ما هو كائن وموجود بالفعل، لذلك فإن معرفتنا بالماهيات - الصورة الكلية - تكون عقلية، بينما معرفتنا بالعوارض التى تنتج عن الماهية وتصفها - الصورة الظاهرية -  تكون حسية.
  4. إن المذهب البرجماتى فى مضمونه يتبنى الاتجاه الواقعى فالمنفعة التى تحصل من المعرفة ميدانها الواقع، وليس غيره؛ لذلك ومن وجهة نظرى لا يجدر الفصل فى طبيعة المعرفة بين المذهبين الواقعى والبرجماتى.
منهجية الدراسة
تقوم هذه الدراسة على المنهج الوصفى التحليلى لكونه من أكثر المناهج استخداماً فى دراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية، ولأنه يناسب الظاهرة موضوع الدراسة والذى يقوم على دراسة الواقع أو الظاهرة (أبو علام،2011: 259)، ويأتى استخدام هذا المنهج بغرض الوصول إلى وصف لطبيعة المعرفه المقدمة فى نظام التعليم  كما يراها طلبة الجامعات.
مجتمع الدراسة
يتمثل مجتمع الدراسة فى الطلاب والطالبات المقيدين والمنتظمين فى الجامعات السعودية الكبرى (جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الإمام عبدالرحمن فيصل)، والموزعة حسب المناطق الجغرافية فى كل من منطقة الرياض (الرياض)، ومنطقة مكة المكرمة (جدة)، والمنطقة الشرقية (الدمام)، حيث يبلغ إجمالى عدد الطلبة فى تلك الجامعة ما مقداره 112,403 طالب وطالبة، وذلك حسب إحصاءات وزارة التعليم للعام الدراسى 1436/1437هـ، كما هو موضح فى الجدول (1).
الجدول (1): مجتمع الدراسة
مجتمع الدراسة المنطقة الجغرافية حجم مجتمع الدراسة
الطلبة جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز الرياض (الرياض) 41.620
جامعة الملك عبدالعزيز مكة المكرمة (جدة) 47.171
جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل الشرقية (الدمام) 23.612
المجموع 3 112.403
المصدر: وزارة التعليم، إحصاءات التعليم الجامعى للعام الدراسى 1436/1437هـ
 
 

عينة الدراسة
حرصت الباحثتان على أن تكون العينة الخاضعة للدراسة ممثلة تمثيلاً جيدا لجميع فئات وشرائح مجتمع الدراسة، بحيث يشكل حجم عينة الطلبة على الأقل (0.5%) من إجمالى مجتمع الدراسة، وعليه فقد تم اختيار عينة عشوائية بسيطة بحجم (1.124) طالبة وطالبة، تشكل ما نسبته (1%) من إجمالى عدد الطلبة، وقد تم توزيع الاستبانة أداة الدراسة على جميع مفردات عينة الدراسة، إلا أنه تم استرداد (1.045) استبانة، تشكل ما نسبته (93%) من إجمالى الاستبانات الموزعة، وبعد تفحص ومراجعة الاستبانات المستردة من قبل المبحوثين تم استبعاد (113) استبانة لعدم صلاحيتها للتحليل الإحصائى، وذلك لعدم تحقيقها الشروط المطلوبة (كعدم الاستجابة عن كامل المعلومات العامة، أو عدم الاستجابة على ما يزيد عن 40% من فقرات الاستبانة، أو عدم الجدية فى الإجابة على الاستبيان)، وبذلك يكون عدد الاستبانات الخاضعة للدراسة فعليا هو (932) استبانة تشكل ما نسبته أكثر من (83%) من إجمالى الاستبانات الموزعة، كما تشكل أيضا حوالى (0.8%) من إجمالى مجتمع الدراسة، وهى نسبة جيدة ومرتفعة وصالحة لإجراء التحليل والوصول إلى النتائج المتعلقة بالظاهرة موضوع الدراسة، كما هو موضح فى الجدول (2).


أداة الدراسة المستخدمة
لتحقيق أهداف البحث قامت الباحثة ببناء وتطوير استبانة الدراسة مستفيدة من الأدبيات السابقة المشابهة واستشارة ذوى الخبرة والاختصاص فى هذا المجال سواء فى الحقل الأكاديمى أو المهنى، وتم تصميم الاستبانة بحيث تحتوى على مجموعة من الأسئلة الموجهة إلى الطلبة فى الجامعات السعودية المختارة.
وبهذا تكونت الأداة الدراسية من قسمين، هى كالآتى:
القسم الأول: بيانات أساسية (الكلية، الجنس، التخصص، المستوى الدراسى، الجامعة)
القسم الثانى: اشتملت أسئلة الاستبانة الأولية والتى تم توزيعها على المستجوبين على (21) لقياس المحور الدراسي الرئيس الأول، والمتمثل بـ "وجهة نظر الطلبة عن طبيعة المعرفة التى تقدم داخل الجامعات بالمملكة العربية السعودية"، ويتفرع عن هذا المحور ثلاثة محاور فرعية هى:
  • المعرفة المثالية، يشتمل على 8 عبارات.
  • الواقعية، يشتمل على 6 عبارات.
  • العملية، يشتمل على 7 عبارات.
اختبار مقياس الاستبيان
قامت الباحثة باستخدام مقياس ليكارت الخماسى (Scale Likert) لتحديد أوزان العبارات المخصصة لمعرفة اتجاه آراء المستجيبين حول مدى تأثر أنظمة التعليم ومؤسساته بنظرية المعرفة، ومدى استيعاب الطلبة السعوديين لتطبيقات هذه النظرية فى المملكة العربية السعودية، حيث يتكون مقياس ليكارت (الخماسى) من خمس درجات لتحديد درجة الأهمية النسبية لكل عبارة من عبارات الاستبانة، كما هو موضح فى الجدول (3).
الجدول (3): مقياس تحدد الدرجة أو الأوزان
درجة الموافقة بالنسبة للعبارات أوافق بشدة أوافق محايد غير موافق غير موافق بشدة
الدرجة أو الوزن (العبارات الإيجابية) 5 4 3 2 1
الدرجة أو الوزن (العبارات السلبية) 1 2 3 4 5
 
وبغرض تحديد اتجاه آراء المستجيبين (إيجابيا أو سلبيا أو حياديا) على أساس قيم المتوسط الحسابى، تم حساب المتوسط الحسابى (المتوسط المرجح) وفق مقياس ليكارت الخماسي، حيث حسبت طول الفترة على أساس أن الأرقام الخمسة (1، 2، 3، 4، 5) قد حصرت فيما بينها 4 مسافات، وبالتالى يمكن تحديد طول الفترة المستخدمة من حاصل القسمة (5/4)، أى حوالى (0.80)، كما هو موضح فى الجدول (4).
الجدول (4): مقياس تحديد الأهمية النسبية للوسط الحسابى
درجة الموافقة بالنسبة للعبارات المتوسط المرجح الأهمية النسبية (النسبة المئوية) مستوى درجة الاتجاه نوع الاتجاه
قليلة جداً من (1) إلى (1.79) 20 إلى أقل من 36 منخفضة جدا (-) سلبى
قليلة من (1.80) إلى (2.59) 36 إلى أقل من 52 منخفضة (-) سلبى
متوسطة من (2.60) إلى (3.39) 52 إلى أقل من 68 متوسطة (.) محايد
كبيرة من (3.40) إلى (4,.9) 68 إلى أقل من 84 مرتفعة (+) إيجابى
كبيرة جداً من (4.20) إلى (5) 84 فأكثر مرتفعة جدا (+) إيجابى
 
حيث تم جمع درجات الاستجابات على جميع عبارات الاستبانة البالغة (78) عبارة لتحديد الدرجة الكلية التى حصل عليها كل فرد من أفراد عينة الدراسة واعتبرت هذه الدرجة الأساس فى تحديد إيجابية التقييم أو سلبيته، وذلك بالمقارنة بالمدى النظرى لدرجات التقييم التى تتراوح بين (78- 390) درجة. واستناداً إلى ذلك فإن قيم المتوسطات الحسابية التى توصلت إليها الدراسة، سيتم التعامل معها لتفسير البيانات على النحو التالى: 

الجدول (5): قيم المتوسطات الحسابية المعتدة فى الدراسة لتفسير البيانات
منخفض متوسط مرتفع
(-) سلبى (.) حيادى (+) إيجابى
من 1 – 2.60 من 2.61 – 3.40 5-3.41
الوزن النسبى أصغر أو يساوى (52%) (52%)  >الوزن النسبى (68%) الوزن النسبى أكبر تماما من <  (68%)
 
          وبناءً على ذلك فإذا كانت قيمة المتوسط الحسابى للعبارات أكبر من (3.40) وكنسبة مئوية أكبر تماما من (68%), فيكون مستوى التقييم مرتفعاً، أمّا إذا كانت قيمة المتوسط الحسابى (2.61-3.40) وكنسبة مئوية ضمن المجال (أكبر تماما من 52% - أصغر أو تساوى 68%), فإنّ مستوى التقييم متوسط، وإذا كان المتوسط الحسابى أقل من (2.61) وكنسبة مئوية أصغر أو تساوى (52%), فيكون مستوى التقييم منخفضاً.
تحليل محاور الدراسة
تم استخدام اختبار (كا2) (Chi-Square Test)  لحسن المطابقة، لدراسة مدى اختلاف توزيع التكرارات الملاحظة عن التوزيع المتوقع فى فئات الاستجابة الخمس، والجداول التالية تحتوى على المتوسط الحسابى والانحراف المعيارى والوزن النسبى وقيمة (كا2) ومستوى الدلالة لكل عبارة، ويكون التوزيع الملاحظ مختلف عن التوزيع المتوقع إذا كانت قيمة (كا2) دالة إحصائيا أى إذا كانت أن قيمة مستوى الدلالة أو المعنوية تساوى أو أصغر من (>=0.05)، وهذا يعني أن استجابات أفراد عينة الدراسة تركزت فى فئة استجابة واحدة على الأقل. أما إذا كانت قيمة مستوى الدلالة أو المعنوية أكبر من (<=0.05)، فهذا يعنى أن التوزيع الملاحظ يطابق التوزيع المتوقع.
ومن خلال تحليل عبارات سؤال  الدراسة الرئيس "ما هى وجهة نظر الطلبة حول طبيعة المعرفة المقدمة داخل الجامعة" وجدت الباحثتان مايلى:
يشير الجدول (6)، إلى النتائج التى تم التوصل إليها فيما يتعلق بالتعرف على وجهة نظر الطلبة حول طبيعة المعرفة المقدمة داخل الجامعات بالمملكة، حيث أظهرت النتائج أن هناك تقييمًا مرتفعًا وإيجابيًا لرأى الطلبة اتجاه طبيعة المعرفة المقدمة داخل جامعاتهم، فقد بلغ المتوسط الحسابى لجميع عبارات المحور الرئيس ما مقداره (3.67)، وبمتوسط حسابى نسبى (73.4%).
وتتضمن عبارات هذا التساؤل، ثلاثة محاور فرعية هى كالآتى:










  • المحور الفرعى الأول "المعرفة المثالية"، يتضمن هذا المحور 8 عبارات، وجاء فى الترتيب الأول من بين المحاور الفرعية الثلاثة، حيث بلغ إجمالى المتوسط الحسابى لها (3.75)، وبمتوسط حسابى نسبى (75%)، أى أن هناك تقييمًا مرتفعًا وإيجابيًا لرأى الطلبة اتجاه طبيعة المعرفة المقدمة داخل جامعاتهم من الناحية المثالية.
  • المحور الفرعى الثانى "الواقعية"، يتضمن هذا المحور 6 عبارات، وجاء فى الترتيب الثالث من بين المحار الفرعية الثلاث، حيث بلغ إجمالى المتوسط الحسابى لها (3.49)، وبمتوسط حسابى نسبى (69.8%)، أى أن هناك تقييمًا مرتفعًا وإيجابيًا لرأى الطلبة اتجاه طبيعة المعرفة المقدمة داخل جامعاتهم من الناحية الواقعية.
  • المحور الفرعى الثالث "العملية"، يتضمن هذا المحور 7 عبارات، وجاء فى الترتيب الثانى من بين المحار الفرعية الثلاث، حيث بلغ إجمالى المتوسط الحسابى لها (3.72)، وبمتوسط حسابى نسبى (74.4%)، أى أن هناك تقييمًا مرتفعًا وإيجابيًا لرأى الطلبة اتجاه طبيعة المعرفة المقدمة داخل جامعاتهم من الناحية العملية.
واستنادا إلى البيانات التى تضمنها الجدول (6) نجد أن العبارة رقم (7) والتى تتضمن إلى أى مدى "الكتب الجامعية هى الأوعية التى تقدم فيها المعارف بالجامعة"، جاءت فى المرتبة الأولى وبمتوسط حسابى بلغ (4.13) وانحراف معيارى (0.648) وبمستوى تقييم مرتفع، وجاءت العبارة رقم (8) فى المرتبة الثانية والتى تتضمن "الاختبارات محصورة فى الكتب التى يحددها عضو هيئة التدريس"، وبمتوسط حسابى بلغ (4.10) وانحراف معيارى (0.776) وبمستوى تقييم مرتفع،  كما جاءت العبارة رقم (12) والتى تتضمن إلى أي مدى "يتم الاستشهاد بالأحداث الواقعية أثناء تقديم المعرفة فى المحاضرات"، فى المرتبة الثالثة وبمتوسط حسابى بلغ (4.06) وانحراف معيارى (0.866)، وبمستوى تقييم مرتفع، أما فى المرتبة ما قبل الأخيرة والأخيرة فقد جاءت كل من العبارتين (14) والتى تتضمن إلى أى مدى "المقررات الجامعية مرنة تواكب القضايا الواقعية فى المجتمع" والعبارة (13) والتى تتضمن إلى أى مدى "تتضمن الاختبارات أسئلة عن الأحداث المستجدة فى المجتمع"، وبمتوسط حسابى بلغ (3.29) و(3.16) على التوالى، وبمستوى تقييم متوسط.
        كما يظهر الجدول (7)، توزيع الطلبة حسب رأيهم فى ماهية "الأسلوب الذى تقدم به معظم المعارف داخل القاعات الدراسية فى كلياتهم"، حيث تظهر النتائج أن أكثر من ثلث الطلبة المبحوثين (38.8%) يرى أن "أسلوب المناقشة والحوار" هو الأسلوب المتبع فى تقديم المعارف داخل القاعات الدراسية فى كلياتهم، كما أن (25.3%) من إجمالى الطلبة المبحوثين، أي حوالي ربع الطلبة يرى أن الأسلوب المتبع هو "أسلوب التلقين"، فى حين نجد أن (14.2%) من الطلبة يرى أن الأسلوب المتبع فى تقديم المعارف داخل القاعات الدراسية فى كلياتهم، هو مزيج بين أسلوب التلقين وأسلوب المناقشة والحوار.
جدول (7): الأسلوب الذى تقدم به معظم المعارف داخل القاعات الدراسية فى كلية الطالب
البيان Frequency Percent
المناقشة والحوار 362 38.8
التلقين 236 25.3
التلقين والمناقشة والحوار 132 14.2
التطبيق العملى والمناقشة والحوار 54 5.8
التطبيق العملى 39 4.2
التلقين والتطبيق العملى والمناقشة والحوار 32 3.4
كل ماذكر 21 2.3
التلقين والتطبيق العملى 19 2.0
التطبيق العملى والمناقشة والحوار والتجربة 11 1.2
التلقين والتطبيق العملى والتجربة 7 0.8
التطبيق العملى والتجربة 6 0.6
التجربة 4 0.4
التلقين والتجربة 3 0.3
التلقين والمناقشة والحوار والتجربة 3 0.3
المناقشة والحوار والتجربة 3 0.3
الإجمالى 932 100.00
 
مناقشة النتائج
تشير نتائج هذه الدراسة فى مجملها إلى أن طبيعة المعرفة التى يقدمها نظام التعليم الجامعى فى المملكة العربية السعودية من وجهة نظر طلاب الجامعة متنوعة بين المثالية والواقعية والعملية، وهذا يتفق مع الاتجاهات الفلسفية التى تناولتها نظرية المعرفة فيما يخص طبيعة المعرفة الإنسانية، وتظهر نتائج الدراسة أن نسبة موافقة الطلبة على مؤشرات المعرفة المثالية تأتى متقدمة على المعرفة العملية، والمعرفة العملية متقدمة على الواقعية، ورغم أن التفاوت متقارب بين متوسطات طبيعة المعرفة المثالية والعملية إلا أنه يزيد بين الواقعية وبينهما، وقد قاد تقدم المعرفة المثالية نسبة الموافقه العالية على كون الكتب الجامعية هى الأوعية التى تقدم فيها المعارف الجامعية بالإضافة إلى أن الاختبارات فى النظام الجامعي تنحصر فى الكتب التى يحددها عضو هيئة التدريس، فقد احتلت هاتين العبارتين المركزين الأول والثانى، بينما كانت أقل نسبة موافقة على مؤشري المعرفة الواقعية: تضمين الاختبارات أسئلة عن الأحداث المستجدة فى المجتمع، ومرونة المقررات ومواكبتها الواقع، كما 38.8% من الطلبة يرون أن الأسلوب الذى تقدم به معظم المعارف داخل القاعات الدراسية فى كلياتهم هو أسلوب المناقشة والحوار فقط، بينما 25.3% منهم يرون ان أسلوب التلقين فقط هو الأسلوب المعتمد لتقديم المعرفة، بالإضافة إلى موافقة نسبة 40% من الطلبة المبحوثين على كون الكتب والإنترنت هى ما يعتمد عليه عضو هيئة التدريس فى تقديم المعرة، ونسبة 13.3% على اعتماد عضو هيئة التدريس على الحجج العقلية، بينما نسبة 10% يرون اعتماده على التطبيق العملي، و6% يؤيدون اعتماده على الخبرات الحسية. واستنادا لهذه النتائج يظهر أن التعليم الجامعى السعودى متأثر بالفلسفة المثالية ويعتمد على الأوعية الجاهزة للمعرفة، ويقيم الطلبة على مضامينها، ويقدم المعرفة فى القاعات الدراسية بالاعتماد على أسلوب المناقشة والحوار أو التلقين، بالإضافة إلى أنه يبتعد عن المرونة ومواكبة الواقع.
وهذا التأثر يستوجب تأهيلاً عاليًا للكوادر التعليمية ومراجعة دقيقة للكتب الجامعية بالإضافة إلى منح الطالب فرصة لتحليل النصوص والتأمل فيها، كما أنه يستوجب التوجه إلى أنظمة تعليمية أكثر انفتاحا على بيئة الطالب وأساليب تدريس أكثر تنوعا ومقررات مرنة واقعية تستخدم فيه الحواس وتدعم بتطبيقات عملية، بما يضمن المزج المثمر والعادل بين طبيعة المعرفة لدى الفلسفات الثلاث (المثالية والواقعية والعملية).

قائمة المراجع
أولاً: المراجع العربية
  • أبو علام، رجاء محمود.(2011). مناهج البحث فى العلوم النفسية والتربوية. القاهرة: دار نشر الجامعات.
  • أفلاطون، أرستوكليس (1958) المثل العقلية، تحقيق عبد الرحمن بدوى، بيروت: دار القلم.
  • باركلى، جورج (2015) المحاورات الثلاث بين هيلاس وفيلونوس، ترجمة يحيى هويدى، القاهرة: المركز القومى للترجمة. (العمل الأصلى نشر فى عام 1713)
  • بدوى، عبد الرحمن (1979). مدخل جديد إلى الفلسفة، ط3، الكويت: وكالة المطبوعات.
  • حسين، سلامة. (2006م). اتجاهات حديثة فى الإدارة المدرسية الفعالة.عمّان: دار الفكر.
  • الدغشى، أحمد. (2004). نظرية المعرفة فى القرآن وتضميناتها التربوية. دمشق: دار الفكر.
  • رورتى، ريتشارد (2009) الفلسفة ومرآة الطبيعة، ترجمة: حيدر حاج إسماعيل، مراجعة: ربيع شلهوب، بيروت: المنظمة العربية للترجمة.
  • زرزور، عدنان، (1979) مقالة فى المعرفة، دمشق: مكتبة دار الفتح.
  • زكريا، فؤاد، (2005) نظرية المعرفة والموقف الطبيعى للإنسان، الإسكندرية: دار الوفاء.
  • س. رابوبرت، (1979) مبادئ الفلسفة، ترجمة أحمد أمين، بيروت: دار الكتاب العربى.
  • طاهر، محمد م(حمد (1983) نقد المذهب التجريبى، بيروت: دار الزهراء للطباعة والنشر.
  • الطويل، توفيق (1979) أسس الفلسفة، ط ٧،  القاهرة: دار النهضة العربية.
  • على، سعيد إسماعيل، (1995) فلسفات تربوية معاصرة، الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب.
  • الفارس، جاسم. (2008،ابريل). الاقتصاد الإسلامى فى إطار نظرية المعرفة الإسلامية. ورقة مقدمة فى المؤتمر العالمى السابع للاقتصاد الإسلامى. جدة. جامعة الملك عبدالعزيز.ص 407-425.
  • الكردى، راجح ( ٢٠٠٤ ). نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة، الكتاب الأول: المعرفة بين الشك واليقين، ط ٢، عمان: دار الفرقان.
  • كرم، يوسف، (1979) تاريخ الفلسفة الأوربية فى العصر الوسيط. دار القلم، بيروت.
  • لوك، جون (1975) الحكومة المدنية وصلتها بنظرية العقد الاجتماعى لجان جاك روسو، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر.
  • مطلق، حسين علوان (2010) جمع البيانات وطرق المعاينة، الرياض، العبيكان.
  • النشار، مصطفى (2001). نظرية المعرفة عند أرسطو. ط4. القاهرة: دار قباء للنشر.
  • هوسرل، إدموند (2011) أفكار ممهدة لعلم الظاهريات الخالص وللفلسفة الظاهراتية، ط1، ترجمة أو يعرب المرزوقى، لبنان، جداول للنشر والتوزيع. (العمل الأصلى نشر عام 1976)
  • هويدى، يحى (1993) مقدمة فى الفلسفة العامة، القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر.
  • وطفة، على أسعد. (2001). التربية العربية بين حداثتين بحث فى إشكالية الحداثة التربوية. مجلة شؤون عربية، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. العدد107. 173-197.
  • ول ديو رانت (1988) قصة الفلسفة – من أفلاطن إلى جون ديوى، ط7، ترجمة: فتح الله المشعشع، بيروت،  مكتبة المعارف.
ثانيًا: المراجع الأجنبية
  • Sandoval, William (2014). Science Education’s Need for a Theory of Epistemological Development. University of California. SCIENCE EDUCATION.Vol. 98, No.3, pp 383–387.
  • Russell, (1974) History of Western Philosophy, London.
  • Wroght, G.H.V., (1957) The Logical Problem of Induction, New York
  • Hobbes. T (1642) de cive ou les fondements de la politique.

المزيد من الدراسات